تساؤلات وشكوك حول دور قوات حفظ السلام في سورية ولبنان

23-08-2007

تساؤلات وشكوك حول دور قوات حفظ السلام في سورية ولبنان

الجمل:     بعد مضي عشرات السنوات، يجوز لشعوب الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص شعوب: سورية، لبنان’ وفلسطين، أن تتساءل حول الطبيعة الحقيقية لقوات حفظ السلام، من حيث مهامها، وطبيعة عملياتها. وذلك لأن معطيات خبرة الأداء السلوكي الميداني، أصبحت تشير بوضوح إلى وجود المعلن وغير المعلن في (ملف) قوات حفظ السلام التي تم نشرها بواسطة مجلس الأمن الدولي، في المنطقة.
• قوات حفظ السلام.. التساؤلات والشكوك:
تنتشر قوات حفظ السلام الدولي التابعة للأمم المتحدة في الكثير من أنحاء العالم، وذلك في مناطق النزاعات والصراعات، وعادة ما يقبل أطراف الصراع بتواجدها وتمركزها في المناطق الساخنة، على أساس اعتبارات مصداقية دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التابع لها، في القيام بالتعاون مع الأطراف لحل النزاع والصراع، وإحلال السلام.
خلال فترة الحرب الباردة، كانت توجد بعض الانتقادات (الخافتة) لأداء قوات حفظ السلام، وكانت هذه الانتقادات لا تتجاوز حالة كونها مجرد إشكاليات جزئية قابلة للتجاوز، ولكن بعد انهيار نظام القطبية الثنائية، وتحويل طبيعة التوازن الدولي إلى نظام القطبية الواحدة، تزايدت الشكوك حول حقيقة المهام الميدانية التي تقوم بها قوات حفظ السلام، ومن أبرز هذه التساؤلات: لماذا تسيطر أمريكا وبريطانيا وفرنسا على ملفات قوات حفظ السلام؟ ما هو دور أمريكا وحلفائها في الإشراف على مفوضية حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة؟ ولماذا تشكل قيادة بعثات قوات حفظ السلام من أمريكا وبقية دول الناتو؟.. وما علاقة العناصر العسكرية التي تعمل ضمن بعثات قوات حفظ السلام، مع قوات وأجهزة استخبارات وسلطات بلدها التي جاءت منها؟ وهل لتلك الارتباطات تأثير على دور بعثات قوات حفظ السلام، خاصة وأن العناصر التي أصبحت تعمل وتشرف ميدانياً على هذه البعثات، ترتبط دولها بعلاقات وثيقة مع أطراف الصراع، وتتأثر مصالحها بطريقة أو بأخرى بنتائج الصراع؟
• قوات حفظ السلام.. من الانتقادات إلى الاتهامات والأدلة الدامغة:
كانت الانتقادات لقوات حفظ السلام في الماضي تتميز بالطابع الشكلي السياسي لجهة المسائل المتعلقة بعدد أفراد البعثة، وطريقة انتشارها، والانضباط العسكري لأفرادها، وغير ذلك.. أما الآن فقد تحولت الانتقادات إلى اتهامات مسنودة بالأدلة الدامغة، ضد بعثات قوات حفظ السلام، ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
- ممارسة النفوذ والنفاق: أصبحت دولاً مثل السويد، وإيطاليا، والولايات المتحدة، وبلجيكا، وهولندا، تقوم بالسيطرة على قوات حفظ السلام واحتكار تشكيل قواتها وتحديد مهامها، وإدارة عملها، وفي الوقت نفسه تقوم هذه الدول بعمليات تصدير السلاح لأحد الأطراف المتنازعة على حساب الآخر، كما في حالة إسرائيل في صراعها مع سورية ولبنان والفلسطينيين، وفي بعض الحالات تقوم بتصدير السلاح لطرفي الصراع كما في حالة الصراع بين العراق وإيران، وأيضاً بين الهند وباكستان.
- نزعة الاستعمار الجديد: أصبحت بعثات قوات حفظ السلام يتم فرضها في كثير من الأحيان على الأطراف المتصارعة، وذلك دون السماح لأطراف الصراع مجرد إبداء الرأي في طريقة تشكيلها والتدقيق في العناصر التي تتكون منها هذه البعثات، وأصبحت عملية الفرض تقوم بها الدول الكبرى على أساس ذريعة (مسؤولية المجتمع الدولي في حفظ الأمن والسلم الدوليين) و(حماية السكان المدنيين) وغير ذلك، ولكن وفقاً لأسلوب يتطابق وينسجم بقدر كبير مع المبررات والذرائع التي استندت عليه القوى الاستعمارية في القرن الماضي من أجل غزو واحتلال واستعمار بلدان العالم الثالث من أجل (إنقاذها من التخلف والبدائية وتعليمها أسس الحضارة الحديثة).
- التشوهات وعملية إلحاق الأذى والضرر: تزايدت بقدر كبير الشواهد والبراهين الدامغة على مدى عدم كفاءة عناصر قوات حفظ السلام، في القيام بمهامهم، الأمر الذي يؤكد بأن عملية اختيارهم بالأساس كانت عملية لا تقوم على أساس المعايير والضوابط المطلوبة، وقد حدثت العديد من حالات الانتحار ومحاولات الانتحار بين صفوف أفراد هذه القوات، وبرزت الأمثلة على ذلك الجنرال الكندي روميو داليير، الذي حاول الانتحار عدة مرات بعد إعفاء قيادة قوات حفظ السلام التابعة لبعثة (يونامير).
كذلك هناك الكثير من حالات قيام عناصر قوات حفظ السلام بالاعتداء على عمال وقوافل الإغاثة الإنسانية.
- البقاء الطويل بلا جدوى: ويرى الكثيرون بأن قوات حفظ سلام الأمم المتحدة، تظل موجودة لفترة طويلة، دون جدوى أو دور حقيقي في حل الصراع، وهي في معظم الأحيان يكلف تمويل عملياتها مبالغاً تفوق حد الوصف، على النحو الذي جعل الكثير من الأطراف والشركات وأصحاب العقود يجنون فوائد هائلة من جراء الاستثمار في عمليات حفظ السلام، بحيث أصبحت مصالحهم تتناقض مع عملية حل النزاع وسحب القوات، كذلك أصبحت المصالح السياسية لأطراف الصراع وللقوى الدولية ترتبط في كثير من الأحيان بالإبقاء الطويل لهذه القوات من أجل منع عملية حل الصراع.
- الدور المضاد  والمتناقض: ويتمثل في التناقض والتضارب الكبير الذي ينشأ بين أهداف قوات حفظ السلام، والدور السياسي الذي يقوم به مجلس الأمن، والذي يصل في بعض الأحيان إلى قيام مجلس الأمن الدولي بالعمل ضد قوات حفظ السلام التابعة له، ومن أمثلة ذلك رفض مجلس الأمن الدولي تمرير القرار الذي ينص على إدانة ومحاسبة إسرائيل بسبب اعتدائها وقتلها لعناصر قوات حفظ السلام التابعة لمجلس الأمن الدولي والموجودة في لبنان، وذلك خلال حرب الصيف الماضي.
- انتشار الجرائم المنظمة: تورطت عناصر قوات حفظ السلام في الكثير من العمليات الإجرامية، التي أدت إلى القضاء على مصداقية ليس من جانب أطراف النزاع وحسب، بل ومن جانب السكان المحليين والمدنيين الذين جاءت هذه القوات أصلاً لحمايتهم، ومن أمثلة ذلك عمليات الاغتصاب، والدعارة، وأنشطة تجارة المخدرات، وعمليات الاتجار بالبشر، إضافة إلى التعامل مع شبكات المهربين، وتجارة الأسلحة، وغيرها من الجرائم الفاضحة التي يعاقب عليها القانون الجنائي، والتي أخجلت حتى الأمين العام للأمم المتحدة الحالي بان كي مون، وسابقه كوفي عنان.
- عمليات التجسس: انكشفت الكثير من الحالات التي كان يعمل فيها بعض عناصر قوات حفظ السلام لصالح أحد  أطراف النزاع أو لأحد الأطراف الخارجية، وذلك عن طريق جمع المعلومات الاستخبارية الميدانية، وأيضاً بالعمل من أجل توجيه مهام بعثة حفظ السلام ,دورها الوظيفي بما يخدم أحد الأطراف في النزاع على حساب الطرف الآخر.
• قوات حفظ السلام في منطقة الشرق الأوسط.. حالة سورية ولبنان:
على خلفية الصراع العربي- الإسرائيلي، وتصعيداته الخطيرة المتكررة أرسل مجلس الأمن الدولي بعثات حفظ السلام لتقوم بمهامها المحددة بحسب لوائح الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وذلك في منطقة الجولان (بين سورية وإسرائيل)، ومنطقة جنوب لبنان، (بين لبنان) وإسرائيل، وأيضاً في الأراضي الفلسطينية.
أولاً: (بعثة الأوندوف بين سورية وإسرائيل):
تم تكوينها بموجب القرار الدولي 350 وذلك في يوم 31 أيار 1974 الذي تمت الموافقة فيه على اتفاق فك الارتباط.
ارتبط اتفاق فك الارتباط بعملية وقف إطلاق النار التي أعقبت العمليات العسكرية في حرب تشرين 1974م.
ولاية (الاندوف) تمثلت في القيام بالأعمال الآتية:
- الإشراف الكلي على المنطقة العازلة.
- مراقبة الوجود العسكري السوري والإسرائيلي على الجانبين.
- التدخل في حالة دخول منطقة الفصل بين القوات بواسطة أي من الطرفين، أو لإيقاف محاولة التدخل.
- مساعدة لجان المجتمع الدولي ومنظماته مثل الصليب الأحمر وتمرير البريد، والسكان عبر المنطقة الفاصلة.
- تحديد وترسيم مناطق الألغام.
- توعية السكان المحليين بخطر الألغام ودفعهم لتفاديها.
- العمل من أجل حماية البيئة، والالتزام بعدم التأثير فيها سلباً.
لقد حدثت الكثير من التجاوزات بواسطة الطرف الإسرائيلي، وهي تجاوزات ترتب عليها انتهاك القوات الإسرائيلية لحرمة المنطقة العازلة، سواء لأغراض التجسس والاستطلاع أو لمضايقة السكان المحليين والمدنيين الأبرياء، ومن الأمثلة على ذلك قيام إسرائيل باحتجاز بعض الرعاة السوريين والتحقيق معهم لساعات طويلة، إضافة إلى اعتقال بعضهم.
وبرغم ذلك فإن قوات حفظ سلام الأمم المتحدة لم تحرك ساكناً، وبقي أفرادها وعناصرها في ثكناتهم كأنما الأمر لا يعنيهم في شيء.
ثانياً: (بعثة اليونيفيل بين لبنان وإسرائيل):
وتعتبر هذه البعثة بمثابة النموذج المثالي لعدم الالتزام بالمهام الدولية، والتحيز لإسرائيل، ومضايقة السكان المحليين، وتجدر الإشارة إلى أن بعثة اليونيفيل برغم تحيزها لإسرائيل طوال الفترة السابقة فإنها لم تسلم من نيران القوات الإسرائيلية والتي ثبت بشهادة عناصر قوات اليونيفيل نفسها أنها كانت نيراناً متعمدة تهدف إلى إرهاب عناصر القوات الدولية وفي الوقت نفسه إرسال رسالة واضحة لمجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بأن إسرائيل فوق القانون الدولي والأمم المتحدة طالما أنها تتمتع بالتأييد الأمريكي المفتوح.
تعتبر ولاية وصلاحيات بعثة اليونيفيل بشكلها الجديد الذي تم تعديله بعد القرار الدولي 1701 من الأجندة الأكثر غرابة في تاريخ عمليات حفظ السلام، وذلك لأنها تجعل من القوات الدولية طرفاً في النزاع، وليس طرفاً ثالثاً، وإنما طرف داعم ومساند لإسرائيل في صراعها وعدوانها ضد اللبنانيين، وأيضاً تتضمن ولاية اليونيفيل القيام بعمليات تتعدى نطاق النزاع الإسرائيلي- اللبناني، وتدخل في صحيح (الطابع السيادي الخاص بالدولة اللبنانية) وأيضاً في العلاقات اللبنانية- السورية، على النحو الذي يستهدف سورية ويجعل من ولاية قوات اليونيفيل تأخذ طابعاً عابراً للحدود بشكل يهدد السيادة السورية.
• محور (الاندوف)- (اليونيفيل) وإدارة الصراع:
تقول المؤشرات والوقائع المتطورة أن ولاية قوات «الاندوف» و«اليونيفيل» سوف تكون مفتوحة على كافة الاحتمالات، وبرغم أن هذه القوات ظلت في حقيقة الأمر تعمل وفقاً لجانب (معلن) يتمثل في القيام بمهامها الرسمية المحددة بواسطة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، فإنه على الجانب (غير المعلن) ظلت تعمل بشكل متحيز يساند المنظور الإسرائيلي حصراً في الصراع، وإلقاء نظرة واحدة على تقارير المسؤولين الدوليين القائمين بأمر هذه القوات تؤكد ذلك.
حالياً تطورت ولاية قوات اليونيفيل والاندوف بقدر أكبر، وأصبح الجانب غير المعلن (معلناً).. لأنه وبسبب سيطرة الولايات المتحدة على عملية صنع واتخاذ القرار الدولي سواء في مجلس الأمن الدولي، أو في مفوضية حفظ السلام، فإن بعثات قوات حفظ السلام، وعلى وجه الخصوص الاندوف واليونيفيل سوف تكون أكثر خطراً من إسرائيل على سورية ولبنان، وذلك لأنها سوف تسعى للقيام بدور وظيفي جديد، وهذا الدول الوظيفي سوف يكون وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، وهي قرارات أصبحت أمريكا وفرنسا وبريطانيا تقوم بالإشراف على صياغتها بحيث تطالب بنودها بما تطالب به إسرائيل، أو بالأحرى سوف تطالب سورية ولبنان بتنفيذ ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه بالحرب.. وبهذه الطريقة ستكون قوات الأندوف واليونيفيل مجرد (قوات المقدمة) التي تعمل لصالح إسرائيل والحكومة الإسرائيلية في الجولان وجنوب لبنان.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...