خيارات الحكومة اللبنانية: حرب أهلية أو موت بطيء لقوى 14 آذار

07-09-2007

خيارات الحكومة اللبنانية: حرب أهلية أو موت بطيء لقوى 14 آذار

الجمل:     الحرب الباردة بين حكومة السنيورة اللبنانية وقوى 14 آذار المؤيدة للغرب من جهة، والمعارضة اللبنانية التي يقودها حزب الله والتجمع الوطني الحر، هي حرب باردة وصلت إلى نقطة تحول ومنعطف رئيسي حاد، إزاء إشكالية تصويت مجلس النواب اللبناني من أجل اختيار رئيس الجمهورية الذي سوف يحل محل الرئيس اللبناني الحالي اميل لحود.
• خطوط الانقسام والاختلاف في الساحة السياسية اللبنانية:
أصبح لبنان بلداً منقسماً حول مستقبل تطور الدولة اللبنانية السياسي. واستناداً إلى تحليل بن جودا، مراسل شبكة أي.اس.ان الاستخبارية في بيروت، فإن التكتل الإسلامي السني الذي يتزعمه سعد الحريري وحلفاؤه قد أدى إلى تشكيل وصياغة المشهد اللبناني على أساس اعتبارات وجود حكومة ضعيفة ونظام دولة ينفتح على الغرب، وذلك على النحو الذي أعاد لبنان الحالي إلى الوضع الذي كان عليه قبل اندلاع الحرب الأهلية السابقة.
أما المعارضة بقيادة حزب الله، والتيار الوطني الحر، وحركة أمل، وحلفائهم، فهي تنظر إلى لبنان باعتباره (القلعة والحصن) في الصراع والحرب ضد إسرائيل والولايات المتحدة.
أما الأطراف الخارجية الثلاثة، فتتمثل في إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا والسعودية التي تستمر في جهودها مراهنة على كتلة الحريري وحلفائه، بينما تجتهد إيران وسورية في الرهان على المقاومة والمعارضة الوطنية اللبنانية.
• عمق الخلافات والفوارق:
على الصعيد الاجتماعي، يرى بعض اللبنانيين الذين يعتمدون نمط وأسلوب الحياة الغربية، بأن أسلوب حياتهم أصبح معرضاً للخطر، وهذا النوع من اللبنانيين هم الأكثر عداء لسورية والعرب، وبالتالي فقد راهنت قوى 14 آذار على هذه الفئة الاجتماعية ووضعت كل أوراقها السياسية في سلتها.. وعلى النقيض من هذه الفئة، يقف حزب الله وحركة أمل والمقاومة الوطنية اللبنانية، على الجانب الآخر الذي ينظر إلى سورية كحليف وامتداد شقيق للبنان، وتساند هذه القوى جماهير غفيرة، وبالذات في مناطق جنوب لبنان، وسهل البقاع، وعلى وجه الخصوص سكان كل الأرياف اللبنانية، بحيث لم تعد جماعة قوى 14 آذار تتمتع بالتأييد إلا في وسط بيروت، وصيدا (مدينة الحريري والسنيورة) والمختارة، وبعض المناطق الصغيرة الأخرى التابعة لسمير جعجع.
يقول بن جودا (مراسل الشبكة في بيروت)، بشكل عملي لقد أصبح يوجد حالياً في لبنان شعبين، وكل واحد منهما يشكل معسكره السياسي- الاجتماعي الخاص به، ويضيف المراسل بن جودا قائلاً بأن مهمة إسرائيل الحقيقية العاجلة حالياً هي العمل على تدعيم وجود هذين الشعبين اللبنانيين بحيث يتعمق الانفصال والخلاف بينهما أكثر فأكثر، على النحو الذي يؤدي إلى انقسام اقتصادي في الحياة العامة، وذلك بشكل يترتب عليه لاحقاً حتمية إشعال الحرب الأهلية، والتي سوف تحاول إسرائيل وأمريكا بمساعدة المعتدلين العرب توظيفها بما يؤدي إلى (اتفاق طائف جديد)، ليس إلى توحيد لبنان، وإنما لإقامة كيانين لبنانيين، تماماً كما حدث في الأراضي الفلسطينية، والذي يتمثل في نموذج قطاع غزة، ونموذج الضفة الغربية.
بدأت الأزمة تأخذ بعداً حقيقياً عندما تزايد الخلاف حول قوة حزب الله العسكرية داخل مجلس الوزراء، والذي تفكك عملياً بعد مطالبة المعارضة بمنحها حق الفيتو على قرارات المجلس، وذلك على النحو الذي أدى إلى انسحاب وزراء المعارضة، بشكل أضفى على المجلس طابع اللاقانونية، واللاشرعية، وقد اضطر رئيس مجلس النواب اللبناني إلى تعطيل أعمال المجلس بسبب عدم شرعية وعدم دستورية إجراءات مجلس الوزراء اللبناني.
توقفت الإصلاحات، وتزايدت الضغوط الاقتصادية، وتدهورت الخدمات، الأمر الذي أوقف عجلة النمو الاقتصادي اللبناني، وتفاقم الأمر، بحيث أصبح الاقتصاد اللبناني الآن يقف عارياً استعداداً للسقوط في هاوية الانهيار الشامل.
أدى اعتصام المعارضة، ومعركة مخيم نهر البارد، وغير ذلك إلى تجميع سحب عاصفة الأزمة، وحالياً تلبدت غيوم وسحب الأزمة في السماء اللبنانية بقدر أكبر فأكبر، بحيث أصبحت أكثر قتامة بسبب الخلافات حول اختيار رئيس الجمهورية اللبناني الجديد.
أزمة انتخابات رئيس الجمهورية اللبناني من الواضح أنها سوف تتحول إلى أزمة دستورية، خاصة إذا تم عقد جلسة المجلس المتعلقة باختيار الرئيس، ولم يحضرها نواب المعارضة، وأصبح النصاب الدستوري انتخاب رئيس الجمهورية غير مكتمل.. وبكلمات أخرى، فإن عدم حضور نواب المعارضة سوف يؤدي إلى دخول القوى السياسية اللبنانية إلى حلبة الصراع والمساومات، والتي لن تصل إلى حل إلا بإجراء المزيد من التعديلات، والتي سوف تكون هذه المرة (تعديلات دستورية)، ولن ترضى المعارضة اللبنانية هذه المرة بالفتات، خاصة وأنها تجد دعم ومساندة الأغلبية في الشارع اللبناني، وسوف لن يكون أمام تكتل الحريري وقوى 14 آذار وحكومة السنيورة سوى الخيار بين أمرين أحلاهما مر، وهما:
- إشعال الحرب الأهلية ضد المعارضة اللبنانية والاستفادة من الدعم الإسرائيلي والغربي، بما يؤدي إلى إضعاف قوى المعارضة اللبنانية ميدانياً.
- القبول بعملية الموت البطيء لقوى 14 آذار، وذلك عن طريق الموافقة على التعديلات الدستورية، أو الموافقة على الرئيس الذي تريده المعارضة، أو القبول بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.. وجميعها سوف تؤدي إلى تحرير شهادة وفاة قوى 14 آذار وحكومة السنيورة، وذلك لأن أغلبية الشارع اللبناني تساند المعارضة الحالية.
تشير التحليلات إلى أنه حتى الخيار الأول (أي خيار الحرب الأهلية) سوف لن يكن في مصلحة قوى 14 آذار وحكومة السنيورة، وذلك لأنه لا الميليشيات التابعة لقوى 14 آذار تستطيع هزيمة قوات المعارضة اللبنانية (حزب الله وحركة أمل والمقاومة اللبنانية)، ولا جيش حكومة السنيورة سوف يقبل بالاشتراك في القتال إلى جانب ميليشيات سمير جعجع وجنبلاط، وبالتالي لن يكون أمام قوى 14 آذار وحكومة السنيورة خيار أفضل من الخيار الثاني، وهو القبول بالموت البطيء والوفاة الهادئة، وذلك لأن هذا الخيار على الأقل سوف يتيح لهم فرصة الانفراد بالمعارضة السياسية، والعمل من أجل العودة إلى كراس السلطة مرة أخرى.
• هل من سيناريوهات بديلة أمام قوى 14 آذار وحكومة السنيورة:
يدرك زعماء قوى 14 آذار ومن ورائهم حكومة السنيورة، خطر الوفاة الطبيعية الهادئة أو الوفاة العنيفة المحرقة بالتحالف السياسي الذي تعبوا كثيراً في عملية بنائه تأسيساً على (معطيات نظرية المؤامرة) التي استندت على استغلال وتوظيف اغتيال رفيق الحريري كنقطة انطلاق لتسويق العداء ضد سورية والتقارب مع إسرائيل، والحصول على الدعم الأمريكي والغربي، وفقط وقفت أمامهم عقبة القوى الوطنية اللبنانية.
وعموماً، السيناريو البديل الذي تحاول قوى 14 آذار اللجوء إليه الآن واستخدامه كمخرج يؤدي إلى تفادي خياري الوفاق، هو تجيير نجاح الجيش اللبناني في القضاء على جماعة فتح الإسلام التي كانت تتحصن في مخيم نهر البارد، واستخدام انتصار الجيش من أجل الدفع بالتطورات في اتجاه جديد، وقد أفادت المعلومات بأن الحكومة اللبنانية وقوى 14 آذار تسعى إلى دفع التفاعلات السياسية إلى السير في اتجاه تصعيد ملف المخيمات الفلسطينية، وبكلمات أخرى، فإن حدوث بعض الانفجارات داخل بعض هذه المخيمات سوف يوفر للجيش اللبناني الذريعة للدخول في معارك جديدة في المخيمات الفلسطينية، الأمر الذي سوف تحاول الحكومة اللبنانية استغلاله وتوظيفه من أجل دفع اللبنانيين إلى مساندتها والالتفاف حولها من جهة، بما يؤدي من الجهة الأخرى إلى عزل وإضعاف المعارضة اللبنانية والتي سوف يكون لها موقف مختلف هذه المرة.


 
الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...