لا مؤشرات توافق على التطبيع مع سوريا ولا الحرب على قسد

28-01-2023

لا مؤشرات توافق على التطبيع مع سوريا ولا الحرب على قسد

سركيس قصارجيان:

بعد لقاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أغلو بنظيره الأميركي أنتونس بلينكن في واشنطن في الزيارة الأولى لمسؤول تركي رفيع المستوى  للولايات المتّحدة منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، عادت التكّهنات لتنشط مجدداً حول الموقف الأميركي من المسار الذي باتت تنتهجه أنقرة مؤخراً لتطبيع علاقاتها مع دمشق من جهة، وتهديدها بشن حرب جديدة على حلفاء واشنطن في شمال شرقي سوريا من جهة أخرى.
 
وفي الوقت الذي ركّزت فيه وسائل الإعلام التركية والغربية على ملف صفقة بيع الولايات المتّحدة لمقاتلات "أف-16" إلى تركيا، مقابل قبول الأخيرة بانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، كانت  دمشق والعواصم الإقليمية تترقب نتائج الاجتماع وتأثيرها على مسار التطبيع.
 
سوريا لم تعد أولوية أميركية


على الرغم من غياب مسألة التطبيع عن البيانات والتصريحات الصادرة من الطرفين، والاكتفاء في البيان المشترك بـ"الآلية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وتركيا" غداة الاجتماع، وتكرار المواقف التي اكتسبت طابع النمطية عند الحديث عن الأزمة السورية لجهة "الالتزام بالعملية السياسية التي يقودها السوريون وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254"، والترحيب بتصويت مجلس الأمن الأخير على تمديد إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود، إلا أن المنطق السليم يؤكد حضور ملف التطبيع على طاولة اللقاء.
 
يقول السفير التركي الأسبق في واشنطن نامق تان، في حديث إلى "النهار العربي": "لا شك في أن الجانب الأميركي قد طرح هذه القضية (تطبيع أنقرة مع دمشق) على جدول الأعمال"، مشيراً إلى أن الأهم ليس الطرح، الذي يعتبر حتمياً، وإنما أسلوبه، أي بمعنى "بأي جمل وأي طريقة عبّر الجانب الأميركي عن معارضته للتطبيع".
 
لا تزال السياسة الأميركية حيال سوريا تتّسم بالجمود، وتفتقد الوضوح لناحية الأهداف وآليات تحقيقها. وقد بات واضحاً أن واشنطن تعتبر الملف السوري وسيلة للتأثير في ملفات أخرى، مثل النفوذ الإيراني في المنطقة، ومحاربة الإرهاب، والتنافس مع روسيا، وإدارة العلاقات مع أنقرة والخليج، أكثر من كون السياسة السورية هدفاً في الحد ذاته.
 
هذا الرأي، تؤكده أيضاً مديرة برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، غونول تول، قائلة إن "رفض تطبيع الدول لعلاقاتها مع دمشق موقف مبدئي بالنسبة للولايات المتحدة، لذلك فإن النقاش حول الموضوع بين وزيري الخارجية يعتبر من البديهيات".
 

 
وتضيف تول، وهي مؤلفة كتاب "حرب أردوغان: صراع الرجل القوي في الداخل وفي سوريا" الذي نشرته جامعة أوكسفورد، في حوار مع "النهار العربي" أن "سوريا لم تعد أولوية بالنسبة للولايات المتّحدة، التي تركّز جل اهتمامها اليوم على الحرب الأوكرانية، فيما يبدو اهتمام واشنطن بالشرق الأوسط وبسوريا بشكل خاص دون المراتب الأولى، بعد أوكرانيا وبكين والداخل الأميركي".
 
وتعتبر تول أن "سياسة إدارة بايدن تعتبر استمراراً للسياسات الأميركية في الفترة الأخيرة، والتي تدعو إلى التفرّغ لمواجهة المشاكل الداخلية والامتناع عن هدر الموارد والطاقات في الخارج، ولولا اندلاع الحرب الأوكرانية لكنا رأينا أميركا متقوقعة مع سياسات أكثر انطواءً".
 
رفض التطبيع بالبيانات فقط


على الرغم من تكرار الولايات المتحدة لموقفها الرافض للتطبيع مع دمشق، إلا أن التكهّنات بكون هذا الرفض تكتيكياً لخدمة أهداف تفاوضية تتزايد مع مبادرات التطبيع أو فتح قنوات الاتصال الدبلوماسي مع دمشق من قبل حلفاء واشنطن في المنطقة وخارجها.
 
فقد التقى وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، مع الأسد في دمشق قبل أسبوعين، في محاولة لإعادة احياء مساعي التقارب بينها وبين الرياض من جهة واعطاء دفع لمسار التطبيع مع أنقرة من جهة أخرى. وتأتي هذه المساعي بالتزامن مع رؤى اقتصادية طموحة للدول الخليجية بشكل خاص، والتي تستوجب أجواء أكثر ايجابية واستقراراً من تلك التي بقيت سائدة طوال العقد الماضي على حدودها أو في الدول الاقليمية.
 
لا شك في أن مبادرات حلفاء واشنطن في التطبيع مع دمشق وإن كانت تحت عنوان مواجهة تعاظم نفوذ طهران في المنطقة، وفي غياب دلائل واضحة على وجود قبول أميركي لهذه المبادرات، إلا أن اللهجة الأميركية الحادة والمصحوبة بالتهديدات تغيب أيضاً عن انتقادات المسؤولين الأميركيين وبياناتهم التي تتوجه في غالبيّتها نحو التذكير بقانون قيصر وعواقبه في حال التعاون مع دمشق، وهو القانون ذاته الذي كان ولا يزال سارياً خلال مبادرة ايصال الغاز المصري إلى لبنان لحل مشكلة الكهرباء مروراً بسوريا.
 
وتعتقد تول أن الولايات المتّحدة، التي لم تثنِ حلفاءها الخليجيين عن إعادة علاقاتهم مع دمشق، غير قادرة على فرض مثل هذا الخيار على تركيا، إلى جانب عدم وجود أميركي جاد نحو ذلك.
 
وتشرح تول أن "الجدّية تظهر في المطالب والشروط التي تضعها الولايات المتّحدة في مثل هذه الظروف. فرأينا مثلاً ربط إدارة بايدن لصفقة "أف-16" بقبول عضوية السويد وفنلندا في "الأطلسي"، في حين غابت أي شروط خاصة بسوريا عن هذه الصفقة، أو المطالب التركية الأخرى بشكل عام، وهو دليل على عدم كون الملف ضمن دائرة اهتمامات واشنطن القريبة".
 
البيان والتحالف الأميركي مع "قسد"


في البيان الختامي، جدد الوزيران التأكيد على ضرورة محاربة الإرهاب، والإعلان عن عقد مشاورات لمكافحة الإرهاب كجزء من الآلية الإستراتيجية إضافة إلى التأكيد على "التنسيق والتعاون الوثيقين في الجهود المبذولة لمحاربة المنظمات الإرهابية، لا سيما "داعش" و"حزب العمال الكردستاني".
 
ومع خلو البيان الختامي من أي ذكر لمطالب تركيا بفضّ الولايات المتّحدة شراكتها مع "قسد"، وجد وزير الخارجية التركي نفسه يغرّد وحيداً خلال إجابته على اسئلة الصحافيين في التركيز على هذا المطلب وتكراره، مقابل غياب إي إشارة إلى إمكان قبول واشنطن به.
 

 
ويقول تان في هذا الصدد: "كان معروفاً أن جدول أعمال اجتماع الوزيرين مُثقل بمشاكل بالغة التعقيد. فقد بدأ الإيمان بالتحالف بين الجانبين يتلاشى، ووصل انعدام الثقة بينهما إلى ذروته. كما تحتوي وجهات نظر الطرفين حول كيفية إعادة العلاقات إلى مسارها على خلافات خطيرة. لذلك، ليس من المنطق توقّع نتائج من اجتماع جاويش أوغلو وبلينكن تغيّر واقع الركود العميق الحالي".
 
لكنّه يوجّه انتقادات حادة "لامتناع أنقرة عن التأكيد بتصريحات قوية على رفضها للدعم الأميركي الصريح لعناصر وحدات حماية الشعب في سوريا".
 
في المقابل، تبدو واشنطن، وعلى غرار تركيا، حريصة هي الأخرى على عدم إثارة القضايا الخلافية مع أنقرة في العلن، حيث تجنّبت هي الأخرى الحديث عن التهديدات التركية بشنّ عملية عسكرية ضد حلفائها في "قوات سوريا الديموقراطية" في شمال وشرق سوريا، كما أنّ إدارة بايدن لم تشترط عدول تركيا عن مثل هذه التهديدات أو التصريحات الاستفزازية مقابل الحفاظ على علاقات التحالف، أو القبول بصفقة طائرات أف-16".
 
لكن تول تشير إلى وجود هذا المطلب في حزمة الشروط التي أعلن عنها مسؤول السياسات الخارجية في الكونغرس الأميركي السناتور بوب مينينديز، الذي اشترط من أجل تمرير طلب الإدارة الأميركية الموافقة على بيع تركيا مقاتلات محدّثة من طراز "أف-16 بلوك" وقطع غيار لمقاتلات "أف-16" القديمة، تعهّد تركيا بعدم مهاجمة حلفاء وشنطن في حربها ضد "داعش".
 
وكانت وزارة الدفاع الأميركية"البنتاغون" قد أعلنت بشكل واضح، رفضها لأي عملية عسكرية تركية تستهدف "وحدات حماية الشعب" في لهجة أكثر صرامة من الخارجية الأميركية التي أعربت عن قلقها من التقارير التي تتحدث عن نية تركية للإقدام على عملية عسكرية جديدة.
 
وتكشف تول لـ"النهار العربي" عن "معارضة القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM)، وهي الوحدة العسكرية الأميركية الشريكة لـ"قوات سوريا الديموقراطية"، بشدة للعملية العسكرية التركية، مقابل موقف أكثر مرونة من القيادات العسكرية الأخرى داخل البنتاغون كما هو الحال بالنسبة للقيادة العسكرية الأميركية في أوروبا (EUCOM) مثلاً، المعنية بمناطق أوروبا وروسيا وإسرائيل والشراكة مع حلف شمال الأطلسي. وموقف هذا الجناح نابع من مصالحه المفروضة عليه بحكم مهامه، لكن حتى الآن موقف جناح القيادة المركزية الأميركية هو الطاغي على قرار البنتاغون".
 
وإلى جانب الرفض الأميركي، يرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط آرون لوند من مركز "سينتشري انترناشيونال" في نيويورك أن "العمل العسكري التركي أحادي الجانب ضد وحدات حماية الشعب الكردية أصبح أقل احتمالاً، لكن، لدى أنقرة خيارات عسكرية وغير عسكرية أخرى ضد وحدات حماية الشعب، منها التعاون مع دمشق على سبيل المثال"، مستبعداً إمكان دخول أنقرة في مواجهة مباشرة مع واشنطن في هذا الصدد.
 
لكن قائد "قوات سوريا الديموقراطية"، الجنرال مظلوم عبدي، لم يستبعد في تصريحات إعلامية أدلى بها مؤخراً الخيار العسكري لأنقرة، قائلاً إن قوّاته "تأخذ التهديدات التركية على محمل الجد"، مشيراً إلى مدينة عين العرب (كوباني) كوجهة محتملة لتنفيذ أنقرة تهديداتها.

المصدر: النهار العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...