هل سيدفع الغرب ثمناً باهظاً لاستهدافه النظامَ السوري؟

12-06-2013

هل سيدفع الغرب ثمناً باهظاً لاستهدافه النظامَ السوري؟

الجمل - فرانكلين لامب- ترجمة: د. مالك سلمان:
عبرَ عددٌ من المحللين والخبراء الأمنيين المتخصصين في مواضيع الاستخبارات والأمن في لبنان وفرنسا, هذا الأسبوع, عن دهشتهم للطريقة التي تتهرب فيها السلطات الغربية, في أوروبا والولايات المتحدة, من التعاطي مع السلطات السورية مضيعين بذلك فرصاً هامة للمساعدة في إنهاء الأزمة في سوريا.
تأتي هذه الخيبة بعد تكشُف أدلة متزايدة على المخاطر الكبيرة التي تهدد بتحويل سوريا إلى قاعدة عملياتية رئيسة للمجموعات والتنظيمات الجهادية العالمية الطائفية والمناوئة للغرب. وقد تحدث بعض الأخصائيين إلى "آفريك آسي" مؤخراً وعبروا عن دهشتهم وقلقهم لتجاهل السلطات الأمريكية والأوروبية للتحذيرات اليومية التي ترسلها المنظمات الاستخبارية والأمنية في تلك البلدان بما في ذلك "المجتمع الاستخباري" في الولايات المتحدة والمكون من 16 منظمة استخبارية أمريكية, والتي يُشار إليها أيضاً ﺑ "العناصر". وهي: "وكالة الاستخبارات المركزية", "وزارة الدفاع الأمريكية", "وكالة استخبارات الدفاع", "وكالة الأمن القومي", وكالة الاستخبارات الجيو- فضائية القومية", "مكتب المراقبة القومي", "وكالة الاستخبارات والمراقبة الجوية", "استخبارات الجيش والقيادة الأمنية", "مكتب استخبارات قوات المارينز", "مكتب الاستخبارات البحرية", "وزارة الطاقة الأمريكية, مكتب الاستخبارات ومكافحة الاستخبارات", "وزارة الأمن الوطني, مكتب الاستخبارات والتحليل", "استخبارات حرس السواحل", " وزارة العدل الأمريكية, مكتب التحقيقات الفيدرالية", "إدارة مراقبة المخدرات", "مكتب استخبارات الأمن القومي", "وزارة الخارجية الأمريكية, مكتب الاستخبارات والأبحاث", "وزارة المالية الأمريكية", و "مكتب الإرهاب والاستخبارات المالية".
استنتجَ أحد أهم خبراء الإرهاب الفرنسيين, الذي زار ليبيا وسوريا بعد بدء الاضطرابات:
"بمقدورنا أن نفهمَ أن السلطات الأمريكية والأوروبية تستغل الثورة السورية بشكل متعمَد لمعاقبة الرئيس بشار الأسد لسياساته الداعمة لإيران ومنظمات مثل حماس وحزب الله التي تشكل تهديداً للأمن الإسرائيلي. لكن الغرابة الحقيقية تكمن في حقيقة أن هذه البلدان مستمرة في تقديم الدعم والسلاح والتدريب العسكري والتمويل للمعارضة السورية والإعلام, مع معرفتها الكاملة أن من يسيطر على المعارضة السورية المسلحة هم إرهابيو النصرة المرتبطين بالقاعدة."
وبعد مناقشة الأسباب التي تمنع تلك السلطات من تغيير موقفها, استنتجَ الخبير أن السلطات السياسية الغربية – بما في ذلك البيت الأبيض – تعتقد بإمكانية السيطرة على هجمات الحركة السلفية عبر بلدان مثل قطر والسعودية. ولذلك فإن العلاقة مع بشار الأسد قد أثبتت استقلاليته وتمسكه بسياساته التي تربطه بإيران ومنظمات أخرى معادية لإسرائيل. لكن المسؤولين الأمنيين الفرنسيين والأوروبيين والأمريكيين يفهمون ذلك بشكل مختلف.
أطلقت معظم أجهزة الاستخبارات الغربية إنذارات الخطر مشيرة إلى ضرورة التعاون مع السلطات الأمنية السورية. هذا لأن الاستخبارات السورية لا تزال تُعتبَر الطرف الأقوى الذي يواجه الحركات السلفية في الشرق الأوسط, كما أن الجيش السوري يقاتل يومياً "الإرهابيين/الجهاديين". وفي هذا السياق, تمكنت الاستخبارات السورية بشكل دائم من اختراق صفوف القاعدة والحركات السلفية المتواجدة في سوريا كجزء من خطتها لتحييد الهجمات الإرهابية المستقبلية. ولهذه الغاية, وظفت الاستخبارات السورية مواردَ ضخمة وضباطاً كباراً لمطاردة الإرهابيين الدوليين الموجودين الآن في سوريا, والذين يحضرون الآن لهجمات إرهابية سيقومون بتنفيذها قريباً في العواصم الأوروبية.
بينما تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتقديم الدعم العسكري والإعلامي والسياسي للمعارضة المسلحة في سوريا المتحالفة مع القاعدة ومنظمات إرهابية أخرى على شاكلتها, تستمر الاستخبارات السورية في محاربة الإرهاب نيابة عن العالم, ولكن دون أية مساعدة من البلدان التي يتوجب عليها حماية مصالحها وشعبها منه.
طرح أحد الخبراء سؤالاً بلاغياً: "تخيلوا أن اغتيالاً كبيراً مثل الذي حصل ضد ضباط ‘خلية الأزمة’ في سوريا قد تم تنفيذه في الوقت الذي اكتشفنا فيه أن من بين الضحايا واحد من أكثر الأشخاص السوريين تعاوناً مع أجهزة الاستخبارات الفرنسية في مكافحة الإرهاب. وماذا فعلنا لحماية هذا التعاون؟ لا شيء." لكن السوريين يقولون باحتمال تورط الأمريكيين في اغتيال هذا الشخص.
بالإضافة إلى مقتل ضباط "خلية الأزمة", في تموز/يوليو 2012, في عملية أمنية معقدة يُعتقد أن المعارضة السورية هي التي نفذتها, فإن السلطات الغربية تسعى وراء ضباط سوريين ساعدوا في إنقاذ حياة آلاف الفرنسيين والأوروبيين الآخرين في السنوات الأخيرة. ومن الجدير بالإشارة هنا أن أحد أولئك الضباط قد جُرح وكاد أن يموت وهو يدافع عن السفارات الغربية التي تتعرض لهجمات "إرهابية".
وعندما سُئل الخبير من يقصد بقوله هذا, قال: "من الواضح أنه العقيد حافظ مخلوف, الخبير المتمرس في مواجهة الإرهاب السلفي والذي يقيم حالياً في سوريا. فنتيجة لجهود العقيد مخلوف تمكنت السلطات السورية من إلقاء القبض على عدد من الخلايا الإرهابية وإحباط عمليات كان يتم التحضير لتنفيذها في أوروبا بشكل عام, وفرنسا بشكل خاص."
من جهته قال الخبير الأمني والعميد اللبناني السابق, الياس فرحات, مؤخراً إن العمليات الأمنية التي تستهدف الضباط السوريين الكبار لا تؤثر فقط على الأمن السوري, لكنها تقوض الأمن العالمي وتعزز الإرهابيين في كافة أنحاء العالم. هذا لأن الدورَ السوري, كما يراه "المجتمع الاستخباري الأمريكي" حتى, مؤثر للغاية في محاربة "الإرهاب الدولي", ولولا تعاون السوريين مع أجهزة الاستخبارات الغربية لكانت "المنظمات الإرهابية" قد نجحت في تنفيذ العديد من الهجمات في العواصم الأوروبية.
وبخصوص تأثير العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على الضباط السوريين لحماية الأمن العالمي, قال العميد فرحات إن الشيء غير المفهوم اليوم هو عملية استهداف الذات التي تنفذها القوى الغربية اليوم, لأن ما يفعلونه بالسلطات الأمنية السورية أشبه برفض أي مساعدة تقدم لمساعدتهم على مواجهة وحش "الإرهاب".
وتبعاً للضابط اللبناني, "تقدم السلطات الغربية دعماً ضخماً للمعارضة المسلحة في سوريا وتستمر في استهداف الضباط السوريين الكبار, عن طريق العقوبات, فضلاً عن تخطيط وتنفيذ الاغتيالات ضد نفس الأشخاص الذين ساعدوا في إنقاذ حياة العديد من الأوروبيين. ومن خلال ذلك, وعلى ضوء الأزمة الأمنية الداخلية في سوريا, تعمل هذه السلطات على تقويض جميع احتمالات التعاون السوري المستقبلية."
وفي الحقيقة, تعرضَ اللواء علي مملوك, الذي كان مسؤولاً بشكل كبير عن التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب الدولي بين السوريين والغرب في العقد الأخير, لعقوبات فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا. وإضافة إلى ذلك, فإن عملية "خلية الأزمة" – التي ساهمت في اغتيال العملاء المرتبطين بالغرب – أدت إلى مقتل عدد من الضباط السوريين كانوا مسؤولين عن التعاون الأمني بين سوريا والغرب. إن الغرب يقتل ويعاقب العديدَ من الأشخاص الذين يقدمون له المساعدة.
يزعم وليد زيتوني, وهو عميد سابق في الجيش اللبناني ومتخصص في الحركات المتطرفة, أن فرض العقوبات على الضباط الأمنيين السوريين الكبار من قبل الولايات المتحدة وأوروبا "هو نوع من الانتحار للحكومات الغربية. إذ لا يمكن تصنيف هذه العقوبات إلا بوصفها ضرباً من الغباء, حيث أن اغتيال أعضاء أهم خلية في الأمن السوري تم تنفيذه – بشكل لا يقبل الجدل – من قبل عملاء الاستخبارات الغربية. وفوق ذلك, فإن فرض العقوبات على العقيد حافظ مخلوف ترافقت مع تحقيقه لإنجازات أمنية كبيرة ليس لصالح سوريا فقط, بل أيضاً لصالح الأمن العالمي والأمن الغربي بشكل خاص.
إن قتلَ الغرب لضباط الاستخبارات السوريين الكبار, وهم بعض أهم الشخصيات التي تحارب الإرهابيين المعادين للغرب, على الرغم من ادعائه مكافحة الإرهاب, واتخاذه لإجراءات من شأنها تكثيف الضغوط السياسية والاقتصادية والأمنية والإعلامية على سوريا وضباطها وقادتها, هو سلوك مدمر بالنسبة لهذه البلدان.
إن هؤلاء السوريين من بين أهم القوى الفعالة التي تحارب الإرهاب الدولي. فبينما تعمل القاعدة والغرب يداً بيد لمحاربة الجيش السوري, فإن الغرب مشغول أيضاً في التآمر على سوريا, بالإضافة إلى سعيه فرض عقوبات أخرى ضد الشعب السوري بهدف تحقيق هدف سياسي يتمثل في تغيير النظام. إذ إن هذه العقوبات تساهم في تعزيز المجموعات الإرهابية المساندة للإرهاب.
وفضلاً عن ذلك, ليست هناك أية فائدة تجنيها أوروبا من هذه السياسة, إذ إنها تستهدف أولئك الذين يقدمون لها المساعدة من خلال قتل الضباط ومحاولة إحالة آخرين منهم إلى "محكمة الجنايات الدولية". فأولئك الذين يتعرضون للعقوبات هم نفس الأشخاص الذين يساعدون في مكافحة الإرهاب نيابة عن العالم – كما هي الحال بالنسبة إلى العقيد حافظ مخلوف, واللواء علي مملوك, وضباط ‘خلية الأزمة’."
وفي حالتي العقيد مخلوف واللواء مملوك, تم وضع الاثنين على اللائحة السوداء وفرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات عليهما تحضيراً لنقلهما إلى "محكمة الجنايات الدولية". لكن هذا لم يحرف السيدين المذكورين عن استمرارهما في مكافحة المنظمات الإرهابية التي يمولها الغرب لمقاتلة نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وتعمل هذه المنظمات بالتنسيق مع بعضها البعض حالياً على التخطيط لهجمات إرهابية وأمنية في العواصم الغربية, على الرغم من حقيقة أن عدداً من الضباط الأمنيين الغربيين والأردنيين قد أكدوا بشكل متكرر أن العقيد مخلوف قد حقق إنجازات أمنية كبيرة, وخاصة في مكافحة الإرهاب الدولي. إذ أدت جهوده إلى إنقاذ حياة العديد من الغربيين الذين تم استهدافهم في مدنهم وبلداتهم من قبل أصول القاعدة في سوريا الذين يديرون مركزاً للتخطيط. كما اعتقلَ العقيد مخلوف عدداً من الإرهابيين الكبار في دمشق اعترفوا بالتخطيط لعمليات تم إحباطها بسبب المعلومات التي قدمها السوريون للغرب عبر منظمات أمنية وسيطة في الشرق الأوسط. وعندما طلب الفرنسيون استئناف التعاون مع السوريين, تم رفض طلبهم مما دفع بالحكومة الفرنسية إلى التوقف عن القتال إلى جانب الإرهابيين في سوريا.
قال العميد محمود مطر – الذي شارك شخصياً أثناء الحرب الباردة في عملية أمنية لبنانية/غربية أدت إلى إحباط عملية للمخابرات الروسية (كي جي بي) لسرقة طائرة ميراج من لبنان إلى روسيا - ﻠ "آفريك آسي":
"من المؤسف أن التواجد الكثيف للعملاء الأمنيين الغربيين في سوريا يخدم هدفَ محاربة أعداء الإرهاب, وهذا خطأ كبير. لكنني أعتقد أن الغربَ سيراجع سياسته بشكل كامل في سوريا, وسوف يتم إحياء التعاون الأمني بين الغرب ونظام الرئيس بشار الأسد, بما أن الوضع الآن أسوأ بالنسبة إلى الغرب منه إلى سوريا."
إن هذا أحد المواضيع التي يقوم "المجتمع الاستخباراتي" الأمريكي بمراجعتها الآن. ونأمل أن واشنطن وبروكسل ستستمعان وتتصرفان بشكل مناسب. إذ يمكنهما بذلك تجنب دفع ثمن باهظ لسياستهما الراهنة الخاطئة.

http://www.counterpunch.org/2013/06/11/will-the-west-pay-a-high-price-for-targeting-syrian-regime/

تُرجم عن ("كاونتربنتش", 11 حزيران/يونيو 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...