الأزمة اللبنانية وسيناريوهات ما بعد 15 تموز الجاري

10-07-2007

الأزمة اللبنانية وسيناريوهات ما بعد 15 تموز الجاري

الجمل:  من خلال متابعات (الجمل) السابقة لتطورات الأزمة اللبنانية وتداعيات، عناصرها الهيكلية المؤسسية، والوظيفية السلوكية، كنا قد طرحنا سؤالنا السابق: الأزمة اللبنانية.. إلى أين؟ لنعيد طرحه اليوم بشكل أكثر تحديدا: الأزمة اللبنانية بعد 15 تموز الجاري إلى أين؟
• بؤرة الأزمة:
تطورت بؤرة الأزمة اللبنانية على نحو تمددت فيه اذرعها الاخطبوطية وأورامها السرطانية ليس داخل لبنان وحسب، بل وأخذت طابعا عابرا للحدود الإقليمية والدولية وبخلاف الأزمات الإقليمية الدولية التي تحدث بسبب تضافر العوامل الموضوعية المؤسسية فان الأزمة اللبنانية تضافرت فيها العوامل الموضوعية المتعلقة بالدولة اللبنانية على قدم وساق وجنبا إلى جنب مع العوامل الذاتية المتعلقة بالبيئة النفسية المشوهة لزعماء قوى 14 آذار والذين خلطوا تماما بين توازن (الدور) و(المكانة) في وضع لبنان على خارطة التحالفات الإقليمية  والدولية، وبين الأستقواء بالأطراف الدولية. وبرغم إصرار هؤلاء الزعماء على أن تحالفاتهم الخارجية مع أمريكا وإسرائيل سوف تمنحهم القدرة والقوة، فعلى الأغلب، بعد يوم 15 تموز الحالي، سوف يدركون أنها تحالفات سلبتهم القوة لان أمريكا وإسرائيل تفهمان وتدركان تماما ضعف هؤلاء الزعماء ومن ثم استطاعتا استغلال هذا الضعف على النحو الذي أصبح فيه هؤلاء الزعماء على حافة الوقوع في سلة المهملات.
لم تعد بؤرة الأزمة ترتبط بالوضع (الهيكلي) أو بالوضع (الوظيفي) بل بالاثنين معا، بحيث أصبح التوازن بين عملية (صنع) القرار  و(اتخاذ) القرار في الدولة اللبنانية غير موجود تماما... بشكل لم يفقد  السلطات السيادية اللبنانية – التشريعية، التنفيذية، القضائية، وظيفتها.. بل غيبها تماما بحيث أصبحت غير موجودة، طالما أن محور تل أبيب- واشنطن يقوم بعملية صنع القرار، وحكومة قوى 14 آذار تقوم بإصداره، وبرغم ذلك،  وفي الأيام الأخيرة لم تعد حتى هذه الشراكة  موجودة بل أصبحت عملية صنع واتخاذ القرار اللبناني حقا حصريا لمحور تل أبيب – واشنطن.
• قوى صنع الأزمة:
أصبحت خارطة تحالفات قوى الأزمة اللبنانية تأخذ شكل المثلثات المتداخلة المتقاطعة فعلى مستوى الكتل يوجد مثلث :جعجع- الحريري- جنبلاط .
وعلى المستوى الدولي يوجد مثلث: تل أبيب-  واشنطن- باريس. وهذان المثلثان اللبناني والدولي لو تم وضعهما بشكل مقلوب فوق بعضهما البعض فإن ما سنحصل عليه هو نجمة إسرائيل السداسية بالتمام   والكمال.
لم يصنع الأزمة حزب الله لأنه رفض تجريد سلاحه والوقوف اعزلا بلا سلاح في الدفاع عن أطفال ونساء لبنان، ولم يصنع الأزمة زعيم حركة أمل لأنه رفض دعوة مجلس النواب للانعقاد بعد أن أدرك أن المال السياسي الإسرائيلي الأمريكي هو صاحب اليد العليا في صنع القرار التشريعي، ولم يصنع الأزمة الرئيس لحود لأنه رفض تمرير مخططات قوى 14 آذار التي يقوم بوضعها اليهوديان الأمريكيان اليوت إبراهام وديفيد وولش في أروقة الإدارة الأمريكية بالاتفاق مع بنيامين نتنياهو زعيم الليكود الاسرائيلي.
إذا فالأزمة اللبنانية تمت صناعة بؤرتها خارج لبنان وبدأت عمليات إعداد الأرض اللبنانية لزراعة بذرتها منذ مؤتمر باريس الأول للمانحين إلى أن جاءت عملية اغتيال رفيق الحريري لتشكل اللحظة والتوقيت المناسب لزراعة هذه البؤرة ثم رعايتها وإعطاء قوة نموها زخما أكبر عن طريق استخدام أسلوب إدارة الأزمة بالأزمة فكل الأزمات الفرعية التي ترتبت على الاغتيالات السياسية التي أعقبت اغتيال الحريري كانت تهدف لاستخدام الأزمات الفرعية في تدعيم قوة اندفاع ونمو الأمة الكبيرة الرئيسية وأيضا كانت كل القرارات الدولية الصادرة التي ترتبت على هذه الأزمات الفرعية تهدف إلى تعزيز البيئة المؤسسية والمناخ محليا، إقليميا، ودوليا بما يلاءم نمو الأزمة.. وهكذا..
• الأزمة اللبنانية والموقف عشية 15 تموز:
محليا وصلت الاحتقانات الداخلية إلى قمة نموها واكتمالها... فالأطراف اللبنانية انقسمت تماما ضمن خطوط فاصلة يصعب التراجع عنها... وإقليميا تزايد التوتر السوري- الإسرائيلي بسبب سيطرة الليكود وجماعة المحافظين الجدد على الإدارة الأمريكية، وضعف وتواطؤ حكومة اولمرت زعيم كاديما، على النحو الذي عرقل استغلال فرصه استئناف مفاوضات السلام... وعراقيا بدأت الأطراف العراقية معاركها التكتيكية استعداد لمعركة بغداد الرئيسية وبكلمات اخرى فان التحالف الذي  يستطيع السيطرة على الرصيد الأكبر من المقاومة يكون هو صاحب القول الفصل في مواجهة قوات الاحتلال الأمريكية والتي بعد فترة من خوض معركة خطة تأمين بغداد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الفشل الذي هو تحديدا فشل الـ(خطة ب) علما بأن إدارة بوش لاتملك خطة (ج) في الوقت الحالي.. وفلسطينيا تكون المثلث  أو الحلم الذي راود شارون طويلا دولتان فلسطينيتان وإسرائيل.
أما دوليا فقد اصبح مصير لبنان معلقا بمثلث تل ابيب – واشنطن- باريس وسوف يستمر هذا المثلث في استخدام سياسة العصا والجزرة مع قوى 14 آذار بحيث تتمثل الجزرة في اعطاء الزعماء الثلاثة المساعدات لكياناتهم السياسية الطائفية بينما تتمثل العصا في (حزمة العصي) التي أصبحت بيد مثلث تل أبيب واشنطن باريس منها التهديد بفضح الملفات غير المعلنة لأطراف مثلث زعماء 14 آذار وبالذات دورهم في حرب الصيف الماضي وتعاونهم في العمليات السرية مع الموساد  ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية وملفات المخيمات الفلسطينية وربما في ملفات الاغتيالات السياسية التي حدثت في لبنان.
وهكذا انقسمت القوى السياسية اللبنانية ضمن خطوط يصعب التراجع عنها وذلك لأن الذين قاوموا العدوان الاسرائيلي بالدم والتضحيات فداء للسيادة الوطنية اللبنانية يصعب عليهم التراجع والسقوط في (بالوعة) قوى 14 آذار حيث يوجل كل شيء: منتدى وولش، الموساد، وكالة المخابرات المركزية الأمريكية . المخابرات الخارجية الفرنسية، المافيا الروسية – الاسرائيلية وهلمجر....
• الأزمة اللبنانية والسيناريوهات بعد 15 تموز
سوف يجتمع مجلس الأمن الدولي لمناقشة تنفيذ القرار الدولي 1701 وكل التقارير اللازمة للتأكيد بأن القرار الدولي لم يتم تنفيذه اصبحت جاهزة وتم اعدادها بما يخدم ويدعم هذا التوجه... وبالتالي يكون مثلث تل ابيب- واشنطن- باريس قد نجح في دفع مجلس الأمن الدولي عبر (اذرعه الخفية) بحيث لايكون هناك مفر من خيار نشر القوات الدولية على الحدود السورية – اللبنانية وتوسيع صلاحيات قوات اليونيفيل لنزع سلاح حزب الله واتهام سورية وايران بدعم حزب الله والاضرار باستقرار وسيادة لبنان.
أما السيناريوهات، فهي كالعادة يمكن تصنيفها ضمن ثلاثة هي:
السيناريو الافضل، السيناريو الوسط، السيناريو الاسوأ.
- أولاً: السيناريو الأفضل: ويتمثل في استقرار السيادة الوطنية اللبنانية وتوازن واستقرار علاقته مع بيئته الاقليمية وحقه في مقاومة الاعتداءات الاسرائيلية الحالية والمحتملة وهو سيناريو صعب التحقيق إلا اذا استطاعت الأغلبية الصامتة اللبنانية ممارسة حقها وهو أمر لن يتوفر أو يكون متاحا إلا بانتخابات برلمانية مبكرة وهو الأمر الذي ترفضه قوى 14 آذار التي باتت تعرف سلفا مصيرها اذا جاء الشعب اللبناني الى صناديق الاقتراع وقال كلمته.
- ثانيا: السيناريو الوسط: ان تستمر محاولات (تنفيس) ضغوط الأزمة عبر الوساطات الاقليمية والدولية على النحو الذي يدفع قوى المعارضة الى التريث ويدفع قوى 14 آذار الى تجميد انشطة حكومة الـ(بروكسي) التي ظلت تديربرئاسة السنيورة الشأن اللبناني بالوكالة عن مثلث تل ابيب – واشنطن- باريس وهذا السيناريو ممكن التحقق اذا تحقق شرط واحد هو أن تقوم اطراف المثلث الخارجي بتخفيف ضغوطها ومطالباتها لحكومة (البروكسي) التي يتزعمها السنيورة ولوكلائها وزبائنها الاخرين من قوى 14 آذار... كذلك ان تلتزم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي والمخابرات الخارجية الفرنسية بتجميد عملياتها السرية الجارية تنفيذها حاليا في الساحة اللبنانية.
- ثالثا: السيناريو الأسوأ: ويتمثل في تصاعد ضغوط الأزمة السياسية على النحو الذي يؤدي إلى تمزيق وحدة الكيان السياسي السيادي اللبناني بحيث تنقسم قمة هرمه السياسية إلى قسمين واحدة للمعارضة وأخرى للموالاة مما يترتب على ذلك تصاعد حركة الفرز والاستقطاب السياسي بين صفوف الشارع اللبناني ضمن حركة استقطاب ثنائية الاتجاه  بحيث يسعى كل فرد إلى الدخول تحت دائرة إحدى المظلتين.. وفي نهاية الأمر يصبح القرار اللبناني قرارين والمؤسسة الحكومية مؤسستين وتصبح كل وزارة وزارتين وتتزايد الانقسامات وتصبح الشرطة شرطتين والأمن والجيش امنين وجيشين وتكون النتيجة دخول لبنان للمرة الثالثة في نفق الصراع الأهلي والذي قد يكون هذه المرة مرضا تعقبه العافية لان من يجد مساندة من الشعب اللبناني سيبقى ومن لا يجد المساندة سوف يكون مصيره الضربة القاضية والخروج من لبنان محمولا على إسعافات اليونيفيل إلى باريس أو واشنطن.. أو ربما إلى الجليل الأعلى.. إن وافق أولمرت على قبوله وإعطائه حق اللجوء مع انطوان لحد وبقية زمرة جيش لبنان الجنوبي.

الجمل قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...