اشتُم «داعش» واعشَق «النصرة»

05-03-2014

اشتُم «داعش» واعشَق «النصرة»

يستحق أمس الأوّل الاثنين، أن يحظى بأوسكار «يوم الإعلام الجهادي». فكيفما قلّب المشاهد نظره بين محطات التلفزيون، وقع على خبرٍ أو صورةٍ عن آخر ممارسات تنظيم «داعش» في سوريا، أو تحليل يفنّد الفرق بين مختلف التيارات الجهادية والسلفية التي تحارب على الأرض السورية.رسم للهولندي هاجو دي ريجر عن موقع "كايغل"
كانت البداية مع قناة «الحدث» (شقيقة «العربيّة»)، حيث ناقش فيها صهيب شراير في «ساعة إخبارية» ممارسات دولة العراق والشام، بعدما انشغل الإعلام العربي والغربي، الأسبوع الماضي، بصورة جديدة تظهر مقاتلي «داعش» وهم يهمون بقطع يد سارق. أطلقت «الحدث» وسم «داعش الرقة» عبر «تويتر»، وبثت تغريدات المشاركين عبر شريطها الإخباري. تلقى شراير اتصالاً هاتفياً من ناشط في الرقة، تحدّث بإسهاب عن ممارسات التنظيم ضد أهالي المدينة. وتم التركيز بصورة أساسية على معاناة 40 عائلة مسيحية، جراء المطالبة بدفع الجزية وفرض النقاب والتضييق في ممارسة الشعائر الدينية. استضافت «الحدث» أيضاً إياد قدسي نائب رئيس الحكومة المؤقتة، الذي كشف «الوصفة السحرية للتصدي»، وهي، بحسب تعبيره «دعم الفصائل المعتدلة»، ثمّ استدرك: «نحن طريقنا واضح، سوريا للجميع، أي فريق يحارب «الموزاييك» والتنوّع السوري نحن ضدّه، لكن هدفنا أن نحارب النظام ولا نريد أن نفتت سوريا». استمعت القناة أيضاً إلى عميد كلية الدراسات العليا في جامعة الأزهر عبد الله النجار، طالبةً رأيه في الأحكام الشرعية التي ينفذها «داعش»، من دون أن تنسى أن تطلب منه في نهاية اللقاء توجيه كلمة «للمسيحيين» باسم الأزهر الشريف.
بعد ساعات فقط، وعلى شاشة «الجزيرة» هذه المرة، ناقش برنامج «في العمق»، ملفّ «الخلافات بين الجماعات المسلحة في سوريا». وبالرغم من أن آراء الضيوف تباينت ظاهرياً حول تحديد الفوارق الفكرية بين المقاتلين الإسلاميين، لكنّ البرنامج سعى بشكلٍ صارخ، ومن دون مواربةٍ أو خجل، لتلميع صورة «جبهة النصرة»، وتخيّر الشعب السوري أيّ تيّار من تيارات فكر «القاعدة» يفضّل. حاول عضو الأمانة العامة لمنتدى المفكرين المسلمين أكرم حجازي، تضييع المُشاهد في تصنيفات الجهاديين ومنها «الجهاد الوطني» و«الجهاد الشعبي» الذي يلقى قبولاً شعبياً، ومثاله «جبهة النصرة» التي تحولت إلى «أهزوجة» الشعب السوري، بحسب تعبيره. ضيف البرنامج الآخر، الداعية والباحث إياد قنيبي، بدا أكثر استبسالاً وتشدداً في الدفاع عن التيارات الجهادية مجتمعة. «يعترف» أنّ «داعش» ارتكب بعض الأخطاء، بينما استفادت «النصرة» من الهفوات السابقة في العراق، وعملت بمبدأ «المشاركة وتوليف القلوب»، وخدمت المناطق التي كانت فيها، ودليله على ذلك رفع شعار «جبهة النصرة تمثلني».
لا تشكل هذه البرامج استثناءً، إذ أنّ مراجعة سريعة لأكثر المواضيع التي تمّ تناولها إعلامياً خلال الأشهر الماضية، تبرز أنّ ممارسات «داعش» في سوريا كانت محوراً. حتى القنوات التي ندر أن تتقاطع في سياستها الإعلامية، اتفقت هذه المرة على «نجومية» مقاتلي «دولة العراق والشام». وينسحب ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ نشأت عدّة صفحات على «فايسبوك» و«تويتر» لنشر أخبار التنظيم. وإلى جانب عشرات الصفحات الساخرة، برزت صفحة «انتهاكات داعش في سوريا»، والتي تعنى بنشر الصور والمقالات والأخبار ذات الصلة باللغتين العربية والإنكليزية وتوثيق «انتهاكات داعش لحقوق الإنسان بحق الناشطين والمجتمع السوري»، حسب البطاقة التعريفية بالصفحة التي يتابعها 13 ألف شخص. ويمكن من خلالها استشفاف حجم الاهتمام الإعلامي المكثّف بهذا التنظيم في القنوات، وخصوصاً «العربية»، و«سي أن أن»، وصحف «الحياة» و«الشرق الأوسط» و«القدس العربي».
تستفيد وسائل الإعلام من تطرّف الأخبار المتعلقة بـ«داعش» وساديتها، والتي تحمل في طياتها نوعاً من الغرابة السلبية، تبقي عيون المشاهد مسمرة على الشاشة، وإن شعر بالخوف أو القلق أو الغضب. فردود الفعل السلبية، هي «ردود فعلٍ» في نهاية المطاف. تشكل أخبار «داعش»، «محطة استراحة» إن جاز التعبير، تلتقي فيها القنوات على انتقاد ممارسات التنظيم بضميرٍ مرتاح، وتبييض صفحة التيارات والأطراف المسلحة «المعتدلة» الأخرى، لتبدو ملائكية إذا ما قورنت به. الأخطر في هذا السياق، هو المحاولة الواضحة لمؤالفة المشاهدين مع ممارسات التيارات المتطرفة، والترويج لفكرة تجذّر الفكر السلفي في المجتمع السوري.. كأنّها محاولة لطمس صورة البلاد قبل «داعش» و«النصرة» وأخواتهما.

نورا أبو فراج

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...