الأزمة الفنزويلية ـ الكولومبية: قنبلة موقوتة في العلاقات اللاتينية

26-07-2010

الأزمة الفنزويلية ـ الكولومبية: قنبلة موقوتة في العلاقات اللاتينية

تصاعدت أجواء التوتر مجدداً بين فنزويلا وكولومبيا، بعد إعلان الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز قطع العلاقات الدبلوماسية مع بوغوتا رداً على حملة الاتهامات التي يسوقها المسؤولون الكولومبيون ضد حكومته، وتأكيد وزير دفاعه الجنرال كارلوس ماتا بأنّ الجيش في جهوزية تامة لمواجهة أي اعتداء من قبل الجارة الجنوبية التي ما زالت تعاكس النزعة اليسارية التي تنتهجها معظم حكومات دول أميركا اللاتينية الطامحة إلى تحقيق استقلالها السياسي والاقتصادي عن الولايات المتحدة.
ويأتي هذا التوتر، وهو الثاني من نوعه خلال أقل من عام، بعدما اتهمت الحكومة الكولومبية كاراكاس بأنها تؤوي معسكرات تدريب تابعة لـ«القوات المسلحة الثورية الكولومبية» («فارك»)، و«جيش التحرير الوطني» («أي أل أن»)، وهما حركتا تمرّد يساريتان تخوضان حرب عصابات شرسة ضد النظام في بوغوتا منذ عقود.
وفي اجتماع طارئ عقدته «منظمة الدول الأميركية» في واشنطن الخميس الماضي، عرض المندوب الكولومبي ألفونسو أويوس صوراً وأشرطة فيديو أظهرت مراكز تدريب «إرهابية» تزعم بوغوتا أنها أقيمت داخل الأراضي الفنزويلية. وأوضح أويوس أن هذه الصور سحبت من أجهزة الكومبيوتر التي صادرتها القوات الخاصة الكولومبية خلال العملية التي شنتها ضد معسكر مفترض لحركة «فارك» داخل أراضي الإكوادور في آذار من العام 2008، وأدت حينها إلى مقتل قائد الحركة راوول رييس وعشرات المتمردين اليساريين.
وطالب أويوس بإرسال لجنة دولية، تشارك فيها دول «منظمة الدول الأميركية»، إلى فنزويلا للتحقق من هذه المعلومات، وأمهل كاراكاس مهلة ثلاثين يوماً للموافقة على هذا المطلب، مجدداً اتهاماته للحكومة الفنزويلية بتسهيل تجارة المخدرات والسلاح وعمليات تبييض الأموال، لكنه ذهب إلى أبعد من ذلك، بأن وجه انتقادات لتشافيز على خلفية «قمع المعارضة» و«انتهاك المبادئ الديموقراطية» في فنزويلا.
لكن المندوب الفنزويلي لدى المنظمة روي تشاديرتون شكك في صحة المزاعم الكولومبية، مشدداً على أن الصور التي عرضها أويوس تفتقد إلى أي دليل يؤكد على أنها التقطت داخل الأراضي الفنزويلية. وقال المندوب الفنزويلي إنّ صورة المعسكر الذي زعم نظيره الكولومبي بأنه مركز تدريب للمتمردين في منطقة تشيتشيريفيتشي الفنزويلية «تبدو لي وكأنها التقطت في سانتا مارتا» الكولومبية.
وتبدو الشكوك التي أعرب عنها تشاديرتون في محلها، فالمندوب الكولومبي لم يقدم من أدلة سوى صور لمجموعة من المتمردين داخل معسكر تدريب وسط الأدغال، مرفقة بخرائط جوية من موقع «غوغل إيرث»، علماً بأنّ الحدود بين فنزويلا وكولومبيا (2200 كيلومتر) هي عبارة عن غابات ومناطق جبلية تبرز فيها العديد من القواسم المشتركة في معالم الأرض وأنواع النباتات وطبيعة المناخ، كما أنّ للبلدين واجهة بحرية متشابهة على البحر الكاريبي، علماً بأنّ نتائج التحقيق الذي قام به الجيش الفنزويلي خلص إلى أن المعسكرات المزعومة ليست سوى حقول للموز والذرة.
ورداً على الاتهامات الكولومبية، أعلن تشافيز «بقلب حزين» قطع العلاقات الدبلوماسية مع بوغوتا، داعياً الجيش إلى «اليقظة الكاملة» على الحدود، فيما أعطى وزير خارجيته نيكولاس مادورو للدبلوماسيين الكولومبيين مهلة 72 ساعة لمغادرة البلاد.
ورفض تشافيز اتهامات بوغوتا، معتبراً أنّ الحديث عن وجود معسكرات تدريب للمتمردين اليساريين في فنزويلا يشكل «ذريعة مثالية» للولايات المتحدة لكي تغزو تلك الدولة اليسارية. ولهذا السبب دعا الرئيس الفنزويلي حركة «فارك» إلى «إعادة النظر في إستراتيجيتها» لقطع الطريق أمام مخططات كهذه.
كما هدد تشافيز بوقف إمدادات النفط عن الولايات المتحدة في حال وقوع أي هجوم عسكري من كولومبيا.
يذكر أن هذا التوتر ليس الأول من نوعه بين الدولتين، ففي شهر آب من العام 1987 كاد الجاران اللدودان أن يعلنا الحرب بسبب خلاف على الحدود البحرية. وفي العام 2005 استدعى تشافيز بعثته الدبلوماسية من بوغوتا بعد قيام وحدة من الشرطة الكولومبية بخطف قائد في الـ«فارك» من كاراكاس. وتبادلت فنزويلا وكولومبيا أيضا التهديدات في آذار من العام 2008 على خلفية العملية العسكرية الكولومبية ضد معسكر مفترض للمتمردين في الإكوادور. وبعد ذلك بنحو عام تصاعد التوتر مجدداً بسبب موافقة كولومبيا على استضافة سبع قواعد عسكرية أميركية على أراضيها.
ويبدي العديد من المراقبين مخاوف من احتمال اندلاع مواجهة عسكرية، ولو محدودة، بين الدولتين اللاتينيتين، قد يسعى الرئيس الكولومبي المنتهية ولايته ألفارو أوريبي من خلالها إلى تحقيق إنجاز ما يسجل لصالحه قبل شهر من مغادرته قصر نارينيو الرئاسي، لكنها قد تساعد، في المقابل، الرئيس الفنزويلي على تعزيز موقفه في معركته ضد المعارضة اليمينية الساعية إلى استخدام كل الوسائل لتقويض شعبيته.
ولعل هذه المخاوف قد دفعت بجهات عديدة إلى محاولة التوسط لنزع فتيل الأزمة. وكان الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أول المبادرين إلى وساطة كهذه، حيث أعلن عن لقاء سيجمعه مع تشافيز في السادس من آب المقبل لبحث هذه المسألة، وكذلك وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس الذي أبدى استعداده للتعاون في حل هذا النزاع، إلى جانب الرئيس الأرجنتيني السابق نستور كيرشنر، الذي ينوي زيارة كاراكاس وبوغوتا لهذه الغاية، في وقت دعت بوليفيا إلى اجتماع طارئ لاتحاد دول أميركا الجنوبية (أوناسور) يوم الخميس المقبل في كويتو بغية التوصل إلى تسوية ذات طابع إقليمي لإعادة الهدوء.
في المقابل، بدا واضحاً من تصريحات المسؤولين في الولايات المتحدة أنّ الإدارة الأميركية تسعى إلى استغلال مزاعم بوغوتا لزعزعة حكم تشافيز. وفي تصريحات، عاكست الدعوات إلى ضبط النفس، اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية أن اتهامات بوغوتا حول تواجد عناصر من حركة «فارك» في فنزويلا «يجب أن تؤخذ على محمل الجد»، معربة عن تأييدها لمطلب الحكومة الكولومبية تشكيل لجنة تحقيق في غضون شهر، علماً بأنّ قوانين «منظمة الدول الأميركية» لا تسمح بتشكيل لجنة كهذه ما لم يحظ الاقتراح بتوافق الدولة المعنية.
يُذكر أن قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الأميركي الجنرال دوغلاس فرايزر سبق أن أعلن في آذار الماضي، خلال جلسة استماع عقدتها لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، إنه لا يملك أي دليل على وجود صلة بين الحكومة الفنزويلية و«التنظيمات الإرهابية»، لكنه عاد بعد أيام ليخرج بتصريحات متناقضة، متحدثاً عن «وثائق تاريخية» تؤكد تلك المزاعم.
وبانتظار ما ستؤول إليه الوساطات الإقليمية، يبدو أن الإدارة الأميركية ستستمر في جهودها الهادفة إلى تأجيج التوتر بين بوغوتا وكاراكاس، بما يبقي العلاقات المتأزمة بين كولومبيا وفنزويلا قنبلة موقوتة في العلاقات الأميركية اللاتينية، أو على الأقل عاملاً كابحاً للتكامل الاقتصادي والسياسي الذي تسعى دول القارة الجنوبية إلى تحقيقه.


وسام متّى
المصدر: السفير  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...