حلب تتحضر للاحتفال بجر مياه الفرات إلى قويق

09-09-2007

حلب تتحضر للاحتفال بجر مياه الفرات إلى قويق

تشهد حلب الآن التحضيرات الاخيرة التي تسبق عادة تدشين المشاريع الكبيرة وهو هذه المرة قناة جر مياه الفرات الى نهر قويق وهو ما سيؤدي بالضرورة الى اعادة الحياة للنهر ومحيط النهر وهو بهذا الاعتبار مشروع بيئي بامتياز ولهذا فقد تبنت صفحة البيئة هذا المشروع ورعته منذ سنوات ومازالت، وكان لمحرر هذه الصفحة دور ايجابي في تتبع اخباره خطوة خطوة، وفي تحفيز المشروع كلما تعثر، ودفعه الى الامام اذا مانهض وقام.
 وبعد مسيرة حافلة على مدى سنتين ونيف(منذ وضع حجر الاساس في 21/4/2004 حتى الان)، وصل العمل بالمشروع الى نهايته وكما يقال عن الاعمال الطيبة بأن ختامها مسك فكذلك نقول عن هذه القناة: بأن ختامها شلال.
 وبالفعل تنتهي قناة الجر بشلال يصب 3م3/ثا من المياه العذبة في مجرى النهر قرب مشفى الكندي عند مدخل حلب الشمالي، وهو في الواقع- قبل ان يكون نهاية القناة- هو نهاية عمل رائع تضافرت فيه جهود مؤسسات عديدة بما فيها من عمال وفنيين وعلى رأسهم ادارات دأبت على العمل بحزم وعلم حتى نجحت في انجاز هذا العمل الهندسي الكبير ليصبح واحداً من معالم المدينة الجميلة ومنعطفاً هاماً في تاريخها المائي والبيئي.
هذه المدينة التي ولدت فوق هضبة حوّارية بيضاء(البا) على ضفاف نهر صغير تدفق قبل آلاف السنين فعاشت في احضانه يوم كان شاليس وكالوس وخالس.. واصبح منذ اواسط القرن التاسع للميلاد يعرف بنهر قويق اي نهر الحور باللغة التركية منذ ايام الدولة الطولونية وهم اول قوم من الاتراك حكموا  حلب بعد الفتح العربي وقد دخل قويق- منذ ذلك الحين- ليس في قلب المدينة وحسب بل وفي تاريخها وادبها وشعرها وحكاياتها وخرافاتها.. ايضاً.
 لقد كان نهراً عظيماً ان لم يكن بحجمه(مع انه كان يدير عدداً من الطواحين الحجرية وعدداً اكبر من النواعير المائية)، الا انه كان عظيماً بآثاره التي حفرها في  هذه المدينة وكان عظيماً ايضاً عند اهلها بالالفة التي نشأت بينه وبينهم عبر آلاف السنين التي جمعت بينهما.
 فبحجم تلك الآلاف العديدة هي فرحة اهالي حلب اليوم بعودة الحياة الى نهرهم، الذي مات منذ امد طويل ونحن في حلب ننتظر يوم تدشين هذا المشروع البيئي العظيم ونتطلع الى ساعة اطلاق المياه العذبة في مجراه القديم لتعود اليه الحياة بكائناتها الصغيرة والكبيرة والنباتية والحيوانية في تنوع حيوي واسع  وجميل.. من اشجار وطيور واسماك(وقد تعرّفنا على عدد غير قليل منها واحصيناه وعرفنا القراء به، في مقال نشر على هذه الصفحة على حلقات ابتداء من العدد 13990 تاريخ 15/10/2006).
وليعذرني القراء في اطالتي لأقص عليهم الاعجوبة التالية كما حصلت معي: حين زيارتي مؤخراً لموقع الشلال بالقرب من مشفى الكندي لاشاهد النهاية الرائعة لقناة الجر، وكان الوقت باكراً جداً والشمس مازالت تحاول النهوض فوق الحواف الصخرية للافق الشرقي خلف الموقع فاذا بي اجد شخصاً قد سبقني الى هناك وهو واقف يتأمل ذلك المنظر البهيج نظرت اليه ملياً فلم اتبين فيه إلا شيخاً هرماً عجبت لامره فاقتربت منه ثم حييته وعندما سمعت صوته وهو  يرد علي التحية بأحسن منها تشجعت وسألته: ما الذي جاء به في مثل هذه الساعة؟!.
 قال دون ان يتلفت الي بوجهه: انا هنا اقف منتظراً وصول ماء الساجور منذ مئة عام سألته وقد ازددت عجباً: منذ متى ولماذا؟.
 قال نعم.. نعم وان حاول اسلافنا  جر ماء من الساجور الغزير لرفد ماء قويق القليل، وقد نجحوا في ذلك اكثر من مرة رغم بساطة الادوات التي كانوا يملكونها اتدري لماذا؟ قلت لماذا؟.
 قال: لانهم كانوا يملكون ارادة الحياة في مواجهة الحاجات والتحديات، وكانت الحاجة في حلب ماسة لاسيما حين تقل المياه في مجرى قويق صيفاً حتى (اذا ما الضفادع نادته ، قويق قويق ابى ان يجيبا)، كما قال شاعرنا الصنوبري ، ثم مازالت مياهه تتضاءل صيفاً بعد صيف، حتى جف تماماً وماتت الحياة فيه منتصف القرن الماضي.

صبحي صقار

المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...