هل تسمح الدولة المدنية بتطبيق الشريعة؟

14-06-2011

هل تسمح الدولة المدنية بتطبيق الشريعة؟

اذا كنت مصريا ومهتما بمستقبل بلادك، فقد أصبح أمامك اختياران لا ثالث لهما:
إما أن تؤيد الاخوان المسلمين والسلفيين وتساعدهم على الوصول الى حكم مصر، وإما (اذا اختلفت معهم) أن تتحمل اتهامك بالعلمانية والعداء للإسلام... السيد صبحي صالح القيادي الاخواني أكد من قبل، أنه «لا يوجد مسلم ليبرالي أو مسلم يساري بل يوجد فقط مسلم وكافر». معنى ذلك أن الاسلام لا يمثله الا فكر الاخوان وكل من يخالفه كافر.. أما الشيخ المحلاوي فقد أعلن بوضوح أن «من يطالبون بالدولة المدنية في مصر كفرة وعبدة الطاغوت».. لا أكثر ولا أقل. حكم التكفير في الاسلام خطير وتبعاته جسيمة، حتى قيل انه لوكان هناك مئة سبب لتكفير المسلم وسبب واحد لاعتباره مؤمنا، فإن الاسلام يعتبره مؤمنا ويمتنع عن تكفيره. وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر، فقال: «أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه».
بالرغم من ذلك فإنه لا يمر أسبوع إلا ونقرأ تصريحا لأحد السلفيين أو الاخوان يتهم فيه المختلفين معهم بالكفر. المشكلة أن موجة التكفير لا تقف عند القياديين الاسلاميين بل تتعداهم الى خطباء المساجد، وقد تلقيت رسائل عديدة من قراء يحكون أن خطيب المسجد ينفق خطبته كلها في الهجوم على المطالبين بالدولة المدنية ويتهمهم بالعلمانية والإلحاد.. نحن إذاً أمام قوة سياسية تستغل مشاعر الناس الدينية، وتعتبر كل شيء مباحا من أجل هزيمة خصومها السياسيين والوصول الى السلطة، حتى ولو أدى ذلك الى تكفير المسلمين. هذا السلوك ذاته حدث في الاستفتاء الأخير الذي أجري أساسا على تعديل بعض مواد الدستور القديم ولم يكن من بينها المادة الثانية التي تنص على إسلام الدولة. لكن بعض الإسلاميين وزعوا منشورات تدعو المسلمين الى الموافقة على التعديلات لأن رفضها يؤدي الى ضياع الهوية الاسلامية ومنع الأذان والحجاب والسماح للشواذ بالزواج من بعضهم البعض (!). الى هذا الحد يمكن لشهوة الحكم أن تدفع بعض الناس الى تضليل الرأي العام باسم الدين.. الغريب أن هذه الحملة الرهيبة لتكفير المطالبين بالدولة المدنية تخلط ـ عمدا أو جهلا ـ بين مفاهيم سياسية مختلفة تماما. ولعله من المفيد هنا أن نراجع بعض التعريفات:

الدولة المدنية الديموقراطية
هي الدولة التي تكون فيه السيادة للشعب والسلطة للأمة. دولة القانون والمؤسسات التي يستوي فيها المواطنون جميعا أمام القانون بغض النظر عن أديانهم.

الدولة الدينية
هي الدولة التي يتولى فيها الحاكم السلطة باسم الدين لا باسم الشعب. وقد عرف التاريخ الانساني نوعين من الدولة الدينية: الدولة الثيوقراطية التي يعتبر فيها الحاكم نفسه ظل الله على الأرض فهو يحكم بالحق الالهي ولا يحق لأحد أن يحاسبه أو يعزله.
ودولة رجال الدين حيث يتحالف الحاكم معهم، ليحكم باسم الدين، وهو يعتبر كل من يعارضه خارجا على الدين. لم يعرف التاريخ دولة دينية عادلة أو رشيدة بل اقترنت الدولة الدينية دائما بالظلم والاستبداد... ويكفى أن نقارن أية دولة ديموقراطية في أيامنا هذه بدول مثل السعودية وإيران والسودان، لندرك خطورة الدولة الدينية ونتائجها السلبية على حرية الناس وإرادتهم.

العلمانية
حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الأرضية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الدينية. وهي تقوم على فكرة الاستبدال. تستبدل العالم الذي نعيشه بالعالم الآخر وتستبدل الواقع بالغيب والدنيا بالدين. وبالتالي فإن العلمانية فعلا حركة معادية للأديان جميعا...

الليبرالية
مذهب اسمه مشتق من لفظ LIBER وهي كلمة لاتينية تعني الحر... فالليبرالية حركة وعي اجتماعي سياسي داخــل المـجتمع، تهدف لتحرير الإنسان من القيود التي تقيد حريته أو قدراته. وهي تقوم على احترام استقلال الفرد والحريات السياسية والمدنية. على أن تحرر الليبرالية ليس مطلقا ولكنه مقـيد بالقوانــين التي تخــتلف وفقا للأخلاق والقيم من مجتمع الى آخر. أما الليــبرالية الاقتصادية فهي تتبنى فكرة الاقتصاد الحر الذي يمنع تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية ويترك السوق ليضبط نفسه بنفسه، وإن كان بعض المفكرين قد تحدثوا عن الليبرالية الاجتـماعية التي تؤيد تدخــل الدولة في الاقتصاد وتتخذ موقفا وسطا بين الرأسمالية المطــلقة والاشــتراكية، حيث تسعى لتحقيق موازنة بين الحرية والمساواة، وتحرص على تأهيل الناس للعمل كما تهتم بالخدمات الاجتماعية مثل التعليم والضمان الصحي.

اللادينية
هي اتجاه فكري يرفض مرجعية الدين في حياة الإنسان، ويرى أن النص الديني هو مجرد نص بشري محض، لا ينطوي على قداسة خاصة ولا يعبر عن الحقيقة المطلقة.
إذا قرأنا هذه التعريفات التي تحمل معاني مختلفة سوف ندرك مدى عشوائية المعركة السياسية الدائرة في مصر التي يتم فيها خلط الأوراق من أجل ابتزاز مشاعر البسطاء الدينية حتى يصل بعض الاسلاميين الى السلطة. إن تقسيم الناس الى اسلاميين وعلمانيين هو تصنيف جائر وخاطئ الى أبعد حد. فالذين يختلفون مع أفكار الاسلاميين ليسوا ضد الاسلام نفسه... المطالبون بالدولة المدنية ليسوا بالضرورة علمانيين أو لا دينيين بل قد يكونون مسلمين أتقياء حريـصين على دينهم، لكنهم يرفضون أن يستعمل الدين كغطاء لحكم استــبدادي عـادة ما يكون قمعيا وظالما. والحق أن نضال الشعب المصري منذ مطلع القرن العشرين كان دائما من أجل اقامة دولة مـدنية ديموقراطية. وإذا استثــنينا مشروع الاخوان المسلمين فإن مصر طيلة تاريخها الحديث لم تسمع عن الدولة الدينية الا في أواخر السبعينيات، عندما وصــل اليها لأول مرة الفكر الوهابي المدعوم بأموال النفط. ولو وافقنا الشيخ المــحلاوي على تكفير المطالبين بدولة مدنية، فمعنى ذلك أن سعد زغلول ومصطفى النحاس وجمال عبد الناصر وأنور السادات وغيرهــم من زعماء مصر كانوا كفارا. لأنهم جميعا وبلا استثناء واحد نادوا بفصل الدين عن السياسة. الدولة المدنية الديموقراطية إذاًَ ليست علمانـية وليست لا دينية بل هي تقف على مسافة واحدة من الأديان جمـيعا وتحترم مواطنيها جميعا بالقدر نفسه. وقد استحدث الاخوان شعارا جديدا، فهم ينادون الآن بدولة مدنية ذات مرجعية اسلامية. وهذا كلام غريب فلا توجد أبدا دولة مدنية بمرجعية دينية. ما المقصود بالضبط بالمرجعية الاسلامية؟ إذا كان المقصود بها مبادئ الاسلام، مثل العدل والحرية والمساواة، فهذه هي الأسس التي تنهض عليها الدولة المدنية، وبالتالي فهي لا تحتاج الى مرجعيات اضافية. أما اذا كان المقصود بالمرجعية الاسلامية، وضع أسس مقدسة غير قابلة للنقاش، وفرضها على الناس باسم الدين، فإننا نكون إزاء الدولة الدينية الاستبدادية وإن تغيرت التسمية.

السؤال الآن: هل يمكن تطبيق الشريعة في دولة مدنية ديموقراطية؟ الاجابة نعم بالتأكيد، ولكن على أن يتم ذلك باختيار الشعب وإرادته الحرة... فإذا كان هناك حزب سياسي اسلامي يعتبر أن القانون المصري غير مطابق لمبادئ الشريعة، فمن حقه أن يسعى الى تطبيق ما يراه صحيحا، وعليه عندئذ أن يدعو بوضوح الى برنامج انتخابي يشرح فيه القوانين التي سيسنها من أجل تطبيق الشريعة، فإذا حصل هذا الحزب على غالبية الأصوات في انتخابات نزيهة يكون من حقه أن يطبق البرنامج الذى انتخبه الناس من أجله... أما أن يتولى الحزب الاسلامي الحكم، ثم يعتبر أن تطبيق الدين (وفقا لمفهومه) أمر واجب لا يجب أن يستشار فيه الناس، بل يجب أن يفرض عليهم، فنحن مرة أخرى أمام حكم قمعي يستعمل الدين كغطاء للاستبداد...
قد يقول قائــل إن النتيجة واحدة في الحالتين.. الا أن الاختلاف في الطريقة مهم وفارق فعندما تحــتكم الى ارادة الشعب يكون تطبيق القانون شرعيا لأنه تم باختيار الناس وإرادتهم.. أماذا فرضت عليهم ما تعتقد أنه صواب فإنك تعتدي على حقهم في اخــتيار ما يريدونه لحياتهم من قوانين ومبادئ. كما أن فرض حكم الدين يختلف باختلاف عقلية من يفرضه.. فمفهوم تطبيق الشريعة عند مفكرين مستنيرين مثل طارق البشري وأحمد كمال أبو المجد مختلف بالتأكيد عنه عند مشايخ السلفية.. فالشيخ أبو اسحق الحويني مثلا يرى أن الدراسة في كلية الحقوق حرام، ويعتبر أن كل الطالبات في جامعات مصر آثمات لأنهن يدرسن مع زملائهن الذكور في المدرجات نفسها، وهو يؤكد أن العلوم الشرعية انما خلقت للرجال فقط دون النسـاء، فالمرأة في رأي فضيلته مهما تلقت من علم ستظل دائما مقلدة وعامية. أما مشكلة مصر الاقتصادية فإن الشيخ الحويني يقدم لها حلا ممتازا، يتلخص في أن تدعو مصر دولة أجنبية غير مسلمة (السويد مثلا) الى دخول الاسلام. فإذا رفضت حكومة السويد الإسلام أعلنت مصر عليها الجهاد، فإذا انتصرت مصر على السويد وغزتها واحتلتها، فإنها تخير السويديين بين الدخول في الاسلام ودفع الجزية. ولا شك في أن الجزية المفروضة على السويد ستنعش الاقتصاد المصري. أما اذا رفض العدو السويدي دخول الاسلام أو دفع الجزية يكون من حقنا أن نتخذ من السويدين عبيدا وجواري.. العبد السويدي يساعدنا في أعمالنا مقابل توفير أكله وكسوته.. أما النساء السويديات (المشهورات بالجمال) فمن حق السيد المصري أن يتخذ منهن الجواري، ومن حق المصري أن يمارس مع جاريته السويدية العلاقة الزوجية بدون عقد أو شهود لأنها تكون ملك يمينه، أما اذا فاضت جاريته عن حاجته أو مل منها فله عندئذ أن يبيعها في سوق النخاسة فتتحسن أحواله الاقتصادية. هذه الآراء المدهشة للشيخ الحويني مسجلة بالصوت والصورة... ماذا نتوقع من رجل بهذه العقلية اذا تولى حكم مصر وفرض علينا رؤيته للدين؟
لقد قامت الثورة المــصرية من أجل تحرير المصريين من الاستبداد والقهر، ولن يقــبل المصــريون أبدا أن يستــبدلوا بالاستــبداد السياسي استبدادا دينيا. اذا أراد الاسلاميون أن يطبقوا مشروعهم السياسي فعليهم أن يعرضوه على الشعب المصري صاحب السيادة المطلقة في النظام الديموقراطي. فاذا اخــتار الناخــبون برنامج الاسلاميين ليس من حق أحد أن يعترض، لأنها ارادة الشعب، أما اذا رفضوه فليس من حق أحـد أن يفرضه عليهـم مهما تكن الأسباب والمبررات.
الديموقراطية هي الحل
Dralaa57yahoo.com
([) ينشر بالتزامن مع «المصري اليوم»

علاء الأسواني

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...