من العراق إلى سوريا: أسلحة الدمار الإعلامي

18-05-2013

من العراق إلى سوريا: أسلحة الدمار الإعلامي

الجمل: "فير"- ترجمة: د. مالك سلمان:

أثناء التحضيرات للحرب على العراق, عملت "نيويورك تايمز" على تضخيم المزاعم الرسمية حول أسلحة الدمار الشامل. وإذا نظرنا إلى تغطية هذه الصحيفة لمزاعم استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية, نتبين بعضاً من نفس النماذج: الاعتماد الزائد على المصادر الرسمية والتقليل من شأن التحليل النقدي أو المشكك في المعلومات الاستخباراتية المتوفرة.
ففي مقالة "سوريا تواجه مزاعمَ جديدة حول الأسلحة الكيماوية", قالت الصحيفة للقراء إنه تبعاً لدبلوماسيين مجهولين, بعثت بريطانيا وفرنسا رسائلَ إلى الأمم المتحدة حول "دلائلَ قوية" ضد سوريا بخصوص استخدام الأسلحة الكيماوية. وفي 24 نيسان/إبريل, ذكرت "التايمز" أن لدى إسرائيل "دلائل تشير إلى استخدام الحكومة السورية المتكرر للأسلحة الكيماوية الشهر الماضي."
وفي اليوم التالي (25/4/2013), ذكرت "التايمز" أنه تبعاً ﻠ "مسؤول رفيع" لم تذكر اسمَه, فإن البيت الأبيض "يؤيد شكوك العديد من حلفائه بأن الحكومة السورية قد استخدمت الأسلحة الكيماوية". وتحدثت المقالة عن "الضغط المتزايد لاتخاذ إجراءات ضد سوريا," مضيفة أن "بعض المحللين يقولون إنهم قلقون من أن انتظارَ الولايات المتحدة لوقت طويل سيشجع الرئيس بشار الأسد."
وبعد ذلك في 26 نيسان/إبريل, وتحت عنوان "البيت الأبيض يقول إن سوريا استخدمت الأسلحة الكيماوية", ذكرت "التايمز":
"قال البيت الأبيض, في رسالة إلى أعضاء الكونغرس البارزين, إن الاستخبارات الأمريكية قيمت ‘بدرجات متفاوتة من الثقة’ أن حكومة الرئيس بشار الأسد قد استخدمت العامل الكيماوي السارين على نطاق محدود.
وأتت القصة على مصدر, السناتورة دايان فاينشتاين (ديمقراطية عن كاليفورنيا), يمثل الاستخبارات ويتحدث بلغة أكثر تأكيداً: فقد ‘قالت إن الوكالات قد عبرت عن ثقة أكبر حول استخدام الأسلحة الكيماوية مما أشار إليه البيت الأبيض في رسالته.’"
وقد حذر تقرير نشرته "التايمز" في 27 نيسان/إبريل حول مخاطر الانتظار لوقت طويل في التصرف حيال التهم القائلة إن سوريا قد استخدمت الأسلحة الكيماوية:
"إذا انتظر الرئيس الدلائلَ التفصيلية الدقيقة, يمكن لعدد ضحايا الأسلحة الكيماوية الذين يبلغون العشرات – في حرب راح ضحيتها أكثر من 70,000 شخصاً – أن يتضاعف."
وفي الأيام التالية, تم تقديم الاتهامات باستخدام الأسلحة الكيماوية بشكل غير نقدي بمثابة مقدمة للقصص السياسية: التساؤل عن الطريقة التي سيتبعها البيت الأبيض في "التعاطي مع الدلائل المتزايدة حول استخدام المسؤولين السوريين للأسلحة الكيماوية" (28/4/2013), أو الإشارة إلى هجوم الجمهوريين على البيت الأبيض بعد "الشكوك الأسبوع الماضي بأن الرئيس السوري بشار الأسد قد استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه" (29/4/2013).
وفي 5 أيار/مايو, كانت "التايمز" تحلل النتائج السياسية مرة أخرى:
"بعد مواجهته بالدليل على استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا, يجد الرئيس أوباما نفسه في صندوق جيوسياسي, مما يهدد مصداقيته ويضعه أمام خيارات جيدة قليلة ومحبطة."
وفي 5 أيار/مايو, حصلت نقلة غير عادية: ادعت كارلا ديل بونتي, العضو في فريق الأمم المتحدة الذي يحقق في انتهاكات حقوق الإنسان في الحرب الأهلية السورية, بأن الأمم المتحدة قد جمعت أدلة تفيد أن الأسلحة الكيماوية قد استخدمت في سوريا من قبل المتمردين, وليس من قبل الحكومة.
وبعد عرض تقرير لوكالة "رويترز" في 6 أيار/مايو, نشرت "التايمز" مقالتها الخاصة بها في 7 أيار/مايو, وهي عبارة عن تقرير تحدث عن "أسئلة جديدة حول استخدام الأسلحة الكيماوية". لكن التركيز كان حول الرد على الاتهامات: فقد ذكرت الصحيفة أن البيت الأبيض "ألقى بظلال الشك حول تأكيد مسؤولة الأمم المتحدة بأن المتمردين السوريين ... قد استخدموا غاز الأعصاب السارين." وتضمن التقرير ثلاثة مصادرَ أمريكية – ذكر واحد منها فقط – شككت في مزاعم ديل بونتي.
وتابعت المقالة في اللعب على نفس النغمة السابقة بأن البيت الأبيض يدرس خيارات أخرى مبنية على "استنتاجاته الخاصة التي تقول بوجود احتمال قوي باستخدام حكومة الأسد الأسلحة الكيماوية ضد مواطنيها."
ولكن خارج "نيويورك تايمز", كانت الشكوك حول الدلائل التي تشير إلى استخدام سوريا للغاز السام واضحة منذ البداية. فقد أشار جوناثان لاندي, على موقع "مكلاتشي", (26/4/2013) إلى أن أحد المصادر وصفَ المعلومات الاستخباراتية الأمريكية بأنها "معلومات محدودة ومتناهية في الصغر" وتتمتع بمصداقية "قليلة إلى معتدلة".

وأشار تقرير "غلوبل بوست" (30 نيسان) إلى أن "عبوة فارغة" وجدت في مكان الهجوم "والأعراض التي ظهرت على الضحايا لا تتطابق مع سلاح كيماوي مثل غاز السارين." كما أشار تقرير لاحق أعده "غلوبل بوست" (5/5/2013) إلى أن عينات الدم التي تم فحصها في تركيا لم تقدم أي دليل على التعرض لغاز السارين.
سافر مراسل "إن بي سي" ريتشارد إنغل (8/5/2013) إلى سوريا برفقة قوات المتمردين لفحص دلائلَ قاموا بجمعها. وقد بدا أنه يتفق مع تقارير "غلوبل بوست" التي تقول إن التعرض الكيماوي يمكن أن يكون نتيجة نوع من الغاز المسيل للدموع.
وفي 7 أيار/مايو, نشر موقع "مكلاتشي" تقريراً يقول إن التهمة ضعيفة جداً, مشيراً إلى عدم ظهور أي دليل ملموس, مما أدى إلى نفي أو رفض بعض الاتهامات التي أبرزتها العناوين الرئيسية. ويعترف المسؤولون في كافة أنحاء العالم الآن أن الاتهامات كلها لا ترتقي إلى مستوى الدليل. حيث أن الدلائل المتوفرة تلقي الشك على مزاعم استخدام الأسلحة الكيماوية أكثرَ مما تساعد في بناء قضية قائمة على استخدام أي من طرفي النزاع لهذه الأسلحة.
من الواضح أن "التايمز" قد روجت لقصة تتعامل مع مزاعم الأسلحة الكيماوية بتأكيد أكبر مما يدل عليه الواقع, كما تجاهلت بشكل شبه كامل المعطيات اللاحقة حول هذه الأدلة.
وفي عمود حديث (5/5/2013) قالت المحررة العامة لصحيفة "تايمز", مارغريت سَليفان, إن الصحيفة لا تزال تواجه مشاكلَ متعلقة بمصداقيتها نتيجة تقاريرها حول أسلحة الدمار الشامل العراقية قبل 10 سنوات. وقد طالبت "تايمز" "بتقاريرَ أكثر دقة وحذراً" من الآن فصاعداً, وقالت سَليفان إن "التايمز" قد اتخذت إجراءات هامة" في ذلك الاتجاه.
ولكن هل يدل تعاطي هذه الصحيفة مع قصص الأسلحة الكيماوية السورية على أنها قد تعلمت الدروس؟ أم هل أنها تكرر الأخطاءَ نفسَها؟

تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 15 أيار/مايو 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...