أي تشابه بين حربي إسبانيا و سوريه ؟ (2)

08-03-2016

أي تشابه بين حربي إسبانيا و سوريه ؟ (2)

الجمل ـ *ميشيل جابارا ـ ترجمة رنده القاسم:
الجيش العربي السوري يواجه  غزوا خارجيا من أجل الحفاظ على مجتمع مدني  تعددي ذي طوائف كثيرة. و بالطبع هناك سنة يقاتلون ضد الغزاة الأجانب الجهاديين.
و بعكس الحرب الأهلية الاسبانية ، الصراع السوري ليس حربا أهلية أو دينية، إنه حرب عدوانية بالوكالة قادتها الولايات المتحدة و أتباعها المتعددون في الناتو و الشرق الأوسط. و التيار الرئيسي في وسائل الإعلام الغربية لم يناقش أبدا قضية من يقاتل فعليا ضد الحكومة السورية،و ليس ذلك بالأمر المفاجئ.
أحد المصادر الألمانية قدر بأن 95% من القوات المعادية للأسد أجنبية و غير سورية على الإطلاق، و من الصعوبة بمكان تقديم أرقام دقيقة، رغم أن العديد من خدمات الاستخبارات تملك فكرة جيدة. و مؤخرا ذكر  جنرال فرنسي أن ثمانين ألف من أصل مائة ألف مقاتل ضد الحكومة في سوريه هم أعضاء في مجموعات اعتبرتها الأمم المتحدة إرهابية. و هذا المصدر الفرنسي لم يحدد عدد المقاتلين الأجانب ، و لكن آخرون قاموا بذلك.
قبل بدء التدخل الروسي ، قدرت الحكومة السورية عدد المقاتلين ضدها بحوالي مائتين و خمسين ألف مقاتل، و تقريبا كلهم من جنسيات أجنبية. اعتمد  الأرقام الفرنسية أو السورية، أو الفرق بينهما، فان النتيجة ستبقى قوة  مسلحة رهيبة تحتاج دعما رهيبا ماديا و لوجستيا من أجل العمل، و من المعروف تماما أن هذا الدعم يأتي من الولايات المتحدة و تركيا و قطر و السعودية و إسرائيل العنصرية من بين دول أخرى.
"إننا ندعم فقط المعتدلين في سوريه" العبارة التي تصر عليها الولايات المتحدة... بالطبع المعتدلين فقط !!!! و بسخرية سيرد المرء "بالطبع تفعلون و أنتم إنسانيون و ديمقراطيون أيضا"...
لو كان الصراع في سورية ليس حربا أهلية يخوضها السوريون، و لكن حرب بالوكالة يخوضها  بشكل كبير إرهابيون أجانب، فإن  الرواية الغربية المبررة للتدخل سوف تتبدد. ففي الحرب بالوكالة تصبح دمشق و قائدها الأسد أبطالا  و مدافعين عن الوطن محاطين بالمعتدين الأجانب. و لهذا السبب، تبحث وسائل الإعلام الغربية عن خط بروبوغندا جديد يربط الحرب الأهلية الاسبانية بالحرب في سورية.
من أين أتى الجهاديون؟ من يسلحهم و يدفع لهم و يحميهم و يهتم بجراحهم؟ تذكر التقارير أنهم أتوا من أربعين دولة و أكثر. إنهم يمولون و يدربون و يسلحون من قبل الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا و السعودية و قطر و آخرين ، و يحصلون على  الملجئ في تركيا و الأردن و إسرائيل. هم تكفيريون أو وهابيون معارضون لأي شكل من  الإسلام مختلف عنهم. و كل ما عداهم مرتدين يستحقون الموت أو الاستعباد. لقد شهدنا وحشيتهم في سورية عبر ضرب الأعناق و الحرق و الغرق و الإعدامات الجماعية و قتل المدنيين ، و كل هذه الأعمال موثقة و متوفرة على شبكة الانترنت و مع ذلك يشجب الغرب الأسد على اعتبار أنه عنيف مولع بالقتال.
أما من حدود لدعاية وسائل الإعلام الغربية؟ مؤخرا، تم التقليل من نشر مشاهد القتل الجماعي الذي يرتكبه الجهاديون ،إذ يبدو أنه أصبح الآن موضوعا محرما بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية، و ذلك بلا شك من أجل مساعدة الولايات المتحدة و أتباعها في إخفاء حقيقة حلفائهم الجهاديين القتلة.
تخيل كيف أن  الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا ، الذين يتحركون وفقا "للقيم الغربية" ، يدعمون  بشكل مباشر أو غير مباشر الدولة الإسلامية و الاستنساخات المتعددة عن القاعدة. و في الواقع، القيم التي يتباهي بها الغرب هي تلك التي تنتمي للامبريالية الجديدة و الاستعمار الجديد، و الاستشراق. و لهذا فليس من الغريب أبدا أن تتحالف الولايات المتحدة مع ممالك و إمارات الشرق الأوسط الأوتوقراطية و الاستبدادية.
التدخل العسكري الروسي لدعم الحكومة السورية كشف التحالف الغربي الحقير مع الجهاديين الأجانب. لقد كان الروس على الجانب الصحيح في اسبانيا عام 1936 و الآن هم أيضا كذلك في سوريه.  عام 1936 تأمل الكثير من المحافظين البريطانيين بنجاح فاشستي فرانكو ، و في عام 2016 يأملون بنجاح الجهاديين في سورية. و بالنسبة لفرنسا، ماذا يمكن للمرء  أن يقول عن الفرنسيين؟ عام 1936 لم تملك حكومة الجبهة الشعبية الشجاعة للدفاع عن مبادئها، و في عام 2016 لا تزال الحكومة "الاشتراكية" الفرنسية، و رغم مذبحة فرنسا في تشرين الثاني الماضي، تتصرف كتابع للولايات المتحدة. ما الذي حدث للوطنيين الفرنسيين الأباة الأقوياء المدافعين عن استقلالية وطنهم؟
الآن يستخدم  الرئيس الروسي فلاديمير بوتين براعته في دفع الولايات المتحدة للتخلي عن "ثورتها الملونة" في سورية باقتراح "هدنة" بين الفصائل المقالة، باستثناء الدولة الإسلامية و القاعدة و فروعها. ليحالف الحظ السيد الرئيس، فمع كتابتي لهذه السطور ، يندفع الجهاديون الأجانب لتغيير أسمائهم، و يسمون أنفسهم سوريين أو "معتدلين"، و بهذا يحصلون على فرصة من أجل الاستعداد و التسليح ثانية لكي يستأنفوا  الحرب ضد دمشق. و يبدو الأمر شبيها ب "مينسك" عاصمة روسيا البيضاء..... هناك من يأمل بألا تكون هدنة الرئيس بوتين سابقة لأوانها، و هناك من يأمل أيضا أن يكون بوتين يعلم مدى خطورة "الشراكة" مع حكومة الولايات المتحدة..فالأمر كمن يضم أفعى إلى صدره....
و لو أن بوتين قرأ هذه السطور لكان بلا شك أجاب بنفاذ صبر : "حسنا، ماذا تريد، هذه هي الدبلوماسية".....
بالنسبة للحرب الأهلية الاسبانية، فإنها تنتمي إلى عالم المؤرخين. و لا أرى أي صلة بينها و بين الحرب السورية باستثناء أنها إشارة إلى خبث وسائل الإعلام الغربية في البحث عن ذريعة للعدوان. و ثانية، نرى الغرب في الجانب الخطأ لكفاح ضد قوة حاقدة سوف تهددنا كلنا في نهاية المطاف.

*بروفيسور في التاريخ في جامعة مونتريال ، و نشر عدة كتب حول العلاقات السوفييتية مع الغرب..

عن موقع Strategic Culture Foundation

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...