النظام الباكستاني بين الإسلاميين والأمريكيين: خياران أحلاهما مرّ

08-11-2006

النظام الباكستاني بين الإسلاميين والأمريكيين: خياران أحلاهما مرّ

الجمل:  وصل الوضع في باكستان إلى ما يعرف بنقطة الانقلاب الحرج والتي أصبح نظام الرئيس برويز مشرف عندها في مواجهة –كما يقولون- (أمرين أحلاهما مر).
قاطرة السياسة الباكستانية كانت تلازمها دائماً الكثير من المحطات الحرجة وبالمقابل لم يتوانى ولم يقصر زعماء الحكومات الباكستانية عن هواية اللعب بالأوراق الخطرة.
عند حدوث التدخل الشيوعي السوفييتي في أفغانستان كان أمام النظام الباكستاني آنذاك إما دعم الأجندة الأمريكية أو الامتناع عن دعمها ومن ثم مواجهة خطر الدعم الأمريكي للهند وللمعارضة الباكستانية وكان أن اختاروا دعم الأجندة الأمريكية وحلفاءها الإسلاميين المعارضين للنظام.
• بعد أحداث الحادي عشر من أيلول.. كان أمام النظام الباكستاني إما دعم التدخل العدواني الأمريكي ضد حلفائه الإسلاميين في حركة طالبان الأفغانية، أو مواجهة الخطر الأمريكي وكان أن ختار النظام الباكستاني التحالف مع العدوان الأمريكي.
وقبل أن نحدد مأزق الخيار الجديد الذي أصبح يواجهه النظام الباكستاني، تجدر الإشارة إلى الآتي:
* خصائص توازن القوى داخل المسرح الأفغاني استطاعت حركة طالبان تجميع زخم قوتها وأصبحت تسيطر على ثلثي مساحة أفغانستان أما الوجود العسكري الأمريكي فقد طبقت الإدارة الأمريكية والبنتاغون المخطط الأمريكي (المعروف والذي يعتمد على قاعدة أن تقوم أمريكا بصناعة الأزمات والمشاكل وتأخذ الفوائد ثم تقوم بجعل حلفائها الآخرين يدفعون التكاليف والخسائر) بتقليص الدور النوعي الأمريكي مقابل توسيع الدور النوعي لحلفاء أمريكا وحالياً أصبحت قوات حلف الناتو تقوم بالمهام القتالية أما الأمريكيين فيقتصر دورهم على عمليات الإدارة والإشراف والقيادة وتزويد قوات الناتو بالمعلومات الاستخبارية مثل صور الأقمار الصناعية وما شابه ذلك.
* خصائص توازن القوى خارج الساحة الأفغانية: على الصعيد الإقليمي أصبحت كل دول آسيا الوسطى تقف على الحياد ازاء الصراع الأفغاني وفي نفس الوقت تعمل على دعم روسيا لإخراج القواعد الأمريكية من أراضيها خاصة أوزبكستان التي تورطت في علاقات عسكرية مباشرة مع أمريكا عندما دعمت ما يعرف بفصيل (قوات الشمال) الأفغاني الذي يقوده الجنرال عبد الرشيد دوستم أما إيران فهي في حالة عداء سياسي ساخن مع أمريكا وفي نفس الوقت تشن حرباً باردة ضد نظام كرازاي الأفغاني المنصب امريكياً كذلك الهند أصبحت تدعم التوجهات الأمريكية وتحاول الاثبات عملياً لأمريكا وحلفائها باعتبارها الاقدر على محاربة الاصولية الإسلامية من عموم شبه القارة الهندية.
أما على الصعيد الدولي فقد أصبح واضحاً أن القوى الكبرى المؤيده لأميركا مثل بريطانيا والمانيا وايطاليا ودول الناتو الأخرى قد أصبحت متورطة تماماً في الصراع الأفغاني بينما القوى الكبرى الأخرى، متمثلة في روسيا والصين، فقد بات واضحاً أن إتباعها لاسلوب الصمت والتجاهل ازاء الصراع الأفغاني يهدف إلى رغبتها في جعل أمريكا وحلفائها يتورطون في هذا الصراع بما يفقدهما الكثير من التكاليف والخسائر الباهظة وذلك على النحو الذي يضعف وزن ومركز ثقل معسكر أمريكا وحلفائها في توازن النظام الدولي كذلك يستفيدان من ميزة كسب واستغلال وتوظيف عنصر الوقت وذلك لأن عدم انشغال أمريكا بملفات العراق وافغانستان والشرق الأوسط وغيرها يمكن قراءته على مبدأ القاعدة القائلة : اترك عدوك ينشغل بغيرك لأنه إن تفرغ فسوف ينشغل بك وهو ما لا تريده الصين أو روسيا على الأقل في الوقت الحالي.
الآن الميزان الكلي للصراع الافغاني أصبح يشير إلى نقطة انقلاب مزدوجة تتمثل في الآتي:
• على المسار الافغاني حدث صعود لصالح محور طالبان- القاعدة مقابل تراجع أمريكي مصحوب بتورط حلف الناتو في مستنقع النزاع الحالي.
• على المسار الباكستاني: اصبح نظام برويز مشرف أمام خيارين:
الأول: دعم توجهات محور الناتو – أمريكا من جهة ومن الجهة الاخرى مواجهة تمرد القبائل والجماعات الإسلامية الداخلية والتي اصبحت تسيطر على معظم الشارع الباكستاني.
الثاني: الرضوخ لرغبة الشارع الباكستاني والتخلي عن دعم محور الناتو أمريكا من جهة ومن الجهة الأخرى مواجهة خطر المواجهة مع أمريكا والناتو.
وبين هذا وذاك حاول نظام الرئيس برويز مشرف الباكستاني القيام بلعبة أكثر خطورة تمثلت بتطبيق سياسة الهروب إلى الأمام في كل المحاور.
وقد حاول النظام الباكستاني القيام بذلك عن طريق الآتي:
• عدم معارضة التدخل الأمريكي.
• عدم معارضة تدخل الناتو.
• اللجوء إلى التفاوض مع حركة طالبان لاقناعها بالتخلي عن الارتباط بتنظيم القاعدة والقبائل الباكستانية.
• توجيه الانتقادات لحكومة كرازاي الأفغانية في محاولة لاقناع محور الناتو أمريكا للتخلي عنها واستبدالها عن طريق تنفيذ (انقلاب قصر) أفغاني.
• ضرب مناطق القبائل الأفغانية تحت ذريعة العمل من اجل ضرب بنيات تنظيم القاعدة التحتية الموجودة في باكستان.
الاستراتيجية المعقدة التي اتبعها النظام الباكستاني أدت بالمقابل إلى خلق المزيد من النتائج المعقدة فقد تصاعدت المعارضة الشعبية ضد النظام الباكستاني  واصبحت على مايبدو تلوح في الأفق بوادر لعبة جديدة يحاول القيام بها محور الناتو أمريكا وتقف وراءها إسرائيل وهي اطروحة تقول بأن على أمريكا دعم عملية  الاطاحة ببرويز مشرف بحيث تتخذ من خطر استيلاء الإسلاميين على السلطة في باكستان ذريعة تستند إليها في تنفيذ عملية الاستيلاء على ترسانة الأسلحة النووية الباكستانية الوليدة بواسطة القوات الأمريكية الموجودة في باكستان حالياً (وذلك لأن إسرائيل تعارض بالأساس وجود أي أسلحة نووية في دولة إسلامية) ثم تسحب أمريكا وحلفاءها من المنطقة بالكامل تاركة باكستان وافغانستان تواجهات وحدها محرقة العنف الطائفي الإثنو سياسي.

الجمل: قسم الترجمة والدراسات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...