حوار مع القائد العسكري لحزب العمال الكردستاني

03-11-2007

حوار مع القائد العسكري لحزب العمال الكردستاني

كردي سوري شاب، ترك مقاعد كلية الطب ومختبراتها قبل قُرابة عقدين، متَّجهاً شمالاً، ليساهم «في توثيق الصداقات التاريخية للأكراد مع جبالهم»، عبر إدارة المعركة هناك، «ضدَّ من يكره، ليس ألوان العلم الكردي فحسب، بل حتى يمنع استخداباهوز أردالم حرفي الـ «W وX» في تسجيل الأسماء الكردية في سجلات النفوس معتبراً إنها أحرف كردية، ينبغي محاربتها، كونها خطراً على أمن تركيا ووحدتها»!. إنه باهوز أردال، قائد قوات «الدفاع الشعبي الكردستاني»، (الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني) والذي أجرينا معه الحوار التالي:

> لماذا قمتم بتصعيد عملياتكم العسكرية الآن؟ هل للأمر علاقة بنتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تموز (يوليو) الماضي، والتي كانت لمصلحة حزب العدالة والتنمية؟

- صحيح أن الاشتباكات العسكرية قد تزايدت في الآونة الأخيرة، وصحيحٌ أيضاً أن للانتخابات الأخيرة علاقة بها، لكن ليس صحيحاً بأننا نحنُ من صعَّدنا عملياتنا. فبعد نتائج الانتخابات البرلمانية، أعلنت حكومة (رجب طيب) أردوغان عن سياستها العدائية ضد الشعب الكردي، وتركت للعسكر اليد الطولى في شنِّ حرب كبيرة، بهدف القضاء علينا، أي، أن الإجراء الأول الذي قامت به حكومة أردوغان، كان إعلان الحرب علينا!. وبطبيعة الحال، أدى إلى تصعيد حملات الجيش التركي ضدنا، الأمر الذي تسبب في زيادة الصِدامات والاشتباكات بين الجيش وقواتنا الملتزمة بالدفاع المشروع عن النفس، ما أسفر عن خسائر كبيرة في الجيش التركي. مع العلم أننا أعلنا في 1/10/2006 وقفاً لإطلاق النار من جانبٍ واحد، ولم ننهِ هذه الهدنة، على رغم هجمات الجيش التركي. قلنا ونقول دوماً أننا مع الحل السياسي والحوار السلمي لحل قضية شعبنا ونيله حريته وتمتُّعه بحقوقه الإنسانية. والدليل، وقفنا إطلاق النار من جانب واحد، خمس مرات متتالية، من دون أن يبدي الطرف الآخر أي بادرة إيجابية حيال ذلك.

> هنالك من يقول إن نتائج تلك الانتخابات، وتصويت قطاعات واسعة من الأكراد لحزب العدالة والتنمية، يعني رفض الأكراد العنف، وانخفاض شعبيتكم في المناطق الكردية، على حساب ارتفاع شعبية «العدالة والتنمية»، ودليل على نجاح سياسات أردوغان، ما رأيكم؟

- الشعب الكردي يفضّل الحل السياسي ويرفض منطق العنف والحرب، وهذه حقيقة، لا يختلف عليها اثنان. فالشعب الكردي أكثر الشعوب معاناةً من الحرب والتهجير والقتل الجماعي والإبادة وإنكار أبسط الحقوق الإنسانية، بما فيها منعه من التكلم بلغته مع أطفاله! ونعتبر أنفسنا حركة ريادية لهذا الشعب المحب للسلام، فكيف نكون الطرف الذي يريد الحرب وتصعيد العنف!؟. نحن نسعى إلى إيجاد الحل الديموقراطي والسلمي لقضيتنا في إطار تركيا ديموقراطية، تُحترم فيها الحقوق الوطنية لشعبنا الكردستاني. وكون حزب أردوغان حاز نسبة جيدة من الأصوات في المناطق الكردية، فهذا مرتبط بسعي الأكراد الى إيجاد الحل السلمي. لقد قدم أردوغان نفسه على أنه يعترف بالقضية الكردية، وبأن الحكومات السابقة قد أخطأت في حق الأكراد، ووعد مراراً في تصريحاته التي أدلى بها في المدن الكردية: بأنه سيحل هذه القضية. حتى أنه، عبّر عن استعداده لتشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الكردي في البرلمان. كل هذه الوعود والتصريحات، جعلت شرائح من الجماهير الكردية تصوِّت لمصلحته. أي، أن التأييد الكردي جاء من هذا المنطلق وليس من سواه. ولكن، بُعيد الانتخابات مباشرة، نكث أردوغان بكل تصريحاته، وفعل عكسها تماماً، وكشف عن زيف ادعاءاته إزاء حل القضية الكردية. ولو تمَّ إجراء انتخابات جديدة اليوم، فإن حزب أردوغان لن يحصل على ربع الأصوات الكردية التي حصل عليها.
> ألا تظنون أن وجودكم في جبال قنديل، على الحدود العراقية - التركية، يحرج حكومة إقليم كردستان أمام تركيا أولاً، والولايات المتحدة الأميركية ثانياً؟

- نحنُ لسنا متمركزين في جبال قنديل فحسب، بل منتشرون في كل المناطق الجبلية الحدودية بين البلدين. نحنُ هنا منذ 25 سنة، وتحديداً، منذ 1982، حين كنّا نحضِّر للكفاح المسلح ضد السلطات التركية. وما ادعاء الدولة التركية ودعاياتها وكأن حكومتي أربيل وبغداد هما اللتان استدعتانا إلى هنا، إلا للضغط على هاتين الحكومتين، وجعلهما تقدمان بعض التنازلات الى تركيا. اننا لم نأتِ إلى هنا بإذن من أحد، ولن نستأذن أحداً في بقائنا. وجودنا، ليس أمراً محرجاً لحكومة إقليم كردستان، ولا للشعب الكردستاني في العراق. على العكس، وجودنا يشكل دعماً وضمانة قوية لحمايتهم. بقاؤنا هنا ليس مرتبطاً بحكومة الإقليم، ولا بحكومة بغداد، بل مرتبط بالدرجة الأولى بحل القضية الكردية في تركيا.

> كيف تنظرون الى الرفض الأميركي والأوروبي والكردي العراقي للتهديدات التركية؟ هل هو فشل للسياسة الخارجية التركية؟ وهل تعتبرونه نصراً لكم؟

- من دون شك، يُعد فشلاً للسياسة الخارجية التركية. فهذه السياسة عافها الزمن، ولم تعد موائمة ومنسجمة مع التطورات العالمية والإقليمية وتغيُّر موازين القوى. هذه السياسة، تقليدية وفاشلة، تتبعها تركيا منذ ثمانين سنة، والدعامة الرئيسة لها: هي إنكار الشعب الكردي وحرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية. وهي سياسة تتريك كل الشعوب التي تعيش ضمن حدود تركيا. فالعقلية التي تقول: «أنا أسعد إنسان في العالم لأنني تركي» ليست إلا إنكاراً مقيتاً لوجود الشعوب الأخرى. السياسة التركية الخارجية تسير ضمن هذا السياق، وبطبيعة الحال، لم تعد تلقى دعماً ومساندة من القوى الكبرى، لأنها معاكسة للتطورات الدولية والإقليمية. كما أن الشعب الكردي، لم يعد كالسابق. الشعب الكردي اليوم ليس ضعيفاً ومشتتاً ومتناحراً، ولم يعد ورقة في اللعبة الإقليمية في يد دول المنطقة. بل على العكس، بات الكرد اليوم أكثر قوَّة ومتانة واتحاداً، فقد باتوا مؤثرين في موازين القوى وفاعلين في السياسات الدولية والإقليمية. باتت كل القوى، وأثناء رسم سياساتها، تحسب للكُرد ألف حساب. الحل السلمي للقضية الكردية، يخدم عملية الاستقرار في المنطقة، وإلا سيلحق الضرر بمصالح الجميع، وهو ما لا تريده أي جهة دولية.

> هل تعلمون أنكم تواجهون ثاني اكبر جيش في الناتو، وحليف استراتيجي لأميركا في الشرق الأوسط؟ على ماذا تعوِّلون؟ هل على الصمت الأميركي؟ أم على الممانعة الكردية - العراقية للتهديدات التركية؟. وما هي الضمانات التي ستكفل بقاء الصمت الأميركي والممانعة الكردية على حالهما؟.

- نحنُ لم نبدأ نضالنا التحرري وكفاحنا المسلح البارحة، لنا تاريخ نضالي وعسكري لأكثر من ربع قرن. ولم نعوِّل يوماً على أي جهة لديمومة هذا النضال، لا على الصمت الأميركي ولا على غيره. نحنُ نعوِّل أولاً وأخيراً، على أحقِّيَّة قضيتنا وعدالتها. مطلبنا الأساس هو الحصول على الحقوق الإنسانية والوطنية للشعب الكردي، أسوة بالشعوب الأخرى، وضمان تمتُّعه بحريته الكاملة، من دون المساس بالحدود الحالية للدول المعنية. نحنُ نستمدُّ قوتنا الأساسية من الدعم اللا محدود الذي يبديه شعبنا الكردستاني لنا. في ما مضى، كانت الولايات المتحدة وحكومة بغداد والقوى الكردية العراقية تدعم مباشرة الجيش التركي في حربه ضدنا، ومع ذلك، فشلت تركيا في إلحاق الهزيمة بنا. وقد ازددنا قوَّةً و شعبيةً في كل أجزاء كردستان. فكيف الحال الآن، ولم تعد تلك القوى تدعم تركيا كالسابق؟

> هل سيجتاح الجيش التركي كردستان العراق؟. وماذا يعني ذلك؟ وكيف ستردُّون عليه؟ هل ستستهدفون المدن التركية؟

- الحشود العسكرية التركية على الحدود العراقية، تعزز احتمال اجتياحها كردستان، عِلماً بأن الجيش التركي قام بـ25 اجتياحاً كبيراً لكردستان. لكن هذا الاجتياح، سيكون مختلفاً تماماً، إذ سيجابه بمقاومة شعبية شاملة من جانب شعبنا في كردستان العراق، وليس من قواتنا فحسب. كما سيؤدي إلى تحقيق الوحدة القومية للشعب الكردي. وتعلمون بأن الملايين من الأكراد يعيشون في كبرى مدن تركيا، ولن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه التطورات. بطبيعة الحال، سيوجد هذا توتراً هائلاً تتسع رقعته في المنطقة كافة، من الصعب السيطرة عليه، والتكهُّن بتبعاته، ولن تسلم منه المدن التركية في أي حال من الأحوال. أمَّا عسكرياً، فسيكون ردُّنا قوياً جداً على أي اجتياح تركي، ولن يكون مصير الجيش التركي أفضل من مصير الجيش الإسرائيلي في اجتياحه جنوب لبنان صيف 2006.
> لو طلب قادة كردستان العراق منكم ترك الأراضي العراقية، هل ستوافقون؟

- نحنُ لم نأتِ إلى هنا بطلب أو بموافقة أحد. وجودنا هنا لا يشكل أي تهديد لكردستان العراق، ولا لأي طرفٍ آخر. الأمر كما قلتُ: مرتبط بحل القضية الكردية في المنطقة. بقاؤنا أو عدمه، لا يتوقَّف على طلب أحد. الدولة التركية، تطلب المستحيل من الحكومتين الكردية والعراقية، بأن تقوما بالقبض على قادتنا وتسليمهم لها. تركيا، وخلال حربها طوال ربع قرن، داخل أراضيها، لم توفَّق حتى الآن في اعتقال أي قائد ميداني من قادتنا الذين كانوا ولازالوا في العمق التركي، فكيف تطلب ما فشلت هي في تحقيقه من الحكومتين العراقية والكردية!؟. المطلب التركي من هاتين الحكومتين الفتيتين يعد مستحيلاً.

> ماذا لو دخلت أميركا على خط المواجهة معكم، وساندت الجيش التركي، ماذا سيكون موقفكم؟ هل ستستهدفون المصالح الأميركية؟

- فتح أبواب المواجهة العسكرية المباشرة معنا، لا يخدم المصالح الأميركية. لكن يعلم الجميع بأن أميركا كانت وما زالت تدعم الجيش التركي عسكرياً في حربه ضدنا. وأميركا هي القوة الرئيسة المسؤولة عن اعتقال قائدنا السيد عبدالله أوجلان وتسليمه الى تركيا سنة 1999. وما زالت أميركا تصف حركتنا بالإرهاب.

> أردوغان سيكون خلال الأيام القادمة في واشنطن، ماذا تتوقعون من هذه الزيارة؟ وماذا تودُّون قوله للأميركيين؟ ألا تعتقدون بأن كفَّة الأتراك سترجح على كفَّة الأكراد عند الأميركيين؟

- لا شك في أن اجتياح كردستان العراق والاشتباكات الأخيرة، وقانون إدانة مذابح الأرمن الذي اتخذته لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، ستطغى على جدول أعمال هذا اللقاء. ندعو أميركا الى التخلِّي عن معاداة حركتنا ونعتها بالإرهاب. فالاستمرار في مُعاداتنا لن يخدم مصالحها. معاداة حركتنا تعني معادة الأكثرية الساحقة من الشعب الكردستاني. معاداة الولايات المتحدة لنا لن يفيدها، بل سيضرُّ بها كثيراً، وسيعمُّق عدم الاستقرار الموجود أصلاً في العراق والمنطقة. على الولايات المتحدة التوقف عن سياسة الكيل بمكيالين، وسياسة «الكردي الجيد والكردي السيّئ». يجب أن يكون للولايات المتحدة مشروع حل واضح وجذري للقضية، بما يؤمِّن حقوق الشعب الكردي ويضمن الاستقرار في الشرق الأوسط. فمن دون حل القضية الكردية لا يمكن ضمان استقرار المنطقة بتاتاً.

> لماذا لا تعطون فرصة جديدة لأردوغان، ربما يكون لديه ما يمهد لحل سلمي للقضية الكردية في تركيا.؟

- منذ أكثر من عقد، ونحنُ نقدم الكثير من الفرص الذهبية للحكومات التركية المتعاقبة. سعينا إلى فتح المجال أمام الحوار والقوى الديموقراطية لحل هذه القضية بالسبل السلمية، وفي الشكل الذي يرضي كل الأطراف. لم نعط الفرص فحسب، بل جسَّدنا مفهومنا للحل الديموقراطي على أرض الواقع، من خلال العديد من الخطوات والقيام بالعديد من الإجراءات المهمَّة. وكثيراً ما أبدينا حسن نياتنا لتهيئة الأرضية الموائمة للحراك الديموقراطي والسلمي لحل القضية الكردية. وقد أعطينا أكبر الفرص لحكومة أردوغان مرات، وآخرها كان وقفنا إطلاق النار، من جانب واحد - كما سابقاً - في 1/10/2006، ومازالت هذه الهدنة مستمرة، ولم نقدم على إنهائها، على رغم كل ما ترونه من تصاعد في وتيرة الاشتباكات.

أردوغان في سدة الحكم منذ خمس سنوات، فأين كان كل هذه الفترة؟ لماذا لم يتلقف نياتنا الحسنة، ومبادراتنا السلمية لإيجاد حل عادل للقضية الكردية؟ لماذا لم يبادر إلى أي خطوة إيجابية مستفيداً من الهدنة الأخيرة التي أعلناها؟ الأنكى، أنه تصرف عكس ذلك تماماً، إذ أعلن رسمياً الحرب علينا، وتحالف مع العسكر، وأطلق أيديهم في حربهم القذرة ضد شعبنا الكردي. وآخر مثال على ذلك، تمرير المذكَّرة من البرلمان والتي تجيز للجيش القيام بغزو الأراضي العراقية. وليس خافياً، أن هذه الحدَّة في سياسة أردوغان قد ازدادت بعد الانتخابات الأخيرة. كل هذه المعطيات تؤكد أن حكومة أردوغان هي حكومة حرب شاملة ضد الشعب الكردي، وليست لها أي نيَّة في الحل الديموقراطي والحوار السلمي. إن كانت لأردوغان أية نيات في الحل السلمي، فليبادر إلى وقف الحملات العسكرية التي يشنُّها الجيش ضد قواتنا. ليقم بإظهار مبادرة حسنة بأي شكل مناسب، حينها من المؤكد أن حدة الاشتباكات ستخفّ كثيراً، وسيتراجع هذا التصعيد العسكري من دون أدنى شك.

> قيل: إن العملية الأخيرة التي قمتم بها ضد الجيش التركي، والتي أسرتم فيها ثمانية جنود أتراك، تمت من الأراضي العراقية، حبذا لو شرحتم لنا شيئاً عن تفاصيل هذه العملية؟

- حاول الجيش التركي القيام بحملة تمشيط عسكرية محدودة عدداً ومسافة التوغل، في أراضي كردستان العراق. أي، أنها كانت حملة تمهيد لحملات أكبر وأكثف. تلك الحملة، كانت تستهدف الهجوم على بعض نقاط تمركزنا، لكن قواتنا تحركت بسرعة وألحقت ضربات كبيرة بالقوات المهاجمة، ودحرتها وكبَّدتها خسائر فادحة، أكثر من أربعين قتيلاً، وعدداً من الجرحى وثمانية أسرى من دون أن يلحق أي ضرر بقواتنا. ويحاول الجيش التركي والحكومة الكذب على الرأي العام، عبر التقليل من خسائرهما، وفبركة أرقام وهمية لخسائرنا. هذا ما دأبت عليه الآلة الإعلامية التركية طوال هذه العقود في حربها ضدنا، وللأسف، ينخدع الشعب التركي بذلك، وتنقاد بعض المنابر العربية والعالمية لأكاذيب وفبركات الإعلام التركي!

> كيف هي الحال الصحية للأسرى؟ وهل ستبادلونهم بأسرى لديكم موجودين في السجون التركية؟. قلتم: بأنكم ستفرجون عنهم قريباً، لماذا؟ هل كبادرة حسن نيَّة؟ ومن هي الجهة التي ستستلم الأسرى منكم؟ وهل لحكومة إقليم كردستان العراق أي علاقة بإطلاق سراحهم؟

- الحال الصحية للأسرى جيدة، وهم على أحسن ما يرام. كان هنالك أسير مصاب بجراح طفيفة قامت دوائرنا الصحية بمعالجته. نحنُ نعامل هؤلاء الأسرى معاملة إنسانية انطلاقاً من قيمنا الثقافية والفكرية الإنسانية. ليست هناك أي معاملة مهينة أو جارحة لمشاعرهم وكرامتهم. عكس ذلك، فهم مرتاحون إلى أبعد مدى، وفي مكان آمن جداً وأود أن أشير الى أننا لا نرفض إطلاق سراحهم. هنالك الكثير من الأطراف التي تتوسَّط في هذه المسألة للوصول إلى صيغة مناسبة لشكل إطلاق سراحهم وكيفيته. موقفنا سيكون مسهلاً وايجابياً لإيجاد تلك الصيغة المناسبة، كبادرة حسن نيَّة من قِبلنا.

> يقال أن بينكم مقاتلين أجانب: أتراك، عرب، فرس، ألمان، روس، أرمن... بماذا تفسرون ذلك؟

- صحيح، بيننا العشرات من المقاتلين الأمميين من القوميات المختلفة، هنالك العديد الذين استشهدوا في أوقات مختلفة ضمن النضال التحرري، والبقية لا زالت تناضل هنا في جبال كردستان. هنالك العديد من الأسباب التي تدفع هؤلاء المناضلين الى الانخراط في صفوفنا، والسبب الأهم هو أننا لسنا حركة قومية تقليدية، بل حركة إنسانية تهدف إلى الإخاء والتعايش السلمي بين الشعوب، على أسس المساواة والحرية والعدالة والمودة والسعي إلى حياة أفضل لكل إنسان، بصرف النظر عن خلفياته القومية أو الدينية أو العرقية أو الطبقية. نهجنا الفكري ونمط حياتنا ونضالنا الإنساني البعيد من الأهداف القوموية، جذب الكثير من أحرار الشعوب الأخرى. وخير مثال على ذلك، أن أول شهيد لحركتنا كان من أصولٍ تركية (حقي قارر، سنة 1977). هنالك رفاق من أصول سويسرية وآذرية وآشورية وكازاخية إضافة إلى القوميات التي ذكرتموها. هذا دليل على أننا أصحاب قضية عادلة، خلافاً لمحاولات البعض البائسة والرامية إلى تشويهنا بشتَّى الوسائل.
> إن أعلنت تركيا عفواً جزئياً عنكم، ماذا سيكون ردُّكم؟ وإلى متى ستبقون في هذه الجبال؟

- ليكن في علم الجميع، أن قضيتنا ليست أن تعفو الدولة التركية عنَّا جزئيَّاً أو كلِّيَّاً. لو كنَّا نسعى إلى هذا العفو، لما صعدنا الى هذه الجبال أصلاً. أمَّا، إنْ كان (العفو العام) جزءاً من مشروع شامل للحل السياسي لقضيتنا، وكخطوة أوليَّة، حينها، نبادر إلى تداول هذا الأمر. أي، أن القضية ليست كيفية إنزال مقاتلينا من الجبال وإرجاعهم إلى بيوتهم. ليست لنا أي مشكلة من هذا المثيل، لسنا متلهِّفين للنزول من جبالنا هذه، ولسنا في أوطانٍ أخرى، ولا نعاني الغربة، نحنُ نعيش ونناضل بكل حرية في جبالنا الجميلة والشامخة. أكرر: إننا هنا، لأن هناك القضية الكردية، وشعباً تاريخياً عريقاً محروماً من أبسط حقوقه الإنسانية، وهجمات يومية تشنُّها أجهزة الأمن والجيش التركيين على هذا الشعب، هناك أكثر من خمسة آلاف قرية تم إفراغها من قاطنيها، ومئات الألوف من النازحين إلى المدن الكبرى، هناك إنكاراً كلياً لهوية شعب كامل...الخ، ومسألة نزولنا من الجبال مرتبطة وثيقاً بحل هذه القضايا.

> تتصاعد في تركيا وتيرة الشحن القومي والعنصري ضد الأكراد سياسياً وإعلامياً، وضمن هذا الاحتقان المتزايد، هل من مؤشرات بوادر سلمية تلوح في الأفق؟ هل حاولت جهات أوروبية محايدة التوسط بينكم وبين الأتراك؟

- حكومة أردوغان والجيش التركي المسؤولان الرئيسان عن هذا الشحن في الشارع التركي. حيث يتم التلاعب بالمشاعر القومية للجماهير عبر الإعلام والتصريحات الرسمية لحكَّام تركيا. فقد صرح أردوغان بأن هذا الشحن القومي، وهذه التظاهرات الغوغائية، هي رد فعل الشارع التركي، وبأن الشعب محق في إبداء رأيه والقيام ببعض التصرفات الشوفينية وحتى الفاشية ضد المواطنين الكرد!. عِلماً أن ردود الفعل الشوفينية هذه، ليست سوى من تدبير المخابرات والأمن التركيين. كما أن هذا الشحن الشوفيني سيزيد الهوة بين الجماهير الكردية والدولة، بين الشعبين الكردي والتركي. وهي ستزداد وقد تؤدي إلى القطيعة النهائية بين الشعبين، وإلى الانفصال.

وأوروبا مستمرة في صمتها حيال ما تقوم به تركيا من خرق كل الأعراف والمواثيق الدولية والأوربية. ويقع على عاتق الاتحاد الأوروبي مسؤولية إيجاد الحل المناسب للقضية الكردية. والحد من هذا التيار الشوفيني المتصاعد في تركيا. هذه الشوفينية ستضر بأوروبا أيضاً، ولن تبقى بمنأى عن نتائجها. فقد قامت بعض الأطراف الشوفينية بالتهجم على المؤسسات الديموقراطية الكردية في البلدان الأوروبية، وهذا يؤكد بأن الخطر الشوفيني قد بدأ يطرق أبواب أوروبا، إن لم تقم الأخيرة بدور إيجابي في حل القضية سلمياً. على أوروبا أن تتخلَّى عن موقفها اللا مبالي والخامل حيال المستجدات الأخيرة والخطيرة في تركيا.

> هل أنتم مستعدون لوضع سلاحكم على طاولة التفاوض؟. وماذا تريدون من تركيا، ومن كردستان العراق ومن أوروبا ومن أميركا؟

- نحنُ واثقون ومؤمنون كلياً بأن السبيل الوحيد لحل القضية الكردية هو الحوار السياسي والسلمي. وحملنا السلاح، لم يكن حبَّاً بالحروب، بل للدفاع عن وجودنا وعن حقوق شعبنا المهضومة. على تركيا أن تتخلى عن عقلية الإنكار ومحاولات الإبادة، وتعي أن زمن «أتيلا» وذهنية الإنكشارية قد طواهما الدهر، وأن تعترف بهوية الشعب الكردي. موضوع السلاح مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحل القضية الكردية. لكن، إذا استمرت الدولة التركية، وهي مستمرة في كل الأحوال، في التعاطي الأمني مع القضية الكردية، وتصويرها على أنها «مكافحة إرهاب»، وتبيح لنفسها كل شيء في هذا الخصوص، حينها، لن يبقى أمامنا سوى خيار المقاومة على كل الجبهات. وقد قاومنا حتى الآن، وسنبقى، حتى تحقيق أهدافنا في الحرية والحقوق الكردية المشروعة. كما نطالب جميع القوى والأطراف الإقليمية والدولية أن تساهم ايجاباً في الحل بالسبل السلمية، بدلاً من النفخ في نيران الحرب، والدفع بتركيا نحو مهالكها.

> هل لديكم ما تودون قوله للشعب التركي؟

- الدولة التركية تحارب الشعب الكردي منذ قيام جمهورية أتاتورك حتى هذه الساعة. وهي تحارب حركتنا منذ أكثر من ربع قرن، من دون أن تحصد شيئاً سوى الدمار. علماً أن حكَّام تركيا، استنزفوا كل مقدرات البلاد وأغرقوها في الديون الخارجية، وأوصلوا اقتصادها إلى الحضيض، مستغفلين الجماهير التركية، عبر الشعارات القوموية البرَّاقة كـ(وحدة الوطن، والعلم، وسمو العرق التركي...)، وجعل الشعب التركي وقوداً لهذه الحرب الخاسرة والقذرة. النزوع القوموي مضرٌّ قبل كل شيء بالشعب التركي. التاريخ القريب، يشير إلى أن جماعة «الاتحاد والترقي» هي التي أودت بالسلطنة العثمانية إلى الجحيم، ثمة اتحاديون جدد في تركيا اليوم، سيفعلون ما فعله طلعت وأنور وجمال باشا. تعنُّت تركيا في اللا حل ومواصلة الحرب سيجعلان منها في حال أسوأ بكثير من حال العراق.

نحنُ نحب الشعب التركي ونحترمه، ولنا تاريخ مشترك، ولا نريد له الضرر بأي شكل، لذا، نصرّ على ضرورة الحل السلمي والديموقراطي للقضية الكردية ضمن الجمهورية التركية والعيش الأخوي المشترك. نتمنى أن يقف الشعب التركي موقفاً مناهضاً للحرب، كما فعل الشعب الأميركي في مناهضة حرب بلادهم في فيتنام، وفي العراق حالياً.

هوشنك أوسي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...