ليـبـيا تـواجـه تجـربـة العـراق فـي التسـعينيـات

23-03-2011

ليـبـيا تـواجـه تجـربـة العـراق فـي التسـعينيـات

بدا أن ملامح التدخل الغربي في ليبيا قد بدأت ترتسم سريعاً، في ظل استمرار نظام الرئيس الليبي معمر القذافي في استهداف الثوار من شرق ليبيا إلى غربها، بالرغم من الغارات الجوية والهجمات الصاروخية التي شنتها قوات التحالف خلال الأيام الأربعة الماضية، والتي يتوقع أن تشهد تراجعاً في وتيرتها خلال الأيام المقبلة، بإقرار من الولايات المتحدة نفسها، بعدما حققت هدفها المتمثل بفرض حظر على الطيران فوق أجواء ليبيا، ما يعني احتمال تكرار السيناريو الذي اتبعته قوات التحالف الغربي في العراق في بداية التسعينيات، من خلال فرض حظر على الطيران والسيطرة على الأجواء، وإفساح المجال أمام النظام للسيطرة على الارض وارتكاب مزيد من الجرائم بحق شعبه. ضابط من البحرية الليبية في قاعدة تعرضت لغارة غربية قرب طرابلس أمس
في هذا الوقت ظهر القذافي، ليل أمس، أمام المئات من أنصاره في معقله في باب العزيزية في طرابلس، وذلك في أول ظهور علني له منذ بدء الضربات الجوية على ليبيا، ليؤكد أنه لن يتراجع أمام هجمات الغرب. وخاطب القذافي أنصاره قائلاً إن «التظاهرات في كل مكان تؤيّدكم، في آسيا وأفريقيا وأميركا وأوروبا». وأضاف «شعوبهم ضدهم. الذين ضدكم هم حفنة صغيرة من الفاشيين، وحفنة صغيرة من المجرمين، وحفنة صغيرة ممّن ستُسقط شعوبهم سلطتهم».
وأضاف «سننتصر في هذه المعركة التاريخية. لن نستسلم. نحن نستهزئ بصواريخهم. نحن سنهزمهم بأي طريقة كانت، ونحن مستعدون للمعركة سواء كانت قصيرة أو طويلة»، مشدداً على أن «اقوى دفاع جوي هو الجماهير... القذافي في وسط الجماهير... هذا هو الدفاع الجوي».
ووصف القذافي الهجوم الغربي على ليبيا بأنه «عدوان غير مبرر، ومخالف لميثاق الأمم المتحدة، وظالم، وسافر تقوم به حفنة من الفاشيين سيضعهم التاريخ في مزبلته». وتابع «ايها الشعب العظيم، انك تعيش ساعات مجيدة. كل الشعوب معنا. نحن نقود الثورة العالمية ضد الامبريالية والطغيان».
وختم، مستنسخاً قصيدة «صرخة لاجئ» للشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد، «أنا لا أخاف من العواصف وهي تجتاح المدى، ولا من الطيايير التي ترمي دماراً أسود. أنا صامد. بيتي هنا، في خيمتي في المنتدى، أنا صاحب الحق اليقين وصانع منه الغدَ... أنا هنا، أنا هنا، أنا هنا».
وتواصلت الهجمات الجوية والصاروخية الغربية يوم أمس على أهداف متفرقة في ليبيا وبينها طرابلس العاصمة، من دون أن تثني قوات القذافي عن مواصلة الهجمات على معاقل الثوار في الشرق، حيث ظلت المنطقة المحيطة ببلدة أجدابيا تشهد عمليات كر وفر بين الجانبين، أو في الغرب، حيث كثفت الكتائب الأمنية التابعة للنظام قصف المدن والبلدات التي ما زال المعارضون يحكمون السيطرة عليها حاصدة المزيد من القتلى والجرحى.
وذكرت قناة «الجزيرة» أن قوات التحالف أسقطت طائرة عسكرية ليبية على متنها العديد من الجنود الليبيين، مشيرة إلى أن الهجوم وقع في المجال الجوي الليبي على مسافة 60 كيلومتراً إلى الشرق من بنغازي. ولفتت إلى أن قائد لواء في القوات الحكومية الليبية، يدعى حسين الورفلي، قتل قرب العاصمة طرابلس، من دون أن تتضح ملابسات مقتله.
وأعلنت هيئة أركان الجيوش الفرنسية أن مقاتلات من طراز «رافال» نفذت أول مهمة لها في الأجواء الليبية انطلاقاً من حاملة الطائرات النووية شارل ديغول، مشيراً إلى أن هذه المقاتلات أجرت «تحليقاً استطلاعياً».
وما زالت منطقة شرق ليبيا تشهد تقدّم قوات القذافي داخل اجدابيا والمناطق المحيطة بها، جنوب بنغازي، بعدما صدّت بسهولة محاولات الثوار غير المنظمين للتقدم ضدهم، ما يشير إلى أن الضربات الجوية لم تردع قوات القذافي عن شن مزيد من الهجمات. وذكرت مصادر الثوار أن كتائب القذافي ما زالت تتحصن في مداخل اجدابيا، حيث تقوم بقصف الأحياء الغربية للمدينة بالدبابات وراجمات الصواريخ.
وأشار محللون إلى أن الغارات الغربية لم تدمّر حتى الآن سوى بضع مدرعات تابعة لقوات النظام، من بينها أربع دبابات يوم السبت ومدرعة واحدة يوم أمس، ما يعني أن الهجمات حتى الآن لم تستهدف سوى إقامة منطقة حظر جوي، في الوقت الذي يواصل فيه النظام الهجمات البرية وعمليات القصف.
وتحطمت مقاتلة أميركية من طراز «اف ـ 15» في المنطقة التي سيطر عليها الثوار في شرقي ليبيا بسبب عطل فني. وقالت المتحدثة باسم قيادة منطقة أفريقيا في الجيش الأميركي إن الطيارين أصيبا بجروح طفيفة، مشيرة إلى ان الطائرة كانت تشارك في غارة على الدفاعات الجوية الليبية، لكنها تحطمت نتيجة خلل تقني وليس نتيجة لعمل قتالي.
وفي الغرب الليبي، قال سكان بلدة يفرن، الواقعة على بعد 130 كيلومتراً جنوبي غربي طرابلس، إن تسعة أشخاص قتلوا في اشتباكات بين الثوار الليبيين وقوات القذافي. وقال شاهد عيان في البلدة إن «قوات القذافي شنت هجوماً دموياً، وقد أدى القتال إلى مقتل تسعة أشخاص على الأقل وإصابة العديدين»، مضيفاً «كنا ننتظر من التحالف ان يوقف تقدم كتائب القذافي داخل المنطقة... ولكن في غياب مثل هذا التدخل، أراد النظام ان يستولي على البلدة بسرعة عن طريق قصفها وارتكاب المجازر».
وفي الزنتان الواقعة أيضاً في الغرب الليبي والتي تتعرض للقصف من قبل الكتائب، استطاع الثوار السيطرة على غابة الكشافة شرقي المدينة، بينما تصدّى الثوار لمحاولة دخول لقوات القذافي من الناحية الشمالية. وأشارت مصادر في الزنتان أن عشرة أشخاص قتلوا بالقصف العنيف للكتائب الأمنية، فيما شهدت المدينة نزوحاً جماعياً من المدنيين باتجاه الكهوف الجبلية هرباً من القصف. وقال شهود عيان في الزنتان إن منازل عديدة دمّرت وسقطت مئذنة مسجد، بينما أرسلت الكتائب قوات جديدة لمحاصرة المدينة التي توجد حولها أكثر من أربعين دبابة.
كما هاجمت كتائب القذافي منطقتي جالو وأوجلا جنوبي غرب ليبيا، واعتقلت 15 شخصاً بعد مواجهات مع الثوار.
وأكد الثوار أنهم يتعرّضون لهجوم كثيف في مدينة مصراتة، الواقعة على بعد 200 كيلومتر إلى الشرق من طرابلس، والتي تحاصرها قوات القذافي منذ أسابيع. وقال متحدث باسم الثوار في مصراتة إنهم ما زالوا يسيطرون على المدينة، برغم الهجوم الذي شنّه الموالون للقذافي الذين فتحوا نيران دباباتهم ونصبوا القناصة على أسطح المنازل لقتل الناس في الشوارع.
وتسبب القصف العنيف على مصراتة في سقوط عدد من المدنيين بينهم أربعة أطفال من عائلة واحدة، بعد مقتل أكثر من أربعين أمس الأول إثر إطلاق الكتائب الأمنية النار على حشد في وسط المدينة. ويزداد الوضع الإنساني سوءاً في مصراتة بسبب استمرار الحصار والقصف، وسط انقطاع خدمات الكهرباء والمياه عن المدينة، إذ ضاقت مستشفيات المدينة بالجرحى في ظل نقص كبير بالأدوية.
في هذا الوقت، قال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، خلال لقائه نظيره الروسي اناتولي سيريوكوف في موسكو، إن كثافة الضربات العسكرية الجوية لقوات التحالف في ليبيا ستتراجع في الأيام المقبلة، موضحاً أن «عدداً اقل من الغارات سيكون بعد ذلك ضرورياً لأن الأنظمة الدفاعية الجوية الليبية ستدمّر... وبقدر ما نتمكن من القضاء على المنظومات الدفاعية الجوية، يتضاءل مستوى نشاط الطائرات». وأشار غيتس إلى أن «التحالف يسعى لتفادي سقوط قتلى مدنيين ومعظم أهدافه دفاعات جوية معزولة عن المناطق المأهولة بالسكان».
من جهته، أشار وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ إلى أن العملية العسكرية التي تقوم بها قوات التحالف ضد كتائب القذافي لن تنتهي إلا «في حال حدوث وقف شامل للقتال وإنهاء الاعتداءات على المدنيين». وتوقع هيغ أن يحدث الكثير في المنطقة مستقبلاً، موضحاً «نحن لا نزال في المرحلة المبكرة لما سيحدث في شمالي أفريقيا والشرق الأوسط».
بدوره، قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إن «العملية العسكرية للتحالف في ليبيا يمكن أن تتوقف في اي وقت. يكفي ان يمتثل النظام الليبي بشكل تام لقرارات مجلس الامن ويوافق على وقف فعلي للنار ويسحب قواته من المواقع التي احتلها»، مضيفاً أن «على قوات القذافي العودة الى الثكنات فتتوقف العملية العسكرية».
وأضاف «منذ الآن علينا التفكير في المرحلة اللاحقة وهي السلام. كانت فرنسا وراء مبادرة التدخل العسكري في ليبيا وستكون وراء مبادرة السلام ايضاً. وسيتحدث رئيس الجمهورية (نيكولا ساركوزي) في الأيام المقبلة في هذا الإطار».
وتابع «بالنسبة الينا، ليس من مسؤولية التحالف ان يقرر مستقبل النظام السياسي في ليبيا. الشعب الليبي مسؤول عن العملية السياسية. وهدف تدخلنا السماح له بأن يعبر عن رأيه بحرية وإجراء عملية انتقالية لإرساء الديموقراطية التي حرم منها حتى الآن».
وداخل التحالف الغربي الذي يشارك فيه الاتحاد الأوروبي وفرنسا وبريطانيا وايطاليا وبلجيكا والدنمارك واليونان واسبانيا، ارتفعت أصوات متناقضة حول قيادة العمليات التي ترغب دول عدة في أن توكل إلى حلف شمال الأطلسي.
وأعلن البيت الأبيض، مساء أمس، أن الرئيس باراك اوباما ناقش «التقدم الكبير» في ليبيا مع نظيره الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني، ويعتقد أن الحلف الأطلسي يجب ان يكون جزءاً من هيكلية قيادة الحملة العسكرية على ليبيا، موضحاً ان الحلف «ينبغي ان يقوم بدور أساسي هناك».
في المقابل تعتبر فرنسا انه إذا تولى الحلف التدخل، فإن الدول العربية لن تنضمّ إليه وربما تصل إلى حد إدانته. لكن الرئاسة الفرنسية أوضحت في بيان مساء أمس أن اوباما اتصل هاتفياً بساركوزي «للوقوف على الوضع في ليبيا»، مضيفة «انهما اتفقا على ضرورة مواصلة الجهود لضمان التطبيق الكامل للقرارين 1970 و1973» الصادرين عن مجلس الامن الدولي لحماية السكان الليبيين، وانهما «اتفقا على آليات استعمال هيكليات قيادة حلف الاطلسي لدعم الائتلاف» الدولي.
وقررت دول حلف شمال الأطلسي أمس تكليف سفنها الحربية مهمة مراقبة الحظر على الأسلحة إلى ليبيا بموجب القرار الصادر بهذا الشأن عن مجلس الأمن الدولي، بعدما أحبطت تركيا فكرة تدخل الحلف مباشرة في العمليات العسكرية.
واعلنت تركيا أنها لن تشارك في العمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف الغربي في ليبيا، لكنها قد تشارك بمهام «مراقبة» المتوسط وعمليات إنسانية في بنغازي معقل المعارضة الليبية.
وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان «لن نشارك بقواتنا المقاتلة، فمن غير الوارد أن تلقي مقاتلاتنا قنابل على الشعب الليبي. هذه فرضية غير ممكنة»، مضيفاً «لا نريد أن تصبح ليبيا عراقاً ثانياً».
في هذا الوقت، قال مكتب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أبدى خلال لقائه به تأييداً قوياً لأهداف قرار الأمم المتحدة المتعلق بليبيا. وقال مكتب كاميرون في بيان «في ما يتعلق بليبيا أوضح رئيس الوزراء الإجراء الذي نتخذه دعماً لتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للامم المتحدة 1973. وعبر الامير سعود عن تأييده القوي لأهداف قرار مجلس الامن التابع للامم المتحدة 1973 والخطوات التي يتخذها المجتمع الدولي لوضعه موضع التنفيذ».

المصدر: السفير+ وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...