قراءة في الأزمة اللبنانية من وجهة نظر معهد واشنطن

الجمل: نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، تحليلاً أعده الباحث ديفيد شينكر، حمل عنوان (الأزمة في لبنان: حزب الله، السنيورة، ووساطة الجامعة العربية). وينظر التحليل إلى الأزمة اللبنانية باعتبارها قد دخلت طوراً جديداً.
يقول ديفيد شينكر: المواجهة التي استمرت طوال ستة أسابيع بين حزب الله والحكومة، ماتزال مستمرة، برغم عودة عمرو موسى أمين الجامعة العربية إلى لبنان من أجل الوساطة، والذي سبق أن أشار إلى تفاؤله بإنجاز صفقة التسوية بين أطراف الأزمة خلال الأسبوعين القادمين.
تناول ديفيد شينكر الأزمة اللبنانية هذه المرة، ضمن أربع نقاط يمكن استعراضها على النحو الآتي:
• الخلفية: وتشير تحديداً إلى موضوع الأزمة اللبنانية، والذي يتمثل في الآتي:
- أطراف الأزمة:
* قوى 14 آذار والحكومة اللبنانية.
* المقاومة اللبنانية وحزب الله وحركة أمل، والتيار الوطني الحر وحلفاؤهم.
- موضوع الأزمة:
استقالة وزراء حزب الله، ومطالبة المقاومة بـ(الثلث الضامن: أي ثلث عدد المقاعد +1) داخل الحكومة، مقابل رفض قوى 14 آذار وجماعة السنيورة داخل الحكومة تلبية هذا الطلب.
ويضيف التحليل بأن أعضاء الثلث الضامن للمعارضة سوف يترتب عليه تمتع هذه المعارضة بميزتين، هما:
* استخدام حق الفيتو ضد قرارات الحكومة.
* إسقاط الحكومة، وذلك لأن استقالة أكثر من ثلث الوزراء تؤدي بحسب الدستور اللبناني إلى حل الحكومة تلقائياً.
ويقول ديفيد شينكر: إن منح هذه المزايا إلى المعارضة اللبنانية، سوف يؤدي بالضرورة إلى عرقلة ملف المحكمة الدولية، وتعزيز موقف دمشق مرة أخرى في لبنان.
• تصاعد التوترات: يتحامل ديفيد شينكر في تناوله لديناميكيات التصعيد، وذلك عندما يشير إلى تصريحات نعيم قاسم القيادي بحزب الله، والجنرال ميشيل عون زعيم التيار الوطني الحر واتهامهم لقوى 14 آذار وحكومة السنيورة بالتآمر مع إسرائيل وأمريكا ضد المقاومة اللبنانية، باعتبارها تمثل الوقود الذي أدى إلى دفع الأزمة باتجاه المزيد من التصاعد والتوتر، وفي الوقت نفسه يتغاضى ويتفادى تصريحات السنيورة وجنبلاط وسعد الحريري.. وغيرهم من زعماء قوى 14 آذار، وكأنه لا دور لهم في هذه الأزمة.
كذلك ينتقل ديفيد شينكر إلى وصف الأزمة اللبنانية باعتبارها مواجهة شيعية سنية، متغافلاً وجود الجنرال ميشيل عون وتياره الوطني الحر، ومجموعة سليم الحص وعمر كرامي السنية ضمن معسكر حزب الله وحركة أمل، وأيضاً متغافلاً عن وجود حركة القوات اللبنانية ونفيه القوى السياسية المسيحية الأخرى ضمن معسكر قوى 14 آذار.
• جهود الوساطة: يستعرض ديفيد شينكر جهود الوساطة على النحو الآتي:
- الوساطة المارونية: وتقدم بها البطريرك الماروني بطرس صفير، وتضمنت البنود الآتية:
* التزام الهدوء لتفادي وقوع الحرب الأهلية.
* العودة للحوار والتفاهم.
* تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي.
* وضع حد لعملية تبادل الاتهامات والخطابات ذات النغمة الانتقادية.
* إجراء انتخابات مبكرة لاختيار رئيس جمهورية ماروني جديد بدلاً عن إميل لحود.
وأضاف ديفيد شينكر: إن بطرس حرب عضو مجلس النواب اللبناني، قد حمل رسالة من البطريرك إلى الرئيس لحود تطالبه بالتنحي. كذلك أضاف قائلا: إن وصف السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله لهذه المبادرة بأنها إيجابية، قد شجع البطريرك صفير للمضي قدماً، والذي بادر بعد ذلك بإرسال مبعوثيه الذين قاموا بمقابلة كل القوى السياسية اللبنانية من كلا طرفي الأزمة.
- وساطة الجامعة العربية: يقول ديفيد شينكر: إن عمرو موسى قد سافر عدة مرات إلى بيروت، بهدف تخليص لبنان من أزمته الحالية، كذلك فقد حاول ديفيد شينكر إضفاء قدر من التشاؤم إزاء مبادرة الجامعة العربية عندما أضاف قائلاً: (بالنظر للمواقف المتعارضة بين الحكومة والمعارضة، فإن هناك قدراً ضئيلاً من الأرضية المشتركة التي يمكن التحرك والانطلاق منها). ثم يضيف قائلاً: إن اقتراح الجامعة العربية المدرج على الطاولة يتضمن الآتي:
* تكوين حكومة وحدة وطنية.
* رفع عدد الوزراء إلى 30 وزيراً، بحيث يكون:
1- نصيب قوى 14 آذار 19 وزيراً.
2- نصيب قوى المعارضة 10 وزراء.
3- وزير واحد يكون محايداً، يتم الاتفاق عليه ولا يكون مسموحاً له بالاستقالة.
ويعلق ديفيد شينكر على هذا العرض قائلاً بأنه لا يمنح المقاومة (الثلث الضامن، ثلث عدد الوزراء +1)، وفي الوقت نفسه لا يمنح قوى 14 آذار أغلبية الثلثين اللازمة لتمرير القرارات بالتصويت.
كذلك فإن وجود وزير واحد محايد ليس مسموحاً له بالاستقالة، سوف لن يمكن المعارضة من إسقاط الحكومة. ويشير ديفيد شينكر إلى أن ما لم يتم تضمينه في هذا السيناريو هو ملف تولي الجنرال ميشيل عون لرئاسة الجمهورية.
• الاستنتاج: ويرى ديفيد شينكر أن مبادرة الجامعة العربية، قد تنجح في جذب لبنان من شفا هاوية الحرب الأهلية، ولكنها تفرض ثمناً باهظاً وعالي التكلفة على عاتق قوى 14 آذار، وذلك لأن قدرة هذه الجماعة في تسيير وتوجيه دولاب الحكومة اللبنانية سوف تكون محدودة، وبالذات في المسائل الحساسة العالقة، مثل ملف المحكمة الدولية.
كذلك يقول ديفيد شينكر: ان ما هو أكثر مجلبة للتوتر والمخاوف، يتمثل في عدم تعرض مبادرة الجامعة العربية لمسألة أسلحة حزب الله، باعتبارها المعوق الرئيسي لتطبيق مبدأ حكم القانون في لبنان.
كذلك أشار ديفيد شينكر قائلاً: إن انسحاب القوات الإسرائيلية عام 2000م من لبنان وأيضاً انسحاب القوات السورية في عام 2005م من لبنان، قد قدما فرصة مواتية للقيام بعملية حزب الله، وفي هذه النقطة يضيف شينكر جملة تجافي الحقائق لدى استخدامه تعبير (مزارع شبعا السورية المحتلة)، وقيام الأطراف السياسية اللبنانية بالربط بين نزع سلاح حزب الله والانسحاب الإسرائيلي من هذا المزارع.
ويختتم ديفيد شينكر استنتاجاته قائلاً: (...على ضوء الرهانات العالية المرتفعة في مواجهة حزب الله- السنيورة، فإن معظم اللبنانيين باتوا يعلقون آمالهم على جهود وساطة عمرو موسى. ولكن مبادرة الجامعة العربية لا تتصدى حقيقة لمواجهة الخلافات التي أشعلت فتيل الصراع الجاري حالياً، ومن ثم ففي الوقت الذي يمكن أن تغلق فيه مبادرة عمرو موسى هذا المسار المسدود، فإن المسألة لسوء الحظ سوف لن تكون سوى فترة من الزمن –تنقضي- وبعدها تقع الأزمة التالية في لبنان.
وأخيراً نقول لمن لا يعرفون ديفيد شينكر: إنه يمثل الباحث الرئيسي المختص بالشؤون اللبنانية والعلاقات السورية- اللبنانية في معهد واشنطن لسياسة شرق الأدنى التابع لمنظمة الإيباك، وجماعة المحافظين لجدد، والوثيق الصلة بدوائر صنع واتخاذ القرار، ليس في أمريكا وحسب، بل وداخل إسرائيل. وما يتوجب الانتباه إليه في تحليل ديفيد شينكر، هو ليس تشاؤمه وتقليله من شأن مبادرة الجامعة العربية، بل هو آخر جملة وردت في حديثه والتي تضمنت عبارة (وبعد تقع الأزمة التالية في لبنان)، وهي عبارة لها أكثر من معنى وأكثر من دلالة، خاصة وأن ديفيد شينكر خبير في شؤون المنطقة، و(عليم) بكل تفاصيل السيناريوهات الإسرائيلية- الأمريكية القادمة و(التالية).. هذا إذا لم يكن قد شارك وكان له القدح المعلى في وضع مخططاتها وصنعها.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة