سنة ثامنة على حكم إسلاميي العراق

13-06-2011

سنة ثامنة على حكم إسلاميي العراق

ها نحن ندخل العام الثامن من حكم تحالف إسلاميي العراق مع الأحزاب الكردية حيث وُضعت القوانين ومصالح المواطنين على الرف وحلّت محلها (الصفقات السياسية)، فأصبح السياسيون تجاراً والبضاعة هي حقوق المواطنين ومستقبل بلادهم! وإذا كانت أخبار الفساد والاضطهاد في إقليم كردستان كثيرة ومعروفة، فماذا قدمت الأحزاب الدينية للعراقيين؟ وكيف تجسّدت إسلاميتهم عبر تلك الأعوام المحتشدة بالأحداث؟

لقد استلمت هذه الأحزابُ الدولةَ في ظروف صعبة، ظروف انهيار الديكتاتورية التي تركت العراق حطاماً، ثم الاحتلال والإرهاب والمصادمات الدامية. لكن أيضاً كان كابوس الديكتاتورية قد انتهى واندفع ملايين العراقيين بزخم عال نحو تحقيق الحرية والعدالة، ذلك الأمل الكبير الذي طال انتظاره.

كان ذلك الزخم فرصة للإسلاميين لتجاوز الصعوبات والبدء بإنشاء دولة العدالة، لكن ما حدث هو العكس، فسرعان ما تحرك شيطان التسلط واستغلال النفوذ في رؤوس القادة محوّلين التأييد الشعبي ورقةَ مساومة مع الأحزاب الأخرى المنافسة لتكريس مبدأ المحاصصة السيئ الصيت. فبدأ تقاسم «الغنيمة» علانية، وهكذا تمّت خيانة أمانة المسؤولية، وكأن نهب المال العام هو المبدأ الأساسي في «إسلاميتهم»، فحلّت الأكاذيب الإعلامية محل المبادئ والوعود!

وها نحن ندخل العام الثامن مع تصاعد الفضائح التي تزكم الأنواف، فقادة «حزب الدعوة» تلاعبوا بقوت الشعب، فبدل استيراد أفضل الأنواع للحصة التموينية بمليارات النفط، استوردوا المواد السيئة والتالفة للمواطنين الذين انتخبوهم، فأين هي الأمانة إذاً؟ وأين هي ادعاءات من يصلّي خمس مرات يومياً؟ وأي خليفة أو إمام فعل ما فعلتم؟

بعد سقوط النظام، أول مفارقة واجهت الاسلاميين كانت انكشاف جهلهم في إدارة شؤون الدولة، وقد اعترفوا بهذه الحقيقة مراراً، ليس لتداركها بل لتبرير فشلهم. فخلال ثلاثين سنة من المعارضة والمنافي كانوا على قطيعة مع المعرفة، لأن المعرفة تُحرّك العقل والأسئلة، بينما «المتدين» الذين يخفي تناقضاته تحت عباءة «التقوى» يميل عادة الى القناعات الجاهزة، في حين تبيح له غرائزيته أن يفعل ما هو متاح حتى لو تناقض مع مبادئه، لأنه يعوّل على «مغفرة الله الواسعة»! لقد تخلوا عن المعرفة واكتفوا بالتحريض والشكوى والتظلّم.

لم يسمح تسارع الاحداث للاسلاميين بتدارك جهلهم فاعتمدوا على البعثيين. وعندما تسألهم لماذا تستبعدون الكفاءات النزيهة وتعتمدون على جلادي البارحة، الجواب هو: جميع الأحزاب استعانت بالبعثيين! وعن شيوع الفساد الجواب هو: الفساد موجود في كل مكان! وهذه أعذار أسوأ من الأفعال. فقد كان في وسعها الاعتماد على الكفاءات العلمية والإدارية من المستقلين. لكنهم وعن قصد مسبق استعانوا بالبعثيين لأن هؤلاء بحاجة الى جهات متنفذة تحميهم، فاستخدمهم الإسلاميون لتنفيذ مآربهم: الاستفراد بالسلطة ونهب أموال الدولة وهي أموال الأرامل والأيتام والعاطلين من العمل، مرددين «الفساد موجود في كل مكان». لكن الحقيقة تقول: الفساد موجود في مكان واحد فقط، هو ضمائر الفاسدين.

وهكذا طاول الفساد كلَّ شيء، فتتالت الفضائح وآخرها تهريب الإرهابيين من السجون بمساعدة مستشارين أمنيين في مكتب رئيس الوزراء وفق لجنة الأمن في البرلمان. لقد وصلت الفضيلة بهؤلاء «الاسلاميين» إلى سرقة حتى الكومبيوترات التي أهدتها بعض الدول الى أطفال العراق!

في انتخابات 2005 تحالفت هذه الأحزاب مع بعضها بعضاً ففازت في الانتخابات لكنها لم تفِ بالوعود، وسرعان ما تفكك ذلك التحالف لأنه كان مغشوشاً، فازدادت الأزمات وأولها التدهور الأمني، إذ ازداد عدد الأرامل والأيتام جراء تزايد العمليات الإرهابية، وأصبحنا مع إعلام رسمي يعتمد الكذب في شكل ممنهج، لنتذكر ما قالوه عن مشروع مدينة التاجي ثم أكذوبة زراعة 15 مليون شجرة لتدارك تدهور البيئة والعواصف الترابية التي تنغص حياة العراقيين، ثم الوعود الكاذبة بحل أزمة السكن، والكاذبة دائماً بحل أزمة الكهرباء، والكذبة المستمرة بتطوير الصناعة والزراعة، وهناك من يتحدث عن أربعين مليار دولار مفقودة، وهي مخصصة لمشاريع اقتصادية وعمرانية ظلت حبراً على ورق، بينما ذهبت المليارات الى جيوب المسؤولين، وذلك وفقاً لبدعة «المشاريع الوهمية» التي أتحفتنا بها الأحزاب الاسلامية!

ونتيجة كل ذلك اجتاحت بغداد الشتاء الماضي، موجة احتجاجات صاخبة، وبزخم من الثورات العربية التي اسقطت أنظمة فاسدة، عمّت حالة الاحتجاج مدن العراق فسقط شهداء وجرحى ومعتقلين تعرضوا للتعذيب والإهانة، فبدا القلق واضحاً على تصريحات المسؤولين. ففي تلك الأيام المتوترة حذر جلال الدين الصغير من «خطورة تكرار أحداث مصر في العراق»، وهذه العبارة كشفت عن مخاوف حقيقية واعتراف صريح بتشابه النظامين الفاسدين. ونقلت عنه جريدة «البيّنة» في 10 شباط (فبراير) الماضي أن «أموالاً كبيرة أعطيت للوزارات ولكن يتم التلاعب بهذه الأموال... وفي الملف الخدمي وبخاصة الكهرباء يقوم بعض المسؤولين بتقديم معلومات خاطئة ومضللة للشعب». لكن تصريح إبراهيم الجعفري بدا أكثر بؤساً من المتوقع: «الشعب يريد تغييراً في النظام، وإننا معه إذا أراد تغيير النظام أو البرلمان»!

والسؤال للجعفري: ألست أنت أحد أقطاب النظام والمستفيدين منه، وإذا كان الشعب يريد إزاحتكم، فكيف تكونون معه؟ هل وصلت الاستهانة بعقول العراقيين إلى هذا المستوى؟ لكن عزة الشابندر كان أكثر تعبيراً عن سايكولوجيا الفاشلين بقوله «إن الخضوع أمام موجة التظاهرات سيدفع البلاد إلى الهاوية، وإن الاستسلام لكل رغبات الشارع هو من أشكال ضعف القيادة» (البيّنة، 2 آذار/مارس الماضي). وهنا نقع على خطاب استبدادي خالص، فقيام الدولة بواجباتها الخدمية يصبح خنوعاً وخضوعاً! وإنقاذ العراقيين من الجحيم الذي وضعته فيه الأحزاب الدينية، يصبح استسلاماً لرغبات الشارع! والبديل هو استمرار القمع والكذب والفساد كي يستمر السياسيون الفاشلون في مناصبهم وامتيازاتهم وتصريحاتهم البائسة.

في بغداد والنجف وكربلاء ما زال بعض العراقيين يكسبون قوت يومهم من مزابل المدن، بينما أصبح قادة الحركات الإسلامية تجاراً وأصحاب عقارات في لندن وغيرها، والسؤال هو: هل يدفع هؤلاء الإسلاميون الخُمس والزكاة عن أموال السحت الحرام.

كريم عبد

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...