تمدد التمرد العراقي داخل وخارج العراق

13-03-2008

تمدد التمرد العراقي داخل وخارج العراق

الجمل: تتناول التحليلات والتعليقات الجارية الأزمة العراقية على أساس اعتبارات أنها مشكلة جارية على خطوط بغداد – واشنطن – طهران – الرياض دون إعطاء الاعتبار اللازم لخط التمرد العراقي الذي أصبح يشكل أحد الطرفين الرئيسيين في الأزمة العراقية إلى جانب القوات الأمريكية.
* التمرد العراقي: التوصيف وصعود الظاهرة:
في الفترة الممتدة من أول نيسان 2003م حتى الآن، يشير التوصيف إلى أن التمرد العراقي أصبح يشكل ظاهرة واسعة العمق وشديدة التعقيد، ويمكن توصيف ذلك على أساس الاعتبارات الآتية:
• المتغير البنائي: لجهة العناصر والمكونات، يتضمن القوام البنائي – الهيكلي الخاص بالتمرد العراقي القوى والعناصر الآتية:
* الميليشيات الشيعية: وتتمثل في جيش المهدي التابع للتيار الصدري وفيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وحزب الله العراقي إضافة إلى جماعات مسلحة صغيرة مثل جند السماء وغيرها.
* البعثيون: وتمثل ميليشيا فدائيي صدام الفصيل الرئيسي فيها إضافة إلى ثلاثة مجموعات صغيرة تتكون من بعض عناصر الجيش العراقي السابق وأجهزة المخابرات والشرطة العراقية السابقة.
* القوميون العراقيون: وتتكون من مجموعات من التنظيمات الصغيرة ذات التوجهات العراقية المحلية ذات الطابع القومي الاجتماعي.
* المليشيا السنية: تتضمن أكثر من 15 فصيل وجماعة مسلحة، أبرزها حركة المقاومة الإسلامية العراقية وجيش محمد وألوية الفاروق وأنصار الإسلام وغيرها، وتتميز هذه بطابعها الإسلامي العراقي لجهة أن الطابع العراقي يغلب على عناصرها، وإضافة إلى هذه الفصائل والجماعات توجد التنظيمات والجماعات الإسلامية ذات الطابع الإسلامي الذي لا يتقيد بالنزعة العراقية ومن أبرزها تنظيم القاعدة وجماعة أنصار السنة والجماعة السلفية وغيرها.
* المليشيات اليسارية: يمثلها حالياً فصيل واحد هو المقاومة الثورية المسلحة العراقية وتتميز هذه الميليشيا بخطابها اليساري الشيوعي.
وعلى هذه الخلفية، لا يعرف حتى الآن العدد الحقيقي للمليشيات والفصائل التي تحمل السلاح في الساحة العراقية، وعلى الأغلب أن يكون عددها الحقيقي قد تجاوز الـ50 فصيلاً مسلحاً على الأقل.
• المتغير القيمي: لم تنشأ حركة التمرد العراقي ضمن حركة سياسية موحدة البرنامج على غرار الحركات المسلحة المعاصرة التي اشتهرت بمقاومة النفوذ الأمريكي، في فيتنام، أمريكا اللاتينية وغيرها من حركات الكفاح المسلح التي كانت تتميز بوحدة البرنامج ووحدة القيادة ووحدة الهدف، وبالنسبة لحركات التمرد العراقية، فإنها وإن كانت تتمتع بإيجابية المطلب لجهة المطالبة بخروج القوات الأمريكية وتحرير العراق، فإنها تتمتع بالكثير من السلبيات الأخرى لجهة:
* تعدد القيادات.
* تعدد المطالب والأهداف.
* تعدد الوسائل.
* تعدد الانتماءات.
* تعدد البرامج.
بكلمات أخرى، فإن هناك قيادات شيعية وأخرى سنية وأخرى قطرية وأخرى قومية، وعلى أساس الأهداف فهناك من يطالب بإقامة دولة إسلامية شيعية وأخرى إسلامية سنية، وأخرى عربية وأخرى ديمقراطية ليبرالية وأخرى شيوعية، إضافة إلى وجود من يطالب بتقسيم العراق إلى دول صغيرة وهناك من يطالب بدولة واحدة ولكنها تنقسم إلى كيانات فيدرالية. وقد أدت هذه الانقسامات إلى الآتي:
* إضعاف المقاومة العراقية.
* تفتيت الإرادة الوطنية العراقية.
* تغذية الخلافات وتصعيد النزعات والاقتتال الداخلي الأهلي العراقي.
وعن طريق هذا الوضع المتفتت استطاعت الولايات المتحدة التغلغل في البيئة السياسية العراقية وتنفيذ الكثير من عمليات الحرب السرية والعمليات النفسية التي أدت إلى تعميق الخلافات بين العراقيين وتزايد حالة اليأس والإحباط على النحو الذي دفع إلى هجرة 4.5 مليون عراقي وإلى ظهور من يطالب علناً ببقاء القوات الأمريكية والاحتلال الأمريكي للعراق.
• المتغير التفاعلي: تغيرت الخارطة السياسية العراقية بحيث أصبح الصراع يدور بين أطراف رئيسية تجد المساندة والمؤازرة من الأطراف الثانوية:
* الأطراف الرئيسية: تتمثل في المقاومة المسلحة العراقية والقوات الأمريكية.
* الأطراف الثانوية: تتمثل في "الحكومة العراقية" المتحالفة مع أمريكا والقوات الأمريكية وميليشيات البشمركة الكردية المتحالفة مع أمريكا وبعض الحركات السياسية الدينية العراقية المتحالفة مع حركات المقاومة المسلحة العراقية.
وإزاء الطابع العابر للحدود الذي اتسمت به الأزمة العراقية فقد برزت ظاهرة تدخل الأطراف غير العراقية التي يمكن استعراضها على النحو الآتي:
• إيران وتعمل على دعم المليشيات المسيطرة على جنوب العراق ودعم حكومة المالكي.
• بلدان الخليج: تعمل ضمن مسارين الأول معلن يتمثل في دعم حكومة بغداد على خلفية علاقات هذه الدول مع الولايات المتحدة الأمريكية، والثاني غير معلن يتمثل في دعم الحركات السنية.
• أمريكا: وبرغم أن القوات الأمريكية تمثل طرفاً رئيسياً في الصراع فإن واشنطن أيضاً تمثل أطرافاً خارجية في الصراع عن طريق تقديم الدعم للمليشيات الكردية.
• إسرائيل: وتقدم دعمها العلني للمليشيات الانفصالية الكردية ولحكومة كردستان الإقليمية الموجودة في أربيل عاصمة الشمال العراقي، إضافة إلى قيام إسرائيل باستخدام بعض "الأطراف الثالثة" والاستعانة بها كأطراف تقوم بتوصيل عملية الدعم الإسرائيلي غير المباشر لبعض حركات التمرد العراقي، وعلى سبيل المثال من غير المستبعد أن تكون إسرائيل قد استعانت ببعض الأطراف العربية – الإسلامية من أجل دعم تنظيم القاعدة وتعزيز جهود إشعال الحرب السنية – الشيعية في العراق وبقية المنطقة.
* التمرد العراقي ومخاطر الانتقال إلى مرحلة التدويل الكامل:
المعلومات الواردة في التقرير الاستخباري الدوري الأخير الذي نشره موقع مؤسسة جيمس تاون تحت عنوان «نظرة على شرق المتوسط: تدويل التمرد العراقي» هي معلومات تشير إلى الآتي:
• حدثت عملية انتقال وحراك إقليمي واسع للعناصر المسلحة العراقية التي كانت ناشطة في ساحة التمرد العراقي خلال الثلاثة أعوام الماضية.
• ركزت عملية الانتقال على إمداد بعض الساحات الإقليمية الشرق متوسطية بالعناصر، وحالياً انتقلت بعض العناصر إلى غزة والضفة الغربية ولبنان والأردن.
• عناصر تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين كانت الأكثر خروجاً من العراق باتجاه الأراضي الفلسطينية والأردن.
• ساهمت عناصر تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بدور فاعل وكبير في بناء ثلاثة شبكات لتنظيم القاعدة في منطقة شرق المتوسط في فلسطين ولبنان والأردن.
• تنظيم القاعدة في المناطق الثلاثة ينضوي ضمن شبكة ما يمكن أن تطلق عليه تسمية "قاعدة بلاد الشام" ومن المحتمل أن يتم توزيع الأدوار بين المكونات الثلاثة بحيث:
* تنظيم القاعدة في فلسطين سيقوم بدور قوات المقدمة في مهاجمة إسرائيل.
* تنظيم القاعدة في لبنان سيقوم بدور قوات المقدمة في مهاجمة الأمريكيين والغربيين وحلفائهم اللبنانيين.
* تنظيم القاعدة في الأردن سيقوم بدور قوات المساندة والإمداد لجهة قيامه بتقديم الدعم وتزويد تنظيم القاعدة في فلسطين ولبنان بالاحتياجات وتشكيل المنطقة الخلفية التي لها حرية الحركة والمناورة والاتصالات وتوصيل التبرعات وغير ذلك.
تشير التوقعات إلى احتمالات مختلفة إزاء ما يمكن أن يحدث من جراء تمدد تنظيم القاعدة ضمن منطقة شرق المتوسط ومن أبرز التوقعات:
• احتمالات تصاعد العمليات المسلحة والتفجيرات الانتحارية التي تستهدف الإسرائيليين داخل إسرائيل والتي تستهدف الأمريكيين والغربيين وحلفائهم اللبنانيين داخل لبنان.
• احتمالات تصاعد العمليات المسلحة والتفجيرات الانتحارية ضد الأطراف الوطنية اللبنانية والوطنية الفلسطينية التي تتبنى المواقف والتوجهات المتعارضة مع مواقف وتوجهات تنظيم القاعدة:
* في الساحة الفلسطينية ندد أيمن الظواهري زعيم القاعدة بتوجهات حركة فتح وحركة حماس، وبالنسبة لحركة فتح فقد ندد زعيم القاعدة بانخراطها في المفاوضات مع الإسرائيليين والأمريكيين، أما بالنسبة لحماس فقد ندد زعيم القاعدة بانخراطها في الانتخابات البرلمانية والمشاركة في الحكومة والسلطة الفلسطينية، مطالباً حماس بإعلان انسحابها من الانتخابات ومؤسسات السلطة الفلسطينية.
* في الساحة اللبنانية تواجه تنظيم القاعدة الكثير من التعقيدات المرتبطة بخصوصية الساحة اللبنانية حيث لا يوجد فيها فراغ تنظيمي يتيح لتنظيم القاعدة العمل وتثبيت أقدامه وذلك لأن معظم الناشطين اللبنانيين لهم انتماءاتهم، وبالنسبة للمجتمع السني اللبناني الذي يمثل المجال الخصب لانتشار وتمدد تنظيم القاعدة فإن هناك العديد من التنظيمات السنية المتطرفة الناشطة في الساحة اللبنانية، والتي لن يستطيع تنظيم القاعدة تخطيها بسهولة والنفاذ إلى عمق البيئة السياسية اللبنانية، وفي لبنان التنظيمات المشابهة لتنظيم القاعدة من حيث الإيديولوجية والمذهبية هي عصبة الأنصار، حزب التحرير، وفتح الإسلام وغيرها، ولن يكون أمام تنظيم القاعدة من سبيل سوى عقد "الشراكة الجهادية" مع هذه التنظيمات. وبالنسبة للعمليات العسكرية من الصعب أن ينجح تنظيم القاعدة في جر لبنان إلى دائرة الحرب السنية – الشيعية، ولكنه قد ينجح في توسيع نطاق دائرة الاغتيالات بحيث تشمل الأمريكيين والغربيين والأجانب وحلفائهم من اللبنانيين.
* التمرد العراقي والتمدد إلى منطقة شرق المتوسط:
الغزو والاحتلال العسكري الأمريكي العراقي أدى إلى تشكيل البيئة الخصبة لنمو تنظيم القاعدة وتمدده إلى مناطق الجوار الإقليمي والأنشطة العدوانية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين واللبنانيين شكلت المناخ والبيئة الجاذبة لتمدد تنظيم القاعدة إلى منطقة شرق المتوسط. برغم أن هذا التمدد عبر قيامه بشن العمليات المسلحة ضد الإسرائيليين والأمريكيين في المنطقة سوف يشكل من جهة "فرصة" جديدة في مجال المقاومة، إلا أنه من الجهة الأخرى سيشكل "مخاطرة" بسبب أنه يوفر المزيد من الذرائع لواشنطن وتل أبيب في تعزيز وتنشيط استخدام القوة العسكرية المفرطة ضد المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين تحت مزاعم الحرب ضد الإرهاب.
وتندرج تحت المخاطر أيضاً، احتمالات أن يقوم تنظيم القاعدة بالإفراط في أنشطته لجهة استهداف الفلسطينيين واللبنانيين الذين يختلفون مع توجهاته ويعارضونها، الأمر الذي ستترتب عليه المزيد من النزاعات والصراعات الداخلية وهو أمر سيغري الموساد الإسرائيلي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية وربما المخابرات الفرنسية والبريطانية إلى القيام بتنفيذ عمليات سرية موجهة ضد الأطراف المحلية وتتم باسم القاعدة، تماماً على غرار ما حدث في عملية تفجير مرقد الإمام العسكري في سامراء وحادثة الجسر بجنوب العراق وغيرها، على النحو الذي قد يؤدي إلى صراعات ونزاعات داخلية تنشط فيها عمليات "فرق الموت" وأساليب السيارات المفخخة وغير ذلك.

 

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...