البعث السوري إلى أين؟

16-12-2011

البعث السوري إلى أين؟

نحو خمسين عاماً، مرت على قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي للدولة والمجتمع في سورية، منذ ثورة 8 آذار 1963 وحتى اليوم، حافظ هذا الحزب على موقعه كحاكم رسمي شبه وحيد، الى أن جاءت الاحتجاجات المستمرة منذ تسعة أشهر، والتي انطلقت في بعض مفاصلها من رفضٍ لحكم البعث وسلطته، وتحديداً الخلل الذي اصاب الحزب على مرّ السنين في سياسة الاستنساب التي فرضت نفسها عليه، ما ادى الى تهميش شريحة واسعة من الشعب السوري، وهي انتقادات لا يتورع أهل البعث انفسهم عن تبنيها كالبعثي الطيب تيزيني مثلاً.
لمحة تاريخية
تعود نشأة حزب البعث إلى أوائل الأربعينيات على يد كل من ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار بعد عودتهما من دراستهما في جامعة السوربون في باريس إلى مدينتهم دمشق في عام 1933، بدأ هؤلاء بالتبشير بأفكارهم التي استقطبت حولها عددا من الشباب القومي المتحمس من طلبة المدارس والجامعات, ثم شكل عفلق والبيطار جماعة سياسية عرفت باسم حركة الإحياء العربي وأصدرت بيانها الأول عام 1941.
وقامت هذه الحركة بوضع المبادئ القومية التي تنادي بها موضع التطبيق وأسست ما عرف باسم حركة نصر العراق وذلك عقب إعلانها تأييد الانقلاب في العراق ضد الاحتلال البريطاني في 2 ايار عام 1941 بقيادة رشيد عالي الكيلاني, حيث انخرط في هذه الحركة عدد من الشبان, وفي عام 1943 أصبحت بيانات الحركة تحمل اسم حركة البعث العربي.
خاضت حركة البعث الانتخابات العامة في سورية عام 1943 للإعلان عن مبادئها على أوسع نطاق، ورشح ميشيل عفلق نفسه في بيان حمل أول وأقدم شعارات الحزب "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة".
في نهاية عام 1944 ومطلع عام 1945 بدأ قادة البعث يضعون لوائح العضوية وتبدلت كلمة حركة فأصبحت حزب البعث في الأدبيات اللاحقة, وفي تموز عام 1945 تقدم عفلق والبيطار بطلب رخصة لتكوين حزب سياسي وقد رفض الفرنسيون الطلب في حينه إلا انه أجيب بالموافقة بعد أن رحلوا, فيما اصدر الحزب صحيفة يومية ناطقة باسمه في تموز 1946 مازالت مستمرة حتى الآن.
عقد حزب البعث مؤتمره التأسيس في الفترة الواقعة بين 5 إلى 7 نيسان عام 1947 حيث حضر المؤتمر 247 من الشباب جاؤوا من سورية وبعض الشبان جاؤا من الأردن ولبنان والعراق, وقد تبنى المؤتمر التأسيسي دستور حزب البعث وانتخب المؤتمرون لجنة تنفيذية من 4 أشخاص تألفت من ميشيل عفلق عميدا للحزب وصلاح البيطار كأمين عام ووهيب الغانم وجلال السيد كعضوين.
في عام 1952 اندمج حزب البعث مع الحزب العربي الاشتراكي برئاسة أكرم الحوراني, أصبح اسمه "حزب البعث العربي الاشتراكي".
لعب الحزب دورا مهما في تحقيق الوحدة بين سورية ومصر, وقام بحل نفسه, وبعد الانفصال قام بإعادة تنظيم نفسه, ولعب البعثيون دورا مهما في الحياة السياسية السورية إلى حين تسلمهم السلطة في سورية في 8 آذار عام 1963.
الحزب هو السلطة؟
يمكن القول أن توجه حزب البعث العلماني أسس له شعبية وتقبل جماهيري واسع لدى أطياف المجتمع السوري ، ومن أقوى مواقف الحزب كان بيان نشرته صحيفة الأيام عام 1962, صادر عن القيادة القطرية لحزب البعث في سورية, تحت عنوان "بيان يصدره حزب البعث العربي الاشتراكي ينطوي على 10 مطالب يدعو الى تحقيقها فورا"، هذه المطالب جاءت ملبية لأحلام شريحة كبيرة من الشبان السوريين.
حيث استهل البيان بمقدمة تناولت نضال الحزب ضد الاستعمار وعن الصراع القائم بين السياسيتين الاستعماريتين البريطانية والأمريكية في الشرق لتحقق كل واحدة منها المكاسب التي تنشدها على حساب العرب.
وهاجم مجلس النواب السوري الأخير ووصفه بالرجعي والإقطاعي, كما أشار إلى الحكم المباحثي الإرهابي الذي فتت القوى الثورية في سورية.
كما تطرق البيان إلى سياسة حكومة بشير العظمة المشكلة بتاريخ 16 نيسان 1962 وقال انه لكي تستعيد هذه الحكومة بعض احترام الشعب وثقته, فانه يجب عليها ان تقلع عن التطلع خارج حدود سورية فالحكام في القاهرة وبغداد والرياض وعمان لا يريدون للمد الثوري في سورية ان يتخذ سيره الطبيعي خيفة ان يجتاز الحدود والسدود وان مصلحة الشعب في سورية تقتضي الابتعاد عن التصارع والخصومات العربية والغربية والانصراف الجدي لتطبيق عدد من الخطوات الايجابية.
وشملت تلك الخطوات إلغاء حالة الطوارئ فورا، إعادة الحريات السياسية والنقابية والسماح بعودة الأحزاب السياسية, حل اتحاد نقابات العمال ومجالس النقابات المباحثية فورا, وتشكيل لجان نقابية حيادية للإشراف على الانتخابات، إعادة العمال المسرحين إلى أعمالهم, وإعادة الموظفين المسرحين ظلما إلى وظائفهم.
أيضاً تضمنت مطالب حزب البعث تطهير أجهزة الدولة من المباحثين والمرتكبين وإعادة الحصانة لموظفي الدولة وإعادة الثقة للمواطنين بأنفسهم وبأمتهم بحل الأجهزة المباحثية وكشف عناصرها لان التستر عليها يعادل الخيانات التي ارتكبوها ومحاكمة أفرادها المجرمين بحق الشعب.
مطالب أخرى ذكرها البيان مثل تعديل قانون الانتخابات بحيث يضمن الشعب لنفسه تمثيلا صحيحا بعيدا عن تسلط الرجعية والرأسمالية والإقطاع والتخلص من جميع التعديلات التشريعية التي أدخلت على قانون الانتخاب والتي تضمن بقاء الرجعيين في السلطة، وتطبيق قانون الإصلاح الزراعي تطبيقا صحيحا وبروح جدية, وتحديد موعد للانتخابات.
ودعا البيان حكومة العظمة إلى التخلي عن حكم البلاد إذا كانت غير قادرة على أن تحقق للشعب مطالبه الملحة. كما تطرق البيان إلى الانقلابات العسكرية التي وقعت منذ عام 1949, وانتهى بالقول إلى ضرورة ابتعاد الجيش عن السياسة ليبقى أمينا لحدود الوطن.
يمكن القول أن الحزب جسد من خلال هذه الأهداف التى نادى بها حلم ملايين من الشباب السوري والعربي لمفارقة الاقدار فإن الحزب الطليعي الذي كان احد اكبر الاحزاب العربية من المحيط الى الخليج وكفل لنفسه بتقدميته الترحيب قي عقول المواطنين وقلوبهم، الحزب نفسه بعد تسع واربعين عاما من حكمه لسورية تحول اليوم الى نقيض ما نادى به فكيف إذاً اليوم أصبح إسقاطه المطلب الملح لكثير من أبناء سورية ؟
التهم والانتقادات التي قتلت الحزب:
عضو حزب البعث بسام أبو عبد الله، رأى أن حزب البعث حركة وقوة أساسية في الحياة السياسية السورية تعود للأربعينيات لكن وجود الحزب فترة طويلة في السلطة وعدم وجود أحزاب أخرى فاعلة تنافسه أصابه بترهل في بعض مفاصله .
وتابع "هناك الكثير من القيادات التي تسلقت حزب البعث لغايات شخصية ومصالح منفعية على حساب القضايا الوطنية، هذا الأمر جعله يتحول إلى حاضن لعدد كبير من البشر ولكنها ليست كلها مؤمنة بأهداف البعث ".
كما أوضح "أن المنافسة قد تساعده أكثر في أن يقدم كوادر أفضل وشخصيات أنزه وأن يستمر في تقديم مساهماته في الحياة السياسية"، مشيراً إلى أن إساءة قيادات وشخصيات في حزب البعث لا يعني أن هناك خطأ في الفكر وأن الحزب سيء و يجب إزالته، هذه فرصة لحزب البعث حتى ينظف نفسه أكثر ويقدم نفسه أفضل.
وكان المعارض رضوان زيادة قد كتب في وقت سابق حول البعث قائلاً:
لقد تحول الحزب إلى مؤسسة بيروقراطية حكومية وهو للمفارقة ما أعاق مؤسسته وما أفقده قيادته العقائدية والسياسية بالرغم من وجوده في الحكم منذ عام 1963، فقد جرى المزج بين دوره كحزب سياسي وبين السلطة".
وتابع: "كلا المفهومين أدمجا في مؤسسات الدولة التي يجب اعتبارها شيء منفصل تماماً عن مفهومي الحزب والسلطة، اللتان تخضعان للتغير الدوري بحسب الانتخابات التي تمنح الثقة لحزب ما لاستلام السلطة خلال فترة محدودة من الزمن، لكن الخلط بين هذه المفاهيم التي بدأت من الدستور السوري الذي حدد دور حزب سياسي كقائد للدولة والمجتمع ثم دمج بين ميزانيته وميزانية الحكومة، حتى أن تمويل الحزب ذاته يأتي معظمه من الموارد المالية الحكومية".
محمد عثمان شاب سوري من منطقة القابون وبعثي سابق، رأى أن ما سبب انحدار حزب البعث هو التنسيب غير المدروس والذي اتكل على الكم بغض النظر عن النوع، بما معناه لم يتسع الحزب لكي يضم في صفوفه نخبة الشباب السوري وإنما انتسب اليه "كل ما هب ودب" من هذا الشعب.
فاتنة حسونة، طالبة دراسات ، رأت أن أهداف الحزب الوحدة والحرية والاشتراكية، لم تكن سوى أهداف تنظيرية ولا تمت للواقع بصلة، وهي مجرد شعارات لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الجماهير، حتى أن هذه الأهداف لم تعد هي نفسها ما يريده الشعب السوري الآن، نحن كمواطنين سوريين لا نريد الوحدة مع الأقطار العربية وخاصة بعد ما شهدته سوريا من طعن في الظهر من أشقائها العرب وهي قلب العروبة النابض".
سمير توتنجي، ناشط حقوقي، رأى أن أهداف الحزب وشعاراته من أسس كمال المجتمع السوري في حال طبقت بالشكل الأمثل، ألا أن ما يدور ميدانياً لا ينبئ بهذا الشيء .
وتابع: الحزب يحتاج لإعادة هيكلية من أصغر نقطة وهي الفئة الحزبية حتى القيادة العليا للحزب، حتى يستطيع أن يضاهي الأحزاب الأخرى التي ستلعب دورها في المستقبل القريب، وحتى يعود ألقه الذي عاشه خلال الحقبة الماضية".

سهى شوفان

                                                                                                                                              عربي برس

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...