مستقبل السياسة البرازيلية بعد الانتخابات الرئاسية

18-08-2010

مستقبل السياسة البرازيلية بعد الانتخابات الرئاسية

الجمل: تشهد الساحة السياسية البرازيلية هذه الأيام تزايداً مضطرداً في حملات الانتخابات الرئاسية، وتقول التقارير والمعلومات بأن محور واشنطن-تل أبيب يسعى بكل قوة من أجل التأثير على الفعاليات الانتخابية بما يؤدي إلى صعود رئيس برازيلي جديد أكثر التزاماً بالولاء وأداء فروض الطاعة. ما الذي يجري في الساحة السياسية البرازيلية؟ وما هي أهمية البرازيل بالنسبة لمحور واشنطن-تل أبيب والذي أصبح أكثر تخوفاً من احتمالات صعود رئيس برازيلي جديد على غرار نموذج الرئيس لولا دي سيلفا؟خارطة البرازيل
* المسرح السياسي البرازيلي: توصيف المعلومات الجارية
تقول التقارير بأن يوم 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2010م القادم سوف يشهد انعقاد جولة الانتخابات الرئاسية البرازيلية العامة، وذلك من أجل اختيار الرئيس الجديد الذي سوف يتولى المنصب خلفاً للرئيس البرازيلي الحالي لولا دي سيلفا.
يتنافس من أجل الفوز بمنصب الرئيس البرازيلي أربعة مرشحين رئاسيين هم:
- ديلما روسيف: عن حزب العمال PI وهو نفس حزب الرئيس الحالي دي سيلفا.
- خوسيه سيرا: عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي البرازيلي PSDB.
- مارينا سيلفا: عن حزب الخضر PV.
- بيلينيو دي أرودا سامبايو: حزب الاشتراكية والحرية PSOL.
هذا، وعلى خلفية الحملات الدعائية التنافسية، فقد نظمت إحدى محطات البث التلفزيوني مناظرة ساخنة بين المرشحين الرئاسيين، ما عدا المرشح بيلينيو دي أرودا سامبايو الذي تم منعه من المشاركة في المناظرة بناءً على قرار محكمة الانتخابات العليا البرازيلية. هذا، وقد تمت المناظرة بين المرشحين الثلاثة بما شمل الخطوط الآتية:
- ملف الخدمات الصحية.
- ملف السلامة العامة.
- ملف الخدمات التعليمية.
- ملف البنية التحتية.
أشارت استطلاعات الرأي العام البرازيلي والتحليلات السياسية البرازيلية إلى أن المرشح الرئاسي خوسيه سيرا قد أصبح في المقدمة بفارق بسيط عن المرشحة ديلما دوسيف. هذا، وتجدر الإشارة إلى أن خوسيه سيرا هو المرشح المدعوم من قبل محور واشنطن-تل أبيب وقوى اليمين القومي الاجتماعي البرازيلي، أما المرشحة ديلما روسيف فقد أتت في المرتبة الثانية. وتقول المعلومات والتحليلات بأن ظهورها الكاريزمي في المناظرة كان ينطوي على الكثير من نقاط الضعف والتي من أبرزها: انعدام الخبرة العملية، العصبية، التردد، زلة اللسان، كثرة تصبب العرق من الوجه. وتأسيساً على ذلك فإن هناك العديد من المناظرات القادمة والتي يمكن للمرشحة ديلما روسيف من خلالها تحسين أداءها الكاريزمي في المناظرات بما يمكن أن ينعكس إيجاباً على موقفها في أوساط الرأي العام البرازيلي. ولكن، إذا تدهور أداءها أكثر، فإن شعبيتها سوف تتدهور أكثر فأكثر بما يمكن أن يؤدي إلى خسارة حزب العمال البرازيلي للانتخابات الرئاسية ويفسح المجال أمام صعود المرشح خوسيه سيرا، والذي ظهر أكثر قوة وكارزمية في المناظرة. وتقول التقارير والتحليلات، بأن وجود خوسيه سيرا في موقع زعيم المعارضة السياسية للرئيس لولا دي سيلفا قد أكسبه المزيد من مهارات المواجهة وقوة الكاريزمية.
* تفضيلات الناخبين البرازيليين: الطبيعة والخصوصية
شهدت قارة أمريكا اللاتينية خلال حقبة الحرب الباردة المزيد من الصراعات السياسية التي كان للأيديولوجية حضوراً قوياً فيها، بما أدى إلى جعل القارة تمثل امتداداً جيوسياسياً للصراع بين الشيوعية والرأسمالية. وكانت البرازيل والأرجنتين تمثلان قلاع المعسكر الرأسمالي. ولكن، بعد انتهاء الحرب الباردة، فقد سعت واشنطن إلى التخلي عن تقديم الدعم والمعونات لمعظم دول القارة الأمريكية اللاتينية، وعلى وجه الخصوص البرازيل والأرجنتين. أدى انقطاع الدعم الأمريكي إلى حدوث العديد من المظاهر الخطيرة، وعلى وجه الخصوص في مسيرة الاقتصاد، ومن أبرز ما ترتب على ذلك:
- اندلاع الأزمة الاقتصادية البرازيلية.
- اندلاع الأزمة الاقتصادية الأرجنتينية.
- اندلاع الأزمة الاقتصادية المكسيكية.
أدى اندلاع هذه الأزمات الاقتصادية إلى انحدار نفوذ قوى اليمين التقليدية، وصعود نفوذ قوى الوسط ويمين الوسط ويسار الوسط. في هذا الخصوص، فقد صعد الزعيم لولا دي سيلفا الذي يقود حركة يسار الوسط المتمثلة في حزب العمال البرازيلي.
لم تعد الأجندة السياسية الخارجية البرازيلية تحظى بالاهتمام الكافي بالقدر الذي يؤثر في تفضيلات الناخبين البرازيليين. وبكلمات أخرى، لم يعد المواطن البرازيلي يهتم كثيراً بملف الصراعات والنزاعات الإقليمية والدولية، وبدلاً عن ذلك، فقد انحصرت الاهتمامات في دائرة جدول أعمال السياسة الداخلية البرازيلية، وذلك بما أدى إلى جعل المفاضلة الانتخابية تنحصر في الإجابة على السؤال القائل: من هو المرشح الانتخابي الذي سوف يقدم للبرازيليين خدمات صحية وأخرى تعليمية أفضل، ويأخذ منا ضرائب أقل، ويوفر لنا وظائف أكثر وبأجور أعلى، ويتيح لنا أكبر قدر ممكن من الحرية، إضافةً إلى الامتناع عن التدخل في الاقتصاد أو في سيطرة الدولة على الأنشطة الاقتصادية.
* التوازنات الإقليمية والدولية: تأثير العامل البرازيلي
خلال الأشهر الماضية، برزت البرازيل كلاعب هام في المسارح السياسية الإقليمية والدولية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد تمثلت أهمية البرازيل من خلال مواقف الرئيس الحالي لولا دي سيلفا المناوئة لتوجهات محور واشنطن-تل أبيب، وعلى وجه الخصوص في:
- ملف الصراع العربي-الإسرائيلي: اهتم الرئيس لولا دي سيلفا بالوقوف إلى جانب الحقوق العربية العادلة والمشروعة.
- ملف إيران النووي: أكد الرئيس لولا دي سيلفا على ضرورة احترام حق إيران في الاستفادة من الطاقة النووية في الاستخدامات المدنية ذات الطبيعة السلمية.
- ملف استهداف فنزويلا: سعى الرئيس لولا دي سيلفا إلى دعم نظام الرئيس هوغو تشافيز.
- ملف حرب العراق: سعى الرئيس لولا دي سيلفا إلى معارضة استمرار الوجود الأمريكي في العراق.
- ملف حرب أفغانستان: سعى الرئيس دي سيلفا إلى معارضة استمرار الحرب في أفغانستان.
أثارت مواقف الرئيس لولا دي سيلفا حفيظة محور واشنطن-تل أبيب، إضافة إلى عدم رضا أطراف مثلث باريس-لندن-برلين. وما أثار حفيظة محور واشنطن-تل أبيب أكثر فأكثر، تمثل في تحرك السياسة الخارجية البرازيلية بما تضمن تعزيز الدبلوماسية البرازيلية إزاء سوريا ، إيران، تركيا، روسيا والصين.
تلعب البرازيل دوراً هاماً داخل مجلس الأمن الدولي، فالبرازيل تتمتع الآن بمقعد في عضوية المجلس غير الدائمة ممثلة للقارة الأمريكية اللاتينية. وفي ظل وجود الرئيس لولا دي سيلفا، فقد ظلت البرازيل داخل مجلس الأمن تتميز بأداء سلوكي-تصويتي لا يقف إلى جانب الخيارات الأمريكية. وبرغم ضغوط محور واشنطن-تل أبيب المتزايدة، فقد ظلت البرازيل أكثر تمسكاً باستقلالية قرارها السياسي الدولي والإقليمي.
سوف تنتهي ولاية الرئيس لولا دي سيلفا وسوف يتم تنصيب الرئيس الجديد في مطلع العام القادم على ضوء نتائج جولة الانتخابات الرئاسية العامة البرازيلية التي سوف تنعقد في تشرين الأول (أكتوبر) 2010م القادم. وإذا تمكن المرشح خوسيه سيرا زعيم المعارضة عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي البرازيلي من الفوز والصعود إلى منصب الرئيس البرازيلي، فإن قوى يمين الوسط سوف تسيطر على الساحة السياسية البرازيلية، وهو ما معناه: ظهور توني بلير أو نيكولاس ساركوزي جديد في أمريكا اللاتينية، الأمر الذي سوف يجعل من محور واشنطن-تل أبيب يكسب حليفاً دولياً جديداً ليس فقط في قارة أمريكا اللاتينية، وإنما أيضاً في مجلس الأمن الدولي، وفي ملف القضايا الدولية العالقة، مثل الملف النووي الإيراني وملف الصراع العربي-الإسرائيلي.

 

قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...