الأزمة السورية وأخطاء فرانسوا أولاند

16-10-2013

الأزمة السورية وأخطاء فرانسوا أولاند

الجمل-فرانكلين لامب- ترجمة- د. مالك سلمان:

في الأزمنة الحديثة, كان أداء فرنسا الدبلوماسي أفضلَ بكثير عندما وقفت ضد التدخل العسكري السافر في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى. فقد كانت المكانة الفرنسية في السياسات الدولية في أرفع مستوياتها عندما كانت الحكومة حذرة بخصوص التدخل العسكري وتبنَت الموقف الحكيم الذي ميز أوروبا في العالم القديم من خلال إرشادها للصاعدين الطائشين في العالم الجديد. فعندما نصح شارل ديغول كيندي بعدم التدخل في فيتنام, ارتفعت مكانته الدولية بشكل ملحوظ. وعندما نصحَ شيراك بوش بعدم التدخل في العراق, حدث الشيء نفسه. فقد كانت التهديدات باستخدام الفيتو في مجلس الأمن/الأمم المتحدة من قبل الرئيس جاك شيراك, والشكوك الفرنسية حول الدلائل الأمريكية على وجود أسلحة الدمار الشامل, هي التي أرغمت إدارة بوش على السعي لتشكيل "ائتلاف الراغبين" خارج الأمم المتحدة.
لم تكن هذه هي الحالة في سوريا عندما قررت فرنسا, بقيادة رئيس غر في السياسة, التسرع والدخول في شراكة مع "صديقها القديم", حيث تبنت موقفاً مختلفاً هذه المرة – حيث قادت الهجمة الأوروبية التي تهدف إلى "معاقبة" نظام الأسد – كما هدد فرانسوا أولاند بشكل متكرر, متجاهلاً التاريخ.
نالَ الرئيس الفرنسي بعض التقدير بسبب الغزو العسكري الفرنسي لمالي في كانون الأول/يناير 2013, ولكن في تلك الحالة كانت حكومة مالي قد طلبت من فرنسا المساعدة في إخماد الانتفاضة الإسلاموية, كما كان أولاند يتمتع بدعم مجلس الأمن/الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا. وقد كافأ الشعبُ الفرنسي أولاند, الضعيف في السياسة الخارجية, من خلال ارتفاع شعبيته البائسة. وقد كانت هذه الشعبية ضعيفة نتيجة المشاكل الاقتصادية الفرنسية, إضافة إلى تذبذب سياساته الداخلية.
عندما تنطحَ أولاند للعب دور زعيم الحرب الغربي للمرة الثانية خلال عام واحد, ازدادت شعبيته مرة ثانية, ولكن ليس عند الشعب الفرنسي, بل في صفوف اللوبي الصهيوني الأمريكي والمحافظين الجدد في الكونغرس. وقد وجد أولاند أن بلاده وصفت ﺑ "الحليف الأقدم" من قبل وزير الخارجية الأمريكية, وذلك بعد أن رفض البرلمان البريطاني الضربة العسكرية على سوريا. وفجأة, اعتمدت قدرته على استعراض القوة العسكرية الفرنسية على الفيتو في الكونغرس الأمريكي, وعلى الرغم من كلماته القوية وجد الرئيس أولاند نفسَه محاصراً حيث انقسم مستشاروه وبلاده حول الخطوة التالية.
عندما قال جون كيري لفرانسوا أولاند إن فرنسا هي "الصديق الأقدم" لأمريكا, كان يشير إلى فترة "الجمهورية الأمريكية" الشابة عندما دعمت فرنسا أمريكا بالفعل, في سنة 1776, ضد الاستعمار البريطاني. لكن الأمة الفرنسية أنهكت نفسها عسكرياً واقتصادياً مطلقة, نتيجة لذلك, شرارة "الثورة الفرنسية" في سنة 1789 التي قضت على الحكم الملكي. وكما كتب غوستاف فلوبير, المعروف بأنه أهم روائي فرنسي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر: "لا تؤثر المفارقة الساخرة على الشفقة". وفي لغة اليوم, من الأفضل للرئيس أولاند أن يفهمَ التاريخ بشكل أفضل.
شكلت سوريا بالطبع تحدياً أكثر تعقيداً وصعوبة من مالي. فكما اعترف أحد مساعدي أولاند, "أدرك الناس حيداً أن سوريا ليست مالي. وفجأة تم طرح بعض الأسئلة الصعبة. هل بمقدورنا أن نفعل ذلك؟ هل هذا قانوني؟ وهل سيحقق أي شيء؟"
يقف الرأي العام الفرنسي بقوة ضد أولاند؛ فقد أظهر استفتاء نشر مؤخراً في الصحيفة اليومية المحافظة "لو فيغارو" أن ثلثي الفرنسيين يعارضون العمل العسكري ضد سوريا, كما ضد إيران. كما كانت هناك مطالب متزايدة, الشهر الماضي, للرئيس بالتصويت على ذلك في البرلمان مع توقعات خسارته إن هو قام بذلك. وفي النهاية, لم يفعل ذلك.
ولتعقيد الأمور أكثر, تبينَ مؤخراً أن إدارة أولاند الاشتراكية تقدم مئات الملايين من الدولارات, من خلال صفقات معفية من الضرائب, لبلدان "مجلس التعاون الخليجي". وقد اشترى الأمراء الخليجيون, وبأسعار مخفضة, بعض المباني التاريخية المميزة الثمينة, بما في ذلك الحدائق الضخمة المواجهة لبرج إيفل, بينما يعيش أكثر من 10% من الفرنسيين في منازل بائسة. وعلى الرغم من مزاعم الرئيس الاشتراكي بأن هذا سيساعد فرنسا في الحصول على النفط والغاز بأسعار خاصة – إضافة إلى المكاسب التي ستنتج أخيراً عن استبدال حكومة الأسد بحكومة موالية للغرب – إلا أن الضغط يتزايد على أولاند "للعودة إلى فرنسا" والتركيز على المشاكل الداخلية الملحة.
جاء الإحراج الآخر نتيجة الاقتراح الروسي بتشجيع الرئيس الأسد على التخلي عن أسلحته الكيماوية. وقد تجاهل التشاور بين كيري ونظيره الروسي, سيرغي لافروف, أولاند بشكل دراماتيكي ووضع موقف الغزو العسكري الفرنسي على هامش المباحثات الدبلوماسية. ورداً على ذلك, وبعد أقلَ من 24 ساعة على الاقتراح الروسي, حاول أولاند استعادة المبادرة من خلال تقديم مشروع قرار منفصل إلى مجلس الأمن/الأمم المتحدة. رفضت موسكو على الفور مسودة القرار الفرنسية, حيث تبينَ أن الوثيقة تقترح التفويض باستخدام القوة, تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة, في حال فشل الأسد في التجاوب مع نقل الأسلحة الكيماوية. وقد سخر لافروف من هذا الشرط, واصفاً إياه بأنه "غير مقبول", وفي النهاية لم يكن لفرنسا أي دور في مسألة تفكيك الترسانة الكيماوية السورية. فقد تم تحقيق هذا الإنجاز عبر المباحثات الأمريكية- الروسية حصراً, مع جهد إضافي من إيران.
عرضَ أولاند نفسَه للنقد لفشله في اختبار بسيط للسياسة الفرنسية – حماية كرامة البلد. فبعد أن سارع إلى الموافقة على المشاركة في العمل العسكري, تجد فرنسا نفسَها مجبَرة الآن على الانتظار على هامش بلاد ما بين النهرين بينما تقود روسيا والولايات المتحدة وإيران العملية الدبلوماسية, متجاهلين الموقف الفرنسي بشكل كامل. ويقول نقاد أولاند الآن إنه يبدو أشبه بالصبي التابع.

فرنسا تعد إسرائيل بالحفاظ على موقفها "الحازم" من إيران
يقترح بعض المراقبين أن الرئيس الفرنسي قرر الهرب من فشله – هذا الفشل الذي يعزوه الكثيرون في فرنسا إلى عجزه السياسي – من خلال ارتباطه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وينتقد عدد كبير من أعضاء "مجلس المعاونين" الذين يبلغ عددهم 200, ومن بينهم أعضاء في حزب أولاند, هذه العلاقة كما يشيرون إلى الإهانة الكبيرة التي تلقتها بلدُهم بسبب جهود أولاند الفاشلة بصفته "لاعباً" في الأزمة السورية.
في 11 تشرين أول/أكتوبر, وبعد أن حذرَ رئيس الوزراء الإسرائيلي باريس من "الوقوع تحت تأثير السحر الإيراني", سارعَ أولاند بطمأنة نتنياهو بأن فرنسا ستحافظ على موقفها "الحازم" تجاه برنامج إيران النووي. وقد كان نتنياهو قد حثَ فرنسا, في مقابلة تلفزيونية في ذلك اليوم على قناة "فرانس 24", أن تكون حازمة مع إيران "مع ابتسامات روحاني أو بدونها". ويبدو أن التعليقات جاءت نتيجة مصافحة تاريخية رئاسية فرنسية- إيرانية على هامش الجمعية العامة/الأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي – وهي مصافحة انتقدها المسؤولون الإسرائيليون المرافقون لنتنياهو بحجة أنها ستعزز موقف الجمهورية الإسلامية.
قال نتنياهو لقناة "فرانس 24": "لو أن إيران كانت تريد فعلاً تفكيك برنامج الأسلحة النووية, لكانت قد فعلت ذلك."
وتبعاً للصحيفة الفرنسية اليومية "لوموند", فقد قال أولاند لنتنياهو إنه صُعقَ لتردد أوباما في قصف سوريا, وتابع متذمراً: "إن لم يضرب أوباما إيران, فكيف نصدق أنه سيساعد إسرائيل في حال تعرضت لعدوان إيراني؟"
وفي مقابلته مع "فرانس 24", تجاهل نتنياهو أيضاً سؤالاً حول السبب الذي منع إسرائيل من "أن تفعل ذلك", إشارة إلى ترسانتيها الكيماوية والنووية.
وقد تجاهلَ أولاند السؤالَ نفسَه.


http://www.counterpunch.org/2013/10/14/francois-hollandes-missteps-put-france-on-levant-sidelines/

تُرجم عن ("كاونتر بنتش", 14 تشرين أول/أكتوبر 2013)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...