مشروع مترو دمشق جاهز.. على الورق

14-12-2006

مشروع مترو دمشق جاهز.. على الورق

وأخيراً... يبدو أن الحلم سيصبح حقيقة، وأن مترو دمشق الذي سمعنا به لسنوات كثيرة، يطرح لأول مرة بشكل جدي بعيداً عما كان يحصل سابقاً من استعراضات إعلامية ولأول مرة تستكمل محافظة دمشق اجراءات دراسة متكاملة للمشروع ويكون جاهزاً لاستدراج العروض للمرحلة النهائية والأخيرة، لطرحها للتنفيذ للخط الأخضر من شبكة مترو دمشق:

فكما يبدو أن وصول هذا المشروع الى مرحلة الدراسة التنفيذية يعطينا أملاً بأن مشاريع النقل الجماعي (المترو)، لم تعد (نكتة) وإنما أصبحت حقيقة، فقد آن الأوان لنقل الركاب في كل أنحاء دمشق بطريقة آمنة وسريعة واقتصادية والمترو أقل تأثيراً وضرراً بالبيئة ويخفض مصاريف الصيانة والتشغيل للمركبات والتي يتلفها البنزين والأهم أنه يحمي الأرواح وخاصة أن حوادث المرور بتزايد كبير وكما تشير الدراسات فإن سلبيات المترو قليلة بل نادرة جداً قياساً بمزاياه، فكما قلنا يحمي من الاصابات الناجمة عن تلويث البيئة، أو حتى عن الحوادث، كما أنه يحترم وقت الانسان ولايهدره بالانتظار والاختناقات المرورية، فهل يلقى هذا المشروع كل الدعم ويتابع مسيره دون توقف أو عقبات نأمل ذلك؟!! 

يأتي مشروع مترو دمشق للتخفيف من الأزمة المرورية بدمشق والتي تعود الى عوامل عديدة منها الزيادة بالكثافة السكانية وعدم مواكبتها الزمنية والمرحلية للمخططات التنظيمية الموضوعة مسبقاً وعجز وسائط النقل الجماعي عن تلبية حاجات السكان واستبدالها بالميكروباصات الصغيرة الملوثة للبيئة وتركز الأسواق والفعاليات التجارية والحكومية في مركز المدينة اضافة الى عدم توفر مرائب أرضية وتحت أرضية وطابقية في المدينة وخاصة بالمركز ومحيط الأسواق التجارية كما يشير المهندس طارق العاسمي مدير هندسة المرور والنقل في محافظة دمشق. ويضيف: إن طبيعة دمشق القديمة وقربها من مركز المدينة وتداخل الأسواق التجارية ووجود مشكلات مرورية داخلها مثل كثافة المدارس الخاصة وجود باصات المبيت الخاصة بها بكثافة في شوارعها الضيقة، ووجود فعاليات صناعية وتجارية ليس لها علاقة بالمدينة القديمة، اضافة الى ازدياد التلوث البيئي وضرورة البحث عن وسائل جديدة للنقل الجماعي، ترولي باص ـ مترو، من هنا تأتي أهمية هذا المشروع فماذا عن مترو دمشق؟ ‏

- وبعد طول انتظار إلى أين وصلنا بمشروع مترو دمشق، المهندس طارق العاسمي يجيب عن هذا السؤال قائلاً: ‏

قامت محافظة دمشق بتاريخ 11/3/2001 بتوقيع اتفاقية للتعاون مع وزارة المالية الفرنسية من أجل دراسة الجدوى الاقتصادية لبدائل النقل العام لمدينة دمشق حيث قام مكتب الشركة الفرنسية BCEOM الاستشاري بإجراء هذه الدراسة وفق أسس مرجعية العمل التي تغطي خمس مراحل وهي: 
 المرحلة الأولى تخلص لاختيار محاور النقل العام الأكثر أولوية وذلك بعد تحديد وتحليل كل مسارات النقل العام للباصات والميكروباصات واجراء تصنيف متدرج لكثافاتها النقلية وأعدادها وأهميتها وأماكن تخديمها وسهولة ادماجها بالنسيج العمراني وتم في نهاية هذه المرحلة تحديد المحورين الأكثر أولوية للنقل العام وهما (الخط الأخضرالمزة ـ القابون) والخط الأحمر (المخيم ـ برزة) اللذين يجب البدء بدراستهما وتنفيذهما أولاً. ‏

المرحلة الثانية والثالثة خلال الدراسة تم دمجهما مع بعضهما نظراً لترابطهما الوثيق وتخلصان في نهايتهما الى : ‏

1 ـ اختيار مسار واحد فقط وهو المسار ذو الأولوية والأكثر جذباً من المحورين الأكثر أهمية واختيار التقنية الأفضل له وذلك بعد اختيار أربع تقنيات (وسائل نقل مختلفة) لتقييمها على كل من المسارين الأكثر ألوية اللذين تم اختيارهما واجراء مقارنات اقتصادية، مالية، بيئية، عمرانية، فيما بينها ليتم اختيار المسار الأهم والتقنية الأفضل والذي يجب البدء بتنفيذه وهذه النماذج هي التراموي السطحي ـ التراموي العميق ـ المترو الخفيف ـ المترو الثقيل. ‏

2 ـ وضع الملامح الأساسية لمخطط النقل العام الجماعي (تصور مستقبلي) وقامت محافظة دمشق في نهاية هاتين المرحلتين بالحصول على موافقة رئاسة مجلس الوزراء على ضرورة البدء بتنفيذ الخط الأول وهو الخط الأخضر الواصل بين القابون (جانب كراجات البولمان) و المعضمية (قرب المجمع الحكومي الذي تقوم المحافظة بدراسته) مروراً بساحة العباسيين ـ شارع حلب ـ شارع الملك فيصل ـ ساحة الحجاز ـ جامعة دمشق ـ الجمارك ـ أوتستراد المزة ـ السومرية ـ المعضمية) وبطول يقارب /16/ كم مع اختيار المترو الخفيف كتقنية نظراًً لامكانيته النقلية وامكانية توسيعه في المستقبل وكلفته الأقل من المترو الثقيل. ‏

ـ المرحلة الرابعة: بعد اختيار المسار ذي الأولوية والتقنية اللازمة له من قبل الحكومة السورية ستعنى هذه المرحلة بالتوسع بدراسة هذا المقترح وتحديد العناصر التقنية الأساسية للحل البديل المختار من حيث المسار بدقة وتحديد عدد ومواقع المحطات واعداد مخطط لاعادة تنظيم الطرق ومرور المشاة في حال الحاجة له ومبادئ تشغيل النظام وهيكله من حيث عدد العربات وتجهيزات الخطوط ومجمع الصيانة والمجمع الفني الاداري وعليه سيتم تدقيق كلف الاستثمار والتشغيل للمشروع وتقدير ايرادات الأجرة وتقييم الجدوى الاقتصادية مفصلة وتتضمن سيولته التمويل خلال مرحلة البناء والسيولات المالية خلال مرحلة التشغيل. ‏

ـ المرحلة الخامسة وتحدد استراتيجية التنفيذ للحل البديل وايجاد مصادر التمويل اللازمة له أي وضع مخطط عمل لتنظيم وتمويل المشروع والبدء به، أي تنظيم المشروع ادارياً وفنياً ومالياً وقانونياً وخطة تنفيذ المشروع وادارته خلال فترة البناء وخطة الاستثمار وتطوير استراتيجية معينة لتشجيع استخدام نظام النقل العام وتقليص استخدام السيارات الخاصة. ‏

- هذا عن المراحل، ولكن أين أصبحنا يقول المهندس العاسمي: ‏

توقفت الدراسة الفرنسية عند نهاية المرحلة الثالثة لعدم توفر التمويل اللازم لاستكمال المرحلة الرابعة والخامسة من الدراسة وقامت المحافظة ومن خلال هيئة تخطيط الدولة والتنسيق والتعاون مع وزارة النقل بمراسلة بنك الاستثمار الأوروبي منذ حينه من أجل الحصول على منحة لاستكمال الدراسة وتكللت المساعي بالنجاح بعد أن قام السيد محافظ دمشق على رأس وفد مؤلف من ممثلين عن المحافظة وعن الوزارات المعنية بزيارة بنك الاستثمار الأوروبي في آب 2005 وتقديم عرض موجز عن المشروع وعن المزايا المباشرة وغير المباشرة التي يقدمها لمدينة وسكان دمشق وافق على أثرها البنك بتقديم منحة مقدارها /5،2/ مليون يورو لأجل هذا المشروع وقام بإعلان المشروع في مجلة الاتحاد الأوروبي من أجل دعوة الشركات الأوروبية الراغبة بالتقدم لهذه الدراسة. ‏

- ‏ قامت محافظة دمشق من خلال مديرية هندسة المرور والنقل التي هي المديرية المسؤولة عن متابعة مشروع المترو وبالتنسيق مع مشروع تحديث الادارة البلدية MAM التابع لوزارة الادارة المحلية والبيئة بالاستعانة بعدد من الخبراء المحليين والدوليين من أجل اعداد مسودة الشروط المرجعية لهذه الدراسة ومن ثم ارسالها الى بنك الاستثمار الأوروبي الذي قام بدوره بإعداد وصياغة هذه الشروط المرجعية بشكلها النهائي واعادتها الى المحافظة للحصول على الموافقة الرسمية على اصدارها. ‏

وقامت المحافظة بترجمة هذه الشروط المرجعية وتوزيعها على كل المديريات والمؤسسات والوزارات المعنية بهذا الموضوع من أجل الحصول على التعليقات اللازمة ومن ثم أرسلت موافقتها الرسمية الى البنك الذي قام بتوزيع الشروط المرجعية على الشركات الست المؤهلة مبدئياً للمشاركة في مناقصة الدراسة من أجل تقديم عروضهم الفنية والمالية حيث تم تحديد منتصف شهر شباط 2007 كموعد نهائي لاستلام المناقصات ومن ثم سيتم اختيار الشركة الرابحة من خلال لجنة التقييم التي ستعقد في لوكسمبورغ وبمشاركة ممثلين اثنين من محافظة دمشق. ‏

والجدير ذكره أن السيد محافظ دمشق قام بتوقيع اتفاقية التعاون مع بنك الاستثمار الأوروبي في 8 تشرين الثاني 2006 ولأول مرة أصبح هذا المشروع جاهزاً لاستدراج العروض للمرحلة النهائية والأخيرة والتي هي التصميم التفصيلي والتنفيذ أو بمعنى آخر مشروع مفتاح باليد. ‏

- بدأ الدكتور المهندس جوزيف صيدناوي كلامه عن مشروع مترو دمشق بالاشارة الى مساوئ المترو مع تأكيده أنها قليلة جداً مقارنة بمزايا المشروع ومن المساوئ أن تكاليف انشائه مرتفعة خاصة في الأقسام تحت الأرضية وتعثر أعمال الحفر في الأماكن التي ستكتشف فيها الآثار المطمورة وضرورة تأمين الطاقة الكهربائية اللازمة لسير القطارات من أكثر من مصدر واحد بما في ذلك من المولدات الخاصة بالمترو.
‏ أما مشكلة المياه الجوفية فإنها لم تعد تشكل أي عائق في تكنولوجيا حفر الأنفاق، ولاشك في أن مترو الأنفاق يتمتع بميزات عديدة منها سرعة ودقة الوصول والأمان وعدم تلويث البيئة بالغازات الضارة وتشير الاحصاءات الى أنه يقتل في سورية أكثر من 1500 ـ 2100 شخص سنوياً بسبب الحوادث المرورية ويصاب أكثر من 7000 ـ 12800 شخص بعاهات مؤقتة أو مستديمة ومن الملاحظ ازدياد هذه الحوادث بشكل كبير بعد عام 2003 بسبب ازدياد عدد السيارات السياحية وغيرها.. أيضاً للمترو ميزات منها تخفيض الاختناقات والحوادث المرورية وتخفيض الاصابات المرضية الناجمة عن تلوث البيئة ومنها التحسس العيني والاجهادات النفسية وحالات الاجهاض وأمراض القلب والرئتين. ‏

ويضيف الدكتور صيدناوي: إن الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية قامت بحساب قيمة ضياع الوقت للركاب ووسائط النقل في ساعات الذروة لعام 1996 في دمشق، وتبين من الدراسة أن قيمة الوقت المهدور لسكان دمشق على خمسة مسارات رئيسة تزيد عن أربعة مليارات ل.س سنوياً علماً أن الحسابات تمت على أساس أن قيمة الهدر للراكب في الساعة هي 30 ل.س وهو مبلغ ضئيل جداً. ‏

لذلك يجب التأكيد على ضرورة حساب الوفورات الكبيرة غير المباشرة التي سيحدثها ادخال المترو في مدينة دمشق وحسمها من النفقات التشغيلية الاجمالية. ‏

ومع تزايد حوادث المرور من الصعب تحديد القيمة المالية لهذه الحوادث ونسبة انخفاضها عند عمل المترو ويمكن القول: إن عمل المترو سيوفر مبالغ كبيرة من جراء هذه الحوادث والأهم حماية الأرواح وكذلك ستتحسن نوعية الهواء في دمشق وبالتالي تخفيض الأضرار الصحية وتوفير ساعات العمل الضائعة بسبب هذه الأمراض وتوفير النفقات الطبية والأدوية. ‏

كما يمكن أن يعطي المترو ومحطاته دخلاً مقبولاً من الاعلانات فيه أيضاً قيمة وأجور العقارات والمحلات التجارية والمهنية القريبة من محطات المترو تكون أعلى بكثير من مثيلاتها في أماكن أخرى. ‏

ويرى الدكتور صيدناوي أنه بعد الزيادة الكبيرة في عدد سكان دمشق والموجودين فيها نهاراً أصبح من المستحيل الاعتماد على وسائل النقل التقليدية في تأمين نقل سريع وآمن للركاب فيها لذلك لابد من التوجه الى وسائط نقل جماعي أخرى تؤمن السرعة والأمان ونظافة البيئة وأفضلها المترو، من هنا يجب وبأقرب وقت ممكن تنفيذ كامل شبكة مترو دمشق وأن أي تأخير بذلك يكلف الاقتصاد السوري المليارات من الليرات من الاختناقات المرورية، والتلوث الكبير الذي يحيط بدمشق. ‏

- تزايد عدد السيارات بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة ساهم في زيادة تلوث البيئة ففي عام 1990 كان عدد السيارات /244525/ سيارة وأصبح في عام 2005 أكثر من مليون مركبة من كل الأشكال أي زيادة بمعدل 4 ـ 6 مرات. ‏

هذا مايقوله الدكتور ستالين كغدو رئيس الجمعية السورية للوقاية من حوادث الطرق ويتابع: ‏

تعتبر وسائل النقل من أهم المسببات لتلوث البيئة والغلاف الجوي، بما تنفثه هذه المركبات من دخان يحوي العشرات من المواد والغازات السامة التي تؤذي الانسان كما تؤذي بقية الأحياء من نبات وحيوان وهي تشكل نسبة 60% كسبب للتلوث ويلاحظ أن عامل الخطورة يتماشى مع زيادة عدد المركبات ونوع الوقود المستخدم ودرجة نقاوته. ‏

وكما نعلم أن عوادم السيارات تحوي مركبات في غاية الخطورة هي أول أوكسيد الكربون وهو يسبب الصداع وصعوبة التنفس، ويمكن أن يؤدي ذلك الى الاختناق والوفاة. ‏

وأكاسيد النتروجين التي تسبب تهيجاً شديداً للجهاز التنفسي والوفاة والمركبات الهيدروكربونية وتسبب حساسية للعينين والأنف والبلعوم ولبعض أنواعها تأثيرات مسرطنة. ‏

أما مركبات الرصاص فلها تأثيرات ضارة على الأجنة عند الحوامل ما ينجم عنه تأخر نمو جسمي وعقلي. ‏

وكيف نحد من نسبة التلوث؟ ‏

يقول الدكتور ستالين كغدو: هناك العديد من الحلول منها استخدام البنزين الخالي من الرصاص واستخدام الغاز الطبيعي كصديق للبيئة بدلاً من البنزين وهو أقل تأثيراً وضرراً بالبيئة كما أنه يحافظ على معدن محرك السيارة من تأثير الرصاص المتلف له، وانخفاض مصاريف الصيانة والتشغيل. ‏

اضافة لذلك لابد من تطوير شبكة السير الطرقية بتسريع حركة السير في المدن عند التقاطعات ببناء الجسور والأنفاق والاستغناء تدريجياً عن الاشارات الضوئية التي تسبب عادة زيادة نسبة التلوث بسبب بطء حركة السيارات. ‏

وهناك حل هام وهو تخفيف استخدام السيارات الخاصة بالاعتماد على وسائل النقل العام من باصات وترامواي وميترو وبمنع دخول السيارات الخاصة الى المناطق التجارية والمزدحمة لتشجيع المواطنين على استخدام وسائل النقل العامة بعد توفيرها بالشكل المناسب كذلك لابد من الاكثار من المناطق المشجرة والحدائق داخل المدن خاصة قرب الشوارع المزدحمة لأن النباتات تمتص الغازات السامة والزائدة من الهواء الخارجي، وبالنسبة لعوادم السيارات تجهيزها بالحفاز الذي يحول بعض الغازات الضارة الى مواد أقل ضرراً. ‏

ويتساءل الدكتور كغدو: لماذا لم تتخذ اجراءات حاسمة لمكافحة التلوث الناجم عن وسائل النقل حتى الآن؟.. ويؤكد أن الحل من خلال تشكيل لجنة للتلوث المروري بالتعاون مع وزارات الادارة المحلية والبيئة والنقل والداخلية والتنسيق فيما بين هذه الوزارات وبالتالي أن تقوم هذه اللجنة بجولات ميدانية منظمة لضبط كل المخالفات وعمل سجل احصائي دقيق لها، ورفع هذه المخالفات بلوائح موثقة الى الجهات المعنية لمعالجتها وقمعها. ‏

سناء يعقوب

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...