طرابلس: 12 قتيلاً وأكثر من 120 جريحاً

23-05-2013

طرابلس: 12 قتيلاً وأكثر من 120 جريحاً

يشي المشهد الطرابلسي بأن عاصمة لبنان الثانية، دخلت في موت سريري، فقياداتها وتياراتها السياسية عاجزة تماما عن السيطرة على المجموعات المسلحة التي نمت وكبرت في كنف بعضها ومن ثم خرجت عليها، وهيئاتها الاسلامية منشغلة بالداخل السوري وبما يجري في القصير من دون أن تنجح في تحييد مدينتها وأهلها عن حمم بركانها، ومجتمعها المدني منقسم على نفسه، وهو قدم مساء أمس أسوأ صورة ممكنة عن الحالة المدنية في طرابلس، وذلك عندما تجاوز الخطر الأمني الذي يهدد طرابلس في كيانها ووجودها وسلامة أبنائها، ودخل في تجاذبات مزقته الى ثلاث مجموعات صغيرة غير فاعلة، أقامت كل منها اعتصاما في مكان منفصل عن الآخر.
أما الدولة اللبنانية، فهي الغائب الأبرز حتى الآن، حتى أن الطرابلسيين بدأوا يلمسون لمس اليد أنهم مصنفون في هذه الدولة كمواطنين من الدرجة الثانية، فمدينتهم تقصف والمجموعات المسلحة تتحكم برقاب العباد، والاقتصاد بات على حافة الانهيار، ولا من اجتماع لمجلس الدفاع الأعلى، أو حتى على مستوى مجلس الأمن الفرعي، ولا زيارة ولو شكلية لوزيري الدفاع أو الداخلية للمشاركة في جانب من الاتصالات الهادفة لوقف النزف.
وكانت طرابلس شهدت ليل أمس الأول معارك هي الأعنف في تاريخ جولات العنف التي مرّت عليها منذ العام 2008 وأعادت الى الأذهان ذكريات حروب طرابلس في العام 1985، خصوصا أنه وللمرة الأولى، سجل انسحاب الجيش اللبناني من أكثرية المحاور وخطوط التماس التي تركت سائبة تحت رحمة المتقاتلين الذين استخدموا الأسلحة الرشاشة الثقيلة والمتوسطة والقذائف الصاروخية وقذائف الهاون من عيار 80 و120 ملم والتي سقطت في أماكن متعددة ولم توفر حتى عمق المدينة.
وشهدت خطوط التماس اشتباكات عنيفة وعمل المسلحون على تنفيذ اقتحامات هي الأولى من نوعها لا سيما عند محوري البقار ـ جبل محسن، والمنكوبين ـ جبل محسن، فيما كانت غزارة النيران والقنابل والقذائف الصاروخية تلف كل المحاور من البقار والريفا والمنكوبين، مرورا بالشعراني والأميركان والسيدة والبرانية وطلعة العمري وسوق الخضار، وصولا الى البازار، ستاركو، الشيخ عمران، بعل الدراويش، والملولة.
وقد أدى ذلك الى محاصرة المنطقة بكاملها بزنار من حديد ونار حال دون قدرة الأهالي على الخروج من منازلهم هربا من جحيم الاشتباكات، فلجأوا الى الطبقات السفلية، نظرا لعدم وجود ملاجئ في تلك المناطق وهي إن وجدت فانها مغمورة بالمياه الآسنة وتجتاحها القوارض والزواحف.
وعند الخامسة من فجر أمس، خفت حدة الاشتباكات، واستمرت أعمال القنص التي قطعت كثيرا من أوصال المدينة، بينما سجل انفجار عدد من القذائف في الجو لا سيما في مناطق الجامع الكبير وحي الكنائس والقلعة ما أثار حالة من الرعب اجتاحت أرجاء المدينة وعطلت حركتها الصباحية لليوم الرابع على التوالي، ولم يسلم مندوبو وسائل الاعلام فتعرضوا قرب مستديرة أبو علي حيث يتجمعون الى إطلاق نار أصاب كاميرا قناة «الجزيرة» برصاصات عدة أدت الى تحطيمها.
وأدت الليلة الساخنة التي عاشتها طرابلس الى تزايد عدد الضحايا الى 12 قتيلا وأكثر من 120 جريحا.
وعلى وقع المناوشات المتقطعة وأعمال القنص المستمرة، استؤنفت الاتصالات السياسية والأمنية لوضع حد للتدهور الذي شهدته طرابلس وعدم تكرار سيناريو الليلة الماضية، وانتظر أبناء المدينة الاجتماع المقرر عقده في منزل النائب محمد كبارة للقيادات السياسية والمشايخ وقادة المحاور للبحث في كيفية الوصول الى قرار لوقف إطلاق النار، لكن هذا الاجتماع لم يعقد بسبب صعوبة خروج قادة المحاور، واستعيض عنه باجتماع في دارة الوزير أحمد كرامي ضم أحمد الصفدي ممثلا الوزير محمد الصفدي، والنائبين محمد كبارة وسمير الجسر، وانضم اليهم رئيس فرع مخابرات الجيش في الشمال العميد عامر الحسن وجرى البحث في كيفية التوصل الى حل يوقف جولة الاقتتال العبثية.
وبالتزامن، عقد المكتب السياسي للحزب العربي الديمقراطي اجتماعا في جبل محسن وأبلغ الناطق الاعلامي عبد اللطيف صالح «السفير» قرار الحزب بضبط النفس ودعوة مناصريه الى الهدوء، وترك معالجة الأمور الى الجيش اللبناني.
وبعد الظهر وفيما كانت الاشتباكات على المحاور تعنف حينا وتتراجع أحيانا، انتقل النائب محمد كبارة يرافقه العقيد المتقاعد عميد حمود والشيخان بلال بارودي ونبيل رحيم الى التبانة والتقوا بعدد من قادة المحاور في قاعة مسجد حربا، وقد شدد كبارة على ضرورة التهدئة وترك المعالجات للجيش اللبناني.
وطرح عدد من الكوادر مسألتين في الاجتماع، الأولى: تهديد «الحزب العربي الديموقراطي» لأكثر من نصف مليون مواطن طرابلسي يقطنون في المدينة، وقصفه العشوائي الذي طال عمق طرابلس للمرة الأولى منذ العام 1985، والثانية، قيام عدد من عناصر الجيش اللبناني بفتح النار بشكل عشوائي باتجاه التبانة، وشدد «الكوادر» وفق المعلومات التي توافرت لـ«السفير»، على ضرورة فتح صفحة جديدة بين الجيش والأهالي من خلال ترطيب الأجواء بينهما، لافتين الى أن كل كوادر التبانة والأهالي بذلوا مجهودا مضنيا لتسهيل مهمة انتشار الجيش فجر أمس الأول، لكن الأمور انهارت بشكل دراماتيكي.
وعلمت «السفير» أن قيادة المخابرات في الجيش استدعت عددا من قادة المحاور في التبانة والقبة والمنكوبين، كما أجرت اتصالات بمسؤول العلاقات السياسية في «العربي الديموقراطي» رفعت عيد، وطلبت من الجميع الالتزام بالتهدئة وعدم الدخول في مغامرات لا تحمد عقباها.
لكن الأمور الميدانية بقيت على حالها، حيث ارتفعت وتيرة تبادل النار والقذائف الصاروخية بعد أذان المغرب وبقيت متقطعة حتى ساعات متقدمة من ليل أمس.
وعبر المجتمع المدني عن رفضه للاقتتال السائد في طرابلس، ونفذ ثلاث اعتصامات أمام سراي طرابلس وعند ساحة عبد الحميد كرامي وفي طريق الميناء، وأصدرت هيئات المجتمع المدني بيانا أدانت فيه الجهات والاجهزة المحلية والخارجية التي تقوم بتغذية القتال داعية رئيس الجمهورية الى ترؤس مجلس الدفاع الأعلى في طرابلس وإعلان حالة الطوارئ.
ورأى النائب السابق مصباح الأحدب ان ما يجري في طرابلس «من حرب مفتوحة على يد ميليشيا رفعت عيد هدفه حرف الانظار عن التدخل السافر لحزب الله في القصير».

غسان ريفي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...