تونس والتصويت على الدستور الجديد: توافق على بنود حساسة والمصادقة على ثلث المواد

08-01-2014

تونس والتصويت على الدستور الجديد: توافق على بنود حساسة والمصادقة على ثلث المواد

واصل المجلس الوطني التأسيسي في تونس، أمس، التصويت والمصادقة على مشروع الدستور، متجاوزا عدداً من النقاط الخلافية. ويعود الفضل في ذلك للتوافقات التي وقعت في وقت سابق، لتحسم، بطريقة أو بأخرى، معارك إيديولوجية عسيرة حول مفاهيم مثل «مدنية الدولة» و«الهوية العربية الإسلامية» و«حرية الضمير» وحقوق المرأة.
نسق سريع ميّز جلسات مناقشة الدستور والتصويت عليه. ففي أربعة أيام تمت المصادقة على خمسة وأربعين فصلا، أي حوالي ثلث المواد، ما يعتبر مؤشرا جيدا بالنظر للحيز الزمني.
أم المعارك التي أخمدت قبل أن يسري لهيبها كانت معركة «مدنية الدولة». فمنذ صياغة الفصول، وخاصة الفصل الأول من الدستور المرتقب، برزت الخلافات جلية بين كتلة «حركة النهضة»، ذات التوجه الإسلامي، وما يسمى بـ«الكتلة الديموقراطية»، التي ضمت نواب الأحزاب المعارضة، يساندهم نواب «حزب التكتل»، وهو شريك «النهضة» في الائتلاف الحاكم.
هوة شاسعة ظهرت بين «النهضة»، الساعية لتضمين الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع في الدستور، وبين قوى المعارضة، التي أصرت على الحفاظ على الفصل الأول من الدستور الذي يعزز النظام الجمهوري والدولة المدنية. تم رأب الخلافات ضمن لجنة التوافقات المنشأة لتقريب وجهات النظر بين النواب. وكرس الدستور الجديد مدنية الدولة بإزالة كل المصطلحات الغامضة، وكذلك بالمصادقة على الفصلين الأولين اللذين ينصان على النظام الجمهوري ومدنية الدولة وسيادة الشعب، مع الإشارة إلى منع تعديلهما.
بدوره، مثّل الفصل السادس مسألة نقاش واسع في المجلس، إذ نص على حرية المعتقد والضمير وألزم الدولة بتحييد المساجد. وطلبت مجموعة من النواب عدم تضمين حرية الضمير لأنها ستعطي الحق للمواطنين في التخلي عن الديانة الإسلامية واعتناق ديانات أخرى أو الإلحاد، كما ستسمح لما يصفونه بـ«عبدة الشيطان» بممارسة شعائرهم بكل حرية. لم يلق هذا التبرير قبولا لدى بقية أعضاء المجلس، فالمسألة حسمت مسبقا في لجنة التوافقات الدستورية وتم التصويت بقبول مبدأ حرية الضمير وتحييد المساجد.
يعتبر أيضاً تضمين حقوق المرأة ومكتسباتها في نص الدستور نقطة ايجابية. ففي النص الأول الذي اعتمدته «لجنة الحقوق والحريات»، التي أعدت الفصول المتعلقة بالحريات، تم اعتماد صيغة «التكامل بين المرأة والرجل»، لكن رفض المرأة التونسية الذي عبرت عنه بالاحتجاجات والتظاهرات لدور التكامل حال دون الإبقاء على هذه الصيغة.
الكتلة النسائية البرلمانية، وهي كتلة ضمت نساء من مختلف الأحزاب، طالبت أيضاً بدورها بإدراج مبدأ التناصف، أي أن يكون في كل القوائم الانتخابية ذات العدد من المرشحين الذكور ومن المرشحات الإناث، لكن هذه الصيغة لم تقبل وتم فقط التنصيص على وجوب دعم تمثيل المرأة في الانتخابات وكل مواقع القرار و«دعم مكتسبات المرأة».
ضمن مشروع الدستور الجديد أيضاً الحق في الصحة والحق في حماية حرمة الفرد والمسكن والحياة الخاصة وحرية التعبير والإعلام، إضافة إلى الحق النقابي والحق في الصحة.
كل هذه الفصول حازت رضا الشارع التونسي والمجتمع المدني، لكن بعض النواقص أثارت الاستياء، ومنها الإبقاء على عقوبة الإعدام. فالغالبية من أعضاء المجلس اتجهت نحو تضمين مبدأ الحق في الحياة لكن باستثناءات قصوى يضبطها القانون، وهي عقوبة الإعدام، برغم أن تونس لم تطبقها منذ سنوات عدة.
في المقابل، شكل مبدأ تجريم التطبيع مع «الكيان الصهيوني» نقطة سوداء في هذا الدستور. فخلافا للوعود الانتخابية التي قدمتها غالبية الأحزاب لمنتخبيها بالعمل على القطع التام مع «الكيان الصهيوني»، فإنها تحفظت خلال النقاشات، رافضة مقترح «الجبهة الشعبية» المعارضة القاضي بالتنصيص على اعتبار «حركة الاحتلال الصهيوني كحركة احتلال عنصرية».
فصل تجريم التطبيع سقط في المناقشات في اللجنة المختصة وتم الاتفاق لاحقا على التنصيص على تجريم التطبيع في التوطئة. لكن بعد ضغوطات أجنبية، تم الاكتفاء بالتنصيص على «مناهضة حركات الاحتلال العنصرية»، وسقط مقترح «الجبهة الشعبية» بدوره عند التصويت عليه، ما أثار موجة استياء عارمة في الشارع التونسي.
في المقابل، وفي حين برزت مع تقدم المناقشات داخل المجلس نقاط خلافية أخرى، من المفترض أن تحل في لجنة التوافقات أو تنقل إلى جلسات الحوار الوطني، فإنّ الرباعي الراعي للحوار ابدى، أمس، قلقه من أن لا يتم انهاء المسارين الدستوري والانتخابي في الوقت المحدد وفق خريطة الطريق، خاصة وأن اختيار اعضاء هيئة الانتخابات لم يتم في الموعد المتفق عليه. وجدير بالذكر أنّ رئيس الحكومة المؤقتة علي العريض يربط تقديم استقالته رسميا بتقدم هذين المسارين، ما يضع خريطة طريق الحوار الوطني أمام مأزق محتمل.

أمينة الزياني

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...