«حزب الكنبة» هوالمنقذ والإخوانو ـ فوبيا تتمدد في المجتمع المصري

08-01-2014

«حزب الكنبة» هوالمنقذ والإخوانو ـ فوبيا تتمدد في المجتمع المصري

... إذاً هي الحرب!
العبارة الشهيرة للفنان الراحل أحمد مظهر في فيلم «الناصر صلاح الدين» (إخراج يوسف شاهين ــ 1963) رددها أحد الصحافيين الشبان في أحد المقاهي الشعبية في القاهرة على سبيل المزاح، لكنها عكست في الواقع طبيعة المعركة بين النظام المنبثق من «ثورة 30 يونيو» وجماعة «الإخوان المسلمين».
هي حرب يستخدم فيها الطرفان ما ملكت أياديهما من أسلحة: يدرك «الإخوان المسلمون»، ومن معهم في التحالف الإسلامي المؤيد للرئيس المعزول محمد مرسي أن أعمال العنف في الشارع تجعل طريق المرحلة الانتقالية مزروعاً بألغام يبدو «العهد الجديد» مربكاً في عملية تفكيكها. وفي المقابل، تدرك القيادة العسكرية أن السنة التي أمضاها «الإخوان» في الحكم قد جعلت غالبية الشعب المصري مصابة بـ«إخوانو ــ فوبيا»، وصلت أعراضها إلى مستوى الهستيريا منذ صدور القرار الحكومي باعتبار الجماعة منظمة إرهابية عقب تفجير مديرية الأمن في المنصورة.
وفي قلب الصراع بين «الدولة» و«الجماعة»، وعلى هامشه، تقف القوى الثورية والأحزاب السياسية حائرة في المشهد السياسي المرتبك.
ولعلّ النقاشات التي تتردد أصداؤها في المقاهي الشعبية في القاهرة والاسكندرية بين شباب القوى المصنفة «مدنيّة» (أي لا دينية ولا عسكرية) تختزل إلى حد بعيد ما أصاب رفاق الميدان من تباعد وصل في أحيان كثيرة إلى مرحلة التخوين، وتحوّل معه «الاشتراكي الثوري» أو «البرادعاوي» أو «الإبريلي» إلى «عميل سري» لـ«الإخوان المسلمين» (!) و«التجمّعي» أو «الناصري» إلى «لاحس بيادة العسكر» (!) وأُدرج فيها الناشطون الحقوقيون (الذين يسمّون تهكماً بـ«الحكوكيين») في إطار «طابور خامس» يتلقى تمويلاً من الخارج(!).

«المنقذ»

وحده «حزب الكنبة»، الاسم الحركي لغالبية لم تعد صامتة، بات صاحب القول الأخير في المشهد السياسي المصري، والعامل الرئيس في كل الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة، بدءاً بالاستفتاء على الدستور، الذي يتوقع أن يمر بتأييد شعبي غير مسبوق، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية التي تزداد يوماً بعد يوم احتمالات ترشّح الفريق أول عبد الفتاح السيسي لها.
ولعلّ غالبية لا بأس بها من المحسوبين على «حزب الكنبة»، الذي يمثل ما يقرب من 70 في المئة من الشعب المصري بحسب ما تفيد الكثير من استطلاعات الرأي التي أجريت منذ «ثورة 25 يناير»، قد باتت تنظر اليوم إلى الفريق السيسي باعتباره «المنقذ»، وهو أمر لا يحتاج زائر مصر إلى جهد كبير لاكتشافه، فصور الجنرال بنظارته السوداء مرتفعة أو ملصقة في كل مكان، وهي غالباً ما تظهره الى جانب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ــ وفي صور كثيرة تعلو صورة السيسي صورتي عبد الناصر وخلفه أنور السادات ــ ما يعكس رغبة لدى المصريين في استعادة فكرة «القائد ــ الرمز»، وهو ما يشكل برأي كثيرين انتكاسة للمسار الديموقراطي، الذي يفترض أن يقود الى دولة مؤسسات لا دولة أفراد، ويعزز المخاوف من «العسكريتاريا» التي ظلت السمة المشتركة لكل العهود في التاريخ المصري الحديث.
وربما تكون تلك المخاوف في محلها، إذا ما رصدنا بعض الظواهر التي تشهدها مصر هذه الأيام، والتي توحي بعودة مظاهر «عبادة الفرد»، فقد يستغرب زائر حي الحسين على سبيل المثال أن رواد المقاهي الشعبية قد باتوا يطربون ويرقصون على أنغام أغنية «تسلم الأيادي» ــ التي باتت منتشرة ايضاً نغمة للهواتف الخلوية لدى كثيرين ــ بعدما كانت أجواء تلك المنطقة العريقة في قلب القاهرة الفاطمية تعبق بأنغام أغاني الشيخ إمام وأم كلثوم(!)
كذلك، فإن حالة الهوس الشعبي بالسيسي باتت تتخطى اللافتات والصور والملصقات والأغنيات، لتبلغ على سبيل المثال الترويج للجنرال عبر قطع شوكولاتة و«بيجامات» نسائية تحمل صورته، أو سندوتشات كباب مسمّاة على اسمه، أو حتى خواتم خطبة نقش عليها حرفا C.C بدلاً من الحرفين الأولين من اسمي الخطيبين!
واللافت للانتباه أن شعبية السيسي باتت اليوم أوسع مما كانت عليه في المرحلة التي أعقبت مباشرة عزل محمد مرسي ــ والتي توّجت بـ«جمعة التفويض» في 26 تموز الماضي ــ متجاوزة الكثير من عوامل الكبح، أبرزها استمرار الانفلات الأمني وتصاعد الأزمة الاقتصادية ــ الاجتماعية، والحملات الإعلامية التي شنت على العهد الجديد من قبل الآلة الدعائية لـ«الإخوان»، والتي بلغت ذروتها في موجة التسجيلات المسرّبة للسيسي نفسه.
ويفسر اختصاصي علم النفس السياسي د. علي النبوي لـ«السفير» ظاهرة تصاعد شعبية السيسي قائلاً إن «الناس شعرت خلال عهد مرسي أن أحداً لم يستمع إلى مطالبها، وأن ما يزيد على 18 مليونية لم تلق آذاناً صاغية لدى أهل الحكم، إلى ان أتى السيسي واستجاب لمطالب الشعب، وهنا ارتسمت في ما يسمى اللاشعور الجمعي صورة البطل الذي أتى ليحرر الجماهير».
وحول المنحى التصاعدي الذي تسير فيه شعبية السيسي بعد قرابة ستة أشهر على إطاحة مرسي، يقول النبوي إن ذلك يعود إلى إدراك الجميع، بمن في ذلك المعارضون للسياسات الحالية، أن هذا الرجل مصرّ على تنفيذ خطته برغم كل المعوقات التي تعترض طريقه، أي أنه، بخلاف محمد مرسي، يمضي في قراراته حتى النهاية.
ويضيف النبوي إلى ذلك كله أن السيسي يحكم عملياً من دون أن يُظهر ذلك، وهو أسلوب يعكس قدراً عالياً من الذكاء، الذي يجعله شخصية محببة من قبل الجماهير.
ولعلّ الشعبية الجارفة التي بات السيسي يتمتّع بها في الشارع المصري، والتي يرجّح أن تؤمن له فوزاً كاسحاً في الانتخابات الرئاسية إذا ترشح، قد أصابت الرموز السياسية ــ على قلّتها ــ بحالة من الإرباك، فقد بات الجميع بانتظار كلمة السر من مقر وزارة الدفاع في العباسية بشأن الخيارات الرئاسية للرجل القوي في البلاد، وهو ما يدفع كثيرين إلى التريث في مجرّد التلميح إلى احتمال ترشحهم للرئاسة، أو حتى التحفظ في الكشف عن موقفهم من السباق الرئاسي عامة.
وفيما لا يزال السيسي يحتفظ بغموض كبير حول خططه المستقبلية، فإن التسريبات تشير إلى أنه يحضّر نفسه لخوض السباق الرئاسي، ويبدو أن الشارع المصري والوسط السياسي قد تجاوزا سؤال «هل سيترشح السيسي للرئاسة؟» إلى سؤال «متى سيعلن السيسي ترشحه؟».
نظرياً يبدو السيسي أمام خيارات ثلاثة:
ــ العزوف عن الترشح نهائيا وترك الساحة لمرشحين مدنيين، انسجاماً مع روحية خطاب الأول من تموز، الذي تضمن تعهداً من القوات المسلحة بعدم التدخل مباشرة في الحياة السياسية.
ــ الوقوف خلف مرشح مدني (مثل زعيم «التيار الشعبي» حمدين صباحي أو المستشار الرئاسي مصطفى حجازي).
ــ إعلان تنحيه عن منصب وزير الدفاع مباشرة بعد الاستفتاء وخوض المنافسة الانتخابية التي ستكون محسومة لمصلحته بنسبة كبيرة.
أما عملياً، فإن السيسي القادم من المخابرات الحربية، ومن خلفه القيادة العسكرية، قد أظهر حنكة كبيرة في تقدير التداعيات المترتبة على كل من تلك الخيارات الثلاثة، فالخيار الأول يضع مصر خلال السنوات الأربع المقبلة في مشكلة ازدواجية السلطة بين الرئيس الجديد ووزير الدفاع، وقد يؤدي الأمر إلى إنهاء المسيرة العسكرية للجنرال القوي بجرّة قلم كما حدث مع سلفه المشير حسين طنطاوي. أما الخيار الثاني، فينطوي على مخاطر أخرى ــ عدا مشكلة ازدواجية السلطة ــ وأبرزها انقسام القوى المدنية بين هذا المرشح أو ذاك (كما حدث في انتخابات العام 2012)، ما يعطي دفعة قوية لمرشح تقف خلفه القوى الإسلامية وبعض القوى «الثورية» المناهضة لـ«حكم العسكر» (عبد المنعم ابو الفتوح على سبيل المثال).
كل ذلك يجعل الخيار الأول هو الأقرب إلى الواقع العملي... ويبدو أن القيادة العسكرية تتجه إلى اعتماده، وقد شرعت بالفعل في جس النبض بشأنه، بعد التسريبات الإعلامية التي تحدثت عن تعديل حكومي يحل فيه رئيس الأركان صدقي صبحي مكان السيسي، بما يجعل الأخير مؤهلاً من الناحية القانونية لخوض السباق الرئاسي.

«التنظيم الإرهابي»

«تعرّف أكثر على تنظيم الاخوان المسلمين الإرهابي: (الجيش والاخوان) و(سقوط الاخوان) لمصطفى بكري... (قلب الإخوان) و(سر المعبد) لثروت الخرباوي»... هكذا يشجع البائع الجوال ركاب قطار القاهرة ــ الاسكندرية على أن شراء مجموعة من الكتب المرتبطة بالجماعة التي تحوّلت قبل ثلاثة أعوام من «محظورة» إلى «محظوظة»، وباتت اليوم «إرهابية».
قبل أشهر كان بائعون مثله يروّجون على سبيل المثال لسلسلة «مصر إلى أين؟» للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أو روايات علاء الاسواني وبلال فضل وابراهيم عيسى... الخ.
أما اليوم فقد أصبحت كلمتا «الإخوان» و«الإرهاب» المفتاح السحري لباعة الكتب والصحف، وعامل إغراء وتشويق على القراءة، خصوصاً بعد صدور القرار الحكومي باعتبار الجماعة تنظيماً إرهابياً، والذي ولّد حالة هستيرية في المجتمع.
ومن مظاهر هستيريا «الإخوانو ــ فوبيا» أن يعيش أحد الزملاء لحظات رعب وأنت تمازحه قائلاً: «هقول للناس إنك إخوان»، أو أن يسألك صاحب أحد متاجر البقالة حين تستدل منه عن منزل أحد الجهاديين السابقين في الاسكندرية: «هو حضراتكم صحافيين جايين تعملوا معاه حوار... أو مباحث جايين تقبضوا عليه؟»(!)
وبرغم الترحيب الذي قوبل به القرار الحكومي باعتبار «الاخوان» جماعة إرهابية ــ خصوصاً انه جاء بعد يومين من وقوع الانفجارٍ الهائل الذي استهدف مبنى مديريّة الأمن في المنصورة في محافظة الدقهليّة ــ إلا أن هذه الخطوة أثارت مخاوف على أكثر من مستوى، وهو ما يمكن تلمسه عبر الهواجس التي شكلت القاسم المشترك للنقاشات بين الناشطين والصحافيين والقانونيين.
ومن بين الهواجس التي تطرحها النخب السياسية، أن القرار الحكومي قد يدفع بالحرب المشتعلة بين «الاخوان» وأجهزة الدولة إلى مرحلة متقدمة جداً، تنقطع معها شعرة معاوية بين الطرفين، وتدفع الجماعة إلى تبني نهج أكثر تشدداً في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنه سيكون من المستحيل إبقاء الباب موارباً أمام «تنظيم إرهابي» للانخراط في «خريطة المستقبل»، فيما يخشى كثيرون أن يؤدي تطبيق القرار إلى استعادة «الإخوان» لفكرة «المظلومية» التي منحتهم تعاطفاً شعبياً طوال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك.
تلك الهواجس السياسية تفتح الباب أمام هواجس أمنية، فالقرار الحكومي جعل المعركة بين «الإخوان» والجيش حرباً وجودية عنوانها «إما نحن .. وإما أنتم»، ما يمهد الطريق أمام حرب ضروس قد لا تقل في خطورتها عن معركة الثمانينيات والتسعينيات ضد الإرهاب، وقد لاحت بوادرها في سلسلة العبوات التي انفجر بعضها وتم تفكيك بعضها الآخر في القاهرة ومناطق أخرى.
أما الناشطون الثوريون فيطرحون هواجس من نوع آخر، تدور بمعظمها حول فكرة أن تهمة الانتماء إلى «الإخوان» قد تتحول إلى أداة في يد حكومة يرأسها ليبرالي معروف بتوجهاته الرأسمالية المتطرفة لقمع أي تحركات ذات طابع الاقتصادي ــ الاجتماعي تحت شعار «مكافحة الإرهاب».. ولا يستبشر الناشطون خيراً بخبر مفاده أن صاحب أحد المصانع تقدم ببلاغ ضد عماله المضربين يتهمهم فيه بأنهم من «الاخوان»... رغم أن غالبيتهم العظمى من المسيحيين!
بدورهم، يطرح القانونيون هواجسهم الخاصة، ومن بينها أن القرار، الذي يستمد قوته القانونية من المادة 86 في قانون العقوبات، قد منح السلطة التنفيذية، بصبغه الفعل «الإخواني» بالإرهاب، حقاً أصيلاً للسلطة القضائية، وأخل بمبدأ أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، ناهيك عن المشاكل القانونية التي قد يفرزها القرار، وخصوصاً ما يتعلق بإثبات هوية «الإخواني» وخطورة التوسع في الاشتباه... الخ.
وفي خضم هذا الجدل، تطرح ناشطة شبابية سؤالاً سوريالياً يعكس درجة «الإحباط الثوري» بعد ثلاثة اعوام على «ثورة 25 يناير»: كيف يمكننا أن نبرر للأجيال المقبلة أن بلدنا حكمه يوماً ما تنظيم إرهابي منحناه أصواتنا في انتخابات يفترض أنها كانت ديموقراطية؟!

إخوان «القاعدة»؟

كل خبر في مصر هذه الأيام قابل للتحول إلى مادة سجالية... هكذا كان حال خبر تفجير مديرية الأمن في المنصورة: «الإخوان تخطوا كل حدود»، قال أحدهم لأصدقائه خلال جلسة صاخبة في أحد المقاهي الشعبية في وسط البلد... «لست في معرض الدفاع عن الاخوان ولكن لا تهمل فرضية ان الامن نفذ تلك العملية لإلصاق العملية بهم»، ردّ آخر... «أيعقل أن تضرب وزارة الداخلية نفسها وتقتل رجالها؟»، عقّب آخر بسخرية واستهجان في آن واحد.
أما مخيلة سائق سيارة الأجرة فحلقت في فضاء آخر: «يا باشا المخابرات كانت عارفة بموضوع التفجير»، محاولاً تأكيد وجهة نظره برواية غريبة: «أنا كنت باشتغل في شرم الشيخ... كنت بشوف لواءات في المخابرات قاعدين في الكافيهات مكان التفجيرات سنة 2005... قبل يوم من التفجيرات اختفوا كلهم بقدرة قادر!».
حتى الآن، لم تتبنّ «الإخوان» أياً من التفجيرات التي وقعت في مصر منذ إطاحة مرسي في الثالث من تموز الماضي، لا بل انها تسارع كل مرة إلى إدانتها عبر بيانات غالباً ما تتضمن تلميحات إلى دور مشبوه لأجهزة الأمن في تلك الحوادث «لتبرير القمع».
ومن الثابت أن تلك التفجيرات هي من تدبير جماعة تكفيرية مرتبطة بتنظيم «القاعدة» تدعى «أنصار بيت المقدس»، وتنتشر في شمال سيناء، حيث تحظى بدعم قبلي وقد تمكنت من تجنيد مئات الجهاديين من سوريا إلى موريتانيا.
وفيما يسعى «الإخوان» للنأي بنفسهم عن هذا التنظيم وأعماله الإرهابية في وادي النيل، عبر التذكير بأن أمراء الجهاد في سيناء سبق أن كفّروا مرسي، فإن ثمة روايات عدّة تكشف عن علاقة مثيرة للانتباه بين نظام «الإخوان» وتكفيريي سيناء، ومن بينها محاضر التحقيقات في القضية المتهم فيها مرسي وقياديون «إخوانيون» آخرون بالتخابر مع جهات خارجية.
ويقول المفكر الإسلامي ناجح ابراهيم ــ الذي كان القيادي الثاني في «الجماعة الإسلامية» في الثمانينيات والتسعينيات، والذي ساهم في المراجعات الفكرية التي خلصت إلى نبذ الكثير من الجهاديين أعمال العنف ــ ان «أنصار بيت المقدس» ولدت من رحم حركة «التوحيد والجهاد» التي ارتبط اسمها بتفجيرات طابا وذهب، ومن ثم بتفجيرات شرم الشيخ، بالإضافة إلى مجموعة أخرى تعرف باسم «جند الله».
ويضيف ابراهيم، في حديث إلى «السفير»، أن عناصر هذه المجموعة تمكنوا من الفرار، والتقوا في سيناء، وأعلنوها إمارة إسلامية، وكان الهدف تحويل شبه الجزيرة المصرية إلى بيشاور جديدة.
ويتحدث ابراهيم عن جزء خفي في هذه المسيرة، وهو أن ما جرى في سيناء قد تم عبر اتفاق بين محمد مرسي وزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، وهو ابن شقيقة رئيس ديوان رئاسة الجمهورية في عهد مرسي السفير رفاعة الطهطاوي، الذي بذل أيضاً جهوداً لإطلاق سراح ابن اخته الآخر محمد الظواهري، أخ زعيم «القاعدة».
ويشير إلى أن الاتصال بين مرسي وايمن الظواهري كان يتم عبر الطهطاوي، لافتاً إلى أن الثلاثة كادوا يلتقون في باكستان حين زارها مرسي، لولا وصول معلومات تفيد باحتمال أن تشن الاستخبارات الاميركية عملية لأسر زعيم «القاعدة».
ويضيف ابراهيم ان كل المكالمات الهاتفية بين مرسي والشقيقين الظواهري قد سجلتها المخابرات المصرية، لافتاً إلى أن من بين المكالمات اتصالاً أجراه الرئيس المعزول بمحمد الظواهري ليطلب منه وقف عملية في سيناء بعدما رصدتها المخابرات الالمانية وأبلغت بها رئيس الجمهورية.
وعلاوة على ذلك، يشير ابراهيم إلى ان مرسي، وبإيعاز من المرشد محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر، عطّل أكثر من مرة تنفيذ عملية «نسر» التي لم يتمكن الجيش المصري من شنها ضد أوكار الإرهاب سوى بعد سقوط مرسي.
هذه العلاقة المشبوهة بين «الإخوان» و«القاعدة»، ينطلق منها ابراهيم ليتحدث عن احتمال وجود تحالف أو على الأقل تقاطع في المصالح، بين الجماعة والتنظيم لاستخدام المجموعات السيناوية التكفيرية أداة لمشروع ضرب الجيش وإجبار القيادة العسكرية على التفاوض مع «الإخوان».
ويرى ابراهيم ان ما تشهده مصر حالياً من تفجيرات يفوق في خطورته عنف التسعينيات، أقله من الناحية العملياتية، فالعمليات الحالية هي عمليات تفجير لا تتطلب سوى شخص واحد يمكنه أن يعد عشر سيارات مفخخة و10 يقودونها لتفجيرها، في حين أن عمليات التسعينيات كانت تنفذ عبر السلاح الآلي، أي شخص واحد يقتل مجموعة صغيرة، وكانت تتطلب عدداً كبيراً من العناصر لتنفيذها.
ومع ذلك، يرى ابراهيم ان كل هذه العمليات قابلة للاحتواء، موضحاً أن المجموعات التكفيرية لما كانت ستلجأ إلى العنف في القاهرة لو لم تكن محاصرة بشكل كبير من القوات المسلحة في سيناء.
وبالرغم من تحفظه على قرار اعتبار الاخوان منظمة ارهابية، باعتبار أن «ظلماً كبيراً قد يقع على كثيرين جراءه»، ولأن «من شأن هذه الخطوة أن تؤدي إلى تزايد العمليات ولو موقتا»، إلا ان ابراهيم يرى أن القرار قد يأتي بنتائج ملموسة على المدى البعيد. ويشبه ابراهيم القرار الحكومي الأخير بالقرار الذي اتخذه النقراشي باشا بحل «الإخوان» أيام الملك فاروق، والذي رد عليه «التنظيم الخاص» بقتل «رأس الدولة» (النقراشي نفسه)، إلى أن ردت الدولة بقتل «رأس الدعوة» الإمام حسن البنا.
ويرى ابراهيم ان ما جرى خلال تلك الفترة كاد يقضي نهائياً على «الاخوان» لولا أتت ثورة يوليو لتنقذهم.
من جهته، يرى الباحث المتخصص بشؤون «الإخوان» احمد بان أن «هناك دائماً في مصر تنظيمات تكفيرية ترفض التنظيم الحديث للدولة، وتعنى بتطبيق الشريعة تطبيقا ضبابيا».
ويضيف بان أن «هناك مخططاً اقليمياً لإنهاك الجيش المصري، والأدوات هي حرب عصابات طويلة عبر هذه المجموعات السيناوية التي دخلت مع مافيا تجارة الانفاق ومافيا تجارة السلاح في حلف مقدس تقاطع مع مصلحة الاخوان في هدم الدولة المصرية».
ويفسر بان التفجيرات الاخيرة في وادي النيل قائلاً ان «الجيش أبلى بلاء حسناً في سيناء، ما دفع المجموعات الجهادية الى التسلل عبر الصحراء الشرقية باتجاه عمق الوادي والدلتا»، لكنه يرى أن «هذه العمليات لم تكن لتتم لولا وجود حاضنة، يُعتقد أنها حاضنة اخوانية»، مشيراً إلى انه «ربما يكون هناك تعاون لوجستي وعملياتي بين هذه المجموعات والاخوان لتنفيذ هذه العمليات».

هل سقط «الإخوان» بالضربة القاضية؟

يرى الدكتور ناجح ابراهيم أن أزمة «الاخوان» تنبع اليوم من خطأين كبيرين ينمّان عن «غباء سياسي»، وهما انهم ربطوا بين الشرعية والشريعة، ولم يحسنوا فن الانسحاب.
ويستشهد ابراهيم بثلاث وقائع مرتبطة بالتاريخ الإسلامي ليدلل على هذين الخطأين اللذين وقعت بهما الجماعة وانسحبت في تداعياتها على الحالة الاسلامية برمّتها في مصر، أولاها تنازل الحسن ابن علي عن الحكم لمعاوية، ليخلص الى القول إنه «لو قبل مرسي بالانتخابات المبكرة لتجنب كل ما حدث منذ 30 يونيو وحتى اليوم»، وثانيتها ان خالد بن الوليد نال وسام «سيف الله المسلول» في معركة الانسحاب ليخلص الى القول إن «الحركة الحركة الاسلامية لا تجيد فن الانسحاب في الوقت المناسب وانما تمضي في المعركة حتى يقتل آخر جندي أو يسجن في الزنزانة». أما ثالثتها وأهمها، فما قاله عبد الله ابن عمر للحسين بن علي قبل معركة كربلاء بأن «الله لن يجمع لكم النبوة والخلافة»، ليخلص إلى القول إن جمع الاخوان بين الشريعة والشرعية هو ما أفضى في نهاية المطاف الى هذا السقوط الكبير.
تلك الواقعة الأخيرة يسترجعها أحمد بان أيضاً في معرض حديثه عن سقوط الاخوان، وهو يرى «هذا السقوط بدأ مبكراً، وذلك حين أصرت الجماعة على ان تمضي بصيغة ملتبسة بين أن تكون جماعة دينية وحزبا سياسيا».
ويعتبر بان أن «جماعة الاخوان اتسمت بحالة من العمى الاستراتيجي، حيث جنحت الى الاستغراق في كل مرحلة تكتيكية، واستنزاف الجهد فيها استنزافا قويا، من دون النظر إلى علاقتها بباقي المراحل».
ومعروف ان «الإخوان» قد وضعت لنفسها، مع الإمام المؤسس حسن البنا، مشروعاً طموحاً يبدأ بإعداد الفرد، فالاسرة، فالمجتمع، وينتقل إلى إصلاح الحكومة، ومن ثم بناء الدولة الاسلامية والخلافة الاسلامية، وصولاً إلى ما يسمى بـ«أستاذية العالم».
وبحسب بان فإن الخلل قد بدأ «حين قرر حسن البنا مبكراً الانتقال من مرحلة الدعوة والتربية، وهي الخيار الاستراتيجي الاصح، نحو خيار السياسة، فتحولت الوظيفة السياسية إلى وظيفة جارت على فكرة الدعوة والتربية، وأكلت من الشخصية الاخوانية فحولتها الى مسخ لا هو سياسي ولا هو دعوي».
هذا الانتقال، وفقاً لبان، بدأ منذ رسالة المؤتمر الخامس لـ«الإخوان» في العام 1939، والتي أسست لأخطاء استراتيجية، أبرزها المزج بين الدعوة والسياسة، ومن ثم سلوك العنف عبر تأسيسي الميليشيا العسكرية (التنظيم الخاص - 1940) لتكون ذراعا عسكرية للدعوة والتربية وللوظيفة السياسية في آن معاً».
ويرى بان أن «التنظيم الخاص، والعنف مكون رئيسي في تفكيره (اغتيالات، حرب عصابات، تجسس، العمل السري)، قد اصبح الإطار الاصيل لقيادة الاخوان منذ العام 1947 وحتى الآن».
ويضيف أن «هذا العقل المأزوم، والعنف فيه بنيوي، ظل يوجه مسيرة الجماعة، وظل مسيطراً على لجنة التربية المسؤولة عن العقل الجمعي لأفراد الجماعة».
التحول الآخر، بحسب بان، كان مع سيد قطب، الذي أسس لما يسمى «العزلة الشعرية والوجدانية»، فقد كان قطب يعتقد أن الاسلام انتهى من الوجود وان ما نعيشه هو جاهلية القرن العشرين، تتطلب مواجهتها تأسيس «جيل قرآني جديد» أو «طليعة اسلامية».
من هنا، يضيف بان، «بدأت حالة الانفصال او الاستعلاء الايماني لدى الاخوان، فتحولت الجماعة الى طائفة دينية في مواجهة المجتمع، بدلاً من ان تعمل على نشر أفكارها داخل المجتمع»، مشيراً إلى أن «هذه القطيعة تكرست مع الطبعة الجديدة من قيادات الاخوان، والذين اصطلح على تسميتهم بـ«القطبيين»، أمثال محمد بديع ومحمود عزت ورشاد بيومي وخيرت الشاطر وغيرهم من رموز الجماعة خلال العقود السابقة.
ويشير بان إلى أن كل محاولات الاصلاح داخل «الإخوان» انتهت مع وفاة المرشد عمر التلمساني (1973 ــ 1986)، حيث سيطرت المجموعة القطبية على قيادة الجماعة، مع العلم أن هذه المجموعة لديها صلات قديمة بمجموعات العنف الأخرى، سواء بالترابط العضوي أو التنسيق من بعيد أو تقاطع المصالح.
ويشير بان إلى أن هذه المجموعة القطبية لما دخلت الحكم اتجهت نحو بناء تحالف اسلامي وليس تحالفاً وطنياً، فكان أن دشّن خيرت الشاطر ما يعرف بـ«الهيئة الشرعية للحقوق والاصلاح»، وجمع فيها كل شتات الحركة السلفية والاسلامية (حزب النور، الدعوة السلفية، الجماعة الشرعية، انصار السنة، التيار السلفي العام، مجلس شورى العلماء، الدعاة المستقلين...الخ).
وبحلول الأشهر الأولى من عهد مرسي، يضيف بان، بدا ان «الإخوان» قد حسمت خياراتها باتجاه تأسيس دولة نقيضة للدولة الحديثة، يعين فيها الرئيس القضاة وأمراء الجند وأهل الحل والعقد (البرلمان)، وهذا ما يفسر العداء الذي أظهره نظام مرسي تجاه كل السلطات القائمة، فكان ان انتفض الشعب ومعه الدولة العميقة ضد هذا التوجه، ما أسهم في سقوط نظام «الإخوان» بهذا الشكل السريع.
اليوم، يرى بان أن ما بقي من الجماعة ثلاثة اقسام:
ــ قسم يشعر بالصدمة وقد يمارس شكلاً من الاشكال الانسحاب والانفصال النفسي عن المجتمع.
ــ قسم يجنح نحو جماعات العنف، انطلاقاً من إيمانيه بأن هذه الدولة لا ينفع معها سوى السيف.
ــ قسم يميل نحو إجراء مراجعات قد تؤدي في نهاية المطاف إلى الفصل التام والواضح بين المسار الدعوي والمسار السياسي.
ويرى بان ان هذا القسم الأخير وحده القادر على استعادة الجماعة استراتيجياً، لكنه الاقل عدداً والأضعف تأثيراً في القواعد، التي ما زالت ارداتها مستلبة من قبل القيادات القطبية الرافضة لأي شكل من أشكال الإصلاح.
هذه القيادة، بحسب بان، تتوزع بين ما تبقى من رموز مجلس الشورى العام للجماعة، وبعض أعضاء التنظيم الدولي، وخيرت الشاطر الذي ما زال قادراً على لعب دوره القيادي من داخل السجن.
أما على المستوى القاعدي، فيتحدث بان عن تحوّلات مثيرة للانتباه، موضحاً أن جزءاً كبيراً من الكتلة الفاعلة في الاخوان، والتي تقدر بما بين 200 ونصف مليون شخص، بات يرى أن مسار التصعيد مع الدولة عبثي.
ويضيف أن التطورات الاخيرة أظهرت أن 80 في المئة من كتلة الاخوان انصرفت عن الشارع، ولذلك، فقد لجأت الجماعة إلى استخدام الطلاب والنساء في التظاهرات لتحريض تلك الكتلة المنكفئة، مشيراً إلى ان هذه السياسة أفلحت نسبياً، لكنها عادت وضعفت مجددًا مع الضربات الامنية.

... ولكن ماذا عن مستقبل «الإخوان»؟

يعتقد بان ان «الاخوان» استنفدوا كل الخيارات، فقد راهنوا بداية على انشقاق داخل الجيش المصري عبر تحريك بعض عناصرهم لكنهم فشلوا... ثمّ راهنوا على تدخل الخارج فأخفقوا... ثم راهنوا على التحام القوى الثورية فخابوا.
ويضع بان كل هذه المحاولات ضمن إطار سيناريو منازعة الشرعية، ولكن يبدو ان تلك الخطة معرّضة لانهيار حتمي بعد الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي سيؤسس لشرعية جديدة، يصبح معها وجود الاخوان رهناً بشروط النظام الجديد وليس شروط الجماعة.
ويعتقد بان أن النظام السياسي الحالي يبدو حاسماً بشأن القطيعة النهائية مع الجماعة، وبالتالي فهو لا يرى وجود تلاق في المصالح بين الطرفين، فالدولة المصرية تجنح طوال تاريخها نحو العسكر، وهذا عنصر مشترك بين طبيعة الدولة العميقة وطبيعة الاخوان، وبالتالي فإن الطرفين لا يمكنهما التعايش ضمن إطار نظام سياسي واحد.

وسام متى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...