الشعر في الإسلام وشاعرات حول الرسول

08-02-2012

الشعر في الإسلام وشاعرات حول الرسول

منذ أن قدم الأستاذ الراحل خالد محمد خالد الماركسي المفارق للماركسية، واللائذ بالإسلام كتابيه «رجال حول الرسول» و«خلفاء الرسول» بدأ المؤلفون متابعته وخاصة لما لقيه هذان الكتابان من استحسان ورواج ونسبة مبيع مادي، وبدأت الكتب تتابع، وهي تحمل مسميات متقاربة يجمعها لفظ «حول الرسول» للإفادة من الذيوع والشهرة للكتابين الأساسيين، والمجال لا يتسع لعقد مقارنة بين هذه الكتب، لكن الفارق الوحيد، أن خالد محمد خالد انتقل من ضفة إلى أخرى، وأراد تقديم رؤية معمقة بغض النظر عن أي شيء آخر، ولهذا كانت مؤلفاته قريبة في المنهج من كتبه الماركسية (من هنا نبدأ) تقوم على التحليل والرؤية والعمق، وهذا ما قد نتفق معه فيه، وقد نختلف.. أما أغلب من تابعوا هذه السلسلة فاستفادوا من الاسم وكانوا مجرد جامعين لنثرات في كتب التراث.. وكانت سلسلة: نساء حول الرسول، أطفال حول الرسول، أبطال حول الرسول.. وهكذا.
 
شاعرات حول الرسول
صدر في دمشق مؤخراً عن دار سعد الدين كتاب «شاعرات حول الرسول» للأستاذ محمد عبد الرحيم، وهذا الكتاب مهم وفيه أشياء جديدة لا تقتصر على فكرة حول الرسول، فهي تأخذ جانباً مهماً من الحياة الأدبية والثقافية الإسلامية «الشعر» وكذلك تضيف إلى أن هذه الظاهرة مخصوصة بشاعرات ولا تقتصر على الشعراء.
قدّم المؤلف بمقدمة بسيطة، كنت أود أن تكون معمقة وموسعة في قضية الشعر والإسلام، فهل حرم الإسلام الشعر حقاً؟! وهل وزع الشعر إلى أنواع؟ ما المسموح به من الشعر؟ هذا وقد أفردت دراسات كثيرة عن الإسلام والشعر، ومنها دراسات أكاديمية، وكلها لم تصل إلى نتيجة، لأن كل دراسة انطلق صاحبها فيها من مسلماته ورؤيته الفكرية، ولكنها كلها تخلص إلى نتائج محددة:
1 – القرآن، القادم إلى الحياة عند المسلمين لم يبق لهم وقتاً لتداول سواه.
2 – كانت هناك رغبة في مفارقة كل أنواع الأدب للتفرغ للقرآن وخدمته وحفظه.
3 – القرآن حمل توجيهات أخلاقية تتنافى حتماً مع بعض الأغراض الشعرية كالهجاء والتشبيب وأحياناً المدح.
4 – أجبرت الأفكار الإسلامية المسلمين الأوائل على التخلي عن الجموح الشعري ودخلت في أشعارهم، وهذا ما قيل عنه «رقة الشعر».

موقف الرسول من الشعر
مشهور ذلك الموقف عندما هجا عبد الله بن الزبعرى شاعر المشركين آنذاك الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك عندما هجاه أبو سفيان وكان على شركه، فسأل يومها الرسول أصحابه، من يدافع عنه، فتقدم علي كرم الله وجهه، وتقدم كعب بن مالك وسواهما، وبقي الرسول صامتاً حتى جاء حسان بن ثابت وأخرج لسانه، فسأله الرسول كيف تهجوهم وأنا منهم؟ فقال له: أسُلك منهم كما تسلُّ الشعرة من العجين، فقال له: اذهب وروح القدس تؤيدك، والزم أبا بكر فإنه نسابة العرب، أي أعلم الناس بالأنساب ويمكن أن يرشده إلى الصلات والأرحام.
وأمام الرسول صلى الله عليه وسلم قال النابغة الجعدي:
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا
وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا
فسأله الرسول: إلى أين يا أبا ليلى؟ فقال: إلى الجنة.. فأجابه: لا فُض فوك..
ويومها قال لبيد بن ربيعة شاعر المعلقة وقد أسن، وهو من المؤلفة قلوبهم:
أبدلني الله البقرة وآل عمران بالشعر..
فالشعر لم يكن محرماً في الإسلام
والرسول لم يقف منه موقفاً سلبياً
والشاعر الإسلامي- حسان خاصة- كان وزير إعلام الرسول والدين الإسلامي ونجح في ذلك أي نجاح في الدفاع عن الدعوة الإسلامية وصاحبها.
أما ما يقال عن هذا الموضوع فهو خلاف حول مضامين الشعر الأخلاقية وما سواها..

شاعرات حول الرسول والتصنيف
جمع المصنف في هذا الكتاب سبعاً وأربعين شاعرة من الشاعرات اللاتي أضفى عليهن صفة حول الرسول وقام بترتيب الكتاب ترتيباً معجمياً ما سهل الوصول إلى الشاعرة وشعرها، وهن: أروى بنت الحارث، أروى بنت عبد المطلب، أسماء بنت أبي بكر، أسماء بنت عميس، أم البراء، أم ذرّ، أم رعلة القشيرية، أم سلمة، لبابة بنت الحارث، أم نبيط، أم الهيثم النخعية، أمامة الزبذية، أميمة بنت رفيقة، بركة بنت ثعلبة، بكارة الهلالية، البيضاء بنت عبد المطلب، الخنساء، حفصة بنت عمر، خولة بنت الأزور، خولة بنت ثابت، درة بنت أبي لهب، رقيقة بنت أبي صيفي، رقية بنت عبد المطلب، زينب بنت علي، زينب بنت العوام، سعدى بنت كريز، سودة بنت عمارة، الشيماء بنت الحارث، صفية بنت عبد المطلب، ضباعة بنت عامر، ضبيعة بنت خزيمة، عائشة بنت أبي بكر، عاتكة بنت زيد، عاتكة بنت عبد المطلب، عمرة بنت دريد، عمرة بنت رواحة، فاطمة بنت محمد، قتيلة بنت النضر، كبشة بنت رافع، لبابة بنت الحارث، ميمونة بنت عبد الله، نعم بنت حسان، هند بنت أنانة، هند بنت الحارث، هند بنت سهيل، هند بنت عتبة.
ليس على غلاف الكتاب أي إشارة إلى أن المصنف جمع أشعار الشاعرات، وإنما اكتفى بكلمة تأليف بدل كلمة جمع! وبهذا ادعى ما ليس له أولاً، وظلم نفسه ومنهجه ثانياً، وأزعم أنه لو أضاف كلمة شعر مع كلمة جمع، فإن الكتاب كان سيسير بين الناس أكثر مما هو عليه الأمر الآن، وهذا يؤكد ما بدأت منه من محاولة الاستفادة من ذيوع الاسم وصفة (حول الرسول) التي تجذب الكثيرين وهنا لا بد من ملاحظات تشير إلى الإيجابي والمآخذ على هذا المنهج:
1 – قدم الكتاب مجموعة نادرة من الأشعار الموزعة في بطون الكتب، التي يصعب الوصول إليها بطريقة مباشرة عادة، وهذا الجمع يستحق الثناء عليه.
2 – صفة حول الرسول تعني أشعاراً قيلت في الإسلام والدعوة، والباحث يقوم بدراستها الدراسة الكافية، لكن الأشعار لم تكن كذلك.
3 – ضم الكتاب أسماء كبيرة ولامعة مثل الخنساء، وضم المؤلف ديوان الخنساء إلى كتابه دون إشارة إلى الديوان وطبعاته وجامعيه ابتداء من لويس شيخو وصولاً إلى طبعة القراءة للجميع في القاهرة وما بينهما، وفي هذا تجاوز لحقوق الناس الذين تعبوا وجمعوا وخرجوا، ومن ص49 إلى 107 تتوالى أشعار الخنساء، وليس فيها أي تخريج لقصيدة أو إشارة إلى المصادر التي أخذ عنها، اللهم إلا الإشارات التي لا تروي عطشاً عن ترجمتها، وهو بذلك تجاوز جهود عبد البديع صقر عن شاعرات العرب، والدكتورة رغداء مارديني ودراستها الأكاديمية عن شاعرات الجاهلية، فهل يعقل أن يكون الباحث محمد عبد الرحيم هو المصدر الوحيد لنفسه؟!
4 – الكثير من الشعر المجموع جاهلي لا علاقة له بالإسلام، فعلى أي أساس اختار المؤلف! مثل هذا العنوان ليحمل تحته ما أراد؟!
5 – الكتاب جمع وليس تأليفاً، وإن كان هذا أو ذاك، فمن المفترض أن يكون له من المصادر والمراجع الكثير، فكيف يبدأ الكتاب وينهيه دون أن يضع مسرداً للمصادر والمراجع وخاصة المجاميع الشعرية والدواوين؟ علماً بأن المؤلف وضع أسماء مصادره ومراجعه عندما أراد وفي مواضع متعددة في الهوامش، وما عليه إلا أن يجمعها في فهرس في نهاية الدراسة الجمعية.
6 – خلت الأشعار من شروح كانت لازمة وضرورية لها، ففي ديوان الخنساء يظن المؤلف أن القارئ على إلمام بما يقدمه لذلك لم يشرح أي كلمة، وحتى مقدمات القصائد التي لا تتجاوز سطراً مأخوذة من الديوان الذي استعان به ونقله إلى كتابه، فهل هذا هو جهد المؤلف؟
7 – أظن أن هذا المجموع الشعري كان من الممكن أن يكون مهماً للغاية لو اتبع مصنفه الأسلوب العلمي في جمعه وتوثيقه وشرحه ودراسته وترتيبه، بل كان من الممكن أن يكون مجلدات عديدة ويشكل مرجعاً للدارسين والباحثين، ولكن يبدو أن المؤلف آثر السلامة والسرعة فقدم أشياء كثيرة في لبوس متواضع وإن كان الناشر قد بذل جهداً كبيراً في خدمة الكتاب، فلم يبخل عليه بورق وألوان وإخراج وغلاف، ولكن ما في داخل الكتاب لا علاقة له بالعنوان الذي حمله! جاء الكتاب في 230 صفحة عن دار سعد الدين بدمشق.
أفهم دوافع المؤلف المعروف الذي يقدم كتباً سهلة للعامة، ولكن لا يجوز أن يتم اعتماد موضوعات كبيرة تقزم تراثنا وأعلامنا لغايات عامة وبسيطة.. ويصعب الأمر عندي أكثر عندما يكون الناشر معروفاً بالتراث والنشر وحرصه عليه وتقديمه بالثوب اللائق علماً وإخراجاً. شاعرات حول الرسول مجموع شعري يضاف إلى الدواوين الشعرية ويحتاج عند إعادة طبعه إلى مجموعة من الشروح والتخريجات وتغيير في العنوان وصفة عمل الباحث ليكون إلى جانب دواويننا الشعرية التي تظهر كنوزنا الأدبية القديمة.

اسماعيل مروة

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...