هاي ... أنا "محور الشر" الجديد

21-08-2013

هاي ... أنا "محور الشر" الجديد

الجمل- بيبي إسكوبار- ترجمة: د. مالك سلمان:

قلت في مقالة سابقة إن ما حدث في مصر هو حمام دم ليس بحمام دم, قامت به طغمة عسكرية مسؤولة عن انقلاب ليس بانقلاب, تحت قناع "حرب" مصرية "على الإرهاب". لكن هذه المناورة الكلامية الجديدة – والتي كان من الممكن أن تكتب بسهولة في البيت الأبيض – ليست سوى جزء من الصورة.
وسط ضباب كثيف من التلفيق والأجندات المتنافسة, تبرز حقيقة مذهلة. فقد بينَ استبيان تم إجراؤه قبل 10 أيام من قبل "المركز المصري للدراسات الإعلامية والرأي العام" أن 69% كانوا ضد الانقلاب العسكري الذي حصل في 3 تموز/يوليو بقيادة الجنرال البينوشي, عبد الفتاح السيسي.
لذلك لا يمكن اعتبار حمام الدم الذي ليس بحمام دم شرعياً – إلا بالنسبة إلى مجموعة من المباركيين الذين يتمتعون بالامتيازات (أو من يسمون بالفلول), وهم مجموعة من الأوليغاركيين و "الدولة العميقة" المصرية التي يهيمن عليها العسكر.
من المحتمل أن حكومة الإخوان الإسلامويين بقيادة محمد مرسي كانت عاجزة تماماً – وهي تحاول إعادة كتابة الدستور المصري؛ وتحرض الأصوليين المتشددين؛ وتنحني بذل أمام "صندوق النقد الدولي. ولكن علينا ألا ننسى أن ذلك كله ترافق مع محاولات إحباط مستمرة من قبل "الدولة العميقة".
صحيح أن مصر كانت – ولا تزال – على شفير الانهيار الاقتصادي الكامل؛ فحمام الدم الذي ليس بحمام دم جاء بعد تغيير في التوقيع على الشيكات, من قطر إلى السعودية (والإمارات المتحدة). وكما بينَ شبنغلر في هذا الموقع (راجع "الحرب الأهلية الإسلامية تنتقل إلى مصر", "إيشا تايمز", 8 تموز/يوليو 2013), فإن مصر ستبقى جمهورية موز بلا أي موز وسوف تعتمد على الأجانب إن كانت تريد أن تأكل الموز. فالكارثة الاقتصادية لن تختفي – هذا عدا عن الامتعاض الشامل للإخوان الإسلامويين.
الرابحون, في واقع الأمر, هم آل سعود/إسرائيل/محور البنتاغون. فكيف خططوا لكل ذلك؟

عندما ينتابكم الشك, اتصلوا ببندر
نظرياً, كانت واشنطن تسيطر (نسبياً) على الإخوان الإسلامويين وجيش السيسي. لذلك, على السطح, هذا وضع رابح في كلتا الحالتين. وفي جوهر الأمر, يقف صقور واشنطن إلى جانب جيش السيسي, بينما يقف "الإمبرياليون الليبراليون" إلى جانب الإخوان الإسلامويين؛ إنه غطاء مثالي, لأن الإخوان الإسلامويين حركة إسلامية, وأصيلة, وشعبية, ونيوليبرالية من الناحية الاقتصادية, حيث ترغب في العمل مع "صندوق النقد الدولي", كما أنها لم تهدد إسرائيل.
لم يكن الإخوان الإسلامويون مشكلة بالنسبة إلى واشنطن أو تل أبيب؛ ففي نهاية المطاف, كان الحليف الطموح قطر هناك كوسيط. فسياسة قطر الخارجية, كما يعرف الجميع, تقتصر على تشجيع ودعم الإخوان الإسلامويين في كل مكان.
لا بد أن مرسي قد اجتاز خطاً أحمرَ خطيراً. ربما كانت دعوته للمصريين السنة للانضمام إلى الجهاد ضد حكومة بشار الأسد في سوريا (على الرغم من أن ذلك متناغم مع سياسة أوباما القائلة "على الأسد أن يرحل"). وربما كانت محاولته إقامة نوع من الفردوس الجهادي يمتد من سيناء إلى غزة. فإسرائيل, لكافة الأسباب العملية, هي التي تدير سيناء. وهذا يشير إلى ضوء أخضر للانقلاب من قبل البنتاغون وتل أبيب.
تل أبيب مرتاحة جداً لجيش السيسي والدعم السعودي للطغمة العسكرية. فالشيء الوحيد المهم بالنسبة إلى إسرائيل هو احترام جيش السيسي لاتفاقيات كامب ديفيد. ولكن من المحتمل, من الجهة الأخرى, أن يتبنى الإخوان الإسلامويون أفكاراً أخرى في المستقبل القريب.
أما بالنسبة إلى آل سعود, فلم يكن ذلك وضع الرابح في الحالتين. كان وجود الإخوان الإسلامويين في السلطة في مصر شيئاً بغيضاً. وفي هذا المثلث القاتل – واشنطن/تل أبيب/ الرياض – يبقى السؤال: من كان الأكثر احتيالاً في معركة الذيل الذي يهز الكلب.
هنا تأتي قطر باختفائها المذهل. إن صعودَ وأفولَ قطر (المفاجىء) من دائرة السياسة الخارجية مرتبط بقوة بفراغ القيادة الحالي في قلب مقولة "قوس الفوضى" التي أتى بها البنتاغون. فقد كانت قطر, في أفضل الأحوال, لاعباً إضافياً في السيناريو القائم – إذا أخذنا بعين الاعتبار تقلبات إدارة أوباما وروسيا والصين اللتين تلعبان لعبة الانتظار.
من الواضح أن الشيخ حمد آل ثاني, الأمير الذي انتهى به المطاف إلى خلع نفسه, بالغ في الدور الذي لعبه, ليس في سوريا فقط بل في العراق أيضاً؛ إذ لم يكن يمول الإخوان الإسلامويين فقط بل الجهاديين الأصوليين أيضاً عبر الصحراء. ليس هناك أي دليل قطعي لأن لا أحد يتكلم في الدوحة أو في واشنطن, لكن من المؤكد أن الأمير قد "دُعيَ" إلى خلع نفسه. وليس من قبيل المصادفة أن يتولى آل سعود قضية "الثوار" السوريين, عن طريق ظهور المعجزة "بندر بوش", المدعو الأمير بندر بن سلطان.
الرابحون مرة أخرى هم السعوديون – مع حسابات إدارة أوباما بأن الإخوان الإسلامويين والمجموعات القاعدية سوف يطويها النسيان في سوريا. وعلينا أن ننتظر ونرى؛ فمن المحتمل أن تجتذبَ مصر, من الآن فصاعداً, الكثير من الجهاديين القادمين من سوريا. ومع ذلك, فإنهم سيبقون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أما بالنسبة إلى السيسي, فقد كان ذكياً بما فيه الكفاية للقبض على موضوعة "الإرهاب" والمساواة, بشكل استباقي, بين الإخوان الإسلامويين والقاعدة في مصر, بحيث جهز المسرح لحمام الدم الذي ليس بحمام دم. خلاصة القول إن إدارة أوباما قد أوكلت معظم سياساتها الشرق أوسطية لآل سعود.

اختاروا محورَكم
قبل يومين فقط من حمام الدم الذي ليس بحمام دم, كان رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي في إسرائيل يتقرب من الجنرال بيني غانتز ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو, ويناقشون "التهديدات التي يمكن أن تأتي من المنطقة – على مستوى عالمي وعلى الولايات المتحدة – وكيف يمكننا الاستمرار في العمل سوياً لجعل بلدينا أكثر أماناً". ومن المؤكد أنهم ناقشوا كيف يمكن أن يفيدوا من حمام الدم الوشيك الذي ليس بحمام دم.
وفي الوقت نفسه, أعلن وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون "محورَ شر" جديداً: إيران, سوريا, ولبنان. ويتضمن ذلك طهران, ودمشق, والأهم من ذلك بيروت ككل (وليس فقط الأحياء الجنوبية الشيعية). فقد قال يعالون لديمبسي بوضوح من "الممنوع" عليهم أن ينتصروا في الحرب الأهلية في سوريا.
إذا أخذنا بعين الاعتبار أن "وكالة الاستخبارات المركزية" قد اعتبرت الحرب الأهلية في سوريا بمثابة "التهديد الأكبر" للأمن القومي الأمريكي في حال سيطرة المجموعات القاعدية والأصولية على البلد في حال سقوط الأسد, وأن واشنطن لا ترغب في التوقف عن "القيادة من الخلف", يمكن التفكير في احتمال غزو إسرائيلي جديد للبنان. وقد تحدث الأمين العام لحزب الله, اليقظ دوماً, الشيخ حسن نصر الله عن هذا الاحتمال في أكثر من مناسبة.
ثم ذهب ديمبسي إلى الأردن – التي تحتوي سلفاً على حوالي 1,000 جندي أمريكي, ومقاتلات (إف- 16) مع طواقمها, ومجموعة من بطاريات صواريخ "باتريوت". الادعاء هو أن البنتاغون يساعد عمان في "تقنيات السيطرة على الحدود" ... .
هذه مجرد ادعاءات. فقد ذهب ديمبسي إلى هناك, في المرتبة الأولى, للاطلاع على التقدم الحاصل بخصوص الصواريخ المضادة للدبابات التي اشتراها – ومن غيرهم ؟ - السعوديون ونقلتها "سي آي إيه" عبر الأردن إلى – من الناحية النظرية – "ثوار جيدين" مختارين في جنوب سوريا. وبالمناسبة, تم تدريب أولئك "الثوار" من قبل القوات الخاصة الأمريكية داخل الأردن. ومن الواضح أن دمشق ستحضر خطة معاكسة لهذا الهجوم الذي سيشنه المحور الأمريكي/السعودي/الأردني.

اختاروا شرَكم
لم تبقَ أية "مصداقية أمريكية" في الشرق الأوسط – باستثناء كيانات أشبه بالدمى مثل الأردن وبعض النخب المختارة في الخليج الإقطاعي, تلك المملكة "الديمقراطية" من الفساد, والمرتزقة, والبروليتاريا المستورَدَة التي تُعامَل كما يعامَل قطيع من الأغنام.
لن يفيدَ كثيراً تعيينُ وزير الخارجية الأمريكية لروبرت فورد, السفير السابق إلى سوريا, سفيراً قادماً للولايات المتحدة إلى مصر.
ما يهم هو الفهم. فالعارفون في كافة أنحاء الشرق الأوسط سرعان ما يتعرفون على فورد بصفته منظماً مخيفاً لفرق الموت. إذ إن سيرته المهنية قبل خدمته في سوريا – حيث عمل على شرعنة "الثوار" – فريدة من نوعها؛ حيث كان مساعداً لسيء السمعة جون نيغروبونتي الذي عمل على ترويج "خيار السلفادور" في العراق في سنة 2004. و "خيار السلفادور" هو الاسم الرمزي لفرق الموت المدعومة من الولايات المتحدة, وهو تكتيك تم استخدامه للمرة الأولى في السلفادور (من قبل نيغروبونتي) في الثمانينيات من القرن الماضي (حصدَ أرواح 75,000 إنسان على الأقل), مع وجود جذور عميقة له في أمريكا اللاتينية في أواخر الستينيات وخلال السبعينيات من القرن المنصرم.
سيستمر السيسي في لعبته تبعاً لخطته الكبرى – الدفاع عن الأسطورة القائلة إن الجيش المصري يدافع عن الأمة ومؤسساتها بينما يدافع, في حقيقة الأمر, عن امتيازاته الاجتماعية والاقتصادية الضخمة. انسوا أي رقابة مدنية. وانسوا أيضاً إمكانية نشوء أي حزب سياسي مستقل – أو حركة مستقلة – في مصر.
أما بالنسبة إلى واشنطن, الإخوان الإسلامويون أو "الدولة العميقة", أو حتى حرب أهلية في مصر – العرب يقتلون العرب, فرق تسد إلى ما لا نهاية – فهذا كله جيد, طالما أنه ليس هناك أي خطر على إسرائيل.
مع احتمال تخطيط إسرائيل لغزو آخر للبنان؛ و "عملية سلام" كيري كعذر لبناء عدد أكبر من المستوطنات في فلسطين؛ وعودة "بندر بوش" لممارسة فنونه المظلمة؛ وأولوية أي حل ممكن للملف النووي الإيراني؛ ومصر على أبواب الحرب الأهلية؛ ونزيف الدم في سوريا والعراق, فإن ما يبقى هو الانتشار الرسمي لكافة أنواع المحاور, وكافة أنواع الشر.



http://www.atimes.com/atimes/Middle_East/MID-04-160813.html

تُرجم عن ("إيشا تايمز", 16 آب/أغسطس 2013)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...