ستراسبورغر: ما من شيء اسمه الشرق والغرب

23-06-2014

ستراسبورغر: ما من شيء اسمه الشرق والغرب

يستثمر الكاتب البولندي الشاب ستانيسواف ستراسبورغر، إلمامه بالتراث العربي واللغة العربية، ليكتب رواية تجمع بين الشرق والغرب، وتدور أحداثها بين لبنان والأردن وسوريا. رواية «بائع الحكايات» الصادرة عن دار الآداب، هي عبارة عن يوميات سائح بولوني قرر التعرف الى بيئة الشرق، وقرر كتابة تجربته في نص يمزج بين اليوميات والوصف، وبين الاسترسال والقطع. عن هذا الكتاب كان هذا الحوار:

÷ بداية الكتاب يكاد يكون نوعا من يوميات يكتبها سائح بولوني أثناء زيارته بلاداً عربية، هل تسميه رواية؟
 ـ كتبت هذا الكتاب خلال خمس سنوات، في البدء كنت في صدد كتابة مقال، لم أكن مستعدا لكتابة رواية، ثم انتقلت الى كتابة يوميات، الى أن وجدت نفسي اكتب رواية. جزء من خطتي في هذه الرواية هو المزج بين يوميات السائح وحبكة الرواية. السائح البولوني يكتب يومياته بهدف التعرف الى تفاصيل البيئة الجديدة التي هو في صدد اكتشافها.
بما أنني لا أفكر بطريقة كلاسيكية، لا أكتب أيضا بطريقة كلاسيكية، الأحداث في حياتي تحدث عشوائيا، ولا تخضع لبنية كلاسيكية. من هنا فان كتابة رواية كلاسيكية بالنسبة إلي فعل تصنع، وهو غير متجانس مع شخصيتي. لذلك أتت روايتي بطريقة تتناسب وأسلوب حياتي وأفكاري.
÷ الرواية هي عبارة عن مزج بين اليوميات أو النص الوثائقي والنص الأدبي، وهي أيضا تمزج بين الحقيقة والخيال. ما هي الطريقة التي اعتمدتها لجمع مواد الكتاب؟
 ـ الطريقة التي اعتمدتها من أجل جمع المعلومات في كتابي هي الطريقة التي يعتمدها كل كاتب عادة. قابلت العديد من الناس العاديين والصحافيين، وحاولت التعرف الى الشرق أكثر من خلال الأحاديث التي دارت بيننا. كما أني زرت العديد من الأماكن واستوحيت منها. فضلا عن ذلك، ساعدتني بعض المراجع والكتب العربية المهمة. وأيضا تجربة السفر الى الشرق الأوسط والتعرف الى الشعب العربي، أوحت الي بالكثير.
÷ تتحدث الرواية عن سائح بولندي ذهب إلى سوريا بهدف التنقيب عن الغاز، ثم قرر الاستقرار هناك بغية التعرف الى تراث وثقافة المنطقة، ما الذي دفعك الى كتابة رواية عن دول عربية؟
 ـ جئت بالصدفة إلى لبنان عام 1999، ووجدت أنه بلد مختلف عن الصورة التي كنت أرسمها عنه في رأسي، فهو ليس بلد الحرب والمنظمات الإرهابية. عندها أصبح لدي فضول للتعرف الى هذا البلد أكثر. وقد جذبني الاختلاط السياسي والاجتماعي فيه. وأعتقد أن لبنان يشبه بولندا تاريخيا، كونه بلداً صغيراً محاطا بدول كبرى كما هي الحال في بولندا التي تقع بين روسيا وألمانيا، وهذا الأمر جعلني أشعر بألفة نحو هذا البلد. وكنت متحمسا لنشر كتابي في لبنان، فهذا البلد يحوي العديد من دور النشر التي تنشر بدون مقابل.
كما زرت سوريا والأردن، وقررت أن أكتب يومياتي في هذين البلدين، كي أعرّف الناس على الصورة الحقيقية لهما. وجاء هذا الكتاب الذي بين يدي. انه يعكس تجربتي الخاصة في هذه البلدان الثلاثة، ويعكس رؤيتي للعالم العربي ومشاعري نحوه.

بين الوثيقة والخيال

÷ اذاً، الكتاب موجه الى القارئ الأجنبي أكثر منه الى القارئ العربي، كون هذا الأخير مطلعاً على تراث منظقته.
ـ كما قلت إن هذا الكتاب هو مزج بين الوثائقي وبين الخيال. وانه يعكس تجربتي الخاصة في هذه البلدان، وقد يهم القارئ العربي الاطلاع على كتاب يتحدث عن بلده من وجهة نظر سائح بولندي. في البدء لم أكن أتقن اللغة العربية، ووجدت أن قراءة الأدب العربي أقرب وسيلة كي أفهم أفكار العرب، وعاداتهم، كيف يتخيلون الجنة مثلا، أو ما هي نظرتهم الى الدين أو الموت. واطلاعي على الأدب ساعدني كي أتواصل مع الناس. ثم تعلمت اللغة العربية، فأصبح التواصل أسهل. من هنا يعكس هذا الكتاب، علاقتي بالناس وبالحضارة العربية، بالاضافة الى التفاعل الذي يحدث عندما تلتقي حضارتان مختلفتان.
÷ ما رأيك بالثقافة العربية، وهل صحيح أن الشرق شرق والغرب غرب كما يقول كيبلنغ؟
 ـ لا أوافق كيبلنغ الرأي في أن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبدا. أعتقد أنه ما من شيء اسمه الشرق أو الغرب. بل كلمة شرق وكلمة غرب هما عبارتان متداولتان وتسهلان التواصل بين المجتمعات، وهما تلعبان دورا ايجابيا في تبسيط العلاقات بين الناس. لكن هذه العبارات قد يستخدمها الناس في نقاش بسيط، بينما اذا أردنا أن ندخل في نقاش عميق، بغية التعرف الى البنية الثقافية أو الاجتماعية أو السياسية لشعب ما، فعلينا أن نلغي كلمة شرق وكلمة غرب لأن هناك نواحي كثيرة يلتقي فيها الشرق بالغرب، وأحداثاً كثيرة عبر التاريخ جعلت الشرق والغرب يلتقيان.
÷ ما الذي أثر فيك بعد هذا الكتاب وبعد تجربتك في الدول العربية؟
 ـ العالم الألماني توماس بوير، تحدث عن نظريتين لعدم الانتماء، استنادا الى أدب القرون الوسطى. والنصوص العربية المختصة فسرت غربة الانسان عن ذاته بنقص في الانتماء، في العلاقات العائلية والاجتماعية، في المعرفة وفي الاستيعاب. اذاً السائح يمكنه التغلب على هذا النقص عبر مخاطبة ومواجهة ذاته. بينما أرضية الأدب اللاتيني واللغة اللاتينية وصفت الغرباء بالبربريين، الذين ينتقصون الى درجة التمدن الذي وصل اليها السائح الغربي. وهم يتخطون هذا النقص عبر تمدين الآخرين بدلا من تغيير أنفسهم.
لقاءاتي بأناس من الشرق الأوسط وتعرفي الى ثقافة هذه المنطقة جعلتني اكتشف أشياء جديدة أتأثر بها، ومدتني بقوة ابداعية. وجلعتني أنقل تجربتي الى الآخرين، الى قرائي اولا عبر الكتابة، كما ساعدتني في عملي الذي يقوم على ادارة مشاريع ثقافية بين لبنان وألمانيا وبولندا.
بهذا المعنى، الثقافات العربية أثرت فيّ في نقطتين أساسيتين: الأولى أنها ساعدتني على اكتشاف نفسي بين الآخرين، والتغلب على بعض نواقصي، والنقطة الثانية متعلقة بالكتابة: تجربتي في الشرق الأوسط جعلتني أوفق بين أدب وفلسفة وفن ما بعد الحداثة التي درستها في بولندا وفي ألمانيا، وبين التجربة اليومية، وبشكل خاص من خلال تكلمي اللغة العربية.

أجرت الحوار: زهرة مروة

السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...