حكم ديموقراطي أم أخوي

18-05-2014

حكم ديموقراطي أم أخوي

الجمل- بشار بشير:

الديموقراطية في تعريفها الأساسي هي حكم الشعب أي أن يكون لكل فرد من الشعب صوت وجزء من القرار  وهي بتعريفها العملي (في زمن نشوئها) توازن بين المكونات المجتمعية الأساسية أي الطبقة الحاكمة والجيش والشعب. أما الطبقة الحاكمة والجيش فهم يملكون من القوة والسلطة ما يمكنهم الجمل: اللوحة للفنان السوري ياسين الخليلمن الحفاظ على حقوقهم ويبقى تطبيق الديموقراطية معلقاً حتى تدخل الشريحة الأكبر من الشعب في دائرة السلطة والقرار، وهذا أمر كان يمكن أن يحصل أو حصل في مدينة صغيرة متجانسة المكونات مثل أثينا. ثم امكن لهذا الأمر أن يحصل في بعض الدول الأوروبية وذلك عندما تراكمت ثروات كبيرة في أيدي الأفراد (الشعب) نتيجة  الإكتشافات الجغرافية التي سمحت لأوروبا بإستغلال مقدرات قارات بأكملها. الثروات التي تراكمت لدى الأفراد منحتهم القدرة على المشاركة في السلطة مع الطبقة الحاكمة والجيش وهكذا حصل توازن في هذه الدول بين مكوناتها الأساسية وهذا التوازن اسمه الديموقراطية  التي عمادها الرئيسي الثروة، لذلك ما إن انتهت أوروبا (وأمريكا لاحقاً) من مرحلة الإكتشافات الجغرافية حتى دخلت في مرحلة الإستعمار، ثم انتقلت إلى مرحلة الإعتداء على الدول بقصد السلب والإبتزاز (العلاقة مع دول الخليج والحرب على العراق مثالاً) وكل ذلك للإبقاء على تدفق الثروات لأيدي المجتمع بقصد الحفاظ على النظام الديموقراطي (شكلياً).

بالمختصر النظام الديموقراطي يحتاج لمجتمع متخم بالثروة لدرجة أنه بثروته يستطيع أن يوازن قوة الجيش وقوة الطبقة الحاكمة  والأهم أن هذا المجتمع يجب أن يكون متجانساً لدرجة كبيرة كالمجتمعات الأوروبية التي ولدت فيها الديموقراطية والتي تتألف على الأغلب من مكونيين فقط هما الكاثوليك والبروتستانت (لازالت بعض دول أوربا تعاني من صراعات بين هذين المكونين برغم الديموقراطية)، أما المكونات القومية فأغلب الدول الأوربية تتكون من مكوِّن قومي واحد، وإذا كانت مكونة من أكثر من مكوِّن فهي على الأغلب دولة إتحادية أوفيدرالية يعيش كل مكون فيها في حيزه الجغرافي الخاص ويمارس "ديموقراطيته" الخاصة (القوميات الصغيرة المتواجدة في دول أوروبية كبرى لا زالت تطالب بحقوقها، الباسك مثالاً).
هل يمكن لأي دولة أياً كانت أن تطبق النظام الديموقراطي؟ على الأغلب لا، إلا أن توفر الشرطين المذكورين آنفاً: الثروة الإجتماعية المتراكمة بدون عمل وجهد اجتماعي حقيقي (إما عن طريق النهب أوعن طريق الحظ كأن ينبع البترول في أرضك) والثروة هنا هي عامل أساسي للنظام الديموقراطي وهي حتى إن لم تؤدي لنشوء نظام ديموقراطي إلا أنها تمنح المجتمع إحساساً بالرضى المعيشي قد يعوضه عن أي مطالب سياسية  (بعض دول الخليج  نموذجاً) . شرط الثروة مهم في مجال التأسيس للديموقراطية، أما الشرط الثاني وهوالتجانس الإجتماعي فهو حاسم في مجال تطبيقها، فالديموقراطية غير صالحة للمجتمعات الفسيفسائية، حيث الإحتكام للتصويت وحيث في المجتمعات الفسيفسائية المتعددة الإثنيات والطوائف والأعراق سيكون التصويت لصالح إحدى الأقليات التي تتمتع بتفوق عددي ولوبسيط مما يمكنها من السيطرة على القرار بما لا يناسب بقية المكونات المتمايزة عنها والتي تصغرها بعدد قليل من الأفراد ولنا هنا في لبنان مثالاً على عدم إمكانية تطبيق الديموقراطية وعلى تحولها من عامل بناء للمجتمع إلى عامل تعطيل وتأخير، لذلك يحاول اللبنانيون إختراع شيء أسمه الديموقراطية التوافقية (أونظام المحاصصة). أكبر مثال على المجتمعات التعددية هي سورية حيث يعيش أكثر من أربعين طائفة وأثنية وعرق.

إن سهر الغربيين الليالي من فرط غيرتهم وحماسهم لتطبيق الديموقراطية في بلادنا (سورية والعراق وغيرها) يجب أن يُفهم بكل وضوح على أنه محاولة لتدمير هذه البلدان لا لتطويرها ولا لإحقاق الحق فيها. ما يصح وينجح في بلد لا يعني أنه يمكن أن يفيد بلدا آخر بالضرورة والوصفات الغربية الجاهزة وخاصة التي يستميت هؤلاء الغربيون لفرضها، يجب أن نكون على غاية الحذر منها ويجب أن نجتهد في قشر طبقات السكر التي تغطيها لنكتشف علقمها . وإذا كنا قد استفدنا من دروس التاريخ منذ الغزوة الصليبية الأولى أي منذ ألف عام، فيجب علينا أن نفكر كثيراً قبل قبول ما يعرضه أويفرضه الغرب علينا والأفضل أن نتجاوزة لنحاول تشكيل نظام نابع من مجتمعنا يناسب فرادته .
في سورية الآن لدينا فرصة فريدة لتركيب نظام خاص بنا وعلى مقاسنا فالأزمة الحرب غير المسبوقة التي تمر بها سورية أسقطت الكثير من الأقنعة والأوهام ولابد أننا سنخرج منها أكثر نضجاً وأكثر واقعية وأكثر ثقة بالنفس،  يضاف لهذا أن الأزمة شذبت المجتمع وفرزت جيده من سيئه، ويمكن القول أيضاً أن هذه الأزمة أكدت لكثيرين ما كان يؤمن به البعض من أن الرئيس بشار الأسد هو هبة أتت لسورية في هذا الوقت لأنه بالإضافة لكثير من إيجابياته سيكون أكبر عامل مساعد لإنتاج نظام إجتماعي سياسي مناسب لسورية بمساعدة السوريين الوطنيين المتحررين من الغشاوة والدعاية الغربية والمتحررين من وهم الوصفات الغربية " الديموقراطية " .

إن ما يجب أن نسعى إليه هو نظام ورئيس فاهم لسورية يستطيع أن يقف على مسافة واحدة من كل مكوناتها، يضمن العدالة للناس إجتماعياً واقتصادياً ويستطيع أن يحدد الجرعة المناسبة من الحرية التي يجب أن تُمنح لمكونات المجتمع (الواقع يقول أن النظام الذي أرساه الرئيس حافظ الأسد واستمر بتطويره الرئيس بشار الأسد كان ناجحاً في بعض هذا ويحاول النجاح في البعض الآخر) .

في العائلة يكون الأب راعياً ومحباً عندما يكون أولاده رضَّع، ثم يصبح متحكماً (ديكتاتور عادل) عندما يصبحوا شباناً صغار ومراهقين، ثم يتحول إلى أخ عندما يكبروا ويصبحوا جامعيين، ثم يقبل بهم كشركاء عندما يكملوا تعليمهم ويصبحوا أفراد عاملين متحملين للمسؤولية، كل ذلك دون أن يتخلى عن حسه بالمسؤولية تجاههم ودون أن يتخلى عن موقعه القيادي. ما ينطبق على الأسرة ينطبق على المجتمع  مع إبدال الأولاد بالشعب والأب بالرئيس. هل يعطيكم تعبير الأب إحساساً بالتقدم بالعمر والشيخوخة، حسناً ... كثيراً ما يكون الأخ  بمثابة الأب.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...