الحرب على الإرهاب .. أو أي شيء آخر: سوريا و "الجهاد الأمريكي"

11-10-2013

الحرب على الإرهاب .. أو أي شيء آخر: سوريا و "الجهاد الأمريكي"

الجمل- وليام بلوم- ترجمة: د. مالك سلمان:

"تلاشت آمال الولايات المتحدة بتعزيز نفوذها على حركة التمرد المقسمة في سوريا يوم الأربعاء بعد أن قامت 11 من أكبر الفصائل المسلحة بسحب اعترافها الائتلاف السياسي المعارض المدعوم من الغرب وأعلنت تشكيل تحالف ملتزم بإقامة دولة إسلاموية. وجبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة, والمصنفة على لائحة التنظيمات الإرهابية من قبل الولايات المتحدة, هي أحد أهم مكونات هذه المجموعة." ("واشنطن بوست", 26 أيلول/سبتمبر 2013)
أشفقوا على الأمريكي المسكين الذي يريد أن يكون مواطناً صالحاً, ويريد أن يفهمَ العالمَ ودورَ بلده فيه, ويريد أن يؤمنَ بما يسمى "الحرب على الإرهاب", ويريد أن يؤمن أن حكومته تسعى لأن تكون صالحة ... كيف سيفسر هذا كله؟
لمدة سنتين, بقيت حكومته العزيزة تدعم نفس الجهاديين المناوئين للحكومة في الحرب الأهلية السورية؛ ليس دعماً كاملاً, بل تقديم قدر كافٍ من المعدات العسكرية, والدعم اللوجستي, والمعلومات الاستخبارية, والمساعدة الدولية السياسية والدبلوماسية والدعائية (بما في ذلك القصة الهامة المزعومة المتعلقة بالأسلحة الكيماوية), بهدف إبقاء الجهاديين كلاعبين رئيسين. لم تقم واشنطن وحلفاؤها الرئيسون الشرق أوسطيون في هذا النزاع – تركيا والأردن وقطر والسعودية – بإيقاف تدفق الجهاديين إلى سوريا للانضمام إلى المتمردين, والذين تم تجنيدهم من صفوف المتطرفين السنة الذين قاتلوا في الشيشان والعراق وأفغانستان وليبيا, بينما عملت قطر والسعودية على تزويد المتمردين بالأسلحة التي تم شراء معظمها من الولايات المتحدة, إضافة إلى المبالغ الطائلة التي يملكون الكثير منها.
تم تقديم هذا الدعم الدولي الواسع على الرغم من كل الجرائم الوحشية التي ارتكبها الجهاديون – السيارات الملغومة والتفجيرات الانتحارية (التي أودت بالكثير من الضحايا المدنيين), وزرع الألغام على الطرقات, والمجازر الوحشية بحق المسيحيين والأكراد, وقطع الرؤوس وتقطيعات أخرى لأجساد الضحايا (أشنعها شريط فيديو نشر على "يوتيوب" لأحد قادة المتمردين وهو ينتزع كبد الضحية ويعضه والدماء تسيل منه). وقد تم تتويج كل هذه الوحشية بعبثية أكبر – قتال هذه القوات المدعومة من الغرب والمناوئة للقوات الحكومية ضد قوات أخرى غير جهادية مناوئة للحكومة ومدعومة من الغرب. فقد أصبح من الصعب جداً إقناع الشعب الأمريكي بهذه الحرب وكأنها صراع بين "معتدلين" منادين بالديمقراطية منخرطين في صراع أخيار- ضد- أشرار مع دكتاتور شرير, على الرغم من أن الولايات المتحدة قد حاربت إلى جانب القاعدة في مناسبات عديدة أخرى قبل سوريا. إليكم هذا العرض الموجز:
أفغانستان, 1980 – بداية التسعينيات: 
في دعمها للمجاهدين الإسلامويين, نسقت "سي آي إيه" حرباً ضد الحكومة الأفغانية وحلفائها السوفييت, حيث ضخت مليارات الدولارات من الأسلحة والتدريب العسكري المكثف؛ إذ لجأت إلى البلدان شرق الأوسطية للتبرعات, وبشكل خاص السعودية التي قدمت مساعدات سنوية بمئات الملايين من الدولارات؛ إضافة إلى الضغط على باكستان ورشوتها لتأجير أراضيها كنقطة انطلاق عسكرية وملجأ آمن.
نجحت العملية. ومن المجاهدين المنتصرين نشأت القاعدة.
البوسنة, 1992- 1995: في سنة 2001 أعلنت صحيفة "وول ستريت جيرنل" (1 تشرين الثاني/نوفمبر 2001):
"بمقدورنا القول إن ظهور القاعدة كقوة على المسرح العالمي يمكن إرجاعه إلى سنة 1992, عندما قامت الحكومة الإسلامية البوسنية لأليجا عزتبيغوفيتش أصدرت جوازَ سفر في سفارتها في فيينا لأسامة بن لادن. ... فخلال السنوات العشر الأخيرة, زارَ أكبر قادة القاعدة البلقان, بما فيهم بن لادن نفسه في ثلاث مناسبات بين 1994 و 1996. وقد أشرف الجراح المصري الذي تحول إلى زعيم إرهابي, أيمن الظواهري, معسكرات التدريب الإرهابية, ومعامل أسلحة الدمار الشامل وغسيل الأموال وشبكات تجارة المخدرات في ألبانيا وكوسوفو وماسيدونيا وبلغاريا وتركيا والبوسنة. وقد استمر ذلك طيلة عقد من الزمن."
وبعد ذلك بعدة أشهر, كتبت "الغارديان" (22 نيسان/إبريل 2002) عن "القصة الكاملة للتحالف السري بين البنتاغون والمجموعات الإسلاموية المتطرفة من الشرق الأوسط المشكلة بهدف مساعدة مسلمي البوسنة – وهي بعض نفس المجموعات التي يقاتلها البنتاغون الآن في "الحرب على الإرهاب".
في 1994 و 1995 قامت القوات الأمريكية وقوات الناتو بحملات قصف فوق البوسنة بهدف تدمير القدرات العسكرية الصربية وتعزيز قدرات المسلمين البوسنيين. وفي الحروب الأهلية التي استمرت عقداً من الزمن في البلقان كان الصربيون – الذين نظرت إليهم واشنطن بصفتهم "آخر حكومة شيوعية في أوروبا" – العدوَ الرئيس.
كوسوفو, 1998- 1999: كانت كوسوفو, ذات الغالبية الإسلامية, إحدى مقاطعات صربيا, الجمهورية الرئيسة في يوغوسلافيا السابقة. وفي 1998 بدأ انفصاليو كوسوفو – "جيش تحرير كوسوفو" – نزاعاً مسلحاً مع بلغراد لفصل كوسوفو عن صربيا. كانت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تعتبر "جيش تحرير كوسوفو" منظمة إرهابية منذ سنوات, مع وجود تقارير عديدة تؤكد علاقة "جيش تحرير كوسوفو" بالقاعدة, حيث كانوا يحصلون على الأسلحة منها, ويتدربون في معسكراتها في باكستان, مع وجود بعض عناصر القاعدة في صفوف "جيش تحرير كوسوفو" الذين كانوا يحاربون ضد الصرب.
ولكن عندما بدأت القوات الأمريكية وقوات الناتو عملياتها العسكرية ضد الصرب, تم شطب "جيش تحرير كوسوفو" عن لائحة الإرهاب الأمريكية, حيث بدأ "يتلقى الأسلحة والتدريب والدعم من الولايات المتحدة/الناتو" ("وول ستريت جيرنل", 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2001), ثم ركزت حملة القصف التي نفذتها القوات الأمريكية وقوات الناتو على إخراج القوات الصربية من كوسوفو.
وفي سنة 2008 أعلنت كوسوفو, من طرف واحد, استقلالها عن صربيا, وكان هذا الاستقلال مصطنعاً وبعيداً عن الشرعية إلى درجة أن معظم دول العالم لم تعترف بها حتى الآن. لكن الولايات المتحدة كانت البلد الأول الذي اعترف بها, في اليوم التالي لانفصالها, مؤكدة بذلك إعلان الاستقلال الأحادي لجزء من أراضي بلد آخر.
اشتهر "جيش تحرير كوسوفو" بالمتاجرة بالنساء والهروين والأعضاء البشرية. ومن الطبيعي أن الولايات المتحدة تضغط من أجل عضوية كوسوفو في "الناتو" و "الاتحاد الأوروبي".
ملاحظة: في سنة 1992 توصلَ مسلمو البوسنة, والكروات, والصرب إلى اتفاقية في لشبونة من أجل دولة موحدة. وقد بدا أن استمرار البوسنة كبلد مسالم متعدد الإثنيات شيئاً مضموناً, إلا أن الولايات المتحدة أجهضت الاتفاقية ("نيويورك تايمز", 17 حزيران/يونيو 1993, معلومة مدفونة في نهاية مقالة منشورة في صفحة داخلية).
ليبيا, 2011: الولايات المتحدة والناتو يهبان إلى المساعدة مرة أخرى. لأكثر من تسعة أشهر, كانت هناك هجمات صاروخية شبه يومية ضد حكومة وقوات معمر القذافي بينما كانت مجموعات متنوعة من الجهاديين شرق الأوسطيين تقاتل الحكومة على الأرض. وجاءت النتيجة كما كان متوقعاً: سيطرة الجهاديين الحالية على أجزاءَ من البلاد وقتالهم من أجل السيطرة على الأجزاء الباقية. وقد عبر حلفاء الحرب عن امتنانهم لواشنطن من خلال اغتيالهم السفير الأمريكي وثلاثة أمريكيين آخرين, يعتقد أنهم من الاستخبارات المركزية, في مدينة بنغازي.
القوقاز (روسيا), منتصف الألفين وحتى الوقت الحاضر: كانت "المنحة الوطنية للديمقراطية" و "فريدوم هاوس" ("بيت الحرية") [أسياد رضوان زيادة وشركاه وشريكاته] لعدة سنوات المؤسستين الأمريكيتين غير الحكوميتين الرئيستين المكلفتين بزعزعة, وربما إسقاط, الحكومات الأجنبية التي ترفض الانصياعَ لرغبات السياسة الخارجية الأمريكية. وقد دعمت كلتا المؤسستان غير الحكوميتين المتطرفين المسلحين في منطقة القوقاز الروسية, هذه المنطقة التي شهدت الكثير من الرعب الذي يعود إلى العمليات الشيشانية في التسعينيات من القرن الماضي.

"الحذف هو أقوى أشكال الكذب" – جورج أورويل
غالباً ما يسألني الناس عن سبب انتقادي للإعلام الرسمي عندما أقتبس عنه بشكل متكرر في كتاباتي. الإجابة بسيطة. إن أهم قصورات الإعلام الأمريكي تكمن في الحذف أكثر مما تكمن في التصريح. إن ما يتغاضى عنه الإعلام هو الذي يشوه الأنباء أكثر من أية أخطاء فعلية أو أكاذيب صريحة. ولذلك فإنني أفيدُ من الحقائق التي ينشرونها والتي يمكن لمنظمة ضخمة وثرية أن توفرها بسهولة أكثر من الإعلام البديل. ... ... ...
[ملاحظة من المترجم: آثرت الاكتفاء بهذا القدر من المقالة, حيث يكرس الكاتب بقية مقالته لدراسة تعاطي الصحافة الأمريكية مع الأزمة المالية اليونانية, ومنع السلطات الأمريكية لصحفي ألماني من الدخول إلى الولايات المتحدة بسبب مقالاته حول نشوء الدولة البوليسية في الولايات المتحدة].

http://www.globalresearch.ca/the-war-on-terrorism-or-whatever-syria-and-americas-jihad/5353427

تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 8 تشرين أول/أكتوبر 2013)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...