كلينتون تعطّل هدنة غزة لترجيح ميزان الدم والردع الإسرائيلي

21-11-2012

كلينتون تعطّل هدنة غزة لترجيح ميزان الدم والردع الإسرائيلي

بعد مخاض عسير، وإثر مجازر نفذتها إسرائيل أمس، خصوصاً في الساعات الأخيرة لترجيح كفتها في ميزان الدم والردع، أعلن من جديد عن تأجيل سريان اتفاق لوقف إطلاق النار. وبرغم مسارعة قيادات فلسطينية للحديث عن أن الخيارات باتت مفتوحة، تجزم أوساط أخرى أن التأجيل لن يدوم أكثر من يوم. غير أن اقتراب موعد التهدئة والاتفاق عليها، يوفر لإسرائيل فرصة هرس المزيد من المؤسسات والمباني وقتل المزيد من أبناء الشعب الفلسطيني. وفيما شكل الاقتراب من اتفاق وقف إطلاق النار فرصة لأوساط فلسطينية سارعت إلى التشديد على الإنجازات التي حققتها في هذا الاتفاق، التزمت أوساط إسرائيلية الصمت إزاء هذا الاتفاق منتظرة تنفيذه. علم إسرائيلي يحترق فوق برج المراقبة في بلدة النبي صالح في الضفة الغربية أمس (أ ف ب)
ومما لا ريب فيه أن الإنجاز الأهم للمقاومة الفلسطينية في هذه المواجهة تمثل في التعبير عن قدرات فائقة في الردّ وفي تخطي قدرات العدو على الإحباط. وظلت المقاومة، برغم الثمن الباهظ الذي دفعته، تواصل إرباك العدو وضربه في أبعد المناطق في دائرة لم يسبق لها مثيل، وتحافظ طوال الوقت على اتساعها. كما أن إنجازاً لا يقل أهمية تمثل في التفاف الشعب الفلسطيني ومؤسساته - برغم الانقسام السياسي - حول المقاومة والحق في الدفاع عن النفس.
وبرغم الضربات الشديدة التي وجّهتها إسرائيل للمناطق المأهولة ولمؤسسات اقتصادية مهمة، واصلت توجيه الضربات لمستوطنات غلاف غزة وللدوائر المحيطة بها وصولاً إلى تل أبيب والقدس. وألحقت هذه الضربات الصاروخية يوم أمس خسائر اعترف العدو على إثرها بمقتل اثنين إثر قصف معسكر للجيش في مجلس أشكول. ووقعت إصابات مباشرة في مبانٍ عدة في بئر السبع وعسقلان وأشكول وريشون لتسيون أضرت كثيراً بسمعة منظومة «القبة الحديدية».
وتزامن تأخير إعلان التهدئة مع وصول وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى القدس المحتلة، وإعلانها أن الولايات المتحدة تسعى للتوصل إلى وقف لإطلاق النار «خلال الأيام المقبلة».
وقالت كلينتون، قبيل اجتماعها بنتنياهو، إن «الالتزام الأميركي بأمن اسرائيل صلب كالصخر ولا يتزحزح. لهذا السبب اعتقد انه لامر اساسي (التوصل) الى وقف تصعيد الوضع في غزة». واضافت «في الايام المقبلة ستعمل الولايات المتحدة مع شركائها هنا في اسرائيل وفي بقية المنطقة من اجل ضمان امن اسرائيل وتحسين ظروف عيش السكان في غزة والمضي قدماً نحو سلام شامل لكل شعوب المنطقة».

من جهته قال نتنياهو امام الصحافيين مخاطباً الوزيرة الاميركية انه «اذا امكن التوصل الى حل طويل الامد بالوسائل الديبلوماسية فأنا افضل ذلك. ولكن اذا لم يحصل ذلك فأنا على ثقة بأنكم ستتفهمون ان اسرائيل ستتخذ كل الإجراءات اللازمة للدفاع عن شعبها».
وكان نتنياهو قال عقب محادثات أجراها معه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن «أي دولة لن تتسامح مع الهجمات الصاروخية على مدنها ومدنييها. إسرائيل لن تتسامح مع مثل هذه الهجمات»، واضاف «إذا أمكن التوصل إلى حل طويل الأجل من خلال السبل الديبلوماسية فستكون إسرائيل شريكاً متجاوباً مع مثل هذا الحل... ولكن إذا اتضحت ضرورة القيام بعمل عسكري أقوى لوقف الإطلاق المتواصل للصواريخ فلن تتردد إسرائيل في فعل ما هو ضروري للدفاع عن شعبنا».
عموماً بدا للوهلة الأولى، ومن خلال ما يعلن في بعض وسائل الإعلام، أن اتفاق وقف النار هو في إجماله إنجاز فلسطيني طاهر. غير أن نظرة أعمق إلى الواقع تظهر أن الاتفاق، وإن كان ملحاً، ليس بالضرورة كذلك، فالواقع الإقليمي والدولي لا يسمح باتفاق لا يحقق للطرفين مكاسب يمكنهم التفاخر بها وتعبر عن موازين القوى القائمة. ولذلك، ولولا المصالح المتبادلة، كان يصعب التوصل لاتفاق.
والحقيقة أن الاتفاق لم يكن فعلياً بين طرفين وإنما بين ثلاثة أطراف. الجانب المصري، هذه المرة أكثر من أي طرف آخر، كان طرفاً في الاتفاق ليس فقط كوسيط. وكانت هذه النقطة، ربما، واحدة من أهم نقاط الاتفاق المستترة. فإسرائيل ضمنت بذلك، ولو إلى حين، استمرار القيادة المصرية في لعب دور الوسيط الذي يعني استمرار العلاقة بينها وإسرائيل. وربما لهذا السبب كان إصرار إسرائيلي على إشراك مصر في الأمر على المستوى السياسي وليس فقط الأمني. وكان ذلك بنوع من التوافق الدولي الذي جعل إسرائيل ترفض محاولات «هاوية» من جانب كل من فرنسا وقطر للوساطة.
ومصر كانت مطلوبة جداً لحركة حماس، ليس فقط لدوافع أيديولوجية وإنما لاعتبارات جيوسياسية. فمصر هي الحاضن الطبيعي للقطاع ومنفذه شبه الوحيد إلى العالم. وكانت حماس تتطلّع لكسر الحصار الإسرائيلي للقطاع تحت حكمها بالانفتاح على مصر حتى قبل وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم.
كما أن مصر كانت بحاجة إلى هذا الدور، ليس فقط لتهدئة الخواطر في صفوف شعبها، وإنما لإثبات أن شيئاً ما جوهرياً تغير في موقفها من السياسة الخارجية وأنها تتطلع للعب دور زعامي في المنطقة. ومصر كانت أيضاً بحاجة إلى ذلك لأن الولايات المتحدة كانت تضغط من أجل أن لا يتدهور الوضع الإقليمي في المنطقة جراء ما يجري في غزة.
عموماً يبدو أن تفاصيل الاتفاق تتناول ما توفره لكل من هذه الأطراف الثلاثة. فإسرائيل تريد من مصر أن تمنع بحزم تهريب الأسلحة إلى القطاع، وحماس تريد من مصر أن تفتح الحدود. وإسرائيل تريد من حماس توفير الأمن ومنع الإطلاقات عن حدودها وحماس تريد عدم مساس إسرائيل بالسيادة الفلسطينية في القطاع، لا براً ولا بحراً على الأقل. ويبدو أن الاتفاق صيغ بشكل جوهري وفق هذه القواعد التي تحقق للأطراف جميعها مصالح. ولا يمكن لأحد أن يجزم بأن هذا الاتفاق نهائي وأنه كفيل بمنع تدهور الأوضاع في وقت لاحق.
ولكن الاتفاق يوفّر لكل من حماس ومصر وإسرائيل مكاسب. مصر الدور، وإسرائيل العلاقة مع مصر من جهة والأمن من حماس من جهة أخرى. أما حماس فتنال ابتعاد اليد الإسرائيلية عن القطاع لأطول فترة ممكنة. ولكن للأمر جانباً قد يكون سلبياً يتمثل في احتمال أن يسهم الاتفاق في تعزيز الفصل بين الضفة والقطاع. وهنا يدخل الدور المصري في مساعي المصالحة الفلسطينية التي كانت قد تعثرت في الماضي لكنها قد تتحرك الآن، وليس بالضرورة حتى النهاية السعيدة، بفضل جهود مصرية جديدة. وتشهد على ذلك مشاركة بعض أركان السلطة الفلسطينية في رام الله في المداولات بشأن ترتيبات وقف النار من ناحية، وزيارات بعض الوفود العربية من ناحية أخرى. وكرس هذا الدور أساساً مؤتمر وزراء الخارجية العرب الأخير.
عموماً اتفاق وقف النار عندما يدخل حيز التنفيذ سيتكوّن من مرحلتين: الأولى وقف النار الفوري تقريباً، والثانية ترتيباته اللاحقة. ومن الجائز أن إسرائيل أجلت تنفيذ وقف النار الفوري رغبة منها في نيل ضمانات أميركية أكبر حول وجهة القيادة المصرية وضمانها للاتفاق. وأشارت القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي إلى أن الثلاثي نتنياهو ـ باراك ـ ليبرمان وافق على المقترحات المصرية.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...