أمريكا الهرمجدونية ومستقبل إسرائيل

11-10-2007

أمريكا الهرمجدونية ومستقبل إسرائيل

الجمل: أثرت فانتازيا اليوتوبيا طويلاً على مسارات المجتمعات البشرية، فقد لعبت جمهورية أفلاطون (اليوتوبيا) دوراً كبيراً في تشكيل الخطاب السياسي الإغريقي، والروماني. ولعبت "مدينة الله" التي وضعها القديس توما الإكويني دوراً كبيراً في الصراعات الدينية خلال العصر الوسيط المتأخر. أما مدينة الفيلسوف اليهودي، ليوشتراوس التي أوردها في كتابه "المدينة والإنسان" فعلى ما يبدو تحاول الآن فعل مفعولها في الساحة السياسية العالمية، بعد أن لعبت فكرة إعادة إنتاج تلموديّة الرابي ابن ميمون برؤوس حفنة من اليهود الأمريكيين الذين ما تزال تمزقهم ذكريات التاريخ اليهودي الموجعة...
* الإسقاط الأول: أمريكا الهرمجدونية:
الحركة الإنجيليكانية المسيحية ليست بالأساس حركة دينية تعتمد فكرة "نهاية الزمن"... ولكن استطاع لاحقاً رجل الدين الاسكتلندي جون نيلسون داربي (1800-1882م) أن يضيف إلى الإنجيليكانية نظرية مملكة الرب "هرمجدون" التي سوف تقوم في نهاية التاريخ...
وبسرعة البرق انتشرت فكرة هرمجدون في أمريكا عندما نجحت المؤسسات الدينية عام 1917م في توزيع منشور الكتاب المقدس الذي يزعم بأن عودة اليهود إلى فلسطين سوف تترتب عليها نهاية الزمن، وقيام مملكة الرب "هرمجدون" التي يحلم الآن جون بولتون وديك تشيني وجورج بوش وغيرهم بالعيش في جنات نعيمها جنباً إلى جنب مع سكانها الأصليين أمثال نتنياهو وشارون وبيجن الذي سبقهم..
* جماعة المحافظين الجدد: الفكر الاستراتيجي الـ"هرمجدوني"..
كل النظريات والمبادئ العلمية تؤكد قاعدة ومبدأ لاأسطورية العلم لأن العلم يتنافى مع الأسطورة، ولا علمية الأسطورة يعني أن الأسطورة لا تقوم على مبادئ علمية... إلا نمط التفكير اليهودي المعاصر، الذي يحاول بناء نموذج علمي للأسطورة، عن طريق أسطورية العلم..
* في أروقة معهد الدراسات الإستراتيجية والسياسية المتطورة:
وتحديداً في فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، التقت مجموعة ضمت ثمانية من اليهود الأمريكيين، من أجل إعداد دراسة حول مستقبل إسرائيل، بتكليف من بنيامين نتنياهو الزعيم الليكودي والمتطرف الإسرائيلي المتهور.
المجموعة كانت برئاسة ريتشارد بيرل، وضمت عضويتها كل من:
       * جيمس كولبرت: الخبير بالمعهد اليهودي لشئون الأمن القومي.
       * تشارلز فييربانك: الأستاذ بجامعة جون هوبكنز.
       * دوغلاس فايث: جمعية فايث آند زيل اليهودية.
       * روبرت لويفينبيرج: معهد الدراسات الإستراتيجية والسياسية المتطورة.
       * جوناثن نوروي: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط.
       * ديفيد فورمزر: معهد الدراسات الإستراتيجية والسياسية المتطورة.
* ميعراف فورمزر: زوجة ديفيد فورمزر، والعقيد السابق في الجيش الإسرائيلي.
قامت المجموعة بوضع دراسة حاولت صياغة العالم بالنسبة لأمن دولة إسرائيل، عن طريق التوجه الاستراتيجي للسياسة الخارجية الأمريكية لكي تقوم بالدور الرئيسي الكامل في تأمين دولة إسرائيل، باعتبارها "الجنين" الذي سوف يكبر ويترعرع في رحم الإنجيليكية – اليهودية، إلى حين اكتمال نموه ويخرج في شكل مملكة هرمجدون "مملكة الرب"..
* تأمين مملكة الرب "هرمجدون":
الإشكالية الرئيسية التي حاولت الدراسة الإستراتيجية حلها هي كيفية تأمين جنين مملكة الرب (إسرائيل).. وقد حددت الدراسة المبادئ التالية باعتبارها الأسس الضرورية لتأمين إسرائيل:
* السيطرة على الكونغرس والإدارة الأمريكية عن طريق تغلغل العناصر اليهودية والمسيحية الإنجليكانية – اليهودية في الكونغرس الأمريكي والإدارة الأمريكية..
* فرض إستراتيجية السلام مقابل السلام في التعامل مع العرب بدلاً من إستراتيجية الأرض مقابل السلام.
* اعتماد إستراتيجية الاحتواء وتفكيك وتقويض الاستقرار ودفع أوضاع الاستقرار والأمن باتجاه التراجع نحو حالة الفوضى والكارثة..
       * اعتماد الإصلاح الاقتصادي داخل إسرائيل.
* إعادة صياغة وتشكيل الحركة الصهيونية، بحيث يتم استئصال النزعات العلمانية الموجودة فيها، بهدف تحويلها إلى فكرة أسطورية دينية يهودية خالصة...
* "الحروب القذرة" وسيلة وكلاء الرب اليهودي لقيام هرمجدون:
قام المتطرفون من أتباع الإنجيليكية – اليهودية، بالتحالف مع الحاخامات اليهود الأمريكيين ببناء تحالف واسع، حمل اسم لوبي هرمجدوني، وهذا اللوبي يختلف عن اللوبي الإسرائيلي الذي يتكون من منظمة الإيباك، والمعهد اليهودي لشئون الأمن القومي، وغيرهم، وإن كان في نهاية الأمر يلتقي معهم...
تقول المعلومات بان لوبي هرمجدون يلعب دوراً كبيراً في الضغوط على إسرائيل والإدارة الأمريكية بل وحتى على الإيباك والمعهد اليهودي لشئون الأمن القومي...
ومصدر الضغوط هو "أطلس التوراة" الذي تعتمده جماعات لوبي هرمجدون، ويحدد هذا الأطلس الخارطة الجغرافية لمملكة هرمجدون، والتي سوف يقوم الرب ببناء مملكته فيها عندما ينتهي الزمن.. كما قال رجل الدين الاسكتلندي جون نيلسون داربي، وجاء بعده ليوشتراوس وقال بنهاية الفلسفة، ثم جاء بعده مفكر المحافظين الجدد فوكوياما والذي قال بنهاية التاريخ... (قبل أن يتوب عن الفكرة وتعامله جماعة المحافظين الجدد كمرتد).
وقد تسببب لوبي هرمجدون في حدوث الكثير من الكوارث السياسية الخارجية الأمريكية، وأيضاًبالنسبة لإسرائيل، وذلك لأن لوبي هرمجدون يملك قدرة السيطرة على حوالي 80 مليون أمريكي من أتباع كنيسة صهيون المسيحي الأمريكية، وكل ما يقوم به هذا اللوبي، هو المطابقة بين خارطة إسرائيل، وخارطة مملكة الرب هرمجدون، وعلى سبيل المثال عندما قرر شارون الانسحاب من قطاع غزة، تقول المعلومات بأنه قد استطاع أن يفعل ذلك بعد أن حصل على موافقة لوبي هرمجدون، والذين لم يوافقوا لشارون بالانسحاب إلا بعد أن راجعوا خارطة مملكة هرمجدون وتبين لهم أن الرب لم يضع قطاع غزة ضمن مملكته الموعودة..
كذلك شددت جماعات لوبي هرمجدون أدانتها لخطة فك الارتباط التي تم وضعها بموجب عملية أوسلو..
أما خارطة الشرق الأوسط الكبير... فقد تم وضعها خصيصاً بما يدعم توجهات جماعات لوبي هرمجدون إزاء منطقة شرق المتوسط، وشركات النفط الأمريكية إزاء منطقة الخليج... وحالياً يدعم لوبي هرمجدون عمليات قتل العراقيين انتقاماً لما تعرض له اليهود في بابل.
"السلام الجديد" هو المصطلح الذي اعتمدته الدراسة الإستراتيجية بدلاً عن كلمة "الحرب"، وبالتالي عندما يتحدث الزعماء الإسرائيليون الجدد، وإدارة بوش، وجماعة المحافظين الجدد، أمام أجهزة الإعلام عن "السلام الجديد"، فإن الناس يفهمون شيئاً مختلفاً عن المعنى العقلي الذي يشيرون إليه.. فالسلام الجديد مع لبنان هو الحرب ضد لبنان... والسلام الجديد مع سوريا هو الحرب ضد سوريا، وبكلمات أخرى، عندما يتحدث بوش وأولمرت عن رغبتهم في السعي من أجل تحقيق السلام الجديد مع سوريا... فإنهم، ووفقاً لمبادئ الكتابة الباطنية اليهودية التي استخدمها ابن ميمون في كتابه دليل الحائرين... يقصدون شيئاً باطنياً... مختلفاً جداً عن السلام العادي الذي يفهمه كل العالم...


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...