تهافت دولي على قطف ثمار «التسوية النووية»

20-07-2015

تهافت دولي على قطف ثمار «التسوية النووية»

برغم عدم اكتمال الخطوات التنفيذية للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، فإنّ أطرافاً عدّة بدأت تعد العدة لحصاد بعض ثمار تسوية فيينا.
ويبدو أن ألمانيا، الشريكة في المفاوضات النووية، قررت أن تكون السبّاقة إلى البيدر الإيراني، حيث أرسلت وزير اقتصادها إلى طهران، على رأس وفد من رجال الأعمال، لاستكشاف مدى التعاون مع الجمهورية الإسلامية بعد رفع العقوبات الدولية، في وقت تترقب روسيا، التي تتشارك وإيران في عضوية منظمات إقليمية ودولية عدّة طموحات الدول الغربية المنافسة، وتتطلع إلى الحصول على حصة الأسد، بالنظر إلى دورها المساند لإيران طوال السنوات الماضية.
وفي وقت يستعد الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ أولى الإجراءات الشكلية للمصادقة على الاتفاق النووي، استعادت إيران والولايات المتحدة خطاب ما قبل ليالي فيينا التفاوضية، حيث اعتبر البيت الأبيض الذي يسعى لتمرير الاتفاق النووي في الكونغرس، أن كل الخيارات ما زالت مطروحة على الطاولة، بما في ذلك العمل العسكري، في حال أخلت طهران بالتسوية النووية، فيما استبعد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي، أي تغيير في سياسة إيران إزاء «الغطرسة» الأميركية، مؤكداً استمرار الدعم لشعوب فلسطين واليمن والبحرين وسوريا ولبنان، وذلك في كلمة ألقاها لمناسبة عيد الفطر في ساحة الإمام الخميني في وسط طهران، تخللتها هتافات تقليدية مثل «الموت لأميركا» و«الموت لإسرائيل».

 ومن المتوقع أن تنطلق الإجراءات التطبيقية للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، حيث يعقد قادة الاتحاد الأوروبي اجتماعاً لهذا الغرض اليوم، فيما ينتظر أن يصادق مجلس الأمن الدولي على الاتفاق في وقت لاحق من الأسبوع الحالي، مع الإشارة إلى أن مصادر ديبلوماسية في نيويورك توقعت أن يعقد الاجتماع الدولي اليوم.
إلى ذلك، تسلّم الكونغرس الأميركي، أمس، نسخة من الاتفاق النووي.
وأمام الكونغرس 60 يوماً لمراجعة الاتفاق، ابتداءً من 20 تموز (اليوم)، وفقاً لما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية. وبعد 60 يوماً من المراجعة، سيتخذ المشرّعون قراراً بشأن الاتفاق النووي، وتضاف 22 يوما أخرى يمكن للرئيس باراك أوباما فيها استخدام حقه في نقض قرار الكونغرس، الذي يمكنه تجاوز هذا الإجراء، في حال تمكن من حشد غالبية الثلثين ضد الاتفاق. وخلال الفترة كلها لا يستطيع أوباما تخفيف العقوبات التي فرضها الكونغرس على إيران.
ودافع وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الطاقة إيرنست مونيز، في خمسة لقاءات تلفزيونية مسجلة يوم أمس، عن الاتفاق النووي، الذي قضيا فيه سنوات وهما يناقشانه بوصفه أفضل أمل للوصول إلى سلام، وباعتباره وسيلة قابلة للاختبار لضمان ألا تحصل إيران على قنبلة نووية.
وقال كيري لشبكة «سي إن إن» إنه إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق فلن تكون هناك عمليات تفتيش للمنشآت الإيرانية ولن تكون واشنطن قادرة على التفاوض، لافتاً إلى أن «الخوف الأكبر بشأن منطقة الشرق الأوسط ينبغي أن يكون من عدم وجود الاتفاق».
وفي ما بدا محاولة لطمأنة المتشككين، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست إن الاتفاق النووي مع إيران سيعزز الخيارات العسكرية المحتملة للولايات المتحدة إذا انتهكت إيران الاتفاق. وأضاف أن الاتفاق سيوفر للولايات المتحدة رؤية أشمل لأنشطة إيران.
وكان أوباما رد على منتقدي التسوية النووية، قائلا إنه من دون الاتفاق «نواجه خطر اندلاع حرب جديدة في المنطقة الأكثر حساسية في العالم». وأضاف: «سنفرض رقابة متواصلة على المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية... واذا انتهكت إيران الاتفاق، فإن العقوبات التي فرضناها وأدت إلى شلل الاقتصاد الإيراني وجعلت من الممكن التوصل إلى هذا الاتفاق... سيعاد فرضها فوراً».

 في هذا الوقت، أكد السيد علي خامنئي أن الاتفاق النووي مع القوى العالمية لا يشير إلى أي تحول أكبر في علاقات إيران مع واشنطن أو بشأن سياساتها في الشرق الأوسط.
وبدد خامنئي، خلال خطبة عيد الفطر في طهران أمس الأول، كل التكهنات بأن الاتفاق سيؤدي إلى تقارب أوسع مع الولايات المتحدة.
وأوضح «قلنا مرارا إننا لا نتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن الشؤون الإقليمية أو الدولية ولا حتى القضايا الثنائية... هناك بعض الاستثناءات مثل البرنامج النووي الذي تفاوضنا عليه مع الأميركيين لخدمة مصالحنا».
وعلى وقع هتافات «الموت لأميركا» و «الموت لإسرائيل»، قال خامنئي إن سياسات الولايات المتحدة في المنطقة تختلف «180 درجة» مع سياسات إيران.
وشدد خامنئي على أن الجمهورية الإسلامية «لن تتخلى عن دعم أصدقائها في المنطقة، والشعبَين المضطهدَين في فلسطين واليمن، والشعبَين والحكومتَين في سوريا والعراق، والشعب المضطهد في البحرين والمقاتلين الأبرار في المقاومة في لبنان وفلسطين، مؤكداً أنه «حتى بعد هذا الاتفاق، لن تتغير سياستنا تجاه الولايات المتحدة المتغطرسة».
وقال إن شعارات «الموت لأميركا» و «الموت لإسرائيل» التي تم ترديدها في تظاهرات في إيران الأسبوع الماضي لدعم القضية الفلسطينية أظهرت ما يفكر فيه الإيرانيون.
وأثنى خامنئي، في وقت لاحق، على المفاوضين الإيرانيين الذين درسوا الاتفاق في محادثات ماراثونية في فيينا. ونقل الموقع الإلكتروني الرسمي لخامنئي عنه قوله في اجتماعات مع مسؤولين إيرانيين كبار وسفراء دول إسلامية «رأينا كذب الأميركيين مراراً وتكراراً خلال المحادثات النووية، لكن لحسن الحظ، فإنّ مسؤولينا ردّوا على ذلك، وكانت لهم في بعض الحالات ردود فعل ثورية».
من جهته، تحدّث الرئيس الإيراني حسن روحاني بلهجة أكثر توافقية، إذ قال، بعد اتصال هاتفي مع أمير قطر تميم بن حمد، الاتفاق النووي سيحسن علاقات إيران مع جيرانها. وكتب روحاني عبر حسابه على موقع «تويتر»: «ما من شك في أن الاتفاق سيقود إلى علاقات أوثق مع الجيران خاصة قطر».
ومن المقرر أن يقوم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بزيارات ديبلوماسية لدول عربية بعد انتهاء عطلة عيد الفطر.
وفي كلمة وجهها إلى الدول الإسلامية، كرر ظريف موقف روحاني قائلا: «حل الأزمة المصطنعة للبرنامج النووي ديبلوماسيا يعني فرصة جديدة للتعاون الإقليمي والدولي».

 إلى ذلك، واصل الإسرائيليون التحريض على الاتفاق النووي. وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في تصريح لشبكة «ايه بي سي»، متوجهاً إلى الأميركيين: «لا تبرموا هذا الاتفاق السيئ.. اصمدوا من أجل اتفاق أفضل».
وتطرّق نتنياهو، في كلمة ألقاها خلال الاجتماع الأسبوعي لحكومته، إلى المواقف التي أطلقها خامنئي في خطبة عيد الفطر، قائلاً: «لو اعتقد أحد أن التنازلات الهائلة التي قدمت لإيران ستأتي بتغيير في سياستها (هؤلاء)، جاءتهم إجابة حاسمة مطلع الأسبوع في الخطاب العدواني والمستفز لحاكم إيران خامنئي».
واضاف: «لم يبذل الإيرانيون أي جهد لإخفاء حقيقة أنهم سوف يستخدمون مئات المليارات من الدولارات التي سيحصلون عليها في هذا الاتفاق في تسليح آلة الإرهاب لديهم. وهم يقولون بوضوح إنهم سيواصلون معركتهم ضد الولايات المتحدة وحلفائها وعلى رأسهم إسرائيل».

 ووصل وزير الاقتصاد الألماني زيغمار غابرييل مع وفد اقتصادي، يوم أمس، إلى طهران ليصبح أول سياسي غربي كبير يزور إيران بعد التوصل إلى اتفاق نووي مع القوى العالمية.
وبسفره إلى طهران مع وفد من ممثلي مجموعة صناعية ومسؤولي شركات، يرسل غابرييل إشارة قوية إلى أن ألمانيا تريد إعادة بناء العلاقات الاقتصادية والسياسية بسرعة مع إيران، بعد مواجهة استمرت 12 عاما بشأن برنامج طهران النووي.
وقال غابرييل، قبل أن يبدأ زيارته لطهران: إن «الاتفاق الذي تم التوصل إليه في فيينا وضع الأساس لتطبيع العلاقات الاقتصادية مع إيران».
وسيجري غابرييل، الذي يتولى أيضاً منصب نائب المستشارة الألمانية، محادثات مع الرئيس الإيراني حسن روحاني والعديد من الوزراء أثناء زيارته التي تستغرق ثلاثة أيام.
وقال غابرييل لصحيفة «بيلد» إنه سيستخدم هذه الزيارة ليقترح أن تكون ألمانيا وسيطا بين إيران وإسرائيل، مشيراً إلى أنه سيؤكد أمام المسؤولين الإيرانيين على ضرورة الاعتراف «بحق إسرائيل في الوجود».
وأشار غابرييل إلى أن الاتفاق النووي خطوة أولى نحو تطبيع العلاقات مع إيران، ولكن يجب القيام بمزيد من الخطوات من حيث دور الجمهورية الإسلامية في الصراعات في الشرق الأوسط، وبخاصة العلاقات مع إسرائيل، لافتاً إلى أن «ألمانيا يمكنها وتريد أن تقدم نفسها كوسيط في هذا».
من جهته، وصف رئيس الغرفتين التجارية والصناعية الألمانية إيرك شفيتزر، الذي يرافق غابريال، الزيارة بأنها «إشارة مشجعة» للشركات التي خسرت مكانها في إيران لحساب الشركات الصينية والكورية الجنوبية بعد أن حظر عليها القيام بأية تعاملات تجارية مع إيران الغنية بالموارد الطبيعية بسبب العقوبات الغربية. ودعا شفيتزر إلى منح الشركات الألمانية حماية قانونية لاستثماراتها المستقبلية في إيران في حال انتهكت طهران شروط الاتفاق النووي وأعيد فرض العقوبات الاقتصادية عليها.
وتاريخيا، فإن ايران وألمانيا شريكتان تجاريتان مقربتان، إلا أن التعاملات التجارية بينهما تراجعت بشكل كبير بسبب العقوبات حيث سجلت العام الماضي 2.4 مليار يورو مقابل نحو ثمانية مليارات يورو في العامين 2003-2004، طبقا للأرقام الألمانية.
وأكد شفيتزر أن التجارة الثنائية بين البلدين يمكن أن تتضاعف أربع مرات خلال العامين أو الثلاثة المقبلة بحيث تصل إلى نحو 10 مليارات يورو.

 ويبدو أن مرحلة ما بعد رفع العقوبات ستشهد تنافساً كبيراً بين الدول الكبرى على قطف الثمار الاقتصادية للاتفاق النووي.
وفي مقابل التحرك الألماني السريع، فإن الاتفاق النووي يشكل دفعاً ديبلوماسياً لروسيا، سيساهم في تنشيط المبادلات التجارية مع طهران، غير أنه قد يشكل ضغطا على عائدات الطاقة التي يحتاج إليها الاقتصاد الروسي.
وحين ترفع العقوبات الدولية، فإن روسيا ستكون على الأرجح في طليعة الذين سيوقعون مع إيران عقودا تنطوي على أرباح طائلة في قطاعات أساسية مثل الطاقة والمواصلات.
وقال أندري باكليتسكي، مدير برنامج منع انتشار الأسلحة النووية في «مركز روسيا للدراسات السياسية» إن طهران «ستحتاج إلى أن تأتي شركات أجنبية وتستثمر في البلاد. والشركات الروسية مثل شركة الخطوط الجوية الروسية ولوكويل (النفطية) تتطلع إلى المشاركة في ذلك».
وقال سيريغيشيف: «ستكون هناك منافسة ضارية على قطاع صناعة الطاقة في إيران، ولاحقا على قطاع صناعة الأسلحة»، مضيفا: «أعتقد أن روسيا ستركز أكثر على قطاع الطاقة بسبب خبرتها الدولية الواسعة في هذا المجال».

 وفي مقابل الحماسة الدولية لقطف ثمار الاتفاق النووي، فإن تحرّر إيران من العقوبات الدولية بدأ يثير هواجس اقتصادية للدول المصدّرة للنفط.
ويرى محللون أن عودة النفط الإيراني إلى الأسواق يمكن أن تتسبب في توترات جديدة داخل منظمة الدول المصدرة «أوبك».
ويرتقب أن تصل صادرات النفط الإيراني إلى 2.4 مليون برميل يوميا في العام 2016، مقارنة مع 1,6 مليون برميل يومياً في العام 2014.
وتدرك «أوبك»، التي تضخ دولها بما فيها إيران نحو ثلث النفط العالمي، أن النفط الإيراني قد يزيد من التخمة العالمية في الأسواق بما سيؤدي إلى انخفاض الأسعار.
وقد تدعو الدول الأفقر في «أوبك» (أنغولا والجزائر وفنزويلا) إلى خفض الإنتاج لدعم الأسعار. أما الدول الخليجية الأغنى التي تقودها السعودية، فستبقى حريصة على حماية حصة المنظمة في سوق النفط، وإبعاد منتجي النفط الصخري الأميركي العالي التكلفة من خلال الحفاظ على مستويات منخفضة للأسعار.
وتقول لويز هيتل من شركة «وود ماكينزي» الاستشارية: «من الواضح أن هناك انقساما بين دول أوبك حول هذه السياسة الجديدة الهادفة إلى الحفاظ على حصة المنظمة في السوق». وتضيف: «لذلك فإن الاجتماع المقبل للمنظمة قد يسوده التوتر، وقد يجري الضغط لعقد اجتماع طارئ حتى قبل كانون الأول» المقبل.

المصدر: وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...