حوار مع الشاعر سامي أحمد

11-07-2009

حوار مع الشاعر سامي أحمد

تنأى قصيدة الشاعر سامي أحمد عن الخطابية والبلاغة التقليدية كما تنأى عن الإيديولوجيا التي تفسد الشعر. وتجد قصيدته ملاذها في التكثيف وتمنح قارئها لذة خاصة تتجدد بإعادة اكتشافها. صدر له المجموعات الآتية ( دخان، عميل التعب، صلاة المطر، خذلتني النجوم)، والشاعر سامي ابن مدينة جبلة أسس في دمشق داراً للنشر التي أعلنت مؤخراً جوائز الدورة الأولى من مسابقة +الديوان الأول؛ والتي اهتمت بالشعراء الجدد. انطلاقاً من هذه الجائزة التي ستكتمل بترجمة الديوانين الفائزين للألمانية والتي نتمنى أن تصيب دار نشر أخرى بالعدوى، كان الحوار الآتي معه:

جائزة دار التكوين

‏ - أعلنت مؤخراً جائزة دار التكوين للدورة الأولى لمسابقة "الديوان الأول"، حدثنا عن دوافع تأسيس هذه الجائزة لاسيما وأن معظم دور النشر إن لم نقل كلها ترفض تبني ديوان شعر على نفقتها بما فيها الدار التي تملكها؟

هل لأنك شاعر قد لا تعلن عن جائزة خاصة بأي جنس آخر كالمسرح مثلاً، أم ثمة إضافات أخرى على هذه المسابقة قد تخطرنا بها الدورات القادمة؟

في ظل الهجمة المركزة التي تشنها بعض المؤسسات الثقافية متسلحة بشعراء كلاسيكيين ضد الأصوات الشعرية الجديدة ،أحاول أن أرفع الغطاء عن تلك الأصوات التي إلى الآن مازالت مجهولة للقراء بسبب سيطرت ثقافة معينة على الساحة الإبداعية ،ولذلك أعلنتُ عن تنظيم مسابقة شعرية تخص الأصوات الشعرية الجديدة، لأن غاية المسابقة دعم الأصوات الجديدة ، أما الفكرة تعود إلى مطلع العام 1999 ،كنت حينها أطبع ديواني الأول في أحد المطابع،وعندما ذهبت لاستلام بعض النسخ قال لي صاحب المطبعة لا أستطيع تسليمك أي نسخة من الكتاب قبل أن تُسدد كامل المبلغ ،فبقيت النسخ عنده إلى العام التالي .عندها تساءلت لماذا لا يوجد دور نشر تتبنى المجموعات الجديدة على نفقتها .وعندما أسست دار التكوين في عام 2000 بدأت بمشروع سلسلة الشعر الجديد ،ونشرت فيها لشعراء معروفين وغير معروفين ،وكان السؤال الذي يُطرح عليَّ دائماً :لماذا لا تنشر المجموعات على نفقتك ؟ ومع تكرار السؤال عدت إلى الفكرة القديمة التي كنت أؤجلها كل عام،لأعلن عن هذه المسابقة في مطلع هذا العام، وهناك إضافات أخرى للمسابقة الشعرية وهي الترجمة إلى اللغة الألمانية بترجمة الشاعر السوري المقيم في ميونخ فؤاد آل العواد وستصدر باللغة الألمانية عن السلسلة الشعرية العربية الألمانية في صالون الشعر الألماني العربي.

وسأعلن في العام المقبل عن جائزة للقصة القصيرة وبنفس شروط جائزة الديوان الأول.

- ما هي المعايير التي عملت وفقها لجنة تحكيم الجائزة، وهل من الضروري أن ينال شاعر عربي حصة من الجائزة، بمعنى لماذا لم تحصرها محلياً أم أنك أردت للجائزة حضوراً عربياً؟

بلغ عدد المجموعات التي وصلت عبر البريد الالكتروني والبريد العادي (79) مجموعة من سبعة بلدان عربية هي: الجزائر والمغرب ولبنان ومصر وسوريا وفلسطين والعراق.

وعكفت اللجنة التي تشكلت من: الشاعر محمد عُضيمة ، والناقد د.خالد حسين حسين والشاعر محمد مظلوم ، وأنا، على  قراءة المجموعات المشاركة على مراحل، استبعدت بعدها عدداً من المجموعات التي رأت أنها لا تقترح إرهاصات واضحة لأصوات شعرية واعدة، تتناسب مع الهدف الأساسي الذي أنشئتْ من أجله الجائزة.وأبقت اللجنة على خمس مجموعات شعرية في المرحلة النهائية، كانت تقترب، على تباينها، من الشروط الفنية لمنح الجائزة.

وبعد مداولات ومناقشات مستفيضة حول الخصائص الفنية لكل من هذه المجموعات، ومستوى الوعد للصوت الشعري الذي تعبر عنه. قررت اللجنة منح جائزتها السنوية الأولى ( جائزة الديوان الأول) لعام 2009  لصوتين شعريين جديدين هما:

- لينا شدود - مواليد طرطوس – سوريا 1966 عن مجموعتها الشعرية ( لا تشِ بِيْ لسكَّانِ النَّوافذ).

- عمر الجفال- مواليد بغداد / العراق 1988.. عن مجموعته الشعرية ( خيانات السيدة حياة).وللاستزادة حول الحيثيات المسوغة لمنح الجائزة مراجعة التقرير النهائي للجنة التحكيم على الموقع الالكتروني للدار .

وأردت من الجائزة أن يكون لها حضوراً عربياً في الدورة الأولى لها، لفسح المجال لدور نشر عربية أخرى بوضع جوائز للشعر، وقد تكون في العام المقبل سورية فقط.

لا تزال الشكوى صارخة من أن فعل القراءة إلى تراجع، لكن الذي أعرفه أن مشاركة دور النشر في معارض عديدة ومنها الدار التي تملكها إذ أخبرتني السنة الماضية انك شاركت في أكثر من أربعة معارض عربية، فهل تكرر المشاركة لولا وجود الأرباح؟

القراءة نسبية من دولة إلى أخرى، فمثلاً المغرب العربي من أكثر الدول قراءة للشعر وخاصة منه المشرقي، وبعض دول الخليج كالسعودية مثلاً من أكثر الدول العربية قراءة للرواية، فلكل بلد خصوصيته بالقراءة.

بالطبع نريد أن نشارك في جميع المعارض، كي نتعرف على شعراء جدد ومترجمين جدد، لأن في كل معرض نذهب إليه تنشأ فيه صداقات جديدة مع كتّاب ومترجمين، وهذا بالنسبة لي أرباح.

أصدرت أربع مجموعات شعرية أعدت طباعة اثنتين ما أسباب إعادة طبعهما دون غيرهم؟ ولماذا أنت غائب غير حاضر في أمسية أو مهرجان أو في صحيفة، ما القدر الذي تتحمله أنت؟

لأن مجموعتي " دخان" و"عميل التعب" حظيا وقعاً ونقداً ، وقراءة أكثر من "صلاة المطر"و"خذلتني النجوم"  اللتان لم تقرآ أبداً ولا أعرف لماذا، لهذا أقول أن الكتاب الذي يُقرأ أكثر يطبع أكثر. ولأن المنابر الثقافية السورية يتعامل القائمون عليها بأنها دكان يبيع ولا يشتري ، وقائمة على المدح المجاني وتصفية حسابات بين شاعر وآخر، بين روائي وآخر، ولأنك مضطر وملزم بموافقة مسبقة على ماتقوله ( في المهرجانات والأمسيات الشعرية) ومن هم الحضور وما أعمارهم! ولأنني دائماً مشغول بالنشر وباكتشاف كتاب جديد لا أشعر بوقت فراغ لإقامة أمسية، بمعنى آخر يشغلني النوم عن النوم، ولأن المؤسسات الثقافية تحولت إلى مراكز تعبئة وتجييش للدفاع عن الواقع القائم الرديء للاستمرار في كراسيها حتى الموت، وكأن هدفها إنتاج "لا ثقافة" ( تجهيل)وتصفيق، ورفض حق الاختلاف، لهذا كله أنا حاضر في جميع المناسبات.

- هل تعتقد بأن قصيدة النثر قد أخذت حيّزها لدى من لا تزال أذنه في سوق عكاظ، سواء كان شاعراً أو متلقياً؟

مع الأسف ضاع الشعر تحت مسميات كثيرة منها: قصيدة النثر والشعر المنثور، والشعر الحر، والنثر الشعري والقصيدة المنثورة، وصارت الخلافات قائمة على التسمية وليس على الصورة الفنية. نستطيع أن نقول أن قصيدة النثر حررت الشعر العربي من الرتابة الوزنية والملل القافوي. وصار بوسعك أن تعبر عن كلامك بالشعر كيفما أردت، بمعنى أن يصبح جميع الناس شعراء، وليس هناك طبقة ما تسمى طبقة الفحول، وطبقة الشعراء، ليبقى الصراع طبقياً شعرياً.

يجب دائماً أن نحرص على تسمية الشعر بالشعر سواء كان قصيدة نثر أو عمود، إذ يجب في هذه التسميات أن نميز فقط بين الشعر كهوية وفكر، وبين الشعر كنظم أو كلام عادي، فمثلاً تقرأ  لأبي تمام(فكر) :

تاهت على صورة الأشياء صورته حتى إذا كَمُلت تاهت على التيه  

أو تقرأ للمتنبي (نظم):

على قدر أهل العزم تأتي العزائم   وتأتي على قدر الكرم المكارم

وتقرأ له أيضاً ( فكر):

خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به  في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل

نستطيع أن نحذف الشطر الثاني من هذا البيت ليصبح الشطر الأول  قصيدة نثر وحدها مكتملة بذاتها، لا تقبل زيادة لأي حرف ولا تستطيع أن تحذف منها أي حرف ، وهذا بالنسبة لي قصيدة نثر قائمة على الدهشة، والهدوء والحكمة.   

كيف قرأت أدونيس؟ وما علاقتك به شعرياً وإنسانياً؟

بدأت بقراءة أدونيس مبكراً ، ولكن كان عصي على الفهم بالنسبة لي - وهذه شكوى عامة من العرب، الذين لا يريدون أن يقرأوا شيئاً- وحاولت مرة أخرى، وقلت طالما أدونيس يكتب بلغة عربية واضحة فما بال قراء العربية يقولون بأنهم لا يفهمون ما يكتبه، ثم توضح الأمر لي بعد أكثر من محاولة، بأن قراءة أدونيس تحرض الفكر نحو الاختلاف لا الخلاف، وتوجب التحرر من ثقافة المسبقات، والتحرر من القصيدة الغنائية التي أجرمت بحق الشعر، وأنهكت الجمهور بالتصفيق لهموم كبرى كالموت والدم ، وكانت امتداد للكآبة داخل الشعر العربي. فهناك مثقفين من جيل أدونيس، غرقوا في الإعلام الموجه ضده، في أماكنهم المرموقة كسلطة ثقافية، وهنا أقول: مَنْ من المثقفين العرب وليس السوريين فقط لم يتعلم من أدونيس، مَنْ منا لم يحاول أن يكتب مثله. 

يقول أدونيس بتعريفه لليقين:

"ما اليقين،

 قرارٌ؛

بعدم الحاجة إلى المعرفة"

إننا أمة تريد أن تبقى في اليقين، والأدونيسية تُحارَب لأنها على النقيض مع الثقافة العربية، بوصفها حضوراً فكرياً وإبداعياً، يخترق الجاهز الثقافي العربي السائد.

 ومنذ أن قال أدونيس (الثقافة العربية السائدة، اليوم، هي ثقافة فقهية "، وبأن السلطة فيها، بالتالي، هي "للنص، لا للرأي" إلى الآن لم يتجرأ ناقد عربي أن يتهم أدونيس إلا بتهم بالية: (ضد العروبة، طائفي، ناصري، مطبع، خائن، عميل ...الخ، ولم تتجرأ مؤسسة ثقافية -كاتحاد الكتاب العرب- أن تجتمع وتعتذر أو تناقش نفسها على الأقل لماذا حصل هذا ؟

وأخيراً يقول أدونيس:

" ما سماه العالم عقلا،

سأسميه،

رمية نرد)

هذا ما يوضح علاقتي بأدونيس، الشاعر المفكر ، والصديق.

- ما الذي اختلف لديك في تعاملك مع نصك بين أول مجموعة والمجموعة التي تتمهل بنشرها، وهل سنقرأ في قصائدها تخففاً من الفكر؟

اختلفت الأحرف، والدلالات، واللغة التي كنت أسخر منها، لغتي اليوم مع النص صارت أكثر فهماً، ووضوحاً، لأنني كنت طائراً في أول مجموعة، رأسي في الغيم ، وقدمي على الأرض ، صارت الأرض بالنسبة لي أجمل من السماء، وصار الجميل هو ما أحسه وما ألمسه لاما أتخيله، وصرت أستضيء بقدمي، وأفوّض أمري إليها، ما قلته بداية أن الشعر الذي لا ينضوي على الفكر، هو كلام لا أستطيع أن أحمله إلى الشعر، ومجموعتي الجديدة " شُبِّه لي" من عنوانها تشي بالفكر ، حيث قلت فيها ما أتمنى أن أقوله ، وما لا أستطيع أن أقوله،تحت اسم شبه لي:

1

عالم مقلوب

وليل يدخل علي

مثل فانوس أصم

 2

لو كنت مؤمناً بالله لاسترحت

ورميت مصائبي إليه

لو كنت مؤمناً به

لاختنقت بالحياة

3

الصلاة

عراك بين المخلوق وخالقه

عراك جسدين على سرير

4

حياة

لا فرق فيها

بين شيخ وقواد

بين شاعر وغابة

5

أعيش

لأنني لا أحب القتل

ولأنني أستطيع أن أموت في كل لحظة

 

 

حوار: نضال بشارة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...