"تقسيم" تعرّي أردوغان: نصائحك للأسد قد تفيدك

12-06-2013

"تقسيم" تعرّي أردوغان: نصائحك للأسد قد تفيدك

من حديقة "جيزي" المجاورة لساحة تقسيم في مدينة اسطنبول التركية، صدحت أصوات الالاف: أردوغان.. ارحل! هو حراك شعبي بدأ مع بداية الشهر الحالي انطلاقاً من قرار الحكومة تحويل ساحة تقسيم إلى مركز تجاري، لكنه سرعان ما تحوّل من تحرك محدود له دوافعه البيئية والإقتصادية إلى احتجاجات اتسعت رقعتها لتشمل مدن تركية أخرى كأنقرة وأزمير وغازي عنتاب، وهو ما عزاه مراقبون إلى قمع رجال الشرطة للمتظاهرين وعناد رجب طيب أردوغان الذي مضى قدماً في قراره، مستخفاً بمطالب المتظاهرين واصفاً اياهم "بالغوغاء"، بالرغم من أن معظمهم من النخبة المثقفة وطلاب الجامعات والفنانين والصحافيين، ما شكل حافزاً لإشعال فتيل التظاهرات في الشارع التركي وارتفاع وتيرة المطالب وصولاً إلى رفع شعار "إسقاط الحكومة".

والجدير ذكره أن الأحداث التركية الأخيرة أظهرت نوعاً من الإزدواجية في السياسة الأردوغانية، فمن جهة يدعو رئيس الحكومة التركي الرئيس السوري بشار الأسد إلى "الإستجابة لمطالب شعبه والرحيل"، منتقداً "قمع الأسد لشعبه"، ومن جهة ثانية يصف ما يجري في "تقسيم" من احتجاجات ضده بالمؤامرة، مهدداً المتظاهرين وواصفاً اياهم "باللصوص والمشاغبين".

استعداء "الجيران" والإستئثار بالداخل..الفتيل الذي أشعل الشارع

أسباب عديدة تكمن خلف هذه الإحتجاجات المستمرة، رأى البعض أنه من السذاجة اختصارها "بقطع عدد من الأشجار من حديقة جيزي من أجل بناء مركز تجاري"، مقللين بذلك ايضاً من أهمية ما تمّت إثارته عن أن المتظاهرين ضد أردوغان "هم فقط مجموعة من العلمانيين المعارضين لأردوغان الذي يريد من خلال بناء المركز التجاري إلغاء أحد رموز العلمنة، أي ساحة تقسيم، مما يشكل وجهاً من وجوه أسلمة تركيا". ويدعم وجهة النظر هذه استطلاع للرأي أجرته جامعة بيلغي في اسطنبول يفيد بأن "53 % من المتظاهرين لم يشاركوا مطلقاً في حياتهم في تجمع سياسي، و70% لا ينتمون إلى أي حزب سياسي، لكن 92 % منهم يؤكدون أن القمع الذي مارسته الشرطة والقيود التي فرضتها الحكومة هما من الدوافع الرئيسية لتعبئتهم".

تتقاطع نتائج استطلاع الرأي مع ما يؤكده الكاتب والمحلل السياسي التركي حسني محلي لموقع المنار، قائلاً إن "المتظاهرين ضد حكومة أردوغان ليسوا فقط من معارضي أردوغان في الأساس، بل إن نسبة من المتواجدين في الشارع هم من الذين سبق أن صوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات الأخيرة". ويعزو محلي هذا الإنحدار في شعبية أردوغان إلى سياسات الأخير الداخلية والخارجية، "خصوصاً في ما يتعلق بالموضوع السوري، عندما اتخذ رجب طيب أردوغان موقفاً عدائياً مذهبياً من دمشق، حيث كان يصرّ على اتهام ايران الشيعية بدعم الرئيس بشار الأسد العلوي"، موضحاً أن "هذا المنهج الطائفي كان له ارتدادات كبيرة في بعض الأوساط التركية، خصوصاً أن في تركيا هناك حوالي العشرين مليون علوي، إضافة إلى ذلك فقد أدّت سياسة أردوغان تجاه سورية إلى انهيار الإقتصاد في المناطق الحدودية كأنطاكية مثلاً، حيث كانت هذه المناطق تستفيد من العلاقات السورية-التركية الجيدة، إضافة إلى عامل تواجد المسلحين وبعض الجماعات التكفيرية في هذه المناطق".

وفي السياق نفسه، أكد نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض جورسال تكين، في حديث لصحيفة الشرق الأوسط، أنه "عندما ننظر إلى خريطة الشرق الأوسط نرى بجوارنا سورية والعراق وايران، وجميعها يوجد لنا معهم صلة قرابة بين العائلات، والتصعيد يخلق مشكلات وعداء مع هؤلاء الجيران وهذا ليس بالمعقول ولا بالمنطق"، وتابع تكين أن على هذه الأحداث التي استجدت على الداخل التركي أن "تجبر الحكومة على تغيير سياستها العدائية التي تمارسها حيال الجيران"، في إشارة إلى النظام في سورية.

أما على صعيد السياسة الداخلية، يرى مراقبون أن الخطوات العملية التي اتبعها أردوغان منذ أن كان رئيساً لبلدية اسطنبول عام 1994، كانت تهدف إلى "أسلمة الدولة واجتثاث المنظومة العلمانية"، كما استمر أردوغان "بتجاهل مطالب العلويين والتصدي لحرية الصحافة والتعبير وتهديد المعارضين"، كما يذكر الخبير في الشأن التركي محمد نورالدين في مقالة له في صحيفة السفير. ويضيف نورالدين أن أردوغان "لم يتردد في إيلاء كل المشاريع الاقتصادية لمقربين منه ومن حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه، وجيّر لنفسه، في مخالفة لأبسط قواعد الديموقراطية، التصرف بهواجس وحساسيات ومطالب أكثر من نصف المجتمع الذي عارض سياساته الاستئثارية والاستئصالية".

هل بدأ العد العكسي؟

عام 2011 حاز حزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركيا منذ عام 2002، على 50% من الأصوات في الإنتخابات التشريعية الأخيرة وهو ما قيل عنه وقتها إنه فوز ساحق للحزب. لكن وبعد الإحتجاجات الأخيرة التي لم تهدأ بعد، يبدو أن شعبية "العدالة والتنمية" باتت برسم ما ستؤول إليه الأمور في الشارع التركي، حيث يؤكد الكاتب والمحلل السياسي التركي حسني محلي أن هذه التحركات "وضعت حداً لطموحات أردوغان الذي يحلم بأن يصبح رئيساً للجمهورية بصلاحيات واسعة بعد التعديل الدستوري العام القادم"، لافتاً إلى أن ما جرى أثبت أن "معارضي الحكومة سيخرجون إلى الشارع عندما يشعرون أن حريتهم مهددة، غير آبهين بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع".

أما نورالدين فقد اعتبر أن الإستجابة لمطالب المتظاهرين، يتطلب تغييراً جذرياً في سلوك "العدالة والتنمية" تجاه القوى المعارضة، وأن هذا "التغيير المستحيل في السلوك يعني الإعتراف بالفشل، فحال الحزب اليوم هو تماماً كحال الأنظمة المطلقة غير ممكن إصلاحها إلا بانهيارها، لذا فإن العد العكسي ل "العدالة والتنمية" قد بدأ"، بحسب الخبير في الشأن التركي.

سمية علي

المصدر: موقع المنار
 
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...