الأرملة رهينة موروث قديم صنعه فهم مغلوط؟

20-09-2008

الأرملة رهينة موروث قديم صنعه فهم مغلوط؟

تلك هي الحياة.... متبدلة ومتغيرة ولاشيء فيها ثابت سوى التغيير المستمر وفي لحظة تتغير الموازين وتنقلب الأدوار بين توءم الحياة الرجل والمرأة تحت قسوة الظروف ومشيئة القدر عندما يغيب الموت ربان السفينة لتجد المرأة نفسها في صراع مع رياح القدر وأمواج الأيام، وحتى لا تغرق تلك السفينةولتصل بسلام إلى بر الأمان عليها أن تكون الأم والأب في آن واحد بالنسبة لأولادها وبيتها وتجاه مسؤولياتها المتعددة.

حكاية المئات من النساء الشابات وهن في مقتبل العمر عشن التجربة كما فرضها عليهن القدر وعشن محنة حقيقية اكتشفن فيها قدرتهن على الصبر والتضحية من أجل أطفالهن وواجهن الحياة بقسوتها ومرارتها ولا مكان للاستسلام واليأس أمام تلك العزيمة والارادة الصلبة. 
 فما موقف المجتمع من تلك المرأة الأرملة وكيف يتعامل معها؟ ‏

وهل عليها أن تنكر ذاتها وتهب حياتها للآخرين لتحظى باحترام المجتمع؟ ‏

وهل ستبقى تحت الأنظار ومشكوكاً في تحركاتها؟... ‏

أم أننا سنبقى ضمن موروث قديم صنعه فهم مغلوط؟... ‏

غزالة وسعاد وأم حسان لكل منهن تجربة مختلفة استطاعت تخطيها بفضل إصرارها على النجاح. ‏

هذا ما أثبتته غزالة المرأة الحديدية هكذا يصفها أهل قريتها فبعد وفاة زوجها وهي في الثلاثين من العمر مع أربعة أطفال وضعت جانباً كل ما تتناقله نساء القرية من أحاديث وهمسات جانبية تتناول أنوثتها كامرأة فلم تجلس حبيسة المنزل مستسلمة لليأس والحزن والاتكال على أحد بل أصرت على متابعة عمل زوجها في تجارة بيع المواد التموينية والغذائية ومراجعة دفاتر الحسابات ولم تكتف بذلك بل تعلمت قيادة السيارة الخاصة بنقل البضائع ونقلها من أماكن استيرادها في المدينة دون الاستعانة بأحد وخلال سنوات تمكنت غزالة من تطوير وزيادة دخلها بالاضافة الى مهمتها كأم في تربية أبنائها وتعليمهم حتى أصبحوا شباباً يعتمد عليهم وتابعوا عمل والدتهم وأثبتت غزالة للجميع أن المرأة الأرملة تستطيع أن تعيش وتستمر ليس في ظل الرجل فقط بل وفي ظلها أيضاً مؤكدة أن الظروف تخلق من المرأة إنساناًَ آخر كالرجل بل وتتفوق عليه. ‏ - سعاد ابنة الرابعة والعشرين صدمت بوفاة زوجها إثر نوبة قلبية مفاجئة ودون حساب وضمان مادي لأي طارئ تاركاً لها طفلين في سنواتهما الأولى والراتب الشهري بسيط بعدما اقتطع نصفه بخضوعه لقانون العمل فلم تتوقف عن التفكير في العمل وبما أنها لا تملك شهادة إلا الاعدادية فكانت الفرص أمامها محدودة فاختارت العمل في حضانة للأطفال وتقوم على رعايتهم مقابل راتب شهري يساعدها في تربية أطفالها وتدبير شؤونها بدلاً من الانتظار وطلب المعونة ورفضت الزواج ثانية لتربي أطفالها فهي مشتتة بين المنزل والأطفال والعمل و.... ‏

ومع ذلك لم تكن سعاد خارج دائرة المراقبة بنظرات أهل الحي ولاسيما المقربين منها فمن دخل وخرج الى منزلها وأين ذهبت ومتى عادت؟ كلها أسئلة عليها أن تجيب وتبرر وإلا الجميع سيكونون فلاسفة يفكرون على طريقة «ديكارت» الشك.. ‏

‏ - يحق للرجل مالايحق للمرأة في ذلك المجتمع الذكوري فيتزوج الرجل الأرمل بعد أيام معدودة ويعتبر حقاً مشروعاً بل ويجب عليه أحياناً، بينما ينظر الى الأرملة نظرة ازدراء وكأن ما تفعله مشين في حال فكرت بالزواج ويبقى لقب الأرملة يرافقها حتى بعد زواجها بعشرات السنين هذا ما عبرت عنه وأكدته أم حسان بعد خمسة وعشرين عاماً من زواجها لايزال لقب الأرملة توصف به من قبل زوجها وأقاربه من وقت لآخر وكأنها وصمة عار لم يمحها الزمن لتبقى ابنتها الشابة شاهدة على ذلك وتقول أم حسان: لم يكن أمامي خيار سوى الزواج فلا مال ولاشهادة ولا أهل قادرون على إعالتي مع ابنتي الصغيرة فلم أجد مانعاً من الزواج ثانية. ‏

‏ - الوحدة والفراغ والاكتئاب حالات تعيشها المرأة الأرملة هذا ما تحدثت وأباحت به صفاء بعد وفاة زوجها بثلاث سنوات وكيف انقلبت حياتها وتغيرت معان ومفاهيم كثيرة لديها لم تكن بالحسبان من ثقل الأعباء وتحمل للمسؤوليات وحتى لا تنعكس تلك الآثار النفسية على أولادها أدركت صفاء كيف تتعامل معهم لا سيما أنها سبق أن عاشت طفولتها يتيمة الأب مع والدتها وكأن التاريخ يعيد نفسه فآلامها وأحزانها كانت خاصة بها تقضيها في وحدتها وعزلتها وأمام أولادها فهي إنسانة وأم تقوم بكل ما يتطلب منها من عاطفة ورعاية لتعوضهم حرمان الأب وتظهر كل ما لديها من قوة وصبر حتى أمام الأصدقاء والجيران فنظرات الشفقة والعطف تزيد آلامها ولا تريد أن تراها حتى من المقربين لها. ‏

وحول هذا الموضوع حدثتنا الاختصاصية الاجتماعية ديانا سليمان قائلة: ‏

العديد من النساء الأرامل يجدن أنفسهن في مجتمع غريب يعشن الغربة بنوعيها غربة في فقدان الزوج وغربة في المجتمع المحيط بهن، إذ تتعرض الأرملة للعديد من الصدمات والشدات النفسية والمادية فتنعكس على طريقة حياتها وتربية أولادها. ‏

‏ - وأهم هذه الشدات هي الحالة المادية التي تجبرها أحياناً على الزواج أو البحث عن عمل قد لايتناسب مع وضعها التعليمي والاجتماعي لإعالة نفسها وأولادها وما نجده لدى الغالبية من تلك النساء هو رفض الزواج والبحث عن وسيلة تساعدها في تسيير أمورها رغم ما تواجهه من صعوبات ومع ذلك ليست في مأمن من التأويلات وتقييم المجتمع لها وهذه النظرة تختلف حسب ثقافة وأخلاقيات المجتمع والبيئة والعائلة و... وتزداد قسوة في الحكم عند العائلات المحافظة إذا ما فكرت الأرملة بالزواج ثانية فتتهم بالأنانية ونكران الجميل والجري وراء رغباتها ومصلحتها متناسين أنها إنسانة لديها عواطف وحاجات فقد يكون الزواج حلاً وإنقاذاً لها ولأولادها من الحاجة والتشرد إذا وجدت الرجل المناسب الذي يحميها ويرعى أطفالها وقالت الاختصاصية ديانا: وهناك المرأة التي تفضل البقاء بجانب أطفالها لتربيتهم وهنا تختلف نظرة المجتمع إليها، إذ تتلقى الدعم والمساندة من قبل الأقارب والمحيطين بها وهذه الصورة الايجابية تساعدها في الانخراط والتفاعل مع الآخرين وفي مجال العمل بدلاً من أن تجلس وحيدة تجتر الماضي بذكرياته وآلامه وكذلك عليها أن تجد لنفسها أصدقاء يكونون لها مرجعاً وسنداً في أوقات الحاجة. ‏

‏ - كما أشارت الاختصاصية الى الحالة النفسية التي تمر بها هذه المرأة قائلة: ‏

إن المرأة عندما تفقد الشريك الذي هو بمثابة السند لها تظهر لديها مشكلات نفسية مثل التوتر ـ القلق ـ الاكتئاب ـ الخوف من المستقبل وتشعر بالفراغ العاطفي ولكن هذه الحالات تخف حدتها بوجود الأطفال وانشغالها بهم وكذلك اذا كانت عاملة أو موظفة فتستطيع وبمساعدة الجميع أن تتجاوز هذه الأزمة. ‏

‏ - كما أضافت الاختصاصية قولها: ان القيود التي يضعها المجتمع تثقل كاهل الأرملة، فنظرة الشك والريبة في تصرفاتها وتحركاتها أهم ما يعوق حريتها وينغص حياتها كإنسانة فهي رهينة لعادات وتقاليد لا تغني بشيء وهي مطالبة بالتقيد بها كي تتجنب ما يثار ضدها من شائعات تمس سلوكها وأخلاقها، فالقيود الاجتماعية تبدأ من المقربين لها وتنتهي بنظرة الغرباء وتساءلت الاختصاصية قائلة: ‏

ما معنى أن تبقى المرأة الأرملة متشحة بالسواد بكل ما ترتديه من أثواب طيلة حياتها ومحرومة من أنوثتها ومن كل ما يشعرها بالأمل والتفاؤل، فهذا السواد الذي تكلل به نفسها ينعكس غماً وألماً على نفسيتها ونفسية أطفالها وعلى سلوكهم، فهذه كلها مظاهر تقليدية متوارثة انتقلت إلينا بفعل العادات القديمة فالمرأة التي رفضت الزواج وقررت العيش مع أطفالها مضحية بكل مالديها وأقنعت نفسها بقدرتها، فمن حقها أيضاً أن تتحرر من تلك القيود وتعيش كإنسانة ترضي ذاتها ونفسها بعيداً عن أية غاية أخرى. ‏

زهور كمالي

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...