الأهداف الحقيقية لوقف إطلاق النار على غزة

18-01-2009

الأهداف الحقيقية لوقف إطلاق النار على غزة

الجمل: عانى بائع السمك الإسرائيلي موشي فنيكيم الكثير بسبب ركود تجارته خلال الحرب الأخيرة بين حماس والقوات الإسرائيلية فعلى مدى الأسابيع الثلاثة من القتال أغلقت المطاعم والمحلات في كافة مدن جنوب إسرائيل وتقلص الزبائن ما عدا اثنين أو ثلاثة كما يقول فنيكيم، ولكن عندما علم ظهر السبت بأن رئيس الوزراء أولمرت سيعلن وقفاً لإطلاق النار سارع فنيكيم إلى إعداد براداته استعداداً لمقابلة طلب زبائنه.. والشيء ذاته كان بالنسبة لوزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، فقد ظل على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية يراهن على تأديب حماس والجهاد الإسلامي وغيرها من فصائل المقاومة الإسلامية "المارقة" على الهيمنة المصرية في غزة، ولكن عندما أخبره المبعوث الإسرائيلي عاموس جيلعاد بأن إسرائيل ستصدر قراراً بوقف إطلاق النار فإن الوزير أبو الغيط سرعان ما حذا حذو بائع السمك الإسرائيلي موشي فنيكيم وقام هؤلاء أولاً بإصدار الكثير من التصريحات التي حاول أن يمارس فيها قدراً متزايداً من "المرجلة" ضد محور تل أبيب – واشنطن ولم ينس أبو الغيط أن يقنع "معلمه" مبارك الذي سارع إلى مشاركة الوزير في سيناريو بائع السمك الإسرائيلي ذاته، عن طريق خطابه المليء بالعبارات الساخنة كتحديد الخطوط الحمر لأمريكا وإسرائيل وغير ذلك من العبارات الملتهبة التي ظن كل من سمعها بأن جمال عبد الناصر قد انتفض من قبره ليخاطب الأمة العربية بعد غياب تجاوز الأربعين عاماً.
* سردية وقف إطلاق النار:
أعلنت الحكومة الإسرائيلية قرارها بوقف إطلاق النار في غزة من جانب واحد وأعلنت الحكومة المصرية بأنها طلبت من إسرائيل وقفاً فورياً لإطلاق النار ولكن الوقائع الميدانية تشير إلى شيء آخر فقد سبق أن سعت إسرائيل لوقف إطلاق النار وإنهاء عمليتها العسكرية في جنوب لبنان صيف العام 2006م بعد أن خسرت المزيد من الدبابات وعناصر قوات النخبة على يد مقاتلي حزب الله، في عيتا الشعب وغيرها والآن سعت إسرائيل لوقف إطلاق النار وتعليق عمليتها العسكرية في غزة، بعد أن خسرت –كما يقول موقع غلوبال ريسيرتش الكندي- 16 دبابة والمزيد من عناصر قوات النخبة في معارك تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة، وتشير التحليلات إلى أن الفرق بين حرب جنوب لبنان وحرب جنوب فلسطين (قطاع غزة) يتمثل فقط في طريقة أولمرت في إنهاء السيناريو فقد لجأت تل أبيب إلى الاستنجاد بالقوات الدولية، بمعاونة حكومة السنيورة وقوى 14 آذار والآن كما هو واضح فإن الاستنجاد الإسرائيلي بالقوات الدولية سيتم عبر مؤتمر شرم الشيخ وبمعاونة حكومة حسني مبارك.
* الأبعاد غير المعلنة في قرار وقف إطلاق النار الإسرائيلي:
يردد رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت صدور قرار وقف إطلاق النار من جانب واحد على أساس أن القوات الإسرائيلية المكلفة بإنجاز العملية العسكرية قد أنجزت مهامها وعلى خلفية هذا التبرير نلاحظ الآتي:
• إن أولمرت لم يشر لا من بعيد ولا من قريب إلى أي نوع من الاستجابة الإسرائيلية للمطلب المصري أو حتى الفرنسي، ولا حتى لقرار مجلس الأمن الدولي الذي طالب بوقف فوري لإطلاق النار.
• طرح أولمرت قرار وقف إطلاق النار باعتباره أتى بعد أن حققت القوات الإسرائيلية الانتصار في حرب غزة.
• اشترط أولمرت بأن وقف إطلاق النار من طرف واحد سيكون مستمراً طوال ما لم تبادر حركة حماس والأطراف الفلسطينية الأخرى إلى إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل.
• أكد أولمرت بأن أداء القوات الإسرائيلية في العملية العسكرية ضد غزة قد كان ناجحاً لجهة استعادة وتعزيز قوة الردع الإسرائيلي.
نستطيع من بين ثنايا الخطوط العامة التي أسس عليها إيهود أولمرت عبارات وفقرات تصريحاته أن نلاحظ الآتي:
• لم يشر أولمرت إلى استجابة إسرائيل للطلب المصري أو الفرنسي أو قرار مجلس الأمن الدولي وكان أولمرت محقاً لأن كل هذه الأطراف لا قيمة لها في عملية صنع واتخاذ القرار في إسرائيل ولكن ما لم يشر إليه أولمرت هو المخاوف الإسرائيلية من تصاعد ضغوط الرأي العام الدولي التي تجاوزت نطاق مرحلة رد الفعل الرمزي – القيمي إلى مرحلة رد الفعل السلوكي من خلال استهداف المصالح الإسرائيلية في سائر أنحاء العالم، إضافة إلى انقسام المجتمعات اليهودية الموجودة في الخارج بشكل لو تفاقم فإنه سيؤثر على أصدقاء إسرائيل في تلك المجتمعات وعلى وجه الخصوص في بلدان مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا والسويد والنرويج.
• تطرق أولمرت إلى أن القوات الإسرائيلية قد حققت وأنجزت مهامها ولكنه لم يحدد بشكل كافي ومفصل المهام التي تم إنجازها.
• اشترط أولمرت بأن وقف إطلاق النار من جانب واحد سيرتبط حصراً بعدم إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وهذا معناه أن إسرائيل لم تنجح في القضاء على قدرات حماس وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بوقف إطلاق الصواريخ. بكلمات أخرى فإن القوات الإسرائيلية لم تقم بإنجاز المهمة الرئيسية لعمليتها العسكرية المتمثلة في القضاء نهائياً على خطر الصواريخ من قطاع غزة.
• تأكيد أولمرت بنجاح القوات الإسرائيلية في استعادة وتعزيز قوة الردع الإسرائيلية هو تأكد يتضمن اعترافاً واضحاً بأن قوة الردع التي فقدتها إسرائيل في حرب صيف العام 2006م قد استعادتها من خلال حرب غزة شتاء العام 2009م.
برغم كل المبررات التي وردت في حديث أولمرت فإن الأهداف الحقيقية لوقف إطلاق النار يمكن اكتشافها بوضوح في المعطيات الآتية:
• التوظيف الإسرائيلي للجهود المصرية من خلال مؤتمر شرم الشيخ الذي انعقد اليوم بمشاركة فرنسا – ألمانيا – بريطانيا – إيطاليا – إسبانيا – تركيا، لجهة التنسيق مع مصر في كيفية تشديد الحصار على قطاع غزة عن طريق ضبط الحدود بين مصر والقطاع، وإذا كان المعلن في هذا الجانب يتمثل في تشديد الرقابة الميدانية الحدودية فإن غير المعلن هو مساعي إسرائيل لإخراج مصر وحرمانها من استخدام ورقة غزة، إضافة لذلك، فقد تطرقت بعض الأطراف الإسرائيلية إلى أن مهمة الأطراف الدولية لن تنحصر في الرقابة العلاجية لحدود مصر – القطاع وإنما في الرقابة الوقائية التي تتضمن ترحيل البدو والمصريين في سيناء ومساعدة مصر في القيام بذلك بما يترتب عليه إفراغ سيناء من سكانها.
• تغيير توازن القوى في التفاوض مع حماس من خلال ربط سحب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة بقيام حماس بالموافقة على إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جيلعاد شاليط وتسليم السلطة الفلسطينية مقاليد الأمور في القطاع.
• إضافة إلى المزيد من الشروط التعجيزية المتجددة بما يترتب عليه توفير المبررات والذرائع لاستمرار بقاء القوات الإسرائيلية في القطاع بما في ذلك شن المزيد من العمليات العسكرية الأخرى.
هذا، وبرغم المبررات والمزاعم، فإن القيادة الإسرائيلية تقوم الآن بمواجهة السؤال الحرج الذي طرحه التحليل الثنائي لعاموس هاريل وعافي إيسخاروف والقائل: كيف سترد إسرائيل على الصاروخ القادم.. وهي تعلم تمام العلم أنها فشلت في استخدام سيناريو العمليات العسكرية مثل هذه، ليس مرة واحدة وإنما ثلاث مرات الأولى بعد أن خرجت من لبنان في العام 2000م والثانية بعد انسحابها وفقاً لخطة وقف إطلاق النار والهدنة السابقة مع حماس في العام 2008؟
وأشار التحليل إلى أن العمليات العسكرية القاسية لم تؤد من جهة إلى إيقاف خطر الصواريخ ومن الجهة الأخرى أدت إلى تزايد معاداة الرأي العام الدولي لإسرائيل.
أما المحلل الإسرائيلي ألوف بين فقد أشار من بين ما أشار إلى أن أولمرت نجح في مرافقته لباراك وتوحيد رأييهما إزاء وقف إطلاق النار بعد أن كانا خلال الأسبوعين الماضيين غير متوافقين.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...