النظام التونسي على مفترق طرق

27-12-2010

النظام التونسي على مفترق طرق

الجمل: تحدثت التقارير والأخبار خلال اليومين الماضيين عن موجة الغضب الشعبي العارمة التي اجتاحت العاصمة التونسية، وتشير التطورات والوقائع الجارية إلى أن اتساع نطاق هذه الاحتجاجات أصبح ينطوي على المزيد من المخاطر المهددة لاستقرار تونس: فما هي طبيعة هذه الاحتجاجات؟ وما هي حدودها؟ وهل مفاعيلها باتجاه التصعيد أم باتجاه التهدئة؟
* طبيعة الأزمة التونسية الجارية: توصيف المعلوماتمحتجون في مدينة سيدي بوزيد التونسية
تقول المعلومات والتقارير بأن قوات الأمن التونسية أطلقت النار على مجموعة من المتظاهرين نهار الجمعة الماضي الموافق 24 كانون الأول (ديسمبر) 2010، بما أدى إلى مقتل أحد المتظاهرين وجرح آخرين، وأشارت التقارير إلى أن واقعة إطلاق النار قد حدثت في منطقة بوزياني الواقعة على بعد 240 كم جنوب العاصمة تونس.
هذا، وأشارت التقارير إلى أن سبب المظاهرة يعود إلى قيام أحد الشبان بمحاولة إشعال نفسه لكي ينتحر احتجاجاً على قيام سلطات الأمن والشرطة بالاعتداء عليه، وأضافت المعلومات بأن الشاب هو خريج جامعي لم يجد فرصة العمل، وبسبب الفقر فهو يعمل كبائع متجول، وقد سعت قوات الأمن إلى الاعتداء على "البسطة" التي ظل يعتمد عليها في الحصول على رزقه كبائع متجول بين أرصفة الشوارع. وتأسيساً على ذلك، فقد تزايدت فورة الغضب في أوساط المواطنين التونسيين الموجودين في المدينة، وتحركوا في مظاهرات، وسرعان ما انتقلت العدوى بعد ذلك بما أدى إلى حدوث العديد من المواكب والمظاهرات القاضية التي فاضت بها شوارع المدن التونسية.
* الاقتصاد السياسي التونسي: بؤرة الأزمة
تحليل معطيات الأزمة التونسية الجارية يشير بوضوح إلى أن منابع الأزمة تكمن في الاقتصاد السياسي التونسي، وتأسيساً على ذلك نشير إلى الحقائق الآتية:
-    حجم الاقتصاد التونسي: 95.6 مليار دولار أمريكي.
-    معدل النمو الاقتصادي: 3% سنوياً.
-    معدل نصيب الفرد: 9.100 دولار أمريكي سنوياً.
-    مساهمة القطاعات في الاقتصاد: 11% زراعة، 35% صناعة، 53.7 خدمات.
-    معدل التضخم: 3.5%.
-    قوة العمل: 3.74 مليون (18.3 في الزراعة، 31.9 في الصناعة، 49.8 في الخدمات).
-    حجم البطالة: 13.3%.
-    حجم الصادرات: 14.42 مليار دولار (29.6% إلى فرنسا، 21% إلى إيطاليا، 8.8% إلى ألمانيا، 5% إلى إسبانيا، 4.8% إلى بريطانيا).
-    حجم الدين الخارجي: 19.6 مليار دولار.
-    الميزانية العامة: (الدين العام يعادل 47.1% من الناتج المحلي، العائدات 10.1 مليار دولار، النفقات 11.3 مليار دولار).
-    الاحتياطيات الأجنبية: 11.1 مليار دولار.
وتأسيساً على ذلك فإن آخر الإحصائيات تقول بأن الحجم الكلي لصافي الناتج الوطني الإجمالي التونسي هو 40.3 مليار دولار بمتوسط دخل سنوي للفرد في حدود 3851 دولار سنويا. وبكلمات أخرى، إذا كان نصيب الفرد من الاقتصاد هو 9100 دولار ودخل الفرد السنوي هو 3851 دولار، فهذا معناه أن الفرق بين نصيب الفرد ودخل الفرد هو 5249 دولار، وهو فرق كبير مقارنة بالمعايير السائدة في اقتصاديات بلدان العالم، إضافة إلى أنه يحمل أكثر من دلالة ومن تساؤل، وبكلمات أخرى يبدو السؤال الحرج: أين ذهب هذا الفرق؟!
تشير المعطيات الجارية إلى أن محفزات اختلال الاقتصاد التونسي تتمثل في الآتي:
•    ظلت تونس تعتمد خلال الحقب الماضية على تصدير العمالة التونسية إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، ولكن بسبب قيام بلدان الاتحاد الأوروبي بمكافحة الهجرة، فقد أغلق الباب الأوروبي أمام العمالة التونسية، وبالمقابل لم تسع السلطات التونسية إلى البحث عن المخارج الأخرى والحلول الوقائية.
•    توسع قطاع الخدمات بقدر كبير خلال السنوات الماضية، ولم يترافق ذلك بتوسع في قطاعات الإنتاج الزراعي والصناعي.
•    لم تسع السلطات التونسية إلى اعتماد سياسيات كلية تهدف إلى الحد من التضخم والبطالة، وإضافة لذلك لم تسع أيضاً إلى الحد من معدلات نمو الدين العام والدين الخارجي.
أدت هذه الاختلالات إلى بروز المزيد من الاختلالات الهيكلية الاقتصادية، ومن أبرز مظاهره يمكن الإشارة إلى الآتي:
-    أصبح حجم النفقات أكبر من حجم الإيرادات.
-    أصبح حجم الاستهلاك أكبر من حجم الانتاج.
-    أصبح حجم البطالة أكبر من حجم التوظيف.
وإضافة إلى هذه العلل، تقول المعلومات بأن حجم الإنفاق "البذخي" وحجم عمليات الفساد والتجاوزات المالية قد وصلت إلى معدلات غير مسبوقة.
* سياق الأزمة التونسية: إلى أين؟
بدأت ضغوط الأزمة التونسية الجارية حالياً وهي أكثر دخولاً في المرحلة الانتقالية لجهة احتمالات كبيرة بأن تتحول الأزمة الاقتصادية إلى أزمة سياسية، ويبدو ذلك واضحاً من خلال تصاعد حركة الاحتجاجات التي بدأت اقتصادية ثم تحولت خلال اليومين الماضيين باتجاه التسييس الكامل، بما يمكن أن يجعل النظام السياسي التونسي الحالي أمام احتمالات الدخول في المواجهة الشاملة مع الأوساط الشعبية التونسية القاضية.
تصاعدت حركة الاحتجاجات الشعبية السياسية بما يمكن أن يؤدي إلى الآتي:
-    أولاً الملف المنخفض الشدة:
•    الخلافات داخل النظام: ويمكن توقع حدوث المزيد من الانقسامات إذا سعت الأطراف والنخب الحاكمة لجهة تبادل الاتهامات وتوجيه اللوم والمسؤولية لبعضها البعض.
•    العزلة السياسية: ويمكن توقع أن يؤدي تزايد الاحتجاجات الشعبية إلى تزايد الفجوة بين النظام والرأي العام التونسي، وهو أمر سوف يؤدي بالضرورة إلى تزايد فجوة عدم المصداقية وعدم الثقة.
-    ثانياً: الملف المرتفع الشدة:
•    العصيان المدني: ويمكن أن يحدث إذا استطاعت قوى المعارضة السياسية التونسية الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة لجهة توجيه الاحتجاجات الشعبية وتحويلها إلى حركة عصيان مدني بما يشمل المظاهرات والإضراب العام.
•    العمل العسكري: ويمكن أن يحدث إذا حدثت الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية التونسية أو إذا تمكنت قوى المعارضة السياسية من تفعيل مخطط سيناريو الانتفاضة المسلحة ضد النظام التونسي.
تشير المعطيات الجارية حالياً إلى أن تدهور الأوضاع التونسية يجري حالياً ضمن النطاق المنخفض الشدة، وبالتالي، فإن جهود نجاح النظام السياسي التونسي في احتواء الأزمة هو أمر ممكن، ولكن، حصراً بالوسائل الاقتصادية والسياسية، وفي حالة تمادي النظام التونسي في تجاهل الوضع الحالي والسعي لاستخدام قوى الأمن والشرطة لجهة إنفاذ سيناريو احتواء الأزمة عن طريق القمع واستخدام وسائط العنف الرسمي التونسي، فإن الأزمة سوف تنفلت وفي هذه الحالة على الأغلب أن لا يخرج النظام التونسي سليماً منها، وهو أمر سوف يتيح للعديد من القوى السياسية المعارضة الناشطة خارج إطار الشرعية التونسية إلى العودة والدخول ضمن مفاعيل العملية السياسية التونسية، فهل يا ترى سوف يستمر نظام الرئيس زين العابدين بن علي في اعتماد الصيغة الأتاتوركية في الدولة والحكم؟ أم أنه سوف يسعى إلى صيغة أخرى بعد أن تخلى أحفاد أتاتورك الأتراك عن الأتاتوركية؟!

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...