الخلاف الأمريكي القطري: الأسباب والذرائع

الجمل: نجحت المساعي القطرية في حل أزمة الملف اللبناني، إضافة إلى استمرار قيام دولة قطر بدور الوسيط في حل المزيد من النزاعات الإقليمية والدولية واستضافة العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية والإقليمية، وقد أدى ذلك، إلى جانب وجود قناة الجزيرة، إلى جعل قطر تكتسب المزيد من قدرات القوة الرمزية القائمة على شفافية الإعلام وحرية تدفق المعلومات واكتساب المصداقية لجهة القيام بدور الوسيط الإيجابي في حل النزاعات وعلى ما يبدو، أو بالأحرى كما هو واضح حتى الآن، فإن قطر ستواجه المزيد من الضغوط والعراقيل لإعاقتها عن بناء القدرات الإضافية التي ستعزز مكانتها ووزنها.
* ماذا تقول المعلومات؟
نقلت التقارير والتسريبات بعض المعلومات القائلة أن الإدارة الأمريكية أصبحت على خلاف مع دولة قطر بسبب:
• تزايد النفوذ القطري الإعلامي – المعلوماتي بسبب اتساع نطاق بث قناة الجزيرة بعد النقلة النوعية الجديدة التي تضمنت البث باللغة الإنجليزية وما ترتب على ذلك من تأثير في توجهات الرأي العام الأمريكي والأوروبي الغربي.
• تزايد النفوذ الدبلوماسي القطري بسبب اتساع نطاق شبكة علاقات قطر الخارجية لجهة التعامل مع مختلف الفاعلين الدوليين والإقليميين.
وبسبب الإدراك الإسرائيلي المتزايد إزاء ما يمكن أن تشكله توجهات دولة قطر من خطر على المشروع الإسرائيلي فقد كان طبيعياً أن تنتقل عدوى المخاوف الإسرائيلية إلى البيت الأبيض الأمريكي وفي هذا الخصوص تقول المعلومات والتسريبات الآتي:
• توصيات وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتز التي طالبت الإدارة الأمريكية بالعمل من أجل الحد من النفوذ القطري.
• توصيات دنيس روس مستشار الخارجية الأمريكية لشؤون الخليج وإيران بعد زيارته الأخيرة لمنطقة الخليج التي طالب فيها الإدارة الأمريكية بالحد من النفوذ القطري.
وعلى هذه الخلفية تقول المعلومات أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد استخدام القنوات الخلفية المخابراتية وقام بإبلاغ أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بأن استمرار قطر في دعم سوريا وحلفاء إيران اللبنانيين والفلسطينيين سيدفع الإدارة الأمريكية إلى إصدار القرارات التالية:
• سحب القوات الأمريكية من قطر.
• سحب مقر رئاسة القيادة الأمريكية الوسطى من قطر.
وأضافت رسالة الرئيس الأمريكي أن قيام الإدارة الأمريكية بإصدار هذه القرارات سيجعل قطر في حالة انكشاف كامل إزاء الخطر النووي الإيراني. وبرغم أن وزير الدفاع الأمريكي قد أوصى بضرورة الضغط على قطر، فإن توصيته تلك تعتبر ثانوية مقارنة بتوصية دنيس روس، الذي يعود إليه الفضل في محاولة دفع إدارة أوباما الديمقراطية باتجاه مخطط الضغط على قطر، مع ملاحظة أن روس ظل يلمح إلى هذا الأمر منذ أيام إدارة بوش الجمهورية من خلال تحليلاته ومقالاته التي كانت تنشرها صحيفة «نيو ريبابليك» الأمريكية التابعة لجماعة المحافظين الجدد ويتم إعادة نشرها بواسطة الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى التابع للوبي الإسرائيلي. واشترطت التهديدات الأمريكية على دولة قطر القيام بالآتي:
• تخفيف توجهات بث قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية بما يخفف من الانتقادات المتزايدة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وحلفائهم الغربيين.
• تخفيف توجهات بث قناة الجزيرة باللغة العربية بما يخفف من التطرق للاستهداف الأمريكي – الإسرائيلي ضد إيران ويقلل من اهتمام الرأي العام العربي المتزايد لجهة مساندة إيران.
تشير التسريبات بأن رسالة أوباما لأمير قطر ركزت على الذرائع والمحفزات التي دفعت واشنطن لإدراك مدى خطر التهديد الذي أصبحت تمثله قناة الجزيرة والدبلوماسية القطرية على مستقبل المفاوضات والمحادثات الأمريكية – الإيرانية المتوقع حدوثها لأن إدراك طهران لظاهرة تزايد دعم الرأي العام العربي والعالمي لمواقفها هو إدراك سوف لن يترتب عليه سوى تشدد طهران في مفاوضاتها مع واشنطن.
* قطر والخليج العربي في عصر "دنيس روس":
لم يكتف محور واشنطن – تل أبيب بوضع الملف العسكري – الأمني الخليجي في يد الجنرال ديفيد بتراوس قائد القيادة الوسطى الأمريكية الموجود في قيادته المتمركزة في قطر، وإنما قام هذا المحور بوضع الملف السياسي – الدبلوماسي الخليجي في يد "دنيس روس" بما يشير إلى أن السيطرة العسكرية – الأمنية على الخليج لم تعد كافية لمحور واشنطن – تل أبيب ولابد أيضاً من سيطرة سياسية – دبلوماسية تعزز القدرة لجهة القيام بالآتي:
• القضاء على حرية الإعلام والمعلومات بما يتيح لمحور واشنطن – تل أبيب المضي قدماً بلا عراقيل في تنفيذ مخطط العملية النفسية الواسعة النطاق التي يتم شنها حالياً وبشكل رئيسي ضد سوريا وحزب الله وحركة حماس وحلفائهم في داخل وخارج المنطقة.
• إعادة توجيه العملية السياسية الخليجية بما يتيح تصعيد الخلافات العربية – العربية والعربية – الإيرانية.
• تفعيل قدرة واشنطن لجهة القيام بابتزاز المزيد من الموارد المالية والنفطية الخليجية.
ومن الواضح أن روس لا يريد الاكتفاء بذلك فقد أعلن مراراً وتكراراً ضرورة توظيف الخطر الإيراني بما يتيح استخدامه كفزاعة لجهة الآتي:
• دفع البلدان الخليجية لبناء الروابط والدخول في التحالفات المؤيدة للتطبيع مع إسرائيل.
• دفع إيران للتفاهم مع الولايات المتحدة بما يتيح لأمريكا ابتزاز القدرات الإيرانية لجهة استخدامها وتوظيفها في ملف الأزمة العراقية وملف الأزمة الأفغانية.
سيشهد سيناريو "الخليج في عصر دنيس روس" العديد من المفاجآت التي ستفاجئ النخبة الخليجية قبل غيرها، لأن روس سيسعى من أجل الآتي:
• الحد من نفوذ النخبة السياسية الخليجية: بحيث يقسم روس السلطة وفقاً لصيغة تتيح له "صنع القرار"، وتترك للنخبة الخليجية "اتخاذ القرار".
• توظيف الإعلام الخليجي والعالمي بما يمهد لتنميط إسرائيل باعتبارها "قوات صديقة" وتنميط إيران باعتبارها "العدو المشترك".
• فرض السيطرة على تحركات وتصريحات ومواقف النخبة السياسية الخليجية.
لن يقتصر التدخل الأمريكي في الخليج على الوسائل العسكرية التي تتيح لمحور واشنطن – تل أبيب ممارسة الإرغام و"القسر العسكري" فقط، وإنما كذلك على الوسائل الدبلوماسية التي تتيح لهذا المحور فرض الإرغام و"القسر الدبلوماسي" لإدماج الدول الخليجية ضمن خارطة مشروع إعادة رسم التحالفات السياسية – الأمنية في المنطقة، فهل سنشهد عودة مكتب التمثيل الإسرائيلي إلى قطر؟ وهل سنشهد افتتاح المزيد من مكاتب التمثيل في العواصم الخليجية؟ وهل سنشهد دخول دول الخليج واحدة تلو الأخرى في ملف التطبيع مع إسرائيل في ظل سيف دبلوماسية دنيس روس وقوات الجنرال بتراوس وهو تطبيع من الممكن أن يبدأ بشكل غير معلن، ولكن الصحف الإسرائيلية ستفضحه وتجعله معلناً؟ أم سنشهد انتقالاً للمقاومة من غزة وجنوب لبنان إلى الخليج هذه المرة، عندما يعلن الخليجيون رفضهم وممانعتهم الصريحة للدخول في التطبيع مع إسرائيل عبر بوابات عصر دنيس روس، وهي البوابات التي تم صنعها بواسطة خبراء معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وبدأ تمهيد المسرح الخليجي لتركيبها بمساعي قتل مبادرة السلام السعودية وإرسال وتعيين روس مبعوثاً ومستشاراً لشؤون الخليج وإيران؟

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إقرأ أيضاً:

بدء الحملة الإسرائيلية ضد قطر: الأهداف والغايات
لماذا تسعى إسرائيل إلى إلغاء رسالة السلام القطرية وربطها بإيران