ناهض حتر يرد على جريدة "الاخبار" اللبنانية

11-09-2015

ناهض حتر يرد على جريدة "الاخبار" اللبنانية

أعلن الزميل إبراهيم الأمين، رئيس تحرير "الأخبار"، أن مقالي الأخير فيها، مسّ "المبادئ السياسية والأخلاقية" للصحيفة، بكلام يسيء إلى الشعب السوري. حسنا، ولكن ما هي تلك المبادئ، ومَن هو " الشعب السوري" المقصود بالاعتذار؟ المبادئ المعنية، هنا، هي المبادئ الليبرالية التي كانت وراء بلبلة خط الصحيفة، عاميّ 2011 و2012، إزاء الدولة الوطنية السورية، والحرب الامبريالية الرجعية على سوريا، وتبنّي وجهات نظر "المعارضة". ولم تتخطّ الصحيفة، هذه "المبادئ"، إلا تحت ضغط انحياز المقاومة، بلا لبس، إلى جانب الدولة السورية. أما الحديث عن"الشعب السوري"؛ فهو يشير، هنا، إلى جمهور المعارضة والمسلحين. وهؤلاء يشكّلون القسم الأعظم من اللاجئين السوريين الذين جرى إغراؤهم، في سياق خطة مولتها السعودية وقطر، باللجوء إلى تركيا والأردن ولبنان، لاستخدامهم كأداة ضغط سياسية على دمشق. وبالتواطوء بين تركيا وألمانيا، جرى، مرة أخرى، استخدام أولئك اللاجئين، في همروجة دولية، هدفها، أيضا، الضغط على سوريا، والتخلّص من قسم منهم بالنسبة لتركيا، والحصول على أيدي عاملة رخيصة بالنسبة لألمانيا. وقد اقترحت، في مقالي الذي تم حذفه من أرشيف " الأخبار" ـ الأمر الذي يمنع القرّاء من البحث الموضوعي في الاتهام الموجه إليّ من رئيس تحريرها ـ على الدولة السورية، الاهتمام بالسوريين الذين يتمسكون بالوطن، ويشكّلون الكتلة الوطنية المدنية المؤيدة للدولة والتعددية الثقافية والدينية. وبالنسبة إليّ، فإن هذه الكتلة هي التي تمثّل الشعب السوري وسوريا. وعلى هذا كان حريا بالزميل إبراهيم الأمين أن يقدم اعتذاره من جمهور المعارضة. رغم اعتراضاتي المنشورة على العديد من ممارساته، لم أخف، يوما، التزامي الواضح الصريح المبدئي بالنظام الوطني السوري، وبالجيش العربي السوري، الذي يقاتل الإرهاب التكفيري، دفاعا عن سوريا والمشرق والمنطقة والمحور المقاوم كله. ولعل التزامي، غير الملتبس، بالخط السياسي السوري، وبمصالح سوريا الاستراتيجية التي هي، عندي، فوق كل المصالح الأخرى، هو السبب الرئيسي في الخلاف الذي نشب، منذ وقت، مع الزميل إبراهيم الأمين، وتناول قضايا الموقف من الإسلام السياسي وحركة حماس والمبادرة الإيرانية الخ، وكذلك، الموقف من الجيش العربي السوري الذي تعرّض للإساءة ، عدة مرات ، على صفحات " الأخبار"، أذكر منها مقالا يصف هذا الجيش بأنه جماعة من القرود؛ لم يعتبر الزميل الأمين أن في هذا الوصف، مساسا ب"المبادئ السياسية والأخلاقية"، ولا قدّم اعتذارا من مئات الآلاف من الجنود والضباط، وأسرهم، وأبطالهم، وشهدائهم وجرحاهم، وجحافلهم التي لم تكلّ، في ظروف سيئة جدا، عن القتال من أجل أن نحتفظ، إبراهيم الأمين وأنا والآخرون، بالحق في الحياة.

وفيما يلي نص المقال الذي قامت جريدة الأخبار بحذفه حتى يتمكن القارئ من التقييم بنفسه.


بدء المرحلة الأولى للحل السياسي في سوريا

 أعلنت الناطقة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ميليسا فليمنغ، أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لديها، كالتالي: (1950000) في تركيا، (1113000 ) في لبنان، و( 630000) في الأردن، ( 250000) في العراق، وأعداد أخرى، أقل، في مصر وشمال إفريقيا، ليصل العدد الإجمالي إلى ما يزيد على أربعة ملايين لاجيء سوري في دول الجوار. الأرقام أعلاه لا تشمل، بالطبع، المقيمين غير المسجلين كلاجئين. وتقول الحكومة الأردنية أن عددهم في المملكة يزيد على المليون. وإذا كان من الصعب التحقق من هذا الرقم، فإن المرء يستطيع أن يلمس كثافة سورية في استثمارات جديدة، خصوصا المطاعم وقطاع الغذاء وقطاع المنسوجات، بالإضافة إلى العاملين الفنيين في قطاعيّ الإنشاءات والتجارة. والغالبية العظمى من غير المسجلين لاجئين، ليسوا معادين للدولة السورية. وأظن أن هذا الوضع ينطبق على لبنان. وكان الإقبال الملفت للنظر، في عمان وخصوصا في بيروت، على الانتخابات الرئاسية السورية، العام 2014، دليلا على أن اللجوء ـ المسجّل، وبدرجة أكبر بكثير، غير المسجّل ـ ليس لجوءا "معارضا"، أو هاربا من بطش النظام..الخ، وإنما هو لجوء للبحث عن الأمان ، هربا من مناطق سيطرة الإرهابيين، أو للبحث عن فرص استثمار وعمل ودراسة الخ. هناك ثلاثة عوامل رئيسية، دفعت باللاجئين السوريين، من النوعين أعلاه، للبحث عن مهجر دائم في وطن ثان في أوروبا؛ العامل الأول يتعلق بالفرص التي تمنحها الدول الصناعية في مجالات التعليم والعمل والترقي ومستوى الحياة الخ. وهذه عناصر جذب بحدّ ذاتها؛ فلو كان الباب مفتوحا للمواطنين العرب، كما هو مفتوح، الآن، للسوريين، لتدفق عشرات الملايين منهم، هربا من فقر أو تعلقا بأهداب أمل يكشف الهيمنة الثقافية الغربية على شعوبنا، بما فيها الفئات الأشدّ تدينا. العامل الثاني يتعلق باليأس الناجم عن استمرار الحرب للسنة الخامسة، من دون نتيجة حاسمة.هذا اليأس، يدفع بجمهوريّ الصراع في سوريا، إلى طلب الهجرة، لكن جمهور ما كان يسمى " بالثورة" هو الأكبر بين اللاجئين إلى الدول الغربية، ومن بينهم هاربون من المسلحين والإرهابيين، كانوا، حتى الأمس القريب، على الجبهات. ويأتي هؤلاء، خصوصا، من تركيا. ونُشرَتْ، في هذا الصدد، تقارير تتحدث عن تسرّب ما يزيد على أربعة آلاف داعشي بين اللاجئين إلى أوروبا، بل إن " وكالة أوقات الشام"، نشرت صورا لإرهابيين، قبل وبعد اللجوء إلى ألمانيا. العامل الثالث يتعلّق، ويا للمفارقة، باقتراب التوصّل إلى حل سياسي في سوريا، والشروع في حرب إقليمية ضد الإرهاب؛ حفّزت تركيا أردوغان، وسهّلت موجات الهجرة السورية إلى أوروبا، سعيا لتحقيق عدّة أهداف في وقت واحد هي (1) ممارسة الضغط الإعلامي والسياسي على الولايات المتحدة للسماح لها بإقامة منطقة عازلة في شمال تركيا، (2) التخلّص من إقامة قسم كبير من اللاجئين السوريين لديها، (3) التخلّص من الآلاف من عملائها الإرهابيين، ومنحهم فرصة للفرار وبدء حياة جديدة في الغرب. على رغم التهويل، بلغ عدد اللاجئين السوريين إلى أوروبا منذ 2011 وحتى الآن، أقل من 400000 مهاجر؛ حوالي 25000 منهم قدموا من تركيا، عبر اليونان. ويمكن أن يرتفع هذا الرقم بمعدلات كبيرة في الأشهر المقبلة، بعدما تبنت دول عديدة، ولأسباب مختلفة، سياسة استقبال اللاجئين السوريين. وفي طليعة هذه الدول، ألمانيا. وهي أغنى الدول الأوروبية، من جهة، وتحتاج، من جهة أخرى، إلى سدّ ثغرة تناقص الأيدي العاملة الشابة لديها. وتبدي برلين استعدادها لاستقبال نصف مليون لاجئ. ومما يدلّ على أن هذه السياسة لها طابع استراتيجي، بالنسبة لأوروبا، فقد انضمت كل من ايطاليا واسبانيا وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا والنرويج والسويد وتشيكيا وصربيا، إلى ألمانيا، في فتح باب هجرة السوريين إليها. وفي سياق انساني مختلف، أعلنت دولتان حليفتان لدمشق، هما البرازيل وفنزويلا، انضمامهما إلى الركب. انتهت فترة التهريب والابحار اللاقانوني المرعب، بالنسبة للاجئين السوريين؛ فاليوم، تقوم الأمم المتحدة، بالإشراف على نقل حوالي عشرة آلاف لاجئ سوري، يوميا، إلى أوروبا، برحلات جوية وبحرية منظمة ـ ومخفّضة الكلفة ـ انطلاقا من تركيا والأردن ولبنان. وهكذا، يبدو واضحا ـ خلافا للتصريحات التركية الحامية والدموع الألمانية ـ أن عملية ترحيل اللاجئين السوريين إلى أوروبا، تهدف إلى تصفية ظاهرة اللجوء السوري، واستحقاقاتها السياسية والاقتصادية، في دول الجوار، ونقل القسم الأكبر من اللاجئين إلى دول تحتاج إلى قوة عمل الملايين من العبيد الجدد للرأسمالية، ووسط هؤلاء، سينتقل القسم الأعظم من "المجاهدين السوريين"، للعيش في ديار الكفّار، مستعدين، دائما، للانخراط في التجييش الأميركي في حرب جديدة، "دفاعا عن الإسلام"! كان الانفجار السكاني في سوريا، أحد أهم عوامل الانفجار السياسي والأمني فيها. وقد كانت الهجرة منها ، تحدث، وستحدث ـ بغض النظر عن الحرب ـ بصورة تلقائية، وأقل مأساوية وكثافة. كذلك، فإذا استثنينا المضامين فعلا من الاضطهاد الإرهابي لأبناء المكونات السورية غير الوهابية، فيمكننا القول إن معظم اللاجئين السوريين خارج وطنهم هم من الفئات غير القادرة على التعايش مع التعددية والنمط الحضاري الخاص بسوريا. وهكذا، فإن خساراتهم لا تعد نزيفا ديموغرافيا، في حي ينبغي إيقاف نزيف الكتلة الوطنية المدنية، التي تئن من الهاونات وانقطاع الكهرباء والماء والغلاء وانخفاض المستوى المعيشي حتى اليأس.

 

ناهض حتر : سيريانديز

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...