سورية في تصريحات كوشنير وأزمة السياسة الفرنسية المزدوجة في المنطقة

15-09-2007

سورية في تصريحات كوشنير وأزمة السياسة الفرنسية المزدوجة في المنطقة

الجمل:     تناقلت وكالات الأنباء المقروءة والمسموعة تصريحات وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير المتعلقة بلبنان وسورية، وعلى وجه الخصوص تصريحه الذي قال فيه: (ظللنا نقول بشكل دائم بأنه إذا توقفت سورية عن وضع العراقيل في وجه سيادة لبنان والانتخابات الرئاسية اللبنانية المفترض إجراؤها بين 24 أيلول و24 تشرين الثاني فإن انفتاح فرنسا على دمشق سوف يكون كبيراً، ولكي يحدث ذلك فنحن نحتاج إلى الضمانات).

·       أزمة السياسة الخارجية الفرنسية في الشرق الأوسط:

تراجع دور السياسة الخارجية الفرنسية في الشرق الأوسط، لم يكن مصادفة، بل كان ظاهرة دولية ترتبط بـ(وزن) فرنسا كقوة دولية كبرى، ولم يكن التراجع الفرنسي حصراً في منطقة الشرق الأوسط، وإنما كان في الكثير من مناطق وأقاليم العالم الأخرى، وعلى وجه الخصوص دول غرب افريقيا: السنغال، ساحل العاج، تشاد، وافريقيا الوسطى.. وغيرها.

فرض النفوذ الخارجي يعتمد على القوة، وعندما تضعف القوة يتراجع النفوذ، وبالتالي عندما أصبحت فرنسا (لاحول لها ولا قوة) في مواجهة القوة الأمريكية وتأثيرها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط، فقد تراجعت دوائر النفوذ الفرنسي، ولم تستطع فرنسا تقديم شيء لحلفيها صدام حسين، وأيضاً لحليفتها إيران، والشيء نفسه حدث في ساحل العاج والكونغو ورواندا وغيرها من الدول الافريقية التي لم تكن حليفة لفرنسا فقط، بل وظلت تعمل كـ(قواعد عسكرية فرنسية)، وهكذا فقد تراجع النفوذ الفرنسي بسبب تراجع قوة فرنسا، الأمر الذي ترتب عليه عدم كفاءة وفعالية السياسة الخارجية الفرنسية في معالجة القضايا الإقليمية والدولية.

·       ساركوزي ومحاولة (ترتيق وترميم) السياسة الخارجية الفرنسية:

يقول موقع سيكوريتي سيستم نيتويرك الاستخباري السويسري في التحليل الذي نشره حول توجهات ساركوزي الرامية إلى انتهاج مسار جديد في السياسة الخارجية الفرنسية، ضمن سياق عمل السياسة الخارجية الأوروبية، والسياسة الخارجية الأمريكية.

وبكلمات أخرى: التدقيق في هذا التوجه الجديد يشير بوضوح إلى أن ساركوزي يسعى إلى استبدال (استقلالية السياسة الخارجية الفرنسية)، وإدراجها بالكامل ضمن مسار السياسة الخارجية الأمريكية، والسياسة الأوروبية الغربية التي على ما يبدو قد أصبحت سياسة خارجية أمريكية في كافة توجهاتها الإقليمية، وعلى وجه الخصوص التوجهات الأوروبية تجاه منطقة الشرق الأوسط والصراع العربي- الإسرائيلي، وقد بدا هذا واضحاً بقدر أكبر من لحظة قيام قوات الناتو بخوض حرب (وكالة) نيابة عن أمريكا في أفغانستان.

وعلى ما يبدو أيضاً فإن نظام العمل بـ(الوكالة) عن أمريكا سوف لن يقتصر على الجانب العسكري، وإنما  أصبح ممتداً وانتقلت عدواه إلى مجال السياسة الخارجية.

·       كوشنير وتصريحاته (غير المدروسة جيداً) إزاء سورية:

قد تبدو للبعض تصريحات كوشنير واعدة بـ(الأمل والتعاون) من جراء (الانفتاح) الذي سوف يتحقق.. ولكن قبل إصدار حكم (قيمي) على تصريح كوشنير الأخير، من الممكن أن نلقي نظرة سريعة على معطيات خبرة (التصريحات) الأمريكية والفرنسية خلال الأعوام القليلة الماضية.

-         عند اغتيال الحريري طالب الأمريكيون ومن ورائهم الفرنسيون سورية بـ(احترام سيادة واستقلال لبنان) و(الخروج من لبنان).

-         عندما خرجت سورية من لبنان، طالب الأمريكيون ومن ورائهم الفرنسيون سوريا بـ(احترام سيادة واستقلال لبنان) و(عدم القيام بدعم وتسليح حزب الله).

-         عندما أصدروا قرار المحكمة الدولية طالب الأمريكيون والفرنسيون سورية بـ(احترام سيادة واستقلال لبنان) و(التعاون مع المحكمة الدولية).

-         عندما تزايدت المعارضة السياسية لحكومة السنيورة طالب الأمريكيون ومن ورائهم الفرنسيون سورية بـ(احترام سيادة واستقلال لبنان و(عدم السعي لتقويض حكومة السنيورة).

وأصبح واضحاً أن مطالبة سورية باحترام استقلال وسيادة لبنان أصبحت مكوناً أساسياً في كل من التصريحات الأمريكية والفرنسية إزاء لبنان. وبكلمات  أخرى: تمثل هذه العبارة (الجانب الثابت) في التصريحات والذي يليه الجانب المتغير.. والذي في كل حالة وكل موقف يأخذ طابعاً مختلفاً.

التحليل الشكلي المنطقي لتصريح كوشنير الأخير يأتي ضمن البناء الشكلي البسيط الذي ظل ثابتاً في تصريحات الخارجية الأمريكية ومن ورائها الخارجية الفرنسية، وأيضاً في تصريحات البيت الأبيض ومن ورائه قصر الاليزيه.

·       مصداقية تصريح كوشنير الأخير وإشكالية (الظاهر) و(الباطن):

بالدخول مباشرة في الموضوع: تريد أمريكا وإسرائيل، ومن ورائهما فرنسا، تنصيب رئيس للبنان تنسجم توجهاته مع توجهات قوى 14 آذار وحكومة السنيورة، وذلك حتى ينسجم أداء (فريق العلم) الأمريكي- الإسرائيلي- الفرنسي- اللبناني، الذي يقوم بدور الوكيل في تمرير المشروع الأمريكي- الإسرائيلي في المنطقة، وذلك تمهيداً لتمرير أجندة جديدة أخرى، وتعزيز الأجندة والملفات الجارية، والتي من أبرزها: ملف المحكمة الدولية، ملف أسلحة حزب الله، ملف الحدود السورية- اللبنانية، وغيرها.

وتريد فرنسا استخدام سورية( تحت بريق الوعد بالانفتاح) في الضغط على المعارضة اللبنانية للقبول بالرئيس المطلوب بحسب مواصفات قوى 14 آذار وحكومة السنيورة. وبعد أن يتم اختيار الرئيس المطلوب، واكتمال بناء (فريق العمل).. تكون (عدة الشغل) المطلوبة قد اكتملت، ثم بعد ذلك تبدأ مرحلة جديدة، عن طريق (الانقلاب) على الشطر الثاني من تصريح كوشنير القائل بـ(الانفتاح الفرنسي الكبير على سورية) باستخدام الشطر الأول الذي أشار إلى شرط (احترام سيادة واستقلال لبنان)، تماماً كما حدث في التصريحات الماضية.

·       السياسة الخارجية الفرنسية وأزمة إدراك الأزمة:

أزمة اختيار الرئيس اللبناني هي أمر يرتبط بالأزمة السياسية اللبنانية التي سببتها توجهات السياسة الخارجية الأمريكية والسياسة الخارجية الفرنسية إزاء لبنان، وزاد من وطأتها العدوان الإسرائيلي ضد لبنان في حرب الصيف الماضي.

وبرغم وضوح هذه الحقائق ومعطياتها، فإن دوائر صنع واتخاذ القرار في السياسة الخارجية الفرنسية، قد وقعت بوضوح في أزمة مزدوجة تتضمن:

-         إدماج السياسة الخارجية الفرنسية ضمن السياسة الخارجية الأمريكية، والتي هي بالأساس سياسة غير مستقلة، بل تقوم على المشروع الإسرائيلي في المنطقة.

-         محاولة فرض الحلول الفوقية على توجهات اللبنانيين السياسية على غرار ما كان يحدث في الماضي، وهو أمر تجاوزته قطاعات واسعة من الشعب اللبناني، بما في ذلك الرأي العام الماروني حليف فرنسا الرئيسي في لبنان، وثمة دليل بارز على ذلك في نتائج انتخابات الـ(متن).

وعموماً، يحاول كوشنير إغراء سورية بالوعود من أجل الحصول على دعمها، وذلك حتى لا يتهم الإسرائيليون والأمريكيون ساركوزي وكوشنير بالفشل في القيام بـ(دورهم) المرسوم في لبنان، خاصة وأن خارطة توزيع الأدوار بين واشنطن- تل أبيب- باريس، تشير إلى أن تل أبيب مشغولة بالفلسطينيين، وواشنطن مشغولة بالعراق، ومن ثم فعلى فرنسا تقديم المساعدة في لبنان.

يقال ان هناك علاقة بين حجم الطاقية وحجم من يلبسها، وعلى ما يبدو فإن كوشنير وزير الخارجية الفرنسي يحاول إكمال وإنجاز مهمته عن طريق تقديم الوعود لسورية.. ولكنه أخطأ خطأ فادحاً عندما استخدم عبارة (احترام سيادة واستقلال لبنان)، وهي العبارة التي أظهرت تماماً أن طاقية سورية سوف تظل غير متناسبة مع رأس كوشنير وغيره من الرؤوس الأخرى التي تنظر إلى الشرق الأوسط بالعيون الإسرائيلية.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...