الفـن السـوري وأزمـة النـقـد الفنـي

02-11-2008

الفـن السـوري وأزمـة النـقـد الفنـي

الجمل- أيهم ديب:   قد يكون واحد من أهم التحديات التي واجهت - ولا تزال- تاريخ النقد الفني هو استخدام الزمن في الإشارة إلى قيمة فنية و ذلك بدأ منذ إدراج مصطلح -الفن المعاصر- في الأدبيات الفنية و التي بدأت مع بدايات القرن الماضي و لا يبدو أن الفن سيجد مخرجاً منها بأي قرب. فمصطلح الحداثة و ما بعد الحداثة كلاهما باتا يشيرا إلى حالة فنية مضى عليها بأقل تقدير خمسون عاماً. مما يجعلها -في عصر السرعة- كلاسيكية معاصرة!
في سوريا لا يبدو ان عالم الفن سيقف على مثل هذا السؤال بأي قرب, فعدى عن ارتجالات تفرزها الحاجة السريعة لتقديم فنان ما أو عمل فني أو مشروع معرض لا يوجد بحث جدي في أشكال إنتاج الفن السوري و آليات تصنيفها أو توصيفها.
فالفنان قد يعد معاصراً لمجرد انه يعيش اليوم أو يعد معاصراً لأن نتاجه ينتمي زمنياً للسنوات العشر الأخيرة, و رغم ان المسألة تبدو سهلة إلا ان مجرد التورط قليلاً ابعد من هذا الاستسهال سوف يكشف هشاشة الحوار الفني و البنية النقدية التي تقدم للفن السوري.
فهل فنان ثلاثيني هو فنان معاصر؟ أم ان فنان ستيني ينتج اليوم هو فنان معاصر؟  هل موضوعة الفن هي ما يحسم هذا السؤال؟ و كيف تحقق مواضيع الفن السوري شرط حياتها و هو شرط غريب عنا و لكنه أساسي في تاريخ الفن الغربي  و هو قدرة الفن على طرح أسئلة و الإجابة على أخرى و حاجته لن يكون جزءً من المنظومة المعرفية الحية لبيئة أو مجتمع ما. الفن السوري لا يتورط بجدل داخلي. قد يرتبط بحوارات خارجية و قد يندرج ضمن أنساق كبرى و لكنه ينقطع في علاقته الداخلية /ضمن المؤسسة الفنية نفسها. 
المعرض المقام في متحف دمر للفن الحديث و المستمر حالياً يقودنا إلى طرح هذا السؤال بإلحاح : فعنوان من قبيل الفن السوري المعاصر يبدو شديد العمومية إلى حد العبث تماماً مثل السيرة الشخصية لفتى يكتب أن هوايته الاستماع إلى الموسيقى و القراءة!
إن العمل على إنجاز معرض يتسم بالمعاصرة لا يقتضي أبداً الإشارة الأنلوغية -الحرفية-  إلى كلمة معاصرة . بل يفترض ان يكون مبني وفق آليات و منهجيات معاصرة في قراءة الفن و تحليله و تبريره أو تقديمه.
و في هذه الحالة و بالقياس إلى المشهد الفني الغربي سنبدو غاية في التقشف و الافتقار إلى المفردات الفنية المعاصرة بل و حتى إلى حواملها التقنية و الأسلوبية.
فاللوحة و المنحوتة  لا تزالا الشكل التعبيري -القلعة- في الهوية الفنية السورية و يمكن ببساطة رد هذا إلى الطبيعة الاستهلاكية  للمجتمع السوري والى الهوية السياسية التي تفرضها ليس فقط القوى الداخلية بل و الخارجية و التي تجعل اللعب-العبث- و هو من أهم عناصر تطوير الفن سمة غير مرحب بها و غير جديرة بالاعتبار.  محاولة الاتسام بالجدية و التعقل تنعكس على شكل حرفية عالية و توجه تجريدي يعكس رغبة بالتفوق أكثر مما يقدم بحثاً جدياً  في المعنى أو في طبيعة الفن.
من المؤسف أن مشهد الفن السوري اليوم شهد الكثير من الابتزاز و التفعيل القسري و الذي يكاد يشبه العمل الجراحي لإنتاج أشكال فنية أكثر حداثة أو أشبه بالموديل الغربي للحداثة.  و إن كنا لا نملك إجابة نهائية عما إذا كان من الأفضل( النمو الطبيعي لأشكال التعبير الفني أو الفعل التبشيري أو القسري) إلا أنه من المفيد الإشارة إلى الفرق في السياق من خلال مثال فن الفيديو : ففي السبعينيات و مع الظهور الأول لكاميرات الفيديو كانت الشركات الآسيوية - NATIONAL- SONY - بحاجة إلى البحث الميداني للإمكانيات التقنية و الفنية للتكنولوجية الجديدة- أبعد مما تفترضه الدعاية. لذا وجدت في الفنانين الحماس اللازم و الفكر الخلاق الذي يلزم لاكتشاف أبعاد الوسيلة التعبيرية الجديدة.  كان فنانوا الفيديو  الأوائل آسيويين -ناوم بايك- و كانوا امتداد للصعود الصاروخي للتقانة , و هذه الظاهرة عادت لتجتاح عالم الفن مع تطور تقنيات الاتصالات و البرمجيات . في المشهد السوري- أو حتى العربي- يحدث ان تأتي التقنية مستوردة من الخارج عبر وكيل , فهي غير أصيلة و غير متكاملة مع الهوية الاجتماعية . بالمعنى العضوي و ليس المعرفي- فالوكيل ليس هو المنتج بل مجرد نافذة بيع و هو غير محكوم بأي حاجات تطبيقية تجاه السلع التي يبيعها. لذلك لا تتجاوز علاقته مع المجتمع- و ضمنه الفنان- العلاقة التجارية و لا تتخطى لغة التواصل حدود اللغة الإعلانية. و بالتالي فإن رد الفعل الطبيعي هو ان يجنح الفنان عن استجداء التاجر منحه فرصة استعمال الأدوات أو التقنيات المعاصرة. لأن موقف التاجر -بعكس موقف الشركة- سلبي.
بالقياس إلى نفس المثال يمكن سوق مثال آخر و هو الاهتمام الذي تبديه الحكومة تجاه الفن على اعتباره دعاية سياسية و هي تبذل مال بلا حسيب , و لكن هذا أيضاً لا يصل بالفن السوري إلى أبعد من عناوين الجرائد و الخبر الصحفي. و السبب ببساطة هو ان الحاجة السياسية التي تقف وراء دعم الحكومة للفن تفرض عليها التحكم بعملية إنتاج الصيغة الفنية النهائية و هذا يعني بأبسط تقدير ان موظف حكومي سيكون على رأس العملية الإنتاجية مما يسبب إرباك للمنتج الفني و هويته. في الجهة المقابلة يقف تاجر الفن و الذي يفرض على الفنان هوية تجارية يصبح من الصعب معها خروج الفنان عن طوق النجاة و التوغل في متاهات البحث و هي الحالة الطبيعية في الفن. لأن الفنان الذي يبحث يكون غير قادر على إنتاج سلعة واضحة بسبب تفكيكه للقيم المؤسس لها. و بالتالي لا يشكل الفنان الجدي مادة تجارية و إن كان يشكل جوهر حياة العملية الفنية و استمرارها.
من متحف الفن المعاصر في دمر و إلى صالة مصطفى علي في حي الأمين يمكن للباحث في هوية الفن السوري أن يقف على أزمة النقد الفني و أزمة التأريخ للفن السوري . أزمة معايير و أزمة غياب حوار داخلي تجعل من الفنان السوري غريب بين أترابه.

ملاحظة:
حتى اليوم لم يتم إدراج التصوير الضوئي كفن ضمن مناهج كليات الفنون. كما لا يتم تناول أية أسماء فنية أبعد من بيكاسو و ميرو و دالي  و هذا يعكس أصولية فنية لا تختلف عن الأصولية الدينية إلا في التسميات.

اختلف بعض الفنانون حول أهمية أن تكون اللوحة أقرب إلى باب متحف دمر من ان تكون في الطابق الثاني رغم ان الطابق الثاني من المتحف يتمتع بدرج و ليس بسلالم أو حبال.

اختلف البعض الآخر عن سبب وجود لوحة لسارة شما  بين فنانين من فئة نيف و خمسين عاماً.

اختلف بعض الفنانين لعرض لوحات صغيرة من نتاجهم مقابل لوحات اكبر لفنانين آخرين.

برغم أن تاريخ الفن في العالم يشهد للحكومات قدرتها على استقطاب أعمال فنية من العالم إلى بلادها , يفاجئنا وزير الثقافة السوري برغبته بإهداء مقتنيات مؤسسات الدولة لأصدقاء الدولة برغم قلة ما نملك! لهذا يجب التذكير بإعادة توزيع الأدوار بالشكل الصحيح :  يسعى الفنان كل جهده  لتصدير لوحته للعالم  , و تسعى الحكومة إلى زيادة ثروة الدولة الثقافية من خلال استقطاب فنانين من العالم. وعكس الأدوار ليس صحيح.

 

الجمل

التعليقات

العزيز أيهم أنا أوافقك على كل ما ذكر في مدونتكم المكثفة لأن كل محور فرعي بدأته يقود إلى تشعبات هائلة، لعل أهمها أن ما قلته ليس للفن وحده حق الانضواء تحت رايته وإنما الأمر يمتد من رغبة أي سوري بشراء أي شيء ولغاية أعلى مستويات الاقتصاد والسياسة، لا بل يصل لحد العلاقات العائلية البسيطة بين الأهل والأصدقاء. لك الشكر لصياغة هذا الإشكاليات بصيغة بسيطة ورؤية جميلة لا تخلو من تهريج والذي هو جوهر الحياة.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...