في شهر رمضان: حمى الاستهلاك تجتاح الأدالبة

23-09-2007

في شهر رمضان: حمى الاستهلاك تجتاح الأدالبة

اجتاحت حمى الاستهلاك معظم فئات المجتمع الادلبي فيما تضرب مطرقة الأسعار بقيتهم مع حلول شهر رمضان المبارك رغم نداءات الجهات المعنية والمفكرين ورسامي الكاريكاتير الداعية إلى ترشيد الاستهلاك والالتفات الى روحانية شهر رمضان وهرعت غالبية أهالي المحافظة إلى الأسواق التجارية ومراكز التسوق الكبرى وحتى باعة الأرصفة لابتياع السلع الرمضانية من خضار وفواكه وتمور ولحوم ومشروبات رمضانية من العرقسوس والتمر الهندي والخروب إضافة للمكسرات ولوازم صنع الحلويات استعدادا لإقامة ولائم الإفطار للأهل والأقارب والمعارف وزملاء العمل. ‏

واندفع هؤلاء للشراء المحموم إما برغبة دينية صادقة في بر الوالدين وصلة الأرحام وإما الالتزام بالتقاليد الاجتماعية والظهور بمظهر المقتدر على إبداء الكرم والبذل وهي طبيعة متأصلة في المجتمع السوري رغم ضيق ذات اليد . ‏

وتبدو حمى الاستهلاك واضحة للعيان فى الأسواق المكتظة بالمشترين في أنحاء محافظة ادلب وضواحيها حيث يعيش اكثر من نصف سكان المحافظة وتتمتع بمستوى حياة أعلى بينما تظهر بصورة اكثر حدة الى الجنوب من ادلب في سراقب و معرة النعمان وخان شيخون ومعهم مدن الغرب والشمال مثل اريحا وجسر الشغور وسلقين وحارم التي كان اقبال المتسوقين على الشراء فيها كبيرا. ‏

وعلى صعيد قطاع الخدمات فقد شهدت حمى مماثلة على تباين واضح يحدده تفاوت مستويات المعيشة فبينما انهمك معظم أهل المدن والريف ايضا بمتابعة الاعلانات المكتوبة والمتلفزة عن الخيم الرمضانية وأماكن السهرات واحدث نغمات الهواتف النقالة الخاصة بمواعيد الصلاة والسحور والافطار والتهنئة بقدوم رمضان يكتفي اغلب الناس في بقية المدن بشراء المواد الأساسية والاستعداد لمشاهدة برامج ومسلسلات التلفزيون والاذاعة السورية بهذه المناسبة. 
 وأدى تهافت المشترين على مختلف السلع الرمضانية في مختلف الأسواق التجارية ومراكز التسوق في الايام الماضية الى ارتفاع اسعار بعض أنواع الفواكه والخضار والتمور واللحوم بسبب ارتفاع الطلب المفاجئ عليها.كما اضطرت مختلف المؤسسات المعنية امام حمى الاستهلاك التي سرت في المجتمع الى التدخل كل بطريقتها لتخفيف الافراط في الشراء، فأكد السيد طالب العلي مدير التجارة الداخلية بادلب ان جميع المواد التموينية متوفرة في الاسواق بكميات تزيد عن الحاجة داعيا التجار الى الالتزام بواجبهم الديني والوطني في الشهر الفضيل وعدم رفع الاسعار. ‏

وطمأنت مديرية التجارة الداخلية المواطنين الى استقرار اسعار المواد الغذائية بأنواعها مؤكدة في تصريحات للصحف المحلية ان معدلات الاسعار توحي بأنها ستعود الى مستوياتها الطبيعية في بضعة ايام نظرا لوفرة هذه المنتجات بكميات تلبي حاجة جميع المواطنين. ‏

وتقول الحاجة ام محسن بعيج لــ تشرين انها حضرت الى السوق لابتياع اصناف من المنتجات حددت انواعها وكمياتها مسبقا، وتضيف: ان الافراط في الشراء ينم عن نقص في وعي المواطن رغم ان غالبيتنا متعلمون مؤكدة انها قصدت السوق لشراء الاساسيات فقط . ‏

ووصف احد التجار ويدعى ابو اصطيف قرة محمد هذا " الاندفاع العجيب " للمستهلكين الى شراء كل ما يصادفهم بانه جنون استهلاكي يغري بعض التجار برفع اسعار منتجاتهم منبها الى ضرورة شراء ما يحتاجه المواطن من جميع الاصناف على دفعات خلال شهر الصوم والى ضرورة ادراك زملائه التجار ان هذا الشهر هو «موسم التجارة مع الله سبحانه وتعالى »وأضاف: ان هذا السلوك ينم ايضا عن انعدام التخطيط الاقتصادي لدى معظم الأسر التي تعيش يوما بيوم دون الالتفات الى اهمية الاقتصاد في النفقة والتخطيط للمستقبل القريب ناهيك عن المستقبل البعيد. ‏

وقال خالد احد العاملين في واحد من اكبر مراكز التسوق بادلب ان المستهلكين أتوا على جميع محتويات بعض اجنحة المركز الذي باع من المخللات في يوم واحد فقط ما تصل قيمته الى 10 الاف ليرة سورية واضاف انه وزملاءه زودوا رفوف السوق بدفعات جديدة من البضاعة التي تم بيعها. ‏

وحتى الكتب الدينية لم تكن فى منأى عن حمى الاستهلاك فقد استعدت المكتبات وأكشاك بيع الصحف والمجلات لهذا الموسم وبدأت منذ عدة ايام تعرض المصاحف المفسرة وغير المفسرة والمزخرفة بطرق مختلفة اضافة الى الكتب الدينية الخاصة بالادعية واحكام الصلاة والصوم وروحانيات الشهر المبارك وفضله. ‏

ويقول عمرو الدين اليوسف ان المسلمين يقبلون على شراء هذه المنشورات اضافة الى لوحات مختلفة الاحجام تحمل صور الحرمين الشريفين او قبة الصخرة المشرفة والمسجد الاقصى ولوحات الخط العربي لآيات قرآنية كريمة أو أحاديث نبوية شريفة. ‏

ويعلل اليوسف هذا الاقبال بقوله ان البعض يشتري هذه الأصناف للاقتناء واستعماله الخاص مع أسرته أو لإهدائها إلى الأهل والأصدقاء في سبيل تثبيتهم على طريق الهدى والاجتهاد فى العبادة فيما يقدمها المحسنون الى مكتبات المدارس او المساجد انطلاقا من رغبتهم في العمل الخيري تطوعي في الشهر الكريم ورغم ان عشرات المقالات والرسوم الهزلية من هذا النوع تنشر كل سنة إلا أنها لم تفلح في إقناع السوريين واهالي ادلب منهم بالتخلي عن سلوكهم الاستهلاكي العجيب الذي تشاركهم فيه الشعوب العربية والاسلامية الشقيقة ولكن يبقى الامل موجودا في ان تؤدي هذه الرسائل الاعلامية دورها المنشود ولو بعد حين. ‏

لقد صار شهر رمضان عند بعض الأشخاص شهرا استهلاكيا يتميز بزيادة مصروفه العادي والذي يفوق في بعض الأحيان الدخل الشهري للفرد، ويلجأ البعض إلى الاقتراض حتى يوفوا متطلباتهم والكماليات غير الضرورية في رمضان، حتى أصبحت الموائد تزخر بالعديد من الأصناف والأطباق التي لا تنتهي. ‏

والمواطن الادلبي برر الإسراف في شهر رمضان لوجود بعض العادات الاجتماعية مثل الولائم والتي تثقل كاهله بسبب النفقات التي ترافقها، بالإضافة إلى وجود أنواع خاصة من المأكولات والمشروبات ترافق الشهر والتي تحتاج لميزانية محددة، مواطنون أكدوا لتشرين أن مصروفهم الشهري يزداد في رمضان لكثرة شهواتهم على الطعام كونهم صائمين إضافة إلى المشتريات والكماليات والولائم والسهرات التي تصبح حاجة أساسية فيه. ‏

وعلى العكس من ذلك يرى السيد عبد الرحمن العبدالله أن شهر رمضان فرصة للتخلص من النفقات والمأكل والمشرب وليس مناسبة للاستزادة ويقول «إذا كان الإسراف محرما في كافة شهور السنة انطلاقا من قوله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) فهو في رمضان أكثر تحريما وذلك ان رمضان هو للعبادة والزهد والشعور مع الفقراء وهذا لا يتحقق عندما تكون موائد الطعام عامرة بأصناف شتى من المأكولات. ‏ والمشروبات، فكيف للغني أن يشعر مع الفقير وموائده تزخر بأصناف المأكولات، لذلك فان الإسراف يناقض المقصد من تشريع الصوم . ‏

وينبه العبدالله إلى أن الإسراف الكثير في شهر رمضان يؤدي إلى زيادة رفع أسعار المواد الغذائية بسبب ازدياد عملية الطلب، الأمر الذي يؤدي للتضييق على الفقراء، ولو كان الإقبال طبيعيا لما كانت هناك حجة للتجار ان يرفعوا أسعار هذه المواد. ‏

وتلعب وسائل الإعلام دورا في ترسيخ بعض العادات الاستهلاكية من خلال الترويج للعديد من المأكولات والإطباق وبرامج الطبخ التي تتفنن في طرق إعداد أطباق الطعام والحلويات،والمأكولات والمشروبات الرمضانية، كما يكثر الحديث عن وجبات الفطور والحلوى والذي أصبح يستحوذ على معظم الجلسات الرجالية والنسائية سواء في المنزل أو في الأماكن العامة و العمل. ‏

‏ يحل شهر رمضان الكريم على الأسرة الادلبية وهو حامل تحت أجنحته الصورة المعهودة لطوابير الانتظار التي تشاهد في المخابز وعند بائعي القطايف ومواقف الحافلات، ويفرد جناحيه مطمئناً الفقراء ان هناك من يعتني بهم على الأقل خلال هذا الشهر الكريم. ‏

تتنافس الشركات الكبيرة والجمعيات بإنشاء (موائد الرحمن) والتي تنتشر في جميع أنحاء البلاد لتقدم وجبات إفطار رمضانية لمن هم اقل حظا وهي ناجحة بشكل كبير. ولا بد من التوقف عند مساعدات جمعية البر للخدمات الاجتماعية لمئات الأسر الادلبية موزعة على مناطق المحافظة في الشمال والوسط والجنوب والبادية الشرقية والجنوبية والوسطى والتجمعات السكانية . ويرى بعض الأهالي من ادلب شهر رمضان الفضيل كشهر للعبادة والاهتمام بمن هم اقل حظاًََ، أما البعض الآخر فهو بالنسبة لهم شهر الربح وذلك من خلال تقديم السهرات الرمضانية بعد الإفطار والتي أحيانا تبقى لساعات الصباح الباكرة حيث يتم تقديم المشروبات الخاصة بهذا الشهر وهي قمر الدين وعرق السوس والتمر الهندي بالإضافة إلى المشروبات الغازية والحلويات. ‏

وفي ادلب تغلق الحانات ومحلات بيع الكحول خلال الشهر الفضيل، وتزدهر محلات بيع التمر الهندي وتقديم النارجيلة، يقول ياسين العباسي: إن شهر رمضان هو شهر عبادة وصوم وعلينا جميعا احترام بعضنا البعض ومراعاة حرمة هذا الشهر الفضيل. ويضيف: إن البعض يستغل هذا الشهر ويتوجه لإنقاص وزنه أو التوقف عن التدخين وممارسة الرياضة وهذا شيء ايجابي .يقول زياد الحميد بأن حركة السير قبل وبعد الإفطار تصبح في غاية الخطورة وتزداد الحوادث حيث إن الجميع يكون في عجلة من أمره للذهاب للإفطار. ويضيف : إن الساعات التي تستبق موعد الإفطار تصبح ساعات جنونية حيث الطوابير على المواصلات والتعامل مع مزاجية سائقي التاكسي ما يجعل الوضع سيئا ً تخلو شوارع ادلب خلال ساعة الإفطار من السيارات والمارة حيث الكل مرتبط بموعد مع مائدة الإفطار وتصبح بعض المناطق مهجورة تماما. ‏

أما بعد الإفطار، فتسري الحياة في شوارع ادلب مجددا، فتتسابق أماكن الترفيه في تقديم كل ما هو جديد خلال فترة شهر رمضان المبارك، وتكتظ المقاهي بالزوار وتنتشر رائحة النارجيلة بمختلف نكهاتها من التفاح والسوس في الجو. تقول الموظفة عبير الجاسم: إن شهر رمضان يعطي الفرصة لإرجاع الحياة الاجتماعية التي يفقدها الإنسان من خلال ساعات العمل الطويلة ، وتضيف إن ما يلفت النظر هو ارتفاع الأسعار بحيث تصل إلى رقم خيالي في بعض أماكن السهر والتي تتنافس في إحضار وجبات الطعام الكبيرة. ‏

الكل يعلم أن مصاريف الأسرة الادلبية اذا صح التعبير تزداد بشكل كبير في شهر رمضان المبارك، إلى درجة أن هذه الزيادة قد تمتد إلى مدخرات الأسرة لتعويض النقص في ميزانية الشهر الكريم. هذه الزيادة تصرف في كل اتجاه، من المواد الغذائية إلى الملابس إلى الأثاث، وقد تصل أحياناً إلى السيارة، وتزداد شهية الأسرة إلى الشراء وكأنه هدف بحد ذاته. ‏

يقول أحد المواطنين تندراً: فهمنا الإكثار من شراء المواد الغذائية والزحام عليها، لكن ما سبب الإقبال على شراء الأواني، هل أكلنا أواني الطبخ في البيت مع ما أكلناه الشهر الماضي؟ أم لم يكن لدينا أوان للطبخ واكتشفنا ذلك مع حلول الشهر الكريم؟ ‏

هذا التصور يعطي صورة لما يحدث للأسرة الادلبية ، فقبل دخول الشهر الفضيل بعدة أيام، تقبل الأسر في ادلب على شراء مستلزمات الشهر الفضيل من مواد غذائية وأواني سفرة بكميات كبيرة، هذه السوق التي تواجه شهية استهلاكية كبيرة، تفتقد للمعلومات عن حجمها ومدى الفرص التي ستخلقها للمستثمر أو لطالب العامل. ‏

يقول السيد نهاد حلاق سفرة رمضان عامرة لأن التزاور يكثر في شهر رمضان، إضافة إلى كثرة العروض والتنزيلات التي تطول كل شيء، بدءا من المواد الغذائية التي يروج لها في هذا الشهر. ‏

‏ ويضيف: رمضان مناسبة، فالكل يستغلها، فتجد كثيرا من الناس يؤجلون شراء بعض الأشياء التي يحتاجونها إلى رمضان، لأنهم قد ينتظرون أن تكون هناك عروض على هذه المواد ويقول الحلاق: في الشهر الكريم يكثر التزاور بين الزملاء والأقارب والأهل، لذلك الكل يريد أن يظهر بالمظهر المطلوب، فأثاث البيت لا بد أن يكون جميلاً، ولا بد أن تكون السفرة مليئة بما لذ وطاب كي تكون العزيمة مشرفة لصاحب البيت ولضيوفه، لذا كيف تعزم زميلا أو قريبا ولا تبدو في مستواه؟ ‏

هذه السوق الرمضانية فتح شهية الشركات والمؤسسات لجني أرباح كبيرة، لكنها تبقى سوقاً هلامية، فلا توجد معلومات دقيقة تبين توجهات الأسرة وما تحتاجه فعلاً. ‏

يقول الاقتصادي محمد الرضوان: ليس هناك إحصاءات ومعلومات دقيقة تبين حجم هذه السوق، فلو وجدت هذه المعلومات لأعطت الكثير من المشاريع الاقتصادية المعلومات التي ستبني على ضوئها خططها الإنتاجية، وستضيف للاقتصاد الوطني إضافات كبيرة مثل خلق الفرص الوظيفية والفرص الاستثمارية، لكن غياب هذه المعلومات يجعل السوق مجالا للتقديرات والتوقعات من قبل الشركات المستفيدة. ويضيف الرضوان: الأسواق العالمية تتأثر بمعدل الإنفاق الشهري للأسرة، لذلك تجد بيانات الإنفاق الأسرى تعلن بشكل شهري وهذه البيانات تؤثر على هذه الأسواق بالسلب والإيجاب . ويقول الرضوان إذا تم جمع المعلومات الدقيقة عن حجم هذه السوق فإن هذه الممارسة - الإقبال على الشراء بشراهة، التي يعتبرها الكثير من الناس ميزة سيئة ستتحول إلى ميزة إيجابية، لأنها ستبين حجم السوق في هذا الشهر ومدى الفرص الاستثمارية فيها، كذلك الفرص الوظيفية. ‏

كما يبين الرضوان أن ما تمارسه الأسرة من إقبال شديد على مواد بعينها في موسم واحد، هو تخطيط سيئ للعملية الشرائية، فكثير من الأسر تشتري في آخر لحظة أسوأ البضائع بأغلى الأثمان، وكثير من المواد كانت متوفرة طوال العام، فلماذا الإقبال عليها قبل الشهر الكريم بيوم أو يومين؟ ‏

يقول المواطن حسين زيداني ، الذي يعمل في إحدى الشركات: دخلت إلى إحدى الأسواق التجارية، كانت ممرات السوق مليئة بالمواد الغذائية بشكل كبير، وكأنها كانت ممنوعة طوال العام وغير مسموح بها سوى في رمضان . ‏

زيداني الذي يتحدث عن سوق رمضان إذا صحت هذه التسمية من واقع تجربة، فهو يعمل في شركة متخصصة في المواد الغذائية، يقول: المعلومات الحديثة عن السوق، سواء في رمضان أو غيره، تكاد تكون معدومة، وإن وجدت فهي قديمة منذ عام تقريباً، فعندما ترغب في الحصول على معلومات عن المواد المستوردة، فلن تجد معلومات قبل شهر أو شهرين، بل تجد معلومات العام الماضي . ‏

ويضيف:التجار الصغار ليس لديهم أية معلومات حتى وإن كانت قديمة، بينما التجار الكبار لديهم معلومات قديمة، وبعض الشركات تعتمد على معلوماتها الخاصة، فتحسب كمية المواد التي باعتها في السنة الماضية وتضيف هامش نمو بنسبة بسيطة، وعلى ضوء ذلك تبني معلوماتها عن السوق وتستورد أو تصنع لهذا العام . ‏

ما ان تبدأ تباشير الشهر الكريم حتى تتجه الاسر العربية بمختلف طقوسها الغذائية بالتوجه إلى الاسواق لشراء الأطعمة والمأكولات التي تئن من وطأتها رفوف المطبخ والثلاجة، فعادة ما نشاهد عربات التسوق في المحلات الكبرى تجري وراء بعضها ممتلئة بالمشروبات والمأكولات التي تتميز بها موائد رمضان حول حمى شراء الأطعمة وكيفية التعامل معها في رمضان كانت لنا هذه اللقاءات من احد المحلات التجارية في ليلة قريبة من رمضان بادلب ... ‏

في البداية تحدثنا مع السيدة زينب العبدالله والتي كانت قد انفقت حتى الان على مقاضي رمضان ما يقارب الفي ليرة سورية وأسرتها مكونة من ثلاثة افراد ولقد بادرت بتعليل تصرفها قائلة :شهر رمضان شهر الخير والبركة ويحلو الاجتماع العائلي مع الأهل حول طاولة الطعام للحديث في مختلف المواضيع، ولم تعتبرالسيدة زينب ذلك احد اوجه الاسراف على اعتبار انه عادة اعتاد الناس على ممارستها ولن تجدي النصائح في الحد منها ..!! ‏

اما السيدة نهى الحسين والتي كانت عربة تسوقها مبالغاً فيها جدا مع كل الكميات من رقائق وانواع الدقيق قالت لنا : طلبات تجهيز المعجنات تبدأ منذ وقت مبكر وبكميات كبيرة اضطر معها إلى الاستعانة بجيران المنزل، واضافت: يعتبر حلول شهر رمضان فرصة جيدة لزيادة الدخل خاصة لمن يعملون في مجال صناعة الأطعمة او بيعها فجميع النساء وخاصة العاملات منهن يستهلكن مقدارا كبيرا من الأطعمة وكأن الصيام مقترن بالتهام الطعام . ‏

‏ اما السيدة رغداء الآغا فبرغم انها تعيش هي وزوجها بعد ان تزوج ابناؤه وبناته فهي تحرص على ملء غرفة المستودع بصناديق المواد الغذائية تقول : شهر رمضان شهر محبة وتراحم فمن خلال موائد الأطعمة المنوعة نحاول ان نتواصل فيما بيننا ربما تعويضاً عما فاتنا من تقصير خلال العام وتضيف : احب ان اقضي النهار في شهر رمضان في المطبخ لتجهيز المأكولات التي عادة ما تتميز في رمضان ثم ابدأ بتوزيع ما طهوت على جيراني الذين لا اعرف اخبارهم إلا في رمضان، مشيرة في ذات السياق إلى ان جميع الناس يعتبرون رمضان وخيراته فرصة لتضميد العلاقة الإنسانية وصلة الرحم المتصدعة ربما بسبب الظروف التي تغيرت عن السابق ولم تغفل السيدة رغداء عن الإشارة إلى ان كثرة المشتريات في شهر رمضان عادة سنوية تربينا عليها ورأينا أمهاتنا يتبعونها لذا اعتقد انه من الصعب ان تتغير . ‏

وتؤيد السيدة ميادة بطل ما تقوله رغداء قائلة: الجميع يدرك جيدا المعنى الحقيقي لشهر رمضان ولكن لا ادري لماذا نسارع لجلب الكثير من المواد ونحشرها داخل رفوف الدواليب بعد ان نكون قد اتلفنا القديمة ولم نستخدمها وبما انني امرأة عاملة في قطاع التعليم فاننا نتبادل وصفات الأكل بمختلف أنواعه الحلو والمالح لعمله ولنبدأ في اليوم التالي في الحديث عن الحالة التي كانت عليها سفرة الطعام وما هي الإضافات التي ستحل عليها الليلة وتؤكد ميادة على ان الفائض من الطعام يجد طريقه إلى المحتاجين من الفقراء ليتناولوه كوجبة سحور لذا هي ترى ان لا مشكلة لديها مادامت تحقق حاجتها في شراء مقاضي رمضان بكمية احيانا تفوق حاجتهامادامت لا توجد صفة التبذير . ‏

وتختلف في رأيها كثيرا السيدة عطاف فتقول مصروفات شهر رمضان لا تختلف عن باقي شهور السنة فالزيادة تكون في الاشياء التي اعتقد ان سيدة البيت تستخدمها بشكل يومي لاعداد الأطعمة التي يتميز بها الشهر على سبيل المثال المعجنات والحلويات والدقيق هو الخامة الاساسية وسعره في متناول الجميع وبالتالي شراؤه بكميات كبيرة لن يؤثر بشكل كبير على ميزانية الأسرة والتي تنتهي قبل ان يحل شهر رمضان . ‏

وارجعت السيدة عطاف تصرف انقاذ ميزانية الأسرة من الانهيار إلى حنكة وبراعة الزوجة والتي يجب عليها ان تفرق بين الاسراف والتبذير خاصة اذا ادركت جيدا ان الفائض سيأخذ طريقه إلى النفايات وبالطبع يصبح عندها الامر مخالفا للامر القرآني والذي ينص على الاعتدال . ‏

اما السيدة ام احمد فترى ان شهر رمضان فرصة جيدة لممارسة الجهاد على النفس والتي عادة ما تمارس عادة تناول الأطعمة في المناسبات طيلة السنة ولم تعد اطباق رمضان مميزة في هذا الشهر بل على العكس اصبحت الكميات الهائلة التي تصنع منه هو ما يميزه واضافت : انتقلت عدوى شراء مواد رمضان بكميات كبيرة إلى بعض الرجال ونرى بعضهم يضطر للاستدانة من زملائه ليفي بمتطلبات الأسرة وخاصة ان الأسرة تظل تعيش مرحلة الصرف اللامتناهي من عدة ابواب لتصل إلى إعلانها افلاسا قاهرا يؤثر على شهور السنة الباقية. ‏

لشهر رمضان ثقافة خاصة وواجهة يمتاز بها في عدد من البلدان العربية وللشهر الفضيل أصالة في كثير من البلدان العربية، غير أن لرمضان في ادلب نكهة خاصة ووجها ثقافيا مختلفا يبتعد عن الأصالة حينا، ويغرق في التفاصيل حينا آخر فما ملامح هذا الشهر الفضيل في ادلب وبعض المدن الأخرى؟، وهل يختصر رمضان في ادلب بالمسحراتي الذي لم يعد موجودا وفوانيس رمضان التي استعيض عنها بأحدث أساليب الإنارة وموائد الرحمن التي صارت «برستيجا»جتماعيا لدى البعض؟. ‏

ما الشيء الذي تغير في رمضان اليوم؟ وكيف كان الأهل والأجداد يقضون ساعاته ولياليه من غير فضائيات ولا فوازير؟. ‏

«لو كنت رمضان لما مررت على ادلب » بهذه الكلمات يعبر أحد المثقفين عن رؤيته لملامح الشهر الكريم في ادلب وعموم المناطق الادلبية، ويقول : إنها تغتال هذا الشهر وتحوله إلى طعام فقط، لا طقوس لشهر يحتاج إلى قلب، حتى الشوارع تصبح متوحشة عصبية تنوء بسيارات يتسابق أصحابها نحو الشراء والشراء فقط. ‏

أما في المساء فتشاهد خيما تسمى رمضانية هي في حقيقتها لتناول النارجيلة والسهر حتى الصباح، الإحساس هو الذي يعطي معنى لهذا الشهر، ولكنه في ادلب لم يتعدَ مظهر الواجب الذي لا يرافقه ذلك الدفق الروحي، ولكن هل كانت ادلب هكذا قبل عقود ..وإن كانت الإجابة بلا فما الذي أوصلها إلى هذه الحال. ‏

«هرايس» وفقر.. وكل ذلك تكوّن بفعل طفرات اجتماعية واقتصادية أفقدت المجتمع توازنه، وأفرزت ظواهر عديدة أبرزها ذلك الاندفاع المحموم نحو بناء العمارات المرتفعة والمجمعات التجارية، بالتزامن مع تزايد معدلات الفقر والبطالة وشيوع النمط الاستهلاكي في الثقافة والفن، فالمدينة شهدت هجرات داخلية وخارجية عديدة وبعضها كان يثقل كاهلها بصورة أوقفت نموها الطبيعي والحضاري بالشكل الصحيح، وأمام ذلك كله يظهر السؤال ملحا: إذ كيف يمكن لمدينة تنوء تحت مأزق الهوية أن تشكل نمطا ثقافيا مميزا يصبغ حياة سكانها في كل زمان وليس في شهر رمضان فقط؟. ‏

ومع ذلك كله نستطيع أن نلتقط بعضا من مظاهر احتفاء مختلف بالشهر الكريم في أماكن محدودة من ادلب وبشكل أكثر تحديدا في وسط البلد، وهو المكان الذي ما زال يحوي بين جنباته المسجد الكبير أكبر مساجد ادلب ـ وعددا من الأسواق المميزة مثل سوق الصاغة اضافة إلى سوق الخضرة وسوق البازار، وهذه الأسواق تشهد حركة وإقبالا في رمضان، ولكنها تكون مميزة في الليل بعد ساعات الإفطار ولقربها من المساجد. ‏

ولعل استعراضا لأسماء الأسواق المحدثة في ادلب المدينة يدل بصورة كبيرة على النسق الثقافي الذي وصلت إليه، لنجد سوقا في الوسط يحمل اسم سوق الصاغة . ‏

ولرمضان عند سكان ادلب عموما «أكلات »مشهورة، ولكن «الشعيبيات» تحديدا هي الحلوى التي توجد بشكل يومي ودائم على مائدة الجميع.. ‏

علام العبد

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...