الاستراتيجية التركية الجديدة تجاه إقليم كردستان

23-01-2007

الاستراتيجية التركية الجديدة تجاه إقليم كردستان

الجمل:   السياسة الخارجية التركية، أصبحت أكثر ميلاً للعمل وفق استراتيجية الإغلاق المبكر للأبواب قبل اشتداد هبوب الرياح، أو على الأقل مواصلة الأسلوب الذي كانت تقوم تركيا باتباعه إزاء التعامل المبكر الاستباقي مع الأزمة الكردية.
الوضع في شمال العراق، أصبح نذيراً يحمل الكثير من الملامح التي تفيد بتزايد الخطر الداهم المحدق بالمنطقة عموماً، وبتركيا على وجه الخصوص. وأبرز ملامح هذا الخطر لا تتمثل في تزايد قوة وعتاد حزب العمال الكردستاني فقط، وإنما في الظهور القوي الفاعل لكيان جديد في المنطقة هو ما يطلق عليه الأكراد باللغة الكردية تسمية (حكومة تي هه ريمي)، والتي تعني بالعربية (حكومة كردستان).
إقليم كردستان القائم حالياً في شمال العراق، أصبح يمثل وفقاً للدستور العراقي (الذي أشرفت على وضعه سلطات الاحتلال الأمريكية) إقليماً فيدرالياً معترفاً به ككيان سياسي ويتمتع بالاستقلال الذاتي، كذلك يقع هذا الإقليم بمجاورة إيران، سوريا، وتركيا، ويطلق الأكراد على عاصمته اسمه هيولير ومعانا أربيل.
تقول معطيات الخبرة التاريخية التي يعتمدها الأكراد بأن ثمة دولة كردية كانت قائمة في منطقة إقليم كردستان في الفترات التاريخية الآتية:
- مملكة كردستان (من 1922 إلى 1924).
- جمهورية ارارات (من 1927 إلى 1931).
- جمهورية مهاباد (عام 1947).
- حكومة إقليم كردستان (الموجودة حالياً في شمال العراق).
المحددات الجيوبوليتيكية لإقليم كردستان العراقي تشير إلى الآتي:
• المساحة: 80 ألف كيلو متر مربع (أي ثمانية أضعاف مساحة لبنان البالغة 10 آلاف كيلو متر مربع).
• العاصمة السياسية: مدينة أربيل.
• نظام الحكم: برلماني تعددي
- رئيس الحكومة، مسعود برزاني.
- رئيس الوزراء: نيخرفان ادريس برزاني.
- نائب رئيس الوزراء: عمر فتاح حسين.
اكتسب الإقليم وضعيته السياسية الحالية وفقاً للتطورات السياسية الآتية:
- 11 آذار 1970: التوقيع على اتفاقية منح الحكم الذاتي.
- 14 آذار 1974: انهيار اتفاقية منح الحكم الذاتي.
- تشرين الأول 1991: أدت قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن العراق إلى جعل الإقليم يتمتع بما يشبه الاستقلال السياسي وفقاً للأمر الواقع.
ظلت الحكومات التركية تنظر بحذر إلى كل تطورات الملف الكردي، وحالياً أصبح الموقف من وجهة النظر التركية الرسمية، لا يتحمل التأخير والانتظار، لأن التطورات على الأرض -كما يقول المسؤولون الأتراك- أصبحت تمثل وتشكل تهديداً للأمن الوطني التركي، بشكل انتقل فيه هذا التهديد متطوراً من مرحلة التهديد الثانوي إلى مرحلة التهديد الرئيسي، التي تتوجب التدخل السريع والحسم.
السياسة الخارجية التركية خلال الفترة السابقة كان يتجاذبها عاملان أساسيان، هما:
• الاتحاد الأوروبي: وتسعى السياسة الخارجية التركية إلى تحقيق انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
• الولايات المتحدة: ظلت السياسة الخارجية التركية، تحافظ على اندماجها ضمن نطاق أجندة السياسة الخارجية الأمريكية.
ووفقاً لتأثيرات هذين العاملين، كانت عملية صنع واتخاذ  قرار السياسة الخارجية التركية تواجه الكثير من المصاعب والمواقف المربكة، فمثلاً عند قيام أمريكا بعملية غزو العراق، كان الأوروبيون معارضون بشكل غالب، والأمريكيون مؤيدون، وكان من الصعب على الحكومة التركية اللجوء إلى خيار دون آخر لأن تأييد أمريكا سوف يطيح بآمال تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأيضاً تأييد الاتحاد الأوروبي سوف يحرم تركيا من مزايا وعائدات تحالفها الاستراتيجي مع أمريكا وإسرائيل.
في الفترة التي أعقبت احتلال العراق، ظلت الحكومة التركية ترصد تحركات الميليشيات والحركات السياسية الكردية، والتي أصبحت تتمتع بهامش واسع من حرية الحركة والمناورة في شمال العراق، بدءاً من مطلع التسعينيات (عندما أصدر مجلس الأمن الدولي قراره المتعلق بتوفير الحماية لأكراد شمال العراق)، وحتى فترة ما بعد احتلال العراق، بواسطة القوات الأمريكية، التي قدمت الحركات الكردية الكثير من المساعدات الرئيسية في تسهيل عملية احتلال العراق وتصفية نظام الرئيس الراحل صدام حسين.
يقول المسؤولون الأتراك: إن الوجود العسكري الأمريكي في العراق، قد أدى إلى تقييد حرية حركة الحكومة التركية في مواجهة الخطر الكردي المحدق بها. كذلك يقول هؤلاء المسؤولين بأنهم حاولوا أكثر من مرة استخدام الوسائل السياسية والدبلوماسية مع واشنطن بهدف حل مشكلة الخطر الكردي الموجود في شمال العراق، ولكن دون جدوى.
وبناء على كل ذلك، أصبحت ثمة علامات جديدة في تركيا تشير وتؤكد على أن ثمة تغيير جديد في السياسة الخارجية التركية أصبح على وشك الظهور والإعلان عن نفسه، ومن أبرز الملامح الدالة على ذلك:
• صرح رئس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، أن ملف العراق أصبح أكثر أهمية لتركيا من ملف الانضمام للاتحاد الأوروبي.
• صرح رئيس الاستخبارات التركية إيمري تاينر، داعياً إلى ضرورة أن تدخل تركيا كلاعب أساسي في العراق، وحذر من مغبة استمرار تركيا القيام بدور المتفرج في المنطقة.
وتقول آخر المعلومات بأن تركيا قد حددت استراتيجية خاصة بها إزاء العراق، وتتضمن النقاط الآتية.
- المحافظة على وحدة العراق وسيادته الكاملة.
- تصحيح خلل توازنات المجموعات العراقية الطائفية، والدينية، والعرقية.
- أن تشرف الحكومة المركزية العراقية حصراً على عائدات النفط العراقي.
- أن تشرف الحكومة المركزية العراقية على أداء مهامها السيادية مثل إدارة المعابر الحدودية والجوازات ومنح تأشيرات الدخول والخروج وإصدار العملة وعقد الاتفاقيات الدولية.. وغير ذلك.
- مراجعة الدستور العراقي الحالي، وإزالة كل فقرة أو بند يتضمن أبعاداً انفصالية تكرّس التقسيم والانفصال.
- - حل مشكلة مدينة كركوك.
- حماية السكان التركمان.
- إنهاء أي تواجد لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
إن التدخل التركي حالياً في شمال العراق، سوف يؤدي إلى خلاف أمريكي- تركي، يترتب عليه القضاء على التحالف التركي الاستراتيجي مع أمريكا. كذلك مهما كان الأوروبيون معارضين لبقاء القوات الأمريكية في العراق، فإنه في حالة الخلاف بين تركيا وأمريكا، فإن الأوروبيين سوف يقفون إلى جانب أمريكا. إضافة إلى أن هذا الخلاف سوف يوفر للأوروبيين الغربيين الذريعة الكافية لرفض قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي.
إن الخيار الواضح أمام تركيا يتمثل بوضوح إما خيار الاندماج والتكامل ضمن البنية التي توجد في تركيا، وأيضاً شاركت تركيا تاريخياً في تشكيلها وصياغة جغرافيتها، وذلك منذ أيام الامبراطورية العثمانية. أو خيار التواصل مع أمريكا، بانتظار أن تؤدي ضغوطها على الأوروبيين إلى ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهو خيار خاسر، لأن الأمريكيين والأوروبيين الغربيين متفقون كما هو واضح على جعل تركيا تقف على أمل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه يتم استغلالها وتوظيفها بواسطة أمريكا وبلدان غرب أوروبا.. وسوف يطول انتظار تركيا إذا التزمت بهذا الخيار.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...