الوضع الاستراتيجي لإسرائيل في أعقاب حرب لبنان

24-03-2007

الوضع الاستراتيجي لإسرائيل في أعقاب حرب لبنان

الردع الأخير الذي بقي في أيدي إسرائيل (بعد زوال الردع التقليدي في أعقاب حرب لبنان) هو السلاح النووي. وهنا، بالطبع، تدخل إلى الصورة القنبلة النووية الإيرانية. يخشى الكثيرون من احتمال إلقاء القنبلة الإيرانية على إسرائيل في خطوة هجومية. إلا أن ما تعنيه خطوة كهذه هو أمر واضح: الرد سيكون إبادة إيران بالسلاح النووي الإسرائيلي. ولأن الإيرانيين يطمحون إلى إبادة إسرائيل، لا أنفسهم، ثمة احتمال منخفض لهذا لسيناريو. المعنى الأكثر عمقاً لحصول إيران على قدرات نووية لم خضع للدراسة الوافية في المنظومات الأمنية الإسرائيلية.
ينبغي دراسة المشكلة، مثلما هي العادة في الشؤون النووية، في بعدها الردعي. الوظيفة الاستراتيجية للسلاح النووي، بوصفه سلاحاً شمولياً، هي منع الهجوم أو الإبادة أكثر منها الإبادة الفعلية. إنه تهديد متطرف، يغير أصل وجوده التوازن الاستراتيجي. حالياً، في ظل عدم التماثل النووي، يعلم العدو أن إسرائيل قادرة على إلقاء قنبلة نووية في مقابل أي إنجازات يمكن أن يحققها (في الحرب معها).
من ناحية العدو، تقف إسرائيل، في ظل عدم التماثلية، أمام معضلة صعبة: الخسارة في الحرب أو إلقاء قنبلة نووية. إضافة إلى ذلك، كلما نجح العدو أكثر في ساحة المعركة، تزداد احتمالات استخدام إسرائيل لـ«سلاح يوم الدين». لذلك، عندما يكون هناك عدم تماثلية نووية، فإن السلاح النووي يؤدي إلى جمود هجومي تقليدي.
في مقابل ذلك، في حالة التبادلية النووية، تتغير المعادلة جوهرياً؛ فإذا كانت إسرائيل تعلم أن الرد على استخدامها للنووي سيكون بأن تطلق إيران عليها صواريخ نووية، فإن الحسابات ستختلف، وتصبح على النحو الآتي: الخسارة في حرب تقليدية أو التعرض لإبادة نووية (بعد أن تكون قد استخدمت سلاحها النووي).
في هذه الحالة، احتمال أن تُرَجح إسرائيل تعرضها للإبادة على الخسارة، فيما تحفظ إيران أمل البقاء، ليس احتمالاً كبيراً. أي إن هناك احتمالاً لا بأس به لامتناع إسرائيل عن استخدام سلاحها النووي، حتى في ظل خسارة ميدانية. بعبارة أخرى، وهذه نقطة مصيرية، إن معنى الردع النووي التبادلي هو العودة إلى ساحة القتال التقليدي، وعموماً عبر المبعوثين. هكذا تصرفت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في فترة الحرب الباردة، وهكذا تعرّضت كلتاهما لخسارات عسكرية قاسية (في فيتنام وأفغانستان).
السوريون هم مبعوث طوعي للإيرانيين. وتحت المظلة النووية الإيرانية، وفي ضوء القدرات القليلة للجيش الإسرائيلي والسلاح الروسي المتطور الذي اشترته سوريا، يمكن العالم العربي أن يعاود الطموح إلى انتصار تقليدي على إسرائيل.
في اللحظة التي نعود فيها إلى دراسة الخيار التقليدي، تطفو نقاط جيواستراتيجية أساسية عديدة كانت حتى سنوات خلت بديهية، بل إن مبادئ الحرب في الجيش الإسرائيلي (التي شهدت تحولاً جوهرياً في الأعوام الأخيرة) ارتكزت عليها.
إسرائيل هي دولة من دون احتياطي جغرافي استراتيجي. حجمها وشكلها يعدّان كابوساً استراتيجياً: هي صغيرة وضيقة وطويلة، بحيث إن النسبة بين طول حدودها ومساحتها سيئة جداً. ويوجد فيها مراكز سكانية ومراكز قوة واضحة ونقاط ضعفها معروفة. وهي تجاور دولاً معادية علانية (سوريا ولبنان)، وفي صراع متواصل مع الفلسطينيين الذي يسيطرون على أجزاء واسعة شرقها وفي قطاع غزة. وهي تحاذي دولة حيادية وضعيفة لا تستطيع أن تعارض بالقوة استخدام أراضيها محوراً لتحرك العدو (الأردن)، وتحاذي أيضاً مصر التي يمكن أن تكون صديقة أو معادية وفقاً للحاجة، وهي تثبت في الأعوام الأخيرة عداوتها على الأغلب (وأمام خسارة إسرائيلية محتملة لن تبقى بالتأكيد لا مبالية).
إضافة إلى كل ذلك، في إسرائيل شريحة سكانية كبيرة تتردد بين ولائها للدولة أو للفلسطينيين أو الدول العربية الأخرى. ومثلما قال أحد الباحثين المعروفين: إن ولاء عرب إسرائيل للدولة يتناسب مباشرة مع بُعد الدبابات السورية عن الحدود. ومن الطبيعي أن يكون كذلك.
ومن هنا تنشأ سيناريوهات حربية متعددة، تدمج بين تعدد الجبهات، والذي يفوق قدرة عمل الجيش الحالية، ومحاور تحرك عديدة لقوات العدو ـــ بعضها خفي وبعضها مفاجئ ـــ واستخدام قوات شعبية متوفرة ومسلحة (الفلسطينيون وجزء من عرب إسرائيل) لإحباط عمليات الجيش الإسرائيلي، والتوغل إلى داخل الحدود الإسرائيلية، وعمليات واستهداف نقاط استراتيجية، والحصول على معلومات استخبارية تكتيكية الخ. إن احتمالات نشاط العدو كثيرة، وقدراته تزداد عاماً بعد عام.
في الواقع، إن الاستعداد، وفقاً لهذه الخطوط، يجري الآن عملياً على مستويات عديدة. على سبيل المثال، قبل أشهر وقّعت كل من إيران وسوريا على اتفاقية دفاع مشترك، وتعمل إيران اليوم بتصميم، وبمساعدة مداخيلها النفطية الهائلة، على تسليح سوريا بسلاح روسي. عدد غير قليل من مواطني إسرائيل من أصل عربي، وبعضهم جنود نظاميون في الجيش، قبض عليهم في الأعوام الأخيرة وهم يتجسسون لمصلحة حزب الله. تأهيل حزب الله والفلسطينيين وتزويدهم بالسلاح من جانب إيران وسوريا معروفان لدى الجميع، وهما في ازدياد. بالمناسبة، لا تفسير ناجحاً للاستثمار الكبير الذي يقوم به حزب الله في جنوب لبنان بهدف تحويله إلى ساحة محصنة، إلا الاستعداد لحرب تقليدية شاملة مع إسرائيل.

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...