التاريخ الطويل لوجه أميركا المظلم

10-11-2010

التاريخ الطويل لوجه أميركا المظلم

 يرى الكثير من الأميركيين بلدهم و جنودها أشخاصا خيرين ينشرون الديمقراطية و الحرية حول العالم.و عندما توقع الولايات المتحدة موتا و دمارا غير ضروريين يعتبر الأمر خطأ أو ضلالا.
في المقالة التالية يبحث كل من الكاتب و الشاعر (بيتير ديل سكوت) و الصحفي الباحث و المحارب القديم (روبيرت باري )التاريخ الطويل لهذه الأعمال الوحشية ، انه مستند يخلص إلى أن ما حدث لم يكن خطأ و لا ضلالا و لكن مبدأ متعمد في الجانب المظلم:
 يوجد خيط شرير، نادرا ما يعترف به، يجري عبر عقيدة جيش الولايات المتحدة، و يعود تاريخه إلى الأيام الأولى للجمهورية.فطالما دافع العرف العسكري بصراحة عن الاستخدام الانتقائي للإرهاب، سواء أكان هذا في قمع مقاومة السكان الأميركيين الأصليين في القرن التاسع عشر أو في حماية المصالح الأميركية في الخارج في القرن العشرين أو خوض  الحرب ضد الإرهاب عبر العقد الماضي.
و الشعب الأميركي غافل بشكل كبير عن هذا العرف المخفي لأن الخطابات المؤيدة للإرهاب الذي  ترعاه الدولة  تقتصر على حلقات الأمن القومي و نادرا ما تطرح للنقاشات العامة  التي عوضا عن ذلك تدور حول النوايا الحسنة للتدخلات الأميركية في الخارج.
و عبر العقود الماضية كشفت التحقيقات في الكونغرس و الصحافة عن بعض الانتهاكات، ولكن عندما حدث هذا كانت القضايا تعتبر إما شاذة أو مبالغ بها  من قبل جنود فاقدين للسيطرة.
غير أن السجل التاريخي يظهر بأن التكتيكات الإرهابية كانت على الدوام الجانب المظلم في عقيدة جيش الولايات المتحدة. و لا تزال موجودة حتى يومنا نظريات عن حروب مواجهة المتمردين و الصراعات ذات الحدة المنخفضة و الحرب ضد الارهاب.
بعض المؤرخين أرجع تاريخ الموافقة الرسمية على هذه المبادئ المتوحشة إلى الستينات من القرن التاسع عشر عندما كان جيش الولايات المتحدة يواجه تحدي الجنوب الثائر و مقاومة السكان الأميركيين الأصليين في الغرب.و من هذه الأزمات بزغت العقيدة العسكرية الحديثة " الحرب الشاملة" التي تعتبر الهجمات على المدنيين و البنى الاقتصادية التحتية جزءا مكملا لإستراتيجية النصر.
عام 1864 خلف الجنرال (ويليام تيكومسيه شيرمان) وراءه الدمار في أراض تابعة لمدنيين في ولايتي جورجيا و كارولينا ، و كانت خطته ترمي لتحطيم عزيمة الجنوب على القتال و قدرته على الاحتفاظ بجيش كبير، و نتج عن  التخريب مزارع محترقة و اتهامات كثير باغتصاب و قتل المدنيين.
و بنفس الوقت ، وفي ولاية كولورادو كان الجنرال (جون م شيفينغتون) و سلاح الفرسان الثالث يطبقون تكتيكاتهم الإرهابية لتهدئة قبيلة شايان (الأميركية الهندية )، و فيما بعد  وصف باحث اسمه (جون سميث) الهجوم عند نهر ساند(  (Sand Creek  في كولورادو الذي استهدف هنود أبرياء في مخيم مسالم:
" لقد نزعت فروات رؤوسهم وحطمت أدمغتهم ، اغتصبت النساء اللواتي بلا حماية ،ضرب الأطفال الصغار و سحقت رؤوسهم بالأسلحة و أخرجت الأدمغة منها و مثل بأجسادهم بكل ما تحمل الكلمة من معنى"
و رغم الهجوم على موضوعية سميث في ذاك الزمن، غير أنه اليوم و حتى المدافعين عن غارة ) Sand Creek   ) يسلمون بأن معظم النساء و الأطفال قد قتلوا و تعرضوا للتشويه.
و مع ذلك في الستينات من القرن التاسع عشر ، رأى الكثير من البيض في كولورادو في  المذبحة الطريقة الواقعية الوحيدة لإحلال السلام ، تماما مثلما رأى (شيرمان) أن (مسيرته نحو البحر) ضرورية لإجبار الجنوب على الاستسلام.
بعد أربع سنوات من الحرب الأهلية ، أضحى (شيرمان) القائد العام للجيش و أدخل استراتيجيات تهدئة الهنود (إضافة لتكتيكاته الخاصة) إلى تعاليم القوات المسلحة الأميركية و خلفه عام 1883 الجنرال (فيليب  شيريدان) ، الذي قاد الحرب ضد الهنود في ولاية ميسوري، و رسخ الاستراتيجيات المذكورة كسياسة.
و مع نهاية القرن التاسع عشر قهر المحاربون من السكان الأميركيين الأصليين و لكن بقيت إستراتيجية الجيش في الفوز.
أميركا الاستعمارية:
عندما أعلنت الولايات المتحدة الفيليبين كغنيمة في الحرب الاسبانية –الأميركية ، قاوم الثوار الفيليبيون. و في عام 1900 اتخذ الجنرال (ج فرانكلين بيل) و عن وعي حروب الهنود الأميركيين و استراتيجيات (شيرمان) نموذجا احتذى به في حملته الوحشية ضد الثوار.و أعتقد (بيل) أنه إذا عاقب أغنياء الفيليبين عن طريق تدمير منازلهم (كما فعل شيرمان في الجنوب) فإنهم سيجبرون على إقناع أبناء بلدهم بالاستسلام. و مع تذكره لدروس حروب الهنود الأميركيين، قام أيضا بعزل المشاركين في حرب العصابات عن طريق حشر الفيليبينيين في مناطق تحت سيطرة مشددة حيث بنيت المدارس و تم توفير احتياجات اجتماعية أخرى.
كتب المؤرخ ستيوارت كريغتون ميللير: (سيق كل السكان خارج المدن الرئيسية في مقاطعة باتانكا إلى معسكرات اعتقال ، لقد كان هدف (بيل) الرئيسي الطبقات الأغنى و الأكثر تعليما ... و لوضع الملح على الجرح ، أجبر (بيل) هؤلاء الناس على نقل الوقود الذي استخدم لحرق المنازل في وطنهم)
و الإرهاب كان من نصيب أولئك الموجودين خارج المناطق المحمية ، و يصف أحد المراسلين مشهدا قام فيه الجنود الأميركيون بقتل الرجال و النساء و الأطفال من العاشرة فما فوق ، فالفكرة السائدة هي أن الفيليبيني أفضل بقليل من الكلب : (ضخ جنودنا الماء المالح في أفواه الرجال لجعلهم يتكلمون ، و أسروا الأشخاص الذين رفعوا أيديهم و استسلموا بهدوء، و بعد ساعة ، و دون أدنى دليل على أنهم متمردون، أوقفوهم على الجسر , أطلقوا عليهم النار فتساقطوا الواحد اثر الآخر في المياه أسفل الجسر ليكونوا عبرة لأولئك الذين يعثرون على جثثهم التي مزقها الرصاص)و لكن دفاعا عن هذا التكتيك أضاف المراسل: ( إنها ليست حربا حضارية، ولكننا لا نتعامل مع شعب حضاري ، الشيء الوحيد الذي يعرفوه هو القوة و العنف و الوحشية)
و في عام 1901 قام المعادون للاستعمار في الكونغرس بفضح و شجب تكتيكات (بيل) الوحشية،و مع ذلك نالت استراتيجياته استحسان القوات المسلحة كطريقة مصقولة للتهدئة
مع بداية القرن العشرين أضحت منهجية التهدئة موضوعا مثيرا بين القوى الأوروبية الاستعمارية ، فمن ناميبيا إلى الصين الهندية كان الأوربيون يقهرون السكان المحليين.و غالبا ما يثبتون فاعلية  القتل بدو تحفظ ، مثلما فعل الألمان مع مذابح قبيلة هيريرو الناميبية  بين عامي 1904 و 1907 .فواضعو الاستراتيجيات العسكرية يتحدثون دائما عن التقنيات البارعة لمواجهة الإرهاب و الممزوجة مع النزعة لعمل الخير.
و بعد الحرب العالمية  الثانية راجت من جديد استراتيجيات مواجهة المتمردين مع مطالبة الكثير من الشعوب المستعبدة بالاستقلال عن الحكم الاستعماري هذا إضافة لخوف واشنطن  من انتشار الشيوعية.وفي الخمسينات من القرن الماضي ، جعلت الثورة ضد الهيمنة الأميركية و التي قادها هوك ( هوكبالاهاب جيش الحزب الشيوعي في الفيليبين) من أرض  الفيليبين مختبرا للمرة الثانية مع استعادة دروس الجنرال (ج فرانكلين بيل).
و لكن اتصفت الحرب ضد ال(هوك) بميزات إضافية لا سيما المفهوم الحديث للحرب النفسية.و وفقا لاستراتيجيات الجنرال العامل في ال CIA  (ايداورد ج لانسديل) كانت الحرب النفسية طريقة جديدة في اللعبة القديمة الرامية إلى تحطيم عزيمة الشعب المستهدف. فالفكرة كانت تحليل مواطن الضعف النفسي في الشعب و تطوير أفكار يمكنها أن تؤدي إلى أفعال لصالح منفذي العملية.
و بينما تضمنت الحرب النفسية بروبوغاندا و معلومات مضللة ، فإنها اعتمدت أيضا على تكتيكات إرهابية ، و قد أيد كراس يتحدث عن الحرب النفسية بالإشارة إلى تجربة (لانسديل) في الفيليبين،العنف المراد به العبرة بما فيه قتل و تشويه الأسرى و عرض جثثهم.
و شهد ثوار ال (هوك) عودة تكتيك منطقة النيران الحرة الذي طبقته قوات (بيل) قبل نصف قرن، و في الخمسينات كلفت فرق خاصة بهذا العمل القذر القاضي بتطويق مناطق و أي شخص يكون داخل هذا النطاق يعتبر عدوا و هكذا و تقريبا بشكل يومي أمكن العثور على جثث طافية في النهر و معظمهم ضحايا وحدة الرائد (فاليريانو نينيتا).

الطريق إلى فيتنام:
قاد النجاح في قمع ال  (هوك) مهندسي الحرب لمشاركة الآخرين في معلوماتهم عبر آسية و ما وراءها، و ذهب (فاليريانو) إلى حد المشاركة في كتاب أميركي حول مواجهة التمرد و خدم كجزء من الجهود الأميركية الرامية للتهدئة في فيتنام إلى جانب (لانسديل).
و مع إتباع النموذج الفيليبيني جمع الفيتناميون في قرى صغيرة إستراتيجية ، و أعلنت مناطق النيران الحرة  مع تدمير للمنازل و المحاصيل ، و أباد برنامج العنقاء (Phoenix program ) آلاف من المشتبه بهم من كادر الجبهة الوطنية لتحرير جنوب الفيتنام.
لقد اعتنقت الاستراتيجيات القاسية و لاقت القبول حتى من قبل شخصيات عسكرية محترمة جدا ، مثل الجنرال (كولين باول) الذي خدم جولتين في فيتنام و صادق على الممارسات الروتينية من قتل الذكور الفيتناميين كجزء ضروري لجهود مواجهة التمرد.
في مذكراته(رحلتي الأميركية)كتب باول:( أذكر عبارة اعتدنا استخدامها في المعركة و  هي (MAM) و  تعني:ذكر في عمر الانتساب للجيش، فإذا ما التقطت هيلو(طائرة هيلكوبتر أميركية) فلاحا يرتدي بيجامة سوداء و ممكن أن يكون  MAM يسدد الملاح صوبه ثم  يطلق الرصاص أمامه فإذا تحرك تعتبر حركته دليلا على نوايا عدائية و لا تكون  الطلقة الثانية أمامه بل عليه. عمل وحشي؟؟ ربما.و لكن أحد قادة البارعين قتل بنيران قناصة العدو بينما كان يراقب مجموعة من الMAM من الهيلكوبتر وهو واحد من كثيرين، إن طبيعة المعركة المتمثلة بعبارة أن تقتل أو تتعرض للقتل تؤدي إلى تبلد الإدراك الدقيق للخطأ أو الصواب)
عام 1965 قامت لجنة استخبارات أميركية بمنح صفة رسمية لدروسها القاسية في مواجهة التمرد عن طريق إطلاق برنامج سري جدا اسمه مشروع اكس(Project x)  و قاعدته مركز و كلية استخبارات الجيش الأميركي في ماريلاند ، و قد اقتبس المشروع من تجربة أرض المعركة و طور خطط تعليم لأجل توفير تدريبات استخبارية لبلدان أجنبية صديقة ، و ذلك وفقا لتاريخ  البنتاغون الذي أعد عام 1991 و صدر عام 1997.
و اعتبر المشروع اكس المرشد لقيادة عمليات سرية و كان أول استخدام له في كلية الاستخبارات الأميركية في أوكيناوا لتدريب الفيتناميين و دول أجنبية أخرى محتملة.
و تذكر (ليندا ماثيوس) من قسم الاستخبارات المضادة في البنتاغون أنه بين عامي 1967 و 68 قام الضباط بتجهيز مواد تدريب للمشروع اكس ترتبط ببرنامج العنقاء) Phoenix Program  )، و افترضت احتمال أن تكون بعض الأمور البغيضة في البرنامج قد وجدت مكانا لها في المشروع  في ذاك الوقت.
و في السبعينات من القرن الماضي انتقل مركز و كلية استخبارات الجيش الأميركي إلى أريزونا و بدأ بتصدير المشروع اكس إلى المجموعات المساعدة في جيش الولايات المتحدة العاملة مع دول صديقة أجنبية، و مع حلول منتصف السبعينات وصل المشروع اكس إلى الجيوش في كل أنحاء العالم.
عام 1992 اعترف البنتاغون بأن المشروع اكس كان مصدرا للدروس البغيضة في الأميركيتين حيث تعلم ضباط أميركا اللاتينية الابتزاز و الخطف و القتل و التجسس على الخصوم السياسيين   اللا عنيفين.
و لكن لم تفضح القصة بالكامل، إذ مع اقتراب نهاية ولاية بوش الأولى قام ضباط كبار في البنتاغون يعملون لصالح وزير الدفاع آنذاك ديك تشيني بإصدار أوامر لإتلاف معظم الملفات الخاصة بالمشروع اكس.

مع  حلول منتصف الستينات ، وصلت بعض دروس الولايات المتحدة في مواجهة  التمرد إلى اندونيسيا أيضا.و كانت تدريبات الجيش الأميركي سرية لأن واشنطن رأت بأن قائد الدولة المحايد (سوكارنو) مشتبه به سياسيا.و سمح بالتدريبات فقط لأجل منح الولايات المتحدة سيطرة ضمن الجيش الاندونيسي الذي اعتبرته أجدر بالثقة.
المساعدات و التدريبات السرية الأميركية كانت تحت اسم "أعمال مدنية" مثل تعبيد طرقات ، و تزويد المستوصفات الصحية بأطباء و القيام بنشاطات تجذب عقول و قلوب المدنيين. و لكن هذه "الأعمال المدنية" وفرت غطاءا لحرب نفسية في اندونيسيا كما كان الحال في الفيليبين و فيتنام.
وفيما بعد سددت الروابط العسكرية السرية بين الولايات المتحدة و اندونيسيا الثمن لواشنطن مع انفجار أزمة سياسية هددت حكومة (سوكارنو).و لمواجهة الحزب الشيوعي القوي في اندونيسيا المعروف ب PKI قامت وحدات المظليين في الجيش بذبح عشرات الآلاف من الرجال و النساء والأطفال. و ألقيت جثث كثيرة في أنهار شرق جاوه فأضحت حمراء بلون الدماء.
و في الحرب النفسية الكلاسيكية تخدم الجثث المنتفخة كتحذير سياسي للقرى عند النهر، و لضمان عدم غرقها كانت تربط إلى أوتاد الخيزران أو "تخوزق" بها . و قال (ساروو أيدهي)، المسؤول عن كتيبة تعرف باسم القبعات الحمر، بأنه يجب عدم منح المعارضة الشيوعية أية فرصة للتفكير، و يجب أن تهزم بكل الطرق بما فيها الحرب النفسية.
و يذكر أن  (ساروو) كان على اتصال بال CIA عندما عمل في سفارة اندونيسيا في أستراليا.
تعاطف وسائل الإعلام الأميركية:
لم تسمع ردات فعل النخبة في الولايات المتحدة تجاه المذبحة الرهيبة و بقيت متضاربة. و أنكرت إدارة جونسون أية مسؤولية على المجازر، و لكن في صحيفة نيويورك تايمز تحدث (جيمس ريستون) نيابة عن كثير من الصحفيين واصفا التطورات الدموية في اندونيسيا ب "وميض النور في آسيا".و استمر الإنكار الأميركي حتى عام 1990 عندما اعترف دبلوماسيون أميركيون  أمام الصحافة بأنهم ساعدوا الجيش الاندونيسي بتزويده بقوائم الشيوعيين المشتبه بهم.
إذ قال الدبلوماسي(روبيرت مارتينز) لأحد الصحفيين :( لقد كانت فعليا مساعدة كبيرة للجيش، و ربما تلطخت يدي بالكثير من الدماء و لكن هذا ليس كله سيء، إذ يمر وقت يتوجب عليك فيه الضرب بقوة في لحظة حاسمة)
و هذا الكلام أثار (ستيفن س روزينفيلد) كاتب الافتتاحيات في صحيفة (واشنطن بوست) إذ قبل بحقيقة أن المسؤولين الأميركيين ساعدوا في "هذه المذبحة المخيفة" ، و لكنه فيما بعد برر القتل فقال  : ( المذبحة كانت و لازالت تعتبر مصيرا مروعا و لكنه أيضا ملائم للحزب الثوري التآمري الذي يجسد نفس القوة الهائلة العنيدة الشيوعية التي وجدت في فيتنام.و و أما أن يقضي الجيش على الشيوعيين أو سيقضون عليه ، و اندونيسيا كانت كلعبة الدومينو و الخلاص من ال PKI جعلها تقف في العالم الحر.و رغم أن الطرق كانت فاسدة جدا و لكن يمكننا القول بأننا نعمنا بثمار  الاستقرار الجيوسياسي في ذاك الجزء الهام من آسيا في ثورة ما كان يمكن أن تحدث أبدا).
 و لكن طعم الثمار كان مرا جدا في أفواه شعوب الأرخبيل الاندونيسي ، ففي عام 1975 قام جيش دكتاتور اندونيسيا (سوهارتو) بغزو تيمور الشرقية و عندما قاومت لجأ الجيش إلى الخدع الرهيبة الذي تعلموها من الولايات المتحدة و تورط في مذبحة ضد سكان تيمور.
الاشمئزاز الشعبي:
أخيرا و عبر التلفاز اكتشف الأميركيون في  حرب فيتنام شناعة مواجهة التمرد ، لقد رأى ملايين الأميركيين جنود الولايات المتحدة و هم يشعلون القرى و يجبرون العجائز الذاهلين على مغادرة منازل أسلافهم.شاهدوا فيلما عن الاستجوابات الوحشية و عن إعدام أحد الضباط الفيتناميين و عن قذف الأطفال بالنابالم، و في الواقع كانت حرب الفيتنام المرة الأولى التي يشهد بها الأميركيون استراتيجيات التهدئة التي جرت بشكل سري كسياسة امن قومي منذ القرن التاسع عشر.و النتيجة تظاهر ملايين الأميركيين مما أجبر الكونغرس متأخرا على إنهاء التدخل الأميركي عام 1974.
و لكن لم تحل النقاشات حول مذهب الحرب النفسية بعد فيتنام. إذ تجمع ثانية مؤيدو مواجهة التمرد في الثمانينات خلف الرئيس رونالد ريغان ، الذي دافع بحيوية عن التدخل في فيتنام و أكد على عزم الولايات المتحدة على تطبيق تكتيكات مشابهة ضد القوى اليسارية لا سيما في أميركا الوسطى.و أضاف ريغان عنصرا جديدا للخلطة، فمع إدراك الدور الذي لعبته الصور و التقارير الصحفية النزيهة في تراجع الدعم الشعبي لمواجهة التمرد في فيتنام، أقر ريغان عملية الدبلوماسية  الحكومية التي تمارس ما يسمى (إدارة الإدراك الحسي) و أرعب الصحفيين لضمان وصول المعلومات المصححة فقط للشعب الأميركي.و الصحفيون الذين فضحوا فظائع القوات المدربة من قبل الولايات المتحدة تعرضوا لانتقاد شديد و دمر مستقبلهم المهني.
بعض رجال ريغان لم يشعروا بالخجل من الدفاع عن الإرهاب السياسي على اعتبار أنه ضروري في الحرب الباردة.و لما عارض الديمقراطيون في الكونغرس التدخل المفرط لريغان في أميركا الوسطى، ردت الحكومة عن طريق العلاقات العامة و الضغط السياسي و شككت بوطنية المنتقدين.و النتيجة تراجع الأخيرين تحت الهجوم مما أطلق العنان لإدارة ريغان لتطبيق استراتيجيات فرق الموت في السلفادور و هندوراس و غواتيمالا و نيكاراغوا.
و يتضح من هذه التجارب في اندونيسيا و فيتنام و  أميركا الوسطى و مناطق أخرى في العالم أن الولايات المتحدة و على امتداد أجيال دعمت فكرتين متوازيتين و لكن متعارضتين تتعلقان بالشرور العسكرية و حقوق الإنسان، الأولى تؤمن بميل الولايات المتحدة لعمل الخير و يعتنقها الشعب بشكل عام ، أما الثانية فترى أن الغاية تبرر الوسائل الوحشية و يؤيد هذه الفكرة المختصون بمواجهة التمرد.
و بشكل طبيعي يقوم هؤلاء المختصون بأعمالهم في أماكن بعيدة مع القليل من الأخبار في الصحف الوطنية. و لكن في بعض الأحيان يتصادم هذان الرأيان (عن أميركا العادلة و أميركا القاسية )علنا كما حدث في فيتنام. أو يتسرب الضوء على الجانب المظلم في سياسة الأمن القومي الأميركية من شقوق محظورة كما حدث في صور سجن أبو غريب في العراق أو وسائل التعذيب التي استخدمت من قبل البيت ابيض كجزء من الحرب على الإرهاب.
عندها فقط يلقي  الشعب نظرة على الحقيقة المروعة ، و التكتيكات الدموية الوحشية التي اعتبرت ضرورية على امتداد أكثر من قرنين في الدفاع عن المصالح القومية الوهمية.

 

ترجمة رنده القاسم
عن موقع Consortiumnews

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...