هكذا يتصور إسلاميو أردوغان الدستور الجديد لتركيا

17-09-2007

هكذا يتصور إسلاميو أردوغان الدستور الجديد لتركيا

أصبحت مسودة الدستور الجديد، الذي يعدّه «حزب العدالة والتنمية»، وانبطريرك الارثوذكس برتلماوس يقدم نسخة من القرآن الى مدير الافتاء في تركيا علي برداك اوغلو في اسطنبول أمس الأول، لمناسبة صوم شهر رمضانشغلت وسائل الإعلام بتسريب ملامح منه، متوفرة على شبكة الانترنت، قبل أن تطرح رسميا على النقاش.
وأصبح بإمكان مهندس الدستور الجديد الحقوقي البارز ارغون اوزبودون إعطاء مقابلات مطولة للصحف ووسائل التلفزة، وبإمكان الرأي العام الاطلاع على ما يدور في ذهن حكومة رجب طيب أردوغان.
مع ذلك فإن النسخة المنشورة على الانترنت ليست النسخة النهائية التي سيطرحها «حزب العدالة والتنمية» للنقاش، ذلك أن لجنة من الحقوقيين وغيرهم تواصل اجتماعاتها في ضوء ردود الفعل الحاصلة. ولم تختلف النسخة الكاملة لمشروع الدستور الجديد عما تسرّب من قبل بالمفرق، لكنها ستحظى بالتأكيد بالكثير من النقاش.
الميزة الأولى للدستور الجديد انه سيكون نتاج حكم مدني، فدستور 1961 جاء بعد انقلاب ,1960 ودستور 1982 المعمول به حتى الآن جاء بعد انقلاب .1980 ومن هنا يعكس الدستور الجديد صورة تركيا المستقبلية. وجوهر الدستور الجديد انه يفكك مؤسسات «الدولة العميقة» التي كانت أداة لمطاردة خصوم الذين حكموا باسم الكمالية على امتداد عقود، ولم يميزوا في حملاتهم بين إسلاميين وأكراد ويساريين وماركسيين.
ويحاول «حزب العدالة والتنمية» الاستفادة من انتصاره الكاسح في انتخابات 22 تموز النيابية، ليطرح ما وعد به خلال الحملة الانتخابية، أي دستور مدني جديد، حيث ان الفرصة، والأهم المناخات، قد لا تتكرر لاحقا. من هنا يحاول الحزب الحاكم الانتهاء من إقرار الدستور، عبر استفتاء شعبي، خلال الأشهر الأربعة المقبلة على أبعد حد.
ويعيد الدستور الجديد تركيب الهرم السياسي في الدولة لجهة تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح رئيس الحكومة، الذي سيتحول في الدستور الجديد إلى ما يشبه «سوبر رئيس حكومة» تتمركز بيده السلطة التنفيذية بشكل كامل.
كما أن قرار إعلان الحرب أثناء عطلة البرلمان أخذ من رئيس الجمهورية، وأعطي إلى رئيس الحكومة، الذي أصبح يملك أيضا حق إحالة أية قضية إلى الاستفتاء. كما على رئيس الجمهورية أن يوافق أو يرفض أي قرار أو مشروع قانون يعاد إليه للمرة الثانية خلال ثلاثة أيام فقط بدلا من الخمسة عشر يوما الحالية. وأصبح إسقاط الحكومة في البرلمان صعبا جدا إذ يتوجب على البرلمان انتخاب رئيس جديد للحكومة بغالبية النصف زائدا واحدا قبل إقالة رئيس الحكومة في البرلمان.
ولعل أكبر التغييرات هي توسيع المجالات التي يحق فيها للحكومة إصدار مراسيم بحكم، أو بقوة القانون، بدلا من المجلس النيابي. ومن ذلك تأسيس وزارات جديدة، وإعلان حال الطوارئ وإنشاء كليات جامعية جديدة...الخ. وكان بولنت اجاويد حاول إصدار العديد من المراسيم بقوة القانون أثناء توليه رئاسة الحكومة بين 1999 و,2002 لكن المحكمة الدستورية أبطلتها كلها لأنها مخالفة لقانون الصلاحية الممنوح للحكومة. اليوم إن مرّ هذا التغيير، الذي وصفته صحيفة «راديكال» بأنه حلم كل رئيس حكومة، فإن هذا يعني أن أردوغان سيصبح ملكا غير متوج لتركيا.
ويخفض الدستور الجديد مدة رئيس الجمهورية من سبع إلى خمس سنوات، قابلة للتجديد، بالرغم من انه لم تحسم مسألة ما إذا كان التعديل الجديد سيطال الفترة الحالية لغول كرئيس لسبع سنوات.
وفي العناوين الأساسية الأخرى تحويل مجلس الأمن القومي إلى هيئة استشارية غير ملزمة، حيث كانت قراراته عبارة عن توصيات تبلغ إلى الحكومة التي تقوّمها. وسيتحول المجلس في الدستور الجديد إلى هيئة استشارية مرتبطة أكثر بالمدنيين، تقدم إلى الحكومة آراءها في مجال التنسيق واتخاذ القرارات المتعلقة بالأمن القومي (دون أي موضوع آخر)، وبرئاسة رئيس الحكومة (لا رئيس الجمهورية كما هو الآن). كما يلحظ التغيير عدم مشاركة قائد الدرك في الاجتماعات.
وفي ارتباط بتقليص النفوذ العسكري، يعطي الدستور الجديد حق الضباط المفصولين من الجيش في الاعتراض أمام القضاء على قرار طردهم.
ويلحظ الدستور الجديد تغييرا جذريا في بنية وصلاحية «مجلس التعليم العالي» الذي تحول إلى رمز معاد للإسلاميين، فلم يعد رئيس الجمهورية يعين رئيس المجلس بل ينتخب من أعضاء المجلس الذي خفض عدد أعضائه من 21 إلى ,11 تعين الحكومة ستة منهم فيما يُنتخب الخمسة الباقون من الجامعات وفق قانون يصدر لاحقا.
وفي مجال الحجاب، يفتح الدستور الجديد الباب واسعا أمام عودة المحجبات إلى الجامعات، من خلال منع حرمان أي شخص من تحصيل تعليمه العالي بسبب قيافته، وفي خيار آخر وضعت عبارة «إن القيافة في مؤسسات التعليم العالي حرة». وإذا نجح هذا الاقتراح فسيكون أحد أبرز إنجازات «العدالة والتنمية»، وطيّا لقضية أرّقت تركيا على امتداد السنوات العشر الماضية. علما أن بعض الأصوات داخل «العدالة والتنمية» تحذّر من أن السماح بالحجاب في الجامعات قد يخلق توترا ينسف كل الدستور الجديد، كما أن ذلك يتعارض مع قرار للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالموافقة على حظر الحجاب في تركيا!
إلا أن وسائل إعلام تركية ذكرت، أمس، انه سيترك لأردوغان اتخاذ قرار بشأن رفع الحظر على الحجاب بعد فشل اللجنة المنوطة بصياغة مسودة الدستور في التوصل لاتفاق.
وبالنسبة للغة، فقد استبدل الدستور الجديد عبارة «لغة دولة تركيا هي التركية» بعبارة «اللغة الرسمية لجمهورية تركيا هي التركية»، ما يفتح المجال أمام استخدام اللغة الكردية في أي مجال غير رسمي. كما يسمح الدستور الجديد لمن لا يعرف التركية أن يتكلم باللغة التي يريد أمام المحاكم.
ويلبي الدستور الجديد مطلبا علويا أساسيا، وهو حق أي طالب بتعلم دينه بناء لطلب أهله، وحقه بعدم حضور درس الدين الإلزامي إذا طلب ذلك. وفي هذه النقطة بالذات يبدو أن «حزب العدالة والتنمية» لا يزال يدرس خياراته، وهل يدرج الثقافة الدينية كمادة إلزامية في المدارس أم لا.
وفي مجال الحريات السياسية، فإن الدستور الجديد يمنع رفع دعاوى لحظر الأحزاب، وعلى المحكمة الدستورية أن توجه في المرة الأولى إخطارا إلى الحزب المشكو منه لتصحيح خطأه، وفي حال لم يفعل ذلك تفتح حينها دعوى لإغلاقه.
وكان الحائز على جائزة نوبل للآداب اورخان باموق الأكثر دفاعا عن الإسلاميين عندما قال إن الإسلاميين السياسيين في تركيا أكثر احتراما للديموقراطية من العلمانيين الذين يلجأون إلى العسكر ويستمدون منهم القوة، موضحا أن الذي يأخذ تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة هم الإسلاميون السياسيون المعتدلون بينما لم يعط العلمانيون أهمية للديموقراطية.

محمد نور الدين

المصدر: السفير
  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...