موسكو وواشنطن بين الربح التكتيكي والخسارة الاستراتيجية

17-03-2013

موسكو وواشنطن بين الربح التكتيكي والخسارة الاستراتيجية

في عملية احتساب للربح والخسارة أجراها دبلوماسي شرقي بعد مرور سنتين على اندلاع الحرب في سوريا، فنّد ما وصفه بالخسارة الاستراتيجية والربح التكتيكي لكل من دول المحاور المعنية بالازمة وتفاصيلها الكثيرة والمتشعبة والمعقدة بحسب تعبيره، معتبرا أنّ ما تصفه واشنطن بـ"محور الشر"، أي إيران وسوريا و"حزب الله"، تمكن من إرساء معادلة واضحة عنوانها الصمود في وجه الهجمة الاممية وإحباط محاولات تفتيت هذا المحور والقضاء على أذرعه العسكرية الممتدة على طول العالمين العربي والاسلامي. ويعني ذلك بشكل أو بآخر "الانتصار" على المحور الغربي برمته، فمفهوم الربح والخسارة في عالم الدبلوماسية الساخنة يعني إعلان الهدف ومن ثم العمل على تحقيقه. وطالما أنّ الغرب بمروحة تحالفاته الاقليمية الواسعة انطلق من سقف إسقاط النظام بشخص الرئيس بشار الأسد، فإنّ صموده بوجه الهجمة الدولية يعني هزيمة دبلوماسية للأول ونصر معنوي أقله بعد اندلاع الحرب بسنتين للثاني، وتاليا فإنّ ما تخلفه من دمار يندرج في خانة النتائج المباشرة ولكن غير المؤثرة والتي لا يعول عليها في التسويات والمفاوضات.
في الحسابات الاستراتيجية، يعتبر الدبلوماسي أنّ الولايات المتحدة خرجت من العراق من دون أن تدخل الى سوريا، وإن كانت قد تمكنت من إدخال أدواتها إلى عمق الميدان الذي يبقى دائما في إطار الحسابات التكتيكية، بينما حققت روسيا حلما راود حكامها منذ قرون، ومنذ عهد القيصر بطرس الاكبر، وهو إيجاد موطئ قدم ثابت في المياه الدافئة، أي مياه المتوسط، وهي أيضا ما كانت تعتبره الامبراطورية العثمانية "خط الحرير"، أي ذلك الممتد على ساحل المتوسط حتى اوروبا. وانطلاقا من هنا، فإنّ ما حققته موسكو حتى الآن هو الربح الاستراتيجي بعينه لاسباب معروفة وهي أنّ أسطولها لن يخرج من المياه الدافئة في المدى المنظور، بل بالعكس تماما، فإنّ تعزيزاتها لمواقعها ظاهرة بوضوح ولا مجال لمقاربتها بالواقع الميداني العام.
وبالنسبة لباقي دول المحور الغربي على غرار الاتحاد الاوروبي وتركيا ودول الخليج العربي، فحدّث ولا حرج، كما يقول الدبلوماسي نفسه، الذي يلفت إلى أنّ ما ينطبق على الحسابات الأميركية يمكن تعميمه على الدول الأوروبية بيد أنه يلاحظ أنها لم تكن اقل اندفاعا من واشنطن، بل على العكس شكلت رأس حربة لاسقاط النظام السوري لا سيما في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. وبالتالي، يشير الدبلوماسي إلى أنّها خرجت من المنطقة الشرق الأوسطية، مفسحة في المجال أمام روسيا لملء الفراغ الذي خلفته لا سيما على الصعيد المسيحي، حيث بدأت هذه المجموعات المحسوبة تاريخيا وجيوسياسيا على فرنسا تتطلع الى موسكو وكرسي الكنيسة الشرقية والارثوذكسية. وبالنسبة لتركيا، يستخدم الدبلوماسي التعبير نفسه "حدّث ولا حرج"، أكان على المستويات السياسية الاساسية على غرار تحريك الملف الكردي، ويلفت إلى أنه من أشدّ الملفات حساسية بالنسبة لأنقرة، والخسائر المالية والاقتصادية كبيرة للغاية وهي تحتسب بمليارات الدولارات بعد اقفال طريق الترانزيت الذي يمر عبر الاراضي السورية.
غير أنّ الخسارة الاكبر، وفقا للدبلوماسي نفسه، يمكن أن تقع على الدول الخليجية المتحالفة سياسيا وعضويا مع واشنطن، بيد أنه يشير إلى أنّ انزلاق هذه الدول في متاهات الازمة السورية وزواريبها الميدانية حوّلها إلى هدف تكتيكي مباشر لايران الرابضة على حدود الخليج العربي والمتحكمة بالخليج الفارسي، على حدّ التعبير، حيث أصبحت المعادلة بقاء الرئيس السوري بشار الاسد يساوي رحيل الانظمة المتورطة، والعكس صحيح.
ويخلص الدبلوماسي إلى أنّ ما يدفعه لهذه القراءة في هذا الوقت بالذات هو ما يلمسه من تراجع استراتيجي في المواقف الاميركية، وآخرها تمنيات خارجيتها برؤية الرئيس بشار الاسد الى طاولة الحوار مع المعارضة، وذلك من دون شروط مسبقة، وهذا بحد ذاته استسلام للامر الواقع والتسليم بالدور الروسي الجديد، على حدّ تعبير المصدر نفسه.

أنطوان الحايك: النشرة اللبنانية

 

 

 

 

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...