كيف تبدو الخارطة السياسية السورية اليوم؟

13-07-2024

كيف تبدو الخارطة السياسية السورية اليوم؟

في ظل الانقسام الحاد الذي تعيشه سوريا، تبدو خريطتها اليوم مفككة كأجزاء لعبة البازل، حيث تتكون من قطع منفصلة تشكل بمجموعها صورة واحدة دون فراغات.

يشكل مشهد سوريا اليوم مجموعة من الأجزاء المختلفة، مع ملاحظة التغيرات في الإطار العام دولياً، حيث يركز الغرب على حربي أوكرانيا وغزة وما خلفتهما من مشكلات تحتاج لسنوات لحلها.

أما إقليمياً، فقد تحسنت العلاقات بعد التفاهمات السعودية-التركية والسعودية-الإيرانية، مما يفتح المجال لتحسين الأوضاع الحالية وإعادة إنتاج واقع أكثر استقراراً في سوريا.

ومع تراجع الاهتمام العالمي والعربي بالقضية السورية، يتم التعامل معها أساساً من زاوية اللاجئين، حيث تحاول بعض الدول الأوروبية، مثل إيطاليا وقبرص، اقتراح مناطق آمنة داخل سوريا لإبعاد اللاجئين عن حدودها.

إذا صدر هذا الإعلان دولياً، سيكون له تداعيات كثيرة على المشهد السوري داخلياً وخارجياً.

تبدو المفارقة في أن ملف اللاجئين، الذي أراد المجتمع الدولي أن يكون وسيلة ضغط على السلطة في دمشق، تحول إلى عبء على الدول المضيفة، مما يدفع المجتمع الدولي للتفاوض والتفاهم مع دمشق.

بعد الانفتاح الأردني الكامل على سوريا، يجد لبنان نفسه مضطراً لإعادة التواصل مع دمشق نتيجة ضغوط ملف اللجوء السوري.

هذا الملف دفع تركيا أيضاً لتحسين علاقاتها مع دمشق عبر سلسلة لقاءات، كان آخرها مناقشات مطولة برعاية روسيا في قاعدة حميميم، واستكمالها بطاولة حوار سورية-تركية برعاية عراقية في بغداد، تناولت قضايا الأمن المشتركة وحلول لتجاوز الأزمات الحالية.

جهود إقليمية تسعى لحلحلة الأوضاع في سوريا بتعاون تركي-إيراني-روسي، في حين ظهرت بعض الحلحلة العربية مع مباشرة السفير السعودي مهامه في دمشق بعد تأخير بسبب الضغوط الأمريكية التي يبدو أنها تراجعت حالياً.

يعزز ذلك الآمال بانفراج محتمل للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها السوريون نتيجة العقوبات الأمريكية التي أفقرت المواطن السوري ودفعت بـ90% من الشعب السوري تحت خط الفقر.

لكن دوران عجلة التفاهمات الإقليمية لم ينعكس هدوءاً على الحدود الجنوبية، حيث تستمر الضربات الإسرائيلية التي تستهدف مناطق مختلفة من سوريا، بحجة محاربة الوجود الإيراني وحزب الله.

وقد شهدت جبهة الجولان المحتل سخونة واضحة بعد هجمات صاروخية تم تبنيها من حزب الله، استهدفت قواعد عسكرية ونقاط استطلاعية.

وفي مناطق شمال وشرق سوريا، لم تشهد القواعد الأمريكية المنتشرة هناك أي تصعيد مؤخراً، باستثناء إعلان القيادة المركزية للقوات الأمريكية في 16 يونيو عن غارة جوية في ريف عفرين، أسفرت عن مقتل “مسؤول كبير” في تنظيم الدولة، دون تأكيد من جهة أخرى.

من ناحية أخرى، تعاني مناطق شمال شرق سوريا، التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية الكردية وذراعها العسكري (قسد)، من ركود في ظل فشل محاولاتها لإجراء انتخابات بلدية، نتيجة رفض تركي وعدم رضى أمريكي.

فيما تبقى مناطق سيطرة الفصائل التابعة لتركيا في شمال سوريا تشهد ركوداً أيضاً، مع تداول أخبار عن إرسال سوريين للقتال في أفريقيا.

أما إدلب وشمال غرب سوريا، الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، يسعى الجولاني لتطويق تداعيات الحراك الشعبي المستمر ضده ومحاولة استمالة مراكز القوة العشائرية.

بينما تتناثر الشخصيات المعارضة السورية بين دول العالم، مع حضور باهت في تجمعات قليلة ومحدودة.

هذه الحالة من الركود في شمال وشرق سوريا تطرح أسئلة حول أهلية تلك القوى للدخول في عملية سياسية حقيقية، وما تبقى لها من قوة وسيطرة على الأرض، وما أصابها من ضعف وتفكك وانخفاض الدعم المالي والسياسي.

تبدو مفاوضات جنيف وكأنها “طبخة بحص”، بينما مسار أستانة أصبح غير كافٍ ووصل إلى طريق مسدود يحتاج إلى إعادة نظر وفق الواقع الحالي.


لذلك، لابد من خطوات جديدة لإعادة تشكيل الصورة السورية ودمج أجزائها عبر مظلة من التوافق الإقليمي والدعم العربي.

راي اليوم

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...