ابتزاز لبنان وسوريا بشرف التغييب عن ... الاستسلام!

06-09-2007

ابتزاز لبنان وسوريا بشرف التغييب عن ... الاستسلام!

أبسط دليل على عدم جدية الإدارة الأميركية ـ فضلاً عن سوء نواياها ـ في دعوتها إلى «مؤتمر السلام الدولي» في الخريف المقبل، هو استثناء لبنان وسوريا من «شرف» المشاركة في التنازلات الجديدة التي تدعو العرب إلى تقديمها لإسرائيل، كدولة محتلة مقابل... السلامة!
... هذا إذا تناسينا للحظة، أن هذه الإدارة التي قتلت حماقاتها من العرب في العراق تحت احتلالها، أو أنها تسببت في القتل، أكثر بما لا يقاس من مجموع ضحايا العرب في الحروب الإسرائيلية جميعاً.
إن استثناء لبنان وسوريا من «شرف» المشاركة «يفضح» هذا المؤتمر بأهدافه الخبيثة، من قبل أن يعقد... وهو امتياز، يمكن لهاتين الدولتين المستبعدتين أن تتباهيا به، بقدر ما يفضح المتلهفين إلى صلح يدفعون من أجله معظم ثرواتهم، إضافة إلى حقوق شعوبهم في الديموقراطية والكرامة فضلاً عن استقلال الإرادة... بغير أن ننسى فلسطين قضية وشعباً مهدداً بالاندثار فكيف بدولته ـ الحلم؟!
إن هذا المؤتمر لو قيّض له أن ينعقد، عشية انتهاء العهد الأسود (أقله عربياً) للرئيس الأميركي جورج بوش، لن يكون أكثر من «تظاهرة عربية» بقيادة أميركية لمصلحة إسرائيل وتعويضها هزيمتها في لبنان، في العام الماضي.
إنه مؤتمر يهدف إلى «إقناع» العرب، وبالذات منهم عرب النفط، بأن يعيدوا الاعتبار إلى الاحتلالين اللذين أذلا وما زالا يذلان أي عربي بالمطلق: الإسرائيلي في فلسطين، ومعها لبنان وسوريا، والأميركي في العراق وما جاوره من الدول ـ الخزانات وصولاً إلى إيران التي ما تزال عاصية ومشرَّفة بوصفها «محور الشر».
إنه مؤتمر ضد فلسطين، أولاً، ولن يبدل من طبيعته أن يجلس رئيس السلطة ـ البديل من فلسطين، على منصة الرئاسة فيه إلى جانب صديقه الحميم إيهود أولمرت.
ثم إنه ضد لبنان وسوريا... وما استثناؤهما من الدعوة إلا إشارة واضحة إلى أن تسليمهما بالاحتلال الإسرائيلي لبعض أراضيهما هو أمر واقع، فإذا أرادا استعادة الجزء المحتل عليهما التنازل عن كامل إرادتهما الوطنية، والتسليم بأن الماضي قد مضى، وأن الغد يتطلب بعض «التضحيات»، أي بشيء من الأرض وبكثير من حق القرار في شؤونهما جميعاً، الداخلية منها والخارجية.
إن المهمة المباشرة لهذا المؤتمر هي تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية... ومن سوء الحظ أن الوضع الداخلي الفلسطيني يشجع على مثل هذه «المغامرة». بل يمكن القول، بلا تردد، إنه لو كان الوضع الفلسطيني أقل رداءة، في انقسامه الذي أوصله إلى شفا الاقتتال الأهلي، لما كان يمكن للإدارة الأميركية ومعها من يسلم بإمرتها من الدول العربية، أن تجرؤ على مجرد التفكير بمثل هذا المؤتمر المرتجل بل الجهيض.
إن الإدارة الأميركية، التي ولغت وما تزال تلغ في دماء العراقيين منذ أربع سنوات ونصف سنة، تحاول أن تفيد من «جنوح» دول النفط العربية إلى التخلص نهائياً من أي قضية مولدة للثورات والانقلابات والانتفاضات الشعبية، والتحرر المطلق من أي «رباط أو ارتباط قد يفيد منه «الأصوليون الجدد» لتهديد «مرحلة الرخاء غير المسبوق» التي تعيشها فتستمتع فيها بالدخول الخيالية لبحور الذهب الأسود، ولو تحت الاحتلال أو في ظل ارتهان الإرادة الوطنية..
الذهب هو الباقي، وبه نشتري الدنيا.. وإلى جهنم الشعارات والمبادئ والقيم جلاَّبة البؤس والعوز وانتفاضات الغوغاء المسلحين بالشعار المقدس!
في أي حال، ليس أمراً بسيطاً أن يكون الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى هو الذي رفع صوته بالاعتراض ، ولو المبدئي ـ على هذه الصفقة التي يمكن للمغيّبين عنها بالقصد، والأرجح بالرغبة في ابتزازهما، أن يسقطاها ليس فقط بحق «الفيتو»، بل بمجرد الغياب عنها.
لو اجتمعت دول الأرض جميعاً وغاب عنها المعنيون بموضوعها فلسوف تقتصر على صورة، لن تنفع في ترميم الإدارة الأميركية المتهالكة، ولن تمسح الهزيمة من تاريخ أولمرت، ولن تنفع محمود عباس إلا في تحمّل العبء التاريخي المكلف لمن يفرّط بالقضية المقدسة.
إنها دعوة لمن لا يملك للتنازل عن حقوق الآخرين المغيّبين ليس فقط لأن «الصفقة» مهينة، بل لأن الطرف المطالَب بأن يرد الحقوق إلى أصحابها يريد تواقيعهم على ما اغتصبه منهم بالقوة... ومعها حصة محترمة في مداخيل النفط العربي يدفعها ثمناً لمزيد من السلاح الأميركي (أو المصنّع بامتيازات أميركية وأوروبية) لكي يكون الرديف القوي الدائم للاحتلال الأميركي وفوضاه الخلاّقة ولاّدة الديموقراطية!
وإذا كان عمرو موسى قد استنقذ كرامة موقعه، فليس مؤكداً أن يغلق الباب على «الدولتين العاصيتين»... والمرجح أن هذا الإغفال المقصود للبنان وسوريا يُراد منه ابتزازهما باستخدام «السلاح العربي» ضدهما هذه المرة، وهو الأشد إيلاماً، لأنه يقع في خانة «ظلم ذوي القربى» إن لم نقل في خانة «الانتحار الجماعي» بالرغبة أكثر مما بالقهر!
... وثمن تذكرة الدخول إلى المؤتمر أغلى بكثير من كلفة حضوره.

طلال سلمان

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...