فضائيات تكشف العورات وأخرى تشبهها

14-11-2010

فضائيات تكشف العورات وأخرى تشبهها

الجمل-دبي-ميساء آق بيق: ماذا لو نفذ الإسرائيليون خطتهم القاضية بهدم المسجد الأقصى، كيف ستتعامل الفضائيات العربية مع هذا الخطب الجلل؟الإعلامية السورية ميساء آق بيق
بإمكاننا أن نتخيل سيناريو الأحداث وفقا لما يجري عادة. ستفتح الفضائيات الإخبارية الهواء لنقل الحدث مباشرة وسيبدأ المراسلون بشرح الوضع الجاري على الأرض من قرارات منع تجول ستتبع الهدم على الأغلب وسيستفيض السياسيون والمحللون في التنديد والشجب ومناشدة الأمم المتحدة وأميركا ودول الاتحاد الأوروبي ودول عدم الانحياز وحلف شمال الأطلسي ودول أميركا اللاتينية وكل أقاصي الأرض في التدخل لمعاقبة إسرائيل ووضعها عند حدها وستنطلق المظاهرات في شوارع المدن العربية والتي ستنقلها الفضائيات بالطبع مليئة بالصراخ ولافتات الاستنكار وحرق الأعلام الأميركية والإسرائيلية ومجسمات السياسيين الموجودين في المرحلة وستلتقط المايكروفونات بعض الناس وأحدهم يسأل أين الزعماء العرب، وثان يناد حزب الله والسيد حسن نصر الله وأحمدي نجاد اللذين يتوعدان إسرائيل في خطبهما، وآخر يطالب بفتح الحدود كي تهجم الشعوب العربية على إسرائيل، وكأن هجوم الشعوب وفتح الحدود بحاجة إلى قرار رسمي وكأن المسألة ليست انتزاعا بالقوة والدم، وبعد برهة سيتحرك موضوع الساعة إلى البرامج التحليلية وبرنامج الاتجاه المعاكس الذي سيتحول إلى منبر لشتم الزعماء العرب، وهؤلاء بالطبع لاحياة لمن تنادي.
أما بقية الفضائيات "غير المعنية" فستتابع برامجها العادية، محطات الأغاني ستستمر في بث الفيديو كليبات التي تصف الهجر والحب والعذاب وكيد المحبين ودلع البنات وغزل الشباب، ولن تتوقف حلقات المسلسلات التركية والمكسيكية والسورية والمصرية والأفلام الأجنبية التي تم وضعها على خارطة البث منذ أسابيع، وقنوات المطبخ ستبقى في المطبخ والقنوات الدينية ستبث الأغاني الدينية والأحاديث التي تتحدث عن قدسية المسجد الأقصى وحادثة الإسراء والمعراج التي أسرى فيها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام إلى هناك وصلى بالأنبياء، وتتوالى الأيام ولا يتغير شيء وبعد مدة غير طويلة سيستسلم الجميع للواقع والوضع الراهن وسيقتنع العرب بأن ليس في أيديهم شيء يفعلونه ويعود كل إلى حياته العادية وقناته المفضلة، ومن اعتاد إرسال الرسائل النصية القصيرة التافهة عبر محطات الأغاني سيعود إلى سابق عهده، هذا إذا افترضنا في البداية أن هذا سيتوقف، وستسأل كل امرأة جارتها وصديقتها عما فاتها من حلقات المسلسل الذي كانت تتابعه وهكذا....
من المضحك المبكي أننا بتنا نعرف مسبقا أو بالأحرى باتت إسرائيل تعرف مسبقا كيف ستكون ردة الفعل العربية وما الذي سيترتب على فعلها الشنيع، هو بمنتهى الاختصار: لا شيء. الفضائيات التي نقلت الخبر وتواليه في الأيام الأولى لن تكون سوى اسفنجة تمتص الغضب وتفرغه من محتواه، فالإنسان يرتاح عندما يسمع غيره يتحدث بلسانه، والشعوب العربية اعتادت على حياة القمع والاستبداد حتى أصبح أمرا لا جدال فيه، وبحمد من الله ونعمة ليس عندنا أحزاب لها أجندات جادة في التغيير وبالأصل ليس عندنا انتخابات تغير الحاكم أو المسؤولين وبالتالي فجميع الأمور معدة سلفا لهكذا حادثة، من إذن سيعاقب من؟؟؟ وبالمحصلة، على ماذا سيعاقب المسؤول إذا كان مكتوبا في لوح محفوظ بأن المسجد الأقصى سيهدم يوما؟ من المؤسف جدا أن هذه الشعوب التي يطلق عليها اسم الشعوب العربية كانت في  مرحلة زمنية معينة شعوبا حية تنتفض وتتحرك وتتظاهر وتسقط حكومات وتطرد استعمارا ودخلت الآن في سبات أهل الكهف.
بي بي سي
على الشاشات خبر إضراب العاملين في محطة تلفزيون بي بي سي البريطانية وسائل يسأل: لماذا نحن في البلاد العربية من مشرقها إلى مغربها لا يحق لنا أن نضرب عن العمل وإلا فالفصل نهاية خدمتنا؟ وفي الواقع أني أعتقد أن من فضل المسؤولين علينا أنهم يمنعون الإضراب في بلادنا فنحن شعب كسول جدا ونريد فرصة كي لا نذهب للعمل وهكذا فسيتحول الأمر إلى دعوات دائمة وجماعية لتنفيذ الإضراب بمناسبة وبلا مناسبة، هذا إذا افترضنا بالأصل أن أحدا دعا لإضراب وتجاوب معه الباقون، ولمن لا يصدق أو لا يقتنع بهذا الكلام فليجرب أن يذهب إلى شركة أو مؤسسة كبرى عربية طبعا ويدعو لإضراب ليوم واحد على خلفية ظلم يقع على الموظفين وأتحدى أن مجموعة ستتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ستستمع إلى كلامه أو ستنفذ دعوته، ألا ترون؟ لم نعد أمة بكلمة واحدة، زمن الوحدة والاتحاد قد ولّى...
أوبرا
بعيدا عن السياسة والفضائيات الإخبارية وباعتبار أن مذيعة البرامج الأشهر في العالم أوبرا وينفري على وشك الانتهاء من حلقات برنامجها الأخيرة بعد مرور خمسة وعشرين عاما على بداية بثه، لفتتني حلقة غاية في الطرافة قدمتها أوبرا منذ أيام وعنوانها العريض: "هل أنت إنسان طبيعي؟"
لم تترك أوبرا والمختصين بعلم الاجتماع والنفس تفصيلا صغيرا في حياة الإنسان الأميركي اليومية إلا وتناولته، تحدثت في الحب والجنس والنوم والطعام والرياضة وحتى وصلت إلى عدد المرات التي ينكش فيها الإنسان أنفه خلال النهار وعدد المرات التي يصدر فيها الغازات من بطنه، وبقدر ما كانت هذه المواضيع مضحكة بقدر ماهي طبيعية جدا في حياة البشر، ولهذا كان الحاضرون يصوتون بعفوية وصدق على كل سؤال يطرح عليهم، الأجوبة والحكم عليها تتبع بالطبع طريقة الحياة الأميركية، إذ عندما يتم سؤالهم إذا كانوا يتحدثون إلى حيواناتهم الأليفة فذلك لأن أغلبهم يقتني بالفعل حيوانات أليفة في منزله، لا تنفع جميع الأجوبة أو الأحكام مع أشخاص لا يعيشون على النمط الأميركي ولكنها تسلط الضوء على البساطة في التعامل مع الظواهر الإنسانية من قبل برامج التلفزيون عندهم، إننا وبحكم ثقافتنا المنغلقة والخجولة والمحرجة من أي حركة تجدنا دائما نحسب حسابا للغير قبل أن نفكر في أنفسنا، ونحن عندما نكذب نفعل ذلك لأننا نريد أن نبدو دائما بصورة أقرب إلى الكمال، هذا يعني أننا نعرف تماما ماهي أخلاق الكمال ولكننا في النهاية لانقتدي بها، فنتحول إلى شعوب تعيش حالة من انفصام الشخصية الدائم، فنحن في المنزل حتما مختلفون عما نحن في الخارج، من هنا تحيط بنا خيبات الأمل في بعضنا البعض لأننا أجدنا التمثيل إلى حد الاحتراف لدرجة لم نعد نشعر بمدى الخطأ الذي نرتكبه عندما نمثل أو نكذب.
عندما سافر جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده إلى الغرب وقال أحدهما إنه وجد هناك مسلمين بدون إسلام لم يكن يتخيل أن يكون حال بلاد الإسلام كما هو الآن بعد مرور قرن، لقد تحولت أخلاق الشعوب العربية إلى أسوأ ما يمكن وصفه، فلا أحد يعمل في مهنته بإخلاص وضمير وأخلاق وهو يرى المتسلقين وبائعي الهوى يحققون ما يبغون من طموحات بأقصر الطرق، وهو يرى المرتشين يمتلكون أغلى البيوت والسيارات بأسهل الطرق، وهو يجد رؤساءه إما لاهين بأهوائهم أو غير مستعدين للمحاسبة إلا عندما تتهدد مصالحهم، وهو يستسهل الحياة ويريد دائما من يقوم لخدمته بدلاً من أن يخدم نفسه ويعتمد عليها، ليس هكذا تسود الأمم وتحقق ذاتها، لم يخطئ الشاعر الذي قال إنما الأمم الأخلاق مابقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، وتلك الدول الغربية التي تضيق ذرعا بالمسلمين على أراضيها ليست بالضرورة دائما حاقدة على الدين ذاته بقدر ما ترى في بعض النماذج صورة سيئة من المتواكلين الذين استمرءوا نظام التأمين المعاشي وباتوا يعيشون عالة على دافعي الضرائب الذين يتعبون وهم يجنون مالهم، ومن المنغلقين الذين لا يريدون أن يكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع الذي يأويهم متذرعين بالنقاب والحجاب واللحية والمظاهر التي لا علاقة لها بروح الإسلام. لا تسود دول العالم الغربي بالتفوق العسكري فقط، العلم والعمل منارتان مقدستان تستنير بهما دول العالم المتقدم إضافة إلى الأخلاق والصدق، أما نحن فلنا الجهل والنوم علامات بها نهتدي وعليها نعتاش.




التعليقات

كما قلت : بأننا نشعر بالراحة عندما نسمع أحدا يتحدث بلساننا , لأنني أعتقد بأن الخوف قد زرع في داخلنا لذلك هم يضعون من يتكلم عنا , لامتصاص غضبنا .. برأيي أن هذه هي السياسة المتبعة في الأعلام في معظم بلاد العالم , ان لم تكن جميعها لأنها في النهاية تنتمي وللأسف الى مدرسة واحدة ..وهي كلها مسيرة ومسخرة لبناء رأي عام وفقا لرغباتها و مصالحها ...

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...